أنور نعمان فيصل

أنور نعمان فيصل

نعمان فيصل

[email protected]

سيرة ومسيرة

يمثل أنور فيصل نمطاً عالياً رفيعاً من الأنماط الإنسانية المثابرة في الحياة، وكان المجد العلمي والثراء المالي الذي بلغه جزاء وفاقاً للجهد العظيم والكفاح الجسيم الذي بذله، فكان بحق أكرم صورة للتعويض عن معاكسة الحظوظ، ومضايقة الأقدار، ويقتضي المقام هنا أن نستحضر قول المرحوم الأستاذ محمد فريد أبو حديد وهو يقدم لكتاب (عصاميون عظماء من الشرق والغرب): ".. فالنجاح والخذلان، والمقدرة والعجز تسير جنباً إلى جنب منذ بدء الحياة، والفرق بين حالي السمو والإسفاف ينشأ من قلوب الناس أنفسهم، لأنهم هم الذين يصنعون مصائرهم بأيديهم عندما يختارون طريقهم في الحياة، ويحددون لأنفسهم غايتها ووسائلها".

والحق أن وضع أنور فيصل بين العصاميين هو وضع الشيء في مكانه الصحيح، فإن العصامية تتجلى في هذا الرجل بأجلى بيان؛ إنه لم يكن من أسرة غنية، ولا من تلك الأسر التي أعطتها الأوضاع الاجتماعية نوعاً من التمييز والاستعلاء، فما عرف عن أسرته إلا أن والده (الحاج نعمان) كان تاجراً، وتوفي وهو ابن أربعة عشر عاماً، فاعتمد على نفسه في جو من الكفاح والتعب لا مثيل له، لقد كان يخرج أثناء إجازته الدراسية من بيته للعمل في (إسرائيل) في ساعة الفجر وأكثر الناس هانئون بالمنام اللذيذ، فيظل فيه حتى منتصف الليل.

ويصور لنا أنور فيصل هذه الدورة القاسية من الحياة بقوله: (وقد شببت على ذلك وألفته، فغرس في ذهني أن الإنسان خلق ليعمل.. ولم أجد في هذا العمل عيباً أو عاراً، ولا معوقاً عن الجهاد في الحياة، بل على الضد من ذلك وجدته محرضاً على العمل، ودافعاً قوياً إلى النضال.. لم أيأس، وكنت أتطلع إلى آماد أبعد، وآفاق أوسع، وغايات أسمى).

وكفاح المترجم له ومغالبته الأيام يتجلى في كفاحه في سبيل العلم، الذي علّق عليه أكبر الآمال في تخطيط مستقبله الجديد، لقد كافح في سبيل لقمة العيش وكافح فوق ذلك في سبيل التعلم

ومن الناس من يلقون ستاراً من النسيان على ماضيهم إذا كان مكللاً بضباب الفقر والحرمان، فهم يفرون من هذا الماضي، ولا يحاولون إظهاره أو الإشارة إليه بحال، ولكن أنور فيصل لم يحجب ماضيه بحجاب، بل رأى أن يقول أشد ما فيه، وأقسى ما فيه، لعل في ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبر.

ولد رجل الأعمال أنور فيصل في حي الشجاعية بمدينة غزة في 24 ديسمبر (كانون الأول) عام 1951، وتلقى علومه الأولية في مدرستي حطين الإبتدائية ويافا الإعدادية، ونشط أثناء دراسته الثانوية عام 1970 في العمل الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وتعرض للاعتقال في سجن غزة المركزي، وعاش تجربة قاسية في هذا المعتقل، وأنهى الثانوية العامة في مدرسة يافا عام 1971.

في عام 1972 سافر إلى مصر، والتحق بالمعهد العالي للدراسات التعاونية والإدارية في القاهرة، ولم تكن الأيام الأولى في حياة أنور فيصل سخية عليه بالعطاء، واستطاع بعد تصميم وعزم، وإرادة قوية أن يحوزَ على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال عام 1976، وتعرف أثناء دراسته الجامعية على المؤرخ الفلسطيني (أحمد صدقي الدجاني) وربطته به صداقة حميمة استمرت حتى وفاة الدجاني آخر عام 2003، والذي لم يدخر جهداً في إسداء النصح له لإكمال مشواره العلمي.

لما ضاقت به الأمور ولم يجد أنور فيصل عملاً له في القاهرة بعد حصوله على الشهادة الجامعية توجه إلى المملكة العربية السعودية، وبدأ حياته العملية عاملاً بسيطاً (حمّالاً لمواد البناء والأسمنت) في شركة مقاولات بمدينة جدة، وفي عام 1977 انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة، واشتغل بها عاملاً للبناء في المباني التي كانت تشيدها شركة قرطبة للإعمار في أبو ظبي، وبعد أن أثبت جدارة في عمله رُقي إلى موظف مشتريات في مقر الشركة الرئيسي في مدينة أبوظبي، ثم مديراً للمشتريات خلال فترة قصيرة، ومكث في ربوع تلك الشركة عاماً ونصف العام.

في عام 1978 تهيأت للمترجم له فرصة جديدة للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما وصل مطارها كان لا يملك من حطام الدنيا سوى ثلاثمائة دولار، فاستقر في مدينة بوسطن، وسجل لدراسة الماجستير، ودرس العلاقات العامة والإعلام في جامعة بوسطن، وعمل أثناء دراسته العليا حارساً لمسكن الطلبة في تلك الجامعة، مما مكنّه ذلك من الحصول على إعفاء من الرسوم الجامعية الباهظة، وحاز على الشهادة العليا عام 1983، والجدير ذكره أن مشرفه الأكاديمي البروفسور Gitter من شدة حبه وتقديره رشحه لمنحة الدكتوراة، إلا أن المترجم له أعرض عن قبولها، مبرراً ذلك أن العمل الحر في تلك الحقبة كان فرصة مناسبة للاستثمار، وكان المناخ الاستثماري يساعد على ذلك، والحق إذا كان أنور فيصل قد خسر كرسي الدكتوراة الممنوح له من أهم الجامعات الأمريكية، والذي يتمناه الكثيرون ممن انعقدت لهم في العلم ألوية، فقد استبدل بذلك جامعة الحياة التي كان فيها صاحب مكان مرموق. ونال الجنسية الأمريكية مع مرور المدة القانونية، وبدأت الدنـيا تتفتح أمام عينيه، فأسس سبع عشرة شركة استثمارية كانت ثمرة من ثمرات تفكيره العميق، وطُبع على عشق العمل يعطيه قلبه وتفكيـره وحديثه، ووجـد في هذه الشـركات تحقيقاً لحلمه الـذي كان يحلـم به فعكـف علـى إدارتها مـن خـلال شركتـه الرئيسيـة (Alpha Management Corporation) التي ضمت شركاته كافة، وتوالت نجاحات الشركة، وقام بشراء الكثير من العمارات والبنايات السكنية عن طريق المزاد العلني، كما امتلك معظم مساكن الطلبة في أكبر وأهم جامعات مدينة بوسطن الشهيرة ومنها: Northeastern, Harvard, Boston وشاء الله أن يشتري تلك العمارة - بشققها المائة - التي عمل فيها بداية حياته حارساً لها، ويُعيد تسميتها إلى (نورا هاوس) تيمناً باسم ابنته الصغيرة (نورا).

ما كادت شركاته الاستثمارية تبلغ عشرين عاماً من عمرها إلا وأصبحت في طليعة الشركات في ميدان العقارات، ويشار إليها بالبنان في قلب مدينة بوسطن التي تعد من أقدم وأهم المدن العلمية والثقافية في إقليم نيو إنجلاند، ويعد مالكها أنور فيصل من أغنى الرجال المسلمين الأمريكان في هذا الإقليم.

اعتزازاً بانتمائه إلى شعب عظيم ذي قضية كبرى، احتضن أنور فيصل الجالية العربية الإسلامية الأمريكية، فأسس وأشاد لها في أغسطس 2007 المركز الثقافي الفلسطيني للسلام الذي يعد اليوم من أكبر المراكز الثقافية في إقليم نيو إنجلاند غرب الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يقوم بدور إعلامي ملفت لصالح القضية الفلسطينية، ويتطلع المترجم له في أن يفتتح إذاعة أرضية تُعنى بفلسطين وعدالة قضيتها على مستوى ذلك الإقليم في المستقبل القريب، كما قام بالتبرع من ماله الخاص ببناء (مسجد يوسف) أحد أكبر المساجد هناك، وقد افتتح المسجد في احتفال في أبريل 2009 ليكون قبلة للمسلمين الأمريكان.

قدم المترجم له مشاريع أخرى مخصصة للصالح المجتمعي، وساهم في إنشاء المراكز الإسلامية، ودور العبادة الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد عُرف عنه اهتماماته على مر السنين التقريب بين الأديان السماوية، وخاصة بين الإسلام والمسيحية انطلاقاً من قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} فكان بعيداً كل البعد عن التعصب والتزمت مؤمناً أن الديانتين تهدفان في جوهرهما إلى مبادئ إنسانية سامية، تدعوان إلى الخير والبر، ونبذ الحقد والعداء، وإبدالهما بالتآخي والتفهم والتعاون، لذلك كله رعى الأنشطة والمؤتمرات التي تدعم هذه المفاهيم في محاولة منه لتحقيق التعايش الديني.

وما زال رجل خير تجهل شماله ما تصنع يمينه، فلم ينس أصله الفلسطيني وواجبه الأدبي والسياسي والمالي نحو وطنه أولاً، بالإضافة إلى تفانيه في سبيل بني قومه الذين أحبهم، ولم يبخل لحظة بإعطائهم كل ما في وسعه أن يُقدّمَ لهم، فالكرم ومساعدة المحتاج صفات متأصلة فيه، كما ربطته علاقات مودة وطيبة مع نخبة كبيرة من أبناء شعبه.

في عام 1989 تزوج من السيدة هيام جلال الصوالحي، من الشجاعية بغزة أصلاً وأنجب منها: (يوسف، أحمد، سارة، نورا). وفي الختام نسأل الله أن يمتعه بدوام الصحة، وأن يمد في عمره ليظل مثلاً حياً للمواطن الصالح والإنسان الذي يضحي بصحته ووقته وماله في خدمة الأهداف الوطنية والإنسانية النبيلة، وأن يجعله قدوة صالحة للأجيال الطالعة.