سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني 28

سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني

(28 الأخيرة)

بدر محمد بدر

[email protected]

من آخر خطبه

وقبل وفاته بأشهر قلائل ألقى الأستاذ عمر محاضرة أمام حشد كبير من الشباب في النقابة العامة للأطباء بدار الحكمة بالقاهرة, ومما جاء فيها: "..أيها الأعزة الأحباب.. وهنت القوة وضعفت الصحة وتحالفت الأمراض والعلل, ولم يعد في قوس العافية منزع, ولكن ما إن دعيت إلى حفل أو إلى جمع لأتحدث فيه إلى الشباب, إلا واستخرجت من الضعف قوة, ومن المرض صحة, وجئت تملؤني السعادة أنني سألتقي بالشباب الذي هو عدة هذه الأمة في أيامنا هذه وفي مستقبل الأيام.. وبالرغم من أنكم أيها الإخوة سمعتموني أكثر من مرة أتحدث إليكم.. لا أتحدث إلا في السلام وفي الأمن وفي الاستقرار وفي عدم التظاهر وعدم التخريب وعدم المصادمات.. رغم هذا كله لست أدري ما الذي يدعو إلى الحيلولة بيني وبين الحديث إلى الشباب.. ما إن دعيت إلى حفل لأتحدث فيه إلى الشباب إلا يمُنع, اللهم إلا هذه الفلتة ولا أدري كيف جاءت..

أيها الشباب.. نصيحتي لكم أن تتمسكوا بهذه الدعوة, أن تتمسكوا بها لآخر قطرة من دمائكم.. إلى آخر نبضة من نبضات قلوبكم, تمسكوا بعهد الله.. تمسكوا بحبل الله المتين ولا ملجأ ولا منجى لنا إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى..

أيها الشباب: أنصح الطلبة منكم خاصة أن يكونوا على مستوى رفيع من الأدب مع أساتذتهم في الكليات.. لا يتناولون أستاذاً بسوء, ولا يخرجون عن حدود اللياقة مع أساتذتهم حتى ولو خالفوهم..

أيها الشباب: إن دوركم عظيم وخطير ونظراتكم إلى الأمور يجب أن يكون فيها كثير من الروّية والفحص والتدقيق, وأقسم قسماً حقاً لست آثما فيه أننا لو طبقنا شرع الله في هذا البلد لتغير الحال بصورة لا يتصورها إنسان بالمرة, وهذا دوركم وهذه مسئوليتكم.."

من آخر مقالاته

كتب الأستاذ عمر افتتاحية العدد الوحيد من مجلة "البشير" التي صادرتها أجهزة الأمن (فبراير/ شباط 1986 قبل وفاته بثلاثة أشهر) بعنوان: "نحن على خير حال".. وكانت من آخر ما كتب يقول فيها: "..أجل نحن الإخوان المسلمين على خير حال بفضل المنعم الوهاب, إن وجدنا قانوناً فنحن قائمون بمهمتنا في التربية والتوجيه, وربط المسلمين جميعاً برباط الحب والالتقاء على الله, وإن حرمونا من الوجود القانوني بسلطانهم, فنحن المتحابون في الله, المتزاورون في الله, المتجالسون مع الله وفي ظل الله, يوم لا ظل إلا ظله.. ظل القوي القاهر الجبار, لا ظل واشنطن ولا موسكو ولا لندن ولا باريس, ولئن اختلفت القوى المادية على كل شئ, فقد التقت جميعاً على هدف واحد هو طمس معالم الإخوان المسلمين من الوجود, وهيهات.."

"نحن على خير حال, فالدعوة تنتشر ويزداد أنصارهم يوما بعد يوم في كل قارة من قارات الأرض المعروفة, فإذا صودرت من مكان, ظلت نواحي الأرض تنبض بالحياة الإخوانية الزاخرة, وحتى لو اجتمعت الدنيا بأسرها على مصادرة دعوة الإخوان المسلمين, فإنها أعجز من أن تصادر ما في قلوبهم, وإذا ضاقت الأرض بأهلها, فإن قلوب الإخوان لن تضيق بدعوتهم.."

"..ونحن على خير حال لأن ثقتنا في نصر الله لم تتزعزع طرفة عين, حتى ونحن في أعماق السجون, وما دمنا على هذه الثقة في ربنا وفي صدق دعوتنا, فما علينا من حادثات الزمان.. نحن على خير حال, لأننا نحمل دعوة تميزت بالصراحة في مواجهة الباطل وأنصاره أينما كانوا.. دعوة تميزت بالوضوح فلا لف ولا مداورة ولا استغفال, دعوة برأها الله من المطامع المادية والتطلعات الدنيوية والمصالح الذاتية, نزيهة من غبش الزيف, تزدان بالنبل في العاطفة والسمو في حب الخير للناس جميعاً, بلا تفرقة بين خصوم وأصدقاء, فحب الخير لا يتجزأ.."

"..من أجل هذا سنبقى بفضل الله على خير حال, مهما ادلهمت الخطوب وعصفت الرياح الهوج, ومهما اشتد العسف بالشهداء, ومهما ظنت قوى الشر أنها بالغة ما تريد بقوتها المادية غروراً واغتراراً, إن قدر الله إذا جاء فلا عاصم لظالم أو مغتر من أمر الله, وحاق بهم ما كانوا يستهزئون.. إن كلمة الله هي العليا دائماً وكلمة الظالمين هي السفلي دائماً, والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.."

كتبه

قدم الأستاذ عمر التلمساني خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته للفكر الإسلامي مئات المقالات والحوارات الصحفية والتلفزيونية, بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الكتب رغم كثرة أعبائه وضعف صحته في تلك الفترة من عمره, ومن الكتب نذكر أولها وهو "شهيد المحراب.. عمر بن الخطاب" ومنها: الملهم الموهوب حسن أحمد عبد الرحمن البنا ـ الخروج من المأزق الإسلامي الراهن ـ الإسلام ونظرته السامية للمرأة ـ الإسلام والحكومة الدينية ـ بعض ما علمني الإخوان المسلمون ـ في رياض التوحيد ـ من صفات العابدين ـ قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر ـ أيام مع السادات ـ حول رسالة "نحو النور" ـ الإسلام والحياة ـ وذكريات لا مذكرات.

أولاده

رزقه الله بخمسة من الأبناء والبنات توفيت أحداهن وهي عروس, وبقى أربعة تبدأ أسماؤهم بحرف "ع" مثله, وهم ولدين: عابد وعبد الفتاح, وبنتين:عدل وعفيفة.

وهكذا كانت حياة الداعية الرباني عمر التلمساني المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين, نقلت جانبا منها قدر جهدي, وأسال الله أن يكون التوفيق حليفي, وأن أكون قدمت بعض الدُين, وفاءً لأستاذي ومرشدي وقدوتي الذي يعيش في قلبي وعقلي ووجداني وضميري إلى أن ألقى الله سبحانه وتعالى, والحمد لله أولاً وأخيراً.