حياة المجاهدة زينب الغزالي في كتاب

مبارك عبدالله

كتاب جديد يتناول مسيرة الداعية الإسلامية الكبيرة السيدة زينب الغزالي، صدر مؤخراً للكاتب الصحفي بدر محمد بدر، بعنوان "سطور من حياة الداعية زينب الغزالي"، يتحدث فيه عن جوانب كثيرة من رحلة حياة المجاهدة الصابرة (1917 - 2005م) منذ نشأتها في قرية "ميت يعيش"، مركز ميت غمر، محافظة الدقهلية (80 كم شمالي القاهرة) لأسرة عريقة، حيث يعمل الوالد "محمد الغزالي الجبيلي" تاجراً للقطن رغم دراسته بالأزهر الشريف، وتتفرغ الأم لتربية الأبناء.

ويتحدث المؤلف، الذي عمل مستشاراً إعلامياً لها لأكثر من عشرين عاماً، عن الرؤيا التي رآها والدها، بأن لها شأناً عظيماً في الدعوة إلى الله تعالى، وكيف رباها على حب الإسلام والدفاع عنه.

وزادت هذه الرؤيا من تعلق الأب بابنته الصغيرة، ومن إحساسه بأنها ستكون ذات شأن عظيم، فأصبح يناديها باسم "السيدة زينب"، ويقول لها: أنت تشبهين نسيبة بنت كعب المازنية، الصحابية الجليلة التي أبلت بلاء حسناً في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم "أُحد"، وكان الأب يعطيها سيفاً خشبياً، ويقول لها: هيا دافعي عن رسول الله، فتتخيل الطفلة أنها في حرب ضد الكفار والمشركين، وتنطلق تضرب يمنة ويسرة لتقتل أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبعد وفاة الوالد في سن مبكرة، انتقلت الأسرة إلى القاهرة، واتصلت زينب بالاتحاد النسائي المصري، وأعجبت بها رئيسة الاتحاد هدى شعراوي، ورشحتها عضوة في مجلس الإدارة، وبعد فترة قصيرة انسحبت "زينب" منه، وأنشأت جمعية "السيدات المسلمات" لتكون إسلامية خالصة، وانطلقت في أنحاء القطر المصري وهي في أوائل العشرينيات من عمرها تلقي المحاضرات في المساجد وبخاصة مساجد: الأزهر، والحسين، والإمام الشافعي، والسلطان حسن، وأحمد بن طولون.

واتصل بها الإمام الشهيد حسن البنا، ولم تنجح محاولاته في بادئ الأمر في إقناعها بالعمل مع الإخوان المسلمين، وتولي مسؤولية قسم الأخوات المسلمات، لكنها رحبت في الوقت نفسه بالتعاون مع الإخوان في الدعوة إلى الله تعالى.

وقبل نهاية عام 1948م بايعت زينب الإمام الشهيد حسن البنا على العمل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله في إطار دعوة الإخوان المسلمين.. ولم تمضِ بضعة أشهر حتى استشهد حسن البنا في 12 من فبراير عام 1949م، لتبدأ مرحلة جديدة من حياة الداعية زينب الغزالي في علاقتها بالإخوان المسلمين.

وفي عام 1954م، كانت محنة الإخوان المسلمين شديدة وقاسية، وكان واضحاً أن النظام السياسي الجديد برئاسة "جمال عبد الناصر" يريد إنهاء وجود الإخوان تماماً من خلال أحكام الإعدام والسجن والاعتقال، وبالتالي تشريد الأسر وتمزيق البيوت وضياع الأبناء وهدم البناء الاجتماعي كله.

وعاشت زينب الغزالي آلام المحنة التي ألمت بالإخوان وأسرهم، بعد اتهامهم بالعمل على قلب نظام الحكم، ومحاولة اغتيال "عبد الناصر" في ميدان "المنشية" بالإسكندرية، وفكرت في الدور المطلوب منها للمساهمة في تخفيف آثار هذه المحنة على الجماعة.

تقول الداعية: "وفي عام 1955م، رأيت نفسي مجندة لخدمة الدعوة الإسلامية بغير دعوة من أحد، فقد كانت صرخات اليتامى الذين فقدوا آباءهم بالتعذيب، ودموع النساء اللاتي ترملن وأزواجهن خلف القضبان، والآباء والأمهات من الشيوخ الذين فقدوا فلذات أكبادهم.. كانت هذه الصرخات والدموع تنفذ إلى أعماقي، ووجدت نفسي وكأني من المسؤولين عن آلام الجياع وجراح المعذبين، وأخذت أقدم القليل". ثم شاركت بعد ذلك في العمل على إعادة بناء تنظيم الإخوان المسلمين من جديد، وقبض عليها نظام "عبد الناصر" في عام 1965م وقدمها للمحاكمة، وتم الحكم عليها بالأشغال الشاقة 25 عاماً، وهو ما أرَّخت له في كتابها الشهير "أيام من حياتي"، الذي تمت ترجمته إلى عشرات اللغات.

ثم خرجت من السجن في منتصف عام 1971م لتواصل مسيرتها الدعوية، فألقت عشرات المحاضرات في الندوات والمؤتمرات، وأجرت مئات الحوارات الصحفية والتلفازية، وكتبت آلاف المقالات، وصدر لها أول تفسير للقرآن الكريم في التاريخ تكتبه امرأة، إضافة إلى حوالي عشرة مؤلفات في الدعوة والعقيدة والمشكلات الاجتماعية والتربوية، حتى لقيت ربها مساء الأربعاء 28 من جمادى الآخرة 1426هـ، الثالث من أغسطس عام 2005م..

يرحمها الله تعالى رحمة واسعة.