عبد المجيد حبة… العالم الموسوعي الذي عرفته عن قرب

مقدمة: فخر المغير ورمز من رموز الجزائر

من حق الجزائر أن تفتخر، ومن حق المغير أن تعتز بأبنائها البررة. ومن هؤلاء الشيوخ: العالم، المؤرخ، النساب، الفقيه، الأديب، الشاعر، الثائر. إن الحديث عن الشيخ عبد المجيد بن محمد بن علي حبة السلمي العقبي المغيري، لا يمكن أن يكون بارداً أو تقريرياً، بل هو استدعاء لصفحات من النور، وعطر من الذكرى، وتجربة عشتها وطبعت وجداني.

في رحاب العالم الجليل

لقد سعدتُ، كما سعد به كل أبناء بلدتي الطيبة، بالجلوس بين يدي شيخي ومعلمي في بيته. غرفة صغيرة بسيطة، تتزين بفرش متواضع، ومكتبة عنيفة – كما كنت أصفها – تضم نوادر الكتب ومخطوطاتٍ لم أرَ مثلها من قبل. ما إن تجلس حتى تنال من كرمه: يكرمك بكعكات طيبات، وبكلمةٍ دافئة تبقى فيك.

كان الشيخ، رغم عمره المتقدم، يحضر بهمة شاب في مقتبل العمر. يفيض وجهه طمأنينة، وحديثه حكمة، وضحكاته روح دعابة. يسيح بك في عالم الأنساب، والتاريخ، والأدب، والسياسة والفكر، ولا تزال تدهشني سعة معرفته وحضوره المذهل.

الشيخ والمريدون… جلسات علم ومحبة

كنتُ، كغيري من شباب المغير، أحرص على زيارته والاستفادة من علمه، شأن كثير من زوار الشيخ من الزاب وأولاد جلال الذين حفظوا له التقدير والتبجيل، وهو بالمثل كان يبادلهم المحبة والاحترام.

وكانت له علاقات واسعة مع العلماء والمشايخ، أذكر منها مجالسه مع الإمام الشيخ محمد بن ضويو، إمام المسجد العتيق بمدينة جامعة. كنت أرافقه أحيانًا كطالب، لأتشرف بالجلوس في تلك المجالس العامرة.

من طرائف الشيخ وكرمه العلمي

من اللطائف التي لم تغب عني، أن الشيخ عبد المجيد كان يُعير كتبه بسخاء دون أن يكلّف نفسه عناء استرجاعها، رغم ندرة بعضها، في دلالة على كرمه ومحبة العلم.

وكان يجالس طلابه كأقران، يربطهم بأنسابهم، ويناديهم بأسمائهم، مما يزرع الثقة ويقوي روح التعلّم والنقاش.

ورغم فصاحته، كان يشرح باللهجة الدارجة إذا اقتضى الحال لتقريب المعنى، كأن يقول:

"هذا الكلام ثقيل شوي، خلونا نخففه بذكر مثال من الواقع."

وكان يربّي باللطف قبل الحرف، فإذا رأى زائرًا مهمومًا، قطع الدرس ليمازحه ويسأله عن حاله.

وكان يردد مقولته الجميلة عند الخلاف:

"نِعمَ الخلافُ إذا زادنا بحثًا ولم يُنقص من مودّتنا."

ترجمة موثقة لحياة الشيخ عبد المجيد حبة

  • الولادة والنشأة
    ولد سنة 1329هـ/1911م في بلدة سيدي عقبة – ولاية بسكرة. تلقى تعليمه على يد كبار علماء البلد، أبرزهم:
    • العلامة البشير بن الصادق العبد رحماني
    • الشيخ محمد بن منصور
    • الأستاذ الصادق بن الهادي
    • مسيرته العلمية والدينية
      تولى الإمامة والتدريس في جامع عقبة بن نافع من عام 1940 إلى 1952، وشرح فيه القرآن كاملاً. ثم انتقل سنة 1951 إلى بلدة المغير، حيث واصل رسالته.
    • مواقفه الوطنية
      شارك في مقاومة الاستعمار الفرنسي، واضطر عام 1957 متجها  إلى بادية أولاد جلال، ثم إلى العاصمة باسم مستعار، حتى نيل الاستقلال.

شهادات في حقه

الشاعر محمد العيد خليفة:
“وإني أشهد أنه عالم عامل مصلح… فهو جدير بأن يعتبر من الأساتذة الأكفاء علمًا وعملاً وإصلاحًا.”

الأستاذ أحمد بن السايح:
“فهو مؤرخ مع المؤرخين، وأصولي نظار يُستفتى في النوازل، وصاحب باع واسع في علم التفسير.”

آثاره المخطوطة والمطبوعة

  1. عقبة بن نافع القائد المظفر (رسالة شعرية ونثرية)
  2. قيد الأوابد من حياة خالد (إثبات نبوة خالد بن سنان)
  3. تذكرة أولي الألباب بتاريخ بسكرة والزاب
  4. مسرحية عقبة بن نافع (نثرية)
  5. علماء منطقة الزيبان (محاضرة مطبوعة)
  6. ديوان شعر (جمعه فوزي مصمودي)
  7. تخريج إحياء علوم الدين للحافظ العراقي (ثلاثة أجزاء)
  8. كلمات وجيزة على الأرجوزة: حصول الرغبة في رفع النسبة
  9. القصاصة في صحابة الخلاصة
  10. إسعاف السائل برؤوس المسائل
  11. الإعلام بما اتفق عليه الستة الأعلام
  12. الهمة فيما ورد في العمة
  13. قصة الاشتراكية (نقد الفكر الاشتراكي)

نشاطه الإعلامي

رغم غزارة إنتاجه، لم ينشغل الشيخ بالنشر. واقتصر على مقالتين فقط:

  • عن عقبة بن نافع– مجلة "لمحات" (1968)
  • عن خليفة بن حسن القماري– يومية النصر (1985)

كما كتب الأستاذ أحمد بن السايح دراسة وافية عنه بعنوان:
"عبد المجيد بن حبة: هذا العلامة المغمور" – جريدة الشعب (1990)

وفاته

توفي الشيخ عبد المجيد حبة يوم 21 ربيع الأول 1413هـ، الموافق لـ 19 سبتمبر 1992م، في بلدة المغير، ودفن فيها. وقد شهدت جنازته حضورًا مهيبًا لم تعرف له المدينة مثيلاً.

المراجع

  1. عبد الحليم صيد – الشيخ العلامة عبد المجيد حبة، مجلة التضامن، العدد 8، 1992
  2. أحمد بن السايح – عبد المجيد بن حبة هذا العلامة المغمور، جريدة الشعب، 1990
  3. الأخضر رحموني – العلامة عبد المجيد حبة كاتب مسرحيات أيضًا، الشروق، 2002
  4. ديوان عبد المجيد حبة – جمعية أضواء، بسكرة، 1997
  5. معجم البابطين لشعراء العربية
  6. المجلة الورتيلانية – عدد خاص، مارس 2012
  7. مقابلات شخصية أجراها الكاتب

كلمة ختامية

رحم الله شيخنا الجليل، وجزاه عن العلم والدين خير الجزاء. ترك فينا بصمة لا تمحى، وجعل من حياته مدرسة مفتوحة للعلم والتواضع.

وسوم: العدد 1127