الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي

صالح محمد العثمان القاضي

صالح محمد العثمان القاضي

ولد الشيخ عبد الرحمن سنة 1307هـ بمدينة عنيزة (قبل وقعة الميلدا الشهيرة بسنة واحدة) وعاش يتيم الأبوين حيث توفيت والدته وعمره أربع سنوات وتوفي والده وعمره سبع سنوات.

ينتمي شيخنا الفاضل إلى بني عمرو من قبيلة تميم ونزح أجداده من قفار (قرب حائل) إلى عنيزة سنة 1120هـ وكان والده رحمه الله عالماً وإماماً لمسجد "المسوكف" فقام برعايته وتنشئته تنشئة صالحة.

تربيته وأخلاقه:

لقد تولاه والده العالم الجليل بالرعاية والتربية الحسنة، لكن الأجل لم يمهله ليتم ما بدأه فتوفي سنة 1313هـ .

كان شيخنا منذ نشأته صالحاً محافظاً على أصول دينه ومحباً للخير، وأقبل على العلم بجد ونشاط، وكان ذكياً محباً للمناقشة والبحث محبوباً لدى عارفيه لتواضعه وطيب أخلاقه، ولم يفرق في المعاملة بين صغير أو كبير، ولا بين غني أو فقير، وكان ورعاً عزيز النفس محباً لفعل الخير في كل أموره، طلق الوجه لا يرى عليه الغضب لسماحته ونبله.. وكان كثير الاجتماع بالعامة والخاصة، دمث الأخلاق لطيف المعشر، ينساب حديثه العذب إلى النفوس فيجذبها إليه جذباً زاهداً معرضاً عن الدنيا حيث عرض عليه القضاء سنة 1360هـ فأبى ذلك منصرفاً للعلم والعبادة.

دراساته وآثاره العلمية:

قرأ القرآن الكريم وحفظه قبل سن البلوغ على يد الشيخ سليمان الدامغ.. وقرأ الحديث والمصطلح والأصول والفروع والتفسير على أيدي المشائخ: إبراهيم الجاسر، محمد العبد الكريم الشبل، صعب التويجري، وصالح العثمان القاضي..

كما قرأ أصول الدين مع كل من المشائخ صالح القاضي، علي السناني، وإبراهيم العيسى.

كما كان من مشائخه محمد أمين الشنقيطي ومحمد العبد العزيز المانع وعبد الله بن عائض وعلي أبو وادي، وكان مشائخه معجبين بفرط ذكائه ونبله واستقامته وحرصه على التعلم.

وقد أثرت فيه هذه التربية وهذا التعليم بما ترك من آثار علمية، ونذكر من مؤلفاته ما يلي:

1- تفسير القرآن الكريم أسماه "تيسير الكريم الرحمن".

2- القواعد الحسان لتفسير القرآن.

3- إرشاد البصائر.

4- الدرة المختصرة في محاسن الإسلام.

5- الخطب العصرية.

6- الحق الواضح.

7- توضيح الكاشية الشافية.

8- وجوب التعاون بين المسلمين.

9- القول السديد من مقاصد التوحيد.

10- طريق الوصول إلى العلم.

طريقته في التعليم:

كان رحمه الله يأخذ بالطرق الحديثة التي أوصى بها علماء التربية، حيث يتيح للطلاب أن يختاروا الموضوع الذي يريدونه، وذلك مراعاة للفروق الفردية وإبرازاً لحرية التعبير عن الرأي الشخصي ومتى اختلف التلاميذ كان الحكم بينهم.

كما كان يعمل المناظرات لشحذ أذهانهم وهذه أيضاً طريقة حديثة في التربية حيث يتغلب فيها المعلم على سأم وملل طلابه تخلصاً من طريقة المحاضرات الطويلة. وكان حسن الاستنباط لفوائد الحديث وساعده في ذلك قوة ذاكرته وحفظه وفصاحته وجزالة لفظه. وكان يجلس أربع جلسات لطلاب العلم ليلاً ونهاراً وتخرّج على يديه علماء وقضاة يتربعون الآن في مناصب عليا بالدولة الكريمة. وإنني في هذه المناسبة لأدعو جميع من نهلوا من علمه الغزير أن يجددوا ذكراه بالكتابة عنه وبعث ما خفي من فضله وعلمه.

طرقه في الفتوى:

كان يميل رحمه الله في فتاويه ومؤلفاته وتدريسه إلى اختيارات ابن تيمية وابن القيم، وربما يخرج عنهما إذا قوي عنده الدليل، ويجعل مذهب الإمام أحمد أساساً له إذا لم يتوفر خلافه، وكان يفتي تارة بالرد على المراسلات، ولكن كثيراً ما يفتي شفهياً، ومما زاد من علمه في هذا الشأن مكاتبته لعلماء الأمصار ومفكري الآفاق في جديد المسائل وخفايا الأمور حتى صار لديه جرأة وجسارة على تطبيق بعض النصوص الكريمة على بعض المخترعات العلمية الحديثة.

الشيخ كما يراه تلاميذه:

يقول والدي الشيخ محمد العثمان القاضي (وكان ممن لازموه ودرسوا على يديه):

"كان له مكانة مرموقة وكلمة نافذة وعنده غيرة وفيه نخوة، ومهما أردت أن أصفه فإن القلم سيجف ويعجز اللسان عن الإحاطة في شمائله الحميدة وأخلاقه الفذة، فلقد خلف فراغاً واسعاً حينما فقدناه، لأنه كان أنس المحافل وقد سكن حبه في سويداء القلوب".

ويقول الشيخ عبدالله العبد الرحمن البسام: "كان مرجع بلاده وعمدتهم في جميع أحوالهم وشؤونهم، فهو مدرس الطلاب وواعظ العامة وإمام الجامع وخطيبه ومفتي البلدة وكاتب الوثائق ومحرر الأوقاف والوصايا، وعاقد الأنكحة ومستشارهم في كل ما يهمهم، وكان لا ينقطع عن زيارتهم في بيوتهم ومشاركتهم في مجتمعاتهم، ومع هذا بارك الله في أوقاته، فقام بهذه الأشياء كلها ولم تصرفه عن التأليف والمراجعة والبحث فأعطى كل ذي حق حقه".

مرضه ووفاته:

أصيب رحمه الله بمرض ضغط الدم الذي ألزمه الفراش فسافر إلى بيروت سنة 1373هـ حيث أمضى أربعين يوماً تحت العلاج إلى أن شفاه الله حيث نصحه الأطباء بالخلود إلى الراحة، ولكن شيخنا عاود عمله واجتهاده حتى عاوده المرض، فأرسلت طائرة من المغفور له الملك سعود لنقله للعلاج، وكذلك طائرة أخرى بعد ذلك من الملك فيصل رحمه الله ولكن الأجل كان أسرع حيث فاضت روحه الطاهرة قبل طلوع فجر يوم الخميس 23 جمادى الآخرة من سنة 1376هـ، وما إن أعلن نبأ وفاته حتى أصاب الناس حزن عميق من هول المصيبة، فانهمرت الدموع من الصغير والكبير، والقريب والبعيد، وأقيمت عليه الصلاة بعد الظهر، وحضر تشييع جنازته جمع غفير من أهالي عنيزة وما جاورها، فامتلأ المسجد بالمصلين، ولا تسمع يوم ذلك إلا بكاء على الفقيد حتى النساء وقفن في الشوارع يدعين له بالرحمة والرضوان.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.