السلطان عبد الحميد الثاني في ذكرى مولده المائة والسبعين

فتأملوا واقع ذلك الزمان وواقع الحاضر البائس، جُعِلتُ فداءكم!!

السلطان عبد الحميد الثاني

في ذكرى مولده المائة والسبعين

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

تصادف اليوم الجمعة 21/9/2012 الذكرى المائة والسبعون لولادة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، فقد ولد في مثل هذا اليوم من عام ١٨٤٢م في اسطنبول. وتولي الخلافة من ١٨٧٦-١٩٠٩. وتوفي في المنفى في 10 فبراير/ شباط من عام 1918 م.

إنه الخليفة المفترى عليه، والمختلف فيه أيضا، إلا أنه صاحب المواقف الشجاعة والجريئة من اليهود، فقد منعهم من استيطان في فلسطين لمدة تزيد عن شهرين، ورفض ملايينهم مقابل أن يعطيهم فلسطين وطنا لهم، ومواقفه الشجاعة في الذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعه من عرض مسرحية فرنسية فيها شيء من الاستهزاء بشخص الرسول الكريم، ومنعها من العرض فعلا في فرنسا وإنجلترا، عدا أن السلطان عبد الحميد رحمه الله كان ذا شخصية قوية وسياسية فذة استطاع إدخال بعض التحديثات الإدارية في نظام الحكم في السلطنة العثمانية، وهو أول من أقر وأنشأ منصب الباب العالي، وهو ما يقابل منصب رئيس الوزراء اليوم.

تعرض السلطان لحملات للكثير من المؤامرات في حياته ولكثير من التشويه بعد مماته، وقد تم عزله من منصب الخلافة بمؤامرة من شخصيات نافذة في جمعية تركيا الفتاة تلك الجمعية العنصرية المتطرفة التي أحدثت خرابا في جسم الدولة العثمانية، ونجحت في تفكيك النسيج الاجتماعي لشعوب السلطنة عندما نادت بالقومية التركية وتتريك العرب، ومنعت من أن تستفيد الدولة من كفاءات شتى غير تركية، فحرم الكثيرون من تقلد المناصب العليا في الحكم والإدارة.

لقد استطاع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله وكان مناورا سياسيا حاذقا أن يؤخر سقوط دولة الخلافة، تلك الدولة التي لقبت بالرجل المريض، فقاوم سقوطها وأمدها بشيء من حياة مدة الثلاث والثلاثين سنة التي قضاها خليفة للمسلمين.

عزل رحمه الله، وعاش في المنفى بعيدا عن وطنه وناسه وأقاربه وبلد سقاها هو وأجداده بنبض دمائهم، وقد رثاه الشاعر العراقي العربي جميل صدقي الزهاوي بقصيدة بعنوان "عن العهد الحميدي" جاء فيها:

وقد بعث الله الخليفة رحمة
 

إلى الناس إن الله للناس يرحم
  

وكم لأمير المؤمنين مآثر
 

بهن صنوف الناس تدري وتعلم
  

ويشهد حتى الأجنبي بفضله
 

فكيف يسيء الظن من هو مسلم؟
  

سلام على العهد الحميدي إنه
 

لأسعد عهد في الزمان وأنعم
  

ولقد تناولت العديد من المؤلفات حياة هذا السلطان، ودافعت عنه وعن مواقفه، وأذكر منها كتاب "صحوة الرجل المريض للدكتور موفق بني المرجة، وهو سفر عظيم، منهجي وأكاديمي وبحث محكم، يتناول حياة السلطان والسلطنة مشفوعا بجملة من الوثائق التي تدعم آراء المؤلف، وهو كتاب منشور بطبعته الأولى عام 1999، ومن الكتب الأخرى التي تناولت حياه  السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله كتاب المؤرخ والكاتب التركي "قدير مصر أوغلو" بعنوان "السلطان عبد الحميد الثاني السلطان المظلوم" يدافع فيه عن سياسته في الحكم، ويشيد بقدرته وحكمته.

بقي أن نقول في هذه الوقفة القصيرة: إن السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله لم يكن سياسيا وحسب، بل كان شاعرا أيضا، عدا أن نزعة التدين كانت غالبة عليه، فقد كان يشجع كبقية سلاطين بني عثمان الطرق الصوفية، التي كانت تغذي الجانب الروحي في الأمة ومنهم السلاطين، وكان رحمه الله معترفا بالجميل ووفيا، فقد عاش يتيم الأم، حيث توفيت والدته وهو ابن سبع سنوات، فأحسنت زوجة أبيه تربيته والعناية به، وعندما أصبح سلطانا منحها لقب "السلطانة الوالدة".

رحمه الله كم نحن بحاجة إلى أمثاله، حاكما قويا يرعى الناس ويسوسهم ويدافع عن كرامتهم، فمهما حملت من تبعات وسيئات أيها السلطان إلا أنك ستظل علامة فارقة في ضمير الأمة الإسلامية، فلترقد روحك بسلام أيها السلطان، وعليك مني ألف تحية وسلام، فتأملوا واقع ذلك الزمان وواقع الحاضر البائس، جُعِلتُ فداءكم!!