الجنرال شارل ديغول

محمد فاروق الإمام

بطل تحرير فرنسا

محمد فاروق الإمام

[email protected]

شارل ديغول عسكري وسياسي فرنسي. قاد بلاده في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء، وبعد انتهاء الحرب انتخب رئيسا للبلاد.

ولد شارل ديغول في 22 تشرين الثاني عام 1890م في مدينة ليل الفرنسية، لأسرة كاثوليكية محافظة.

والده هنري ديغول معلم للتاريخ والأدب.

اختار ديغول العسكرية طريقا له، فدخل كلية سان سير العسكرية وتخرج وهو في الثانية والعشرين ضابطا منها عام 1912م.

شارك في الحرب العالمية الأولى وجرح أثناء الحرب عام 1914م، كان رئيسه المباشر في الحرب الجنرال فيليب بيتان الذي أصبح في الحرب العالمية الثانية عدوه الأول بسبب تحالف بيتان مع الألمان.

أسره الألمان عام 1916م وظل في الأسر سنتان ونصف، أي حتى انتهاء الحرب وتوقيع هدنة بين فرنسا وألمانيا. يقال إنه حاول الهرب من الأسر خمس مرات ولكنه فشل بسبب طول قامته، فقد كان الحراس يميزونه بسهولة ويكتشفون محاولاته.

لما اندلعت الحرب العالمية الثانية كان ديغول عقيداً في الجيش الفرنسي وقائداً لسرية مدفعية، لكن قادته رفعوا رتبته استثنائيا إلى جنرال، وكلفوه قيادة أكبر فرقة عسكرية في الجيش، وأوكلوا له مهمة صد الهجوم الألماني على باريس بعد انهيار خط ماجينو الدفاعي.

فشل ديغول في صد الهجوم الألماني الساحق، لكن ما أظهره من شجاعة في ميدان القتال عين وزيراً في الحكومة الفرنسية، رفض ديغول معاهدة الهدنة مع الألمان الذين اجتاحوا فرنسا كما رفض الاستسلام، وغادر فرنسا سراً عندما تولى الماريشال بيتان السلطة.

سافر ديغول إلى بريطانيا وقابل رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ، وأعلن انضمامه للحلفاء في مواجهة ألمانيا النازية رغم توقيع حكومة بلاده اتفاقا مع الزعيم الألماني أودولف هتلر.

عرفه الفرنسيون زعيما في 18 حزيران عام 1940م عندما وجه نداءه الشهير لهم قائلا "أيها الفرنسيون لقد خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب وسوف نناضل حتى نحرر بلدنا الحبيب من نير الاحتلال الجاثم على صدره".

ومن لندن شكل ديغول حكومة فرنسا الحرة المتحالفة مع الحلفاء في مواجهة حكومة الماريشال بيتان التي تحالفت مع الألمان واتخذت من مدينة فيشي مقرا لها.

وهكذا أصبح لفرنسا حكومتان واحدة تحت سلطة المحتل في فيشي بقيادة بيتان، والأخرى في أحضان الإنجليز عدو فرنسا اللدود سنوات عدة، وفي ظل الحكومتان انقسمت فرنسا على ذاتها قسم مع الماريشال بيتان والآخر مع الجنرال ديغول.

وقد عقدت حكومة فيشي محاكمة غيابية لديغول بتهمة الخيانة العظمى وأصدرت عليه حكماً بالإعدام. ورد ديغول الصاع صاعين لبيتان عندما عاد منتصرا مع جيوش الحلفاء بعد أربع سنوات فقد اتهم بيتان بالخيانة العظمى وحكم عليه بالإعدام، لكن الحكم لم ينفذ لكبر سن المتهم والذي كان قد تجاوز التسعين من عمره وقتها.

أثناء الحرب اتفق ديغول مع تشرشل على أن تدفع بريطانيا ميزانية حكومة ديغول في المنفى وأعمال مقاومتها في فرنسا واشترط ديغول أن تكون تلك المبالغ على سبيل الدين لا على سبيل الهبة كيلا يدفع ثمنا سياسيا مقابلها.

وبينما تعامل الحلفاء مع فرنسا الديغولية باعتبارها تمثل نصف الفرنسيين، وأنها ليست أكثر من دولة مهزومة، كان ديغول مسكوناً بتاريخ بلاده وأمجادها الغابرة، وسببت هذه المعاملة مشاكل شخصية بين ديغول وحليفيه الرئيسيين تشرشل والرئيس الأميركي روزفلت.

ويروي من أرخوا لعلاقات أقطاب تلك الحرب أن ديغول رد بغضب على تشكيك تشرشل بتمثيله لفرنسا قائلا "أنا أقاوم النازية إلى جانب انجلترا ولكن ليس لصالح انجلترا، وأتحدث باسم فرنسا ولست مسؤولاً أمام أحد غيرها".

ديغول القادم من فرنسا المعتدة بتاريخها وثقافتها وتمدنها رغم هزيمتها المذلة أمام الألمان عامل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت باعتباره أمريكياً مغروراً يتحرك بـ "عنجهية اليانكي"، وقد طلب من تشرشل مرة "قل لروزفلت أني أفقر من أن أنحني ذليلا أمام الأمريكان".

من جانبه رأى روزفلت في فرنسا مجرد دولة مهزومة وليست شريكاً في تحالف المنتصرين، ورأى في ديغول مجرد ديكتاتور أو انتهازي في أحسن الأحوال.

ويقول مؤرخون أن روزفلت ربما كان يسعى للقضاء على قدرات فرنسا الصناعية وتحويلها إلى مجرد دولة تابعة للأنجلو ساكسون، أما ديغول فكان يصر على أن بلاده التي تحررت بفضل الحلفاء ليست دولة ثانوية.

تلك النزاعات الشخصية في جلها برزت أحداثا سياسية بين ديغول وحلفائه السابقين، فقد خرج من حلف الأطلسي وراح يتقارب مع الاتحاد السوفييتي واعترف بالصين الشيوعية فيما اعتبر حينها ضربات موجهة للسياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب.

رغم أنه قاتل لاستقلال بلاده إلا أنه رفض منح الجزائر استقلالهم وارتكبت قواته مجزرة جماعية في الجزائر عام 1945م، ففي 8 أيار من ذلك العام خرج الجزائريون للتعبير عن فرحهم بانتصار الحلفاء على النازية، لأنهم رأوا فيه انتصاراً للديمقراطية على الدكتاتورية، وطالبوا باستقلال بلادهم وتطبيق مبادئ الحرية التي رفع شعارها الحلفاء طيلة الحرب الثانية، عمت المظاهرات الجزائر وتكثفت في مدينة سطيف.

وكان رد الفرنسيين على المظاهرات ارتكاب مجازر بدأت في 8 أيار عام 1945م فقد استعملت القوات الفرنسية قواتها البرية والجوية والبحرية، ودمرت قرى بأكملها. دامت الإجراءات الفرنسية قرابة سنة وأسفرت عن استشهاد أكثر من 45000 جزائري، بينما أشارت إحصاءات أخرى إلى مقتل ما بين 50 و70 ألفاً من المدنيين العزل.

أما في فرنسا فقد وسع ديغول إطار الحريات فمنح النساء حق التصويت في الانتخابات وكانت فرنسا تحظر تصويت النساء قبل الحرب العالمية الثانية، ثم أسس ديغول الضمان الاجتماعي للفرنسيين من الفقراء وأبناء الطبقات المتوسطة.

في عام 1946م اضطر إلى ترك السلطة في بلاده مما اعتبره أنصاره مؤامرات من الأحزاب ضد سلطته، فاضطر لترك السلطة واستقال لأنه لا يستطيع حكم البلاد كما يريد، فتخلى عن السلطة وعاد ليقيم في قريته كولمبي لدو إغليز.

توالت في أعقاب استقالة ديغول من السلطة عدة وزارات في ظل النظام الذي عرف باسم الجمهورية الرابعة، وتميزت تلك الفترة من حياة فرنسا بالاضطراب السياسي إذ لم تعمر فيه حكومة لأكثر من عام وأحيانا بضعة أشهر.

واصلت الأحزاب حكم فرنسا بشكل مضطرب فلما تصاعدت الثورة الجزائرية وراحت الحكومات الفرنسية تتخبط وهي تبدو عاجزة عن مواجهة الثورة أو الحد من تصاعدها، وفي فترة حكم الاشتراكيين بقيادة غي مولييه وفشلهم في السيطرة على الثورة الجزائرية لم يجد الفرنسيون بداً من اللجوء مجددا لديغول بعد 12 عاماً على خروجه من السلطة.

وبعد تردد قبل ديغول تولي السلطة من جديد لإنقاذ بلاده من المستنقع الجزائري، وفي عام 1958م استقبل رئيس الجمهورية رينيه كوتي ديغول قائلا "الآن أصبح الفرنسي الأول رئيساً لفرنسا".

وهكذا تسلم ديغول السلطة من جديد مؤذنا بقيام الجمهورية الفرنسية الخامسة، حاول الجنرال الفرنسي القضاء على ثورة الجزائر أو الحد منها، تسلم ديغول الرئاسة الفرنسية عام 1958م وهو يعد الفرنسيين أنه لن يتخلى عن الجزائر، وقد بذل كل ما في وسعه لتنفيذ وعوده وجرب كل الخيارات المتاحة لكنه فشل، فاضطر لإعلان أن لا خيار أمام فرنسا إلا الانسحاب من بلد ظلت تحتله قرنا ونصف وتصفه بأنه فرنسا الجنوبية.

لكن قرار الجنرال ديغول خلف تركة سياسة ثقيلة بين الفرنسيين الذين اضطروا لإيواء أكثر من مليون فرنسي كانوا يعيشون في الجزائر، وجنود فرنسا الذين قاتلوا في الجزائر.

في آب 1962م كادت منظمة الجيش السري المكونة من أوروبيين عائدين وجنرالات فرنسيين لم يسامحوا ديغول على الجلاء عن الجزائر كادت أن تنجح في اغتيال ديغول لكنه نجا بأعجوبة. وكانت محاولتان سابقتان نفذهما اليمين الفرنسي المتطرف ضده قد فشلتا أيضا.

توفي ديغول في 9 تشرين الثاني عام 1970م عن عمر كاد أن يكمل الثمانين عاماً ودفن في قريته القريبة من مدينة ليل.