لواء أركان حرب/ د. فوزي محمد طايل

خبير الإستراتيجية العسكرية الشاملة

زغلول عبد الحليم

عدد الصفحات: 11

عدد الكلمات: 2864

صاحب سيرة فكرية ثرية، ومنهج متميز، ورؤية واضحة في الفكر والإستراتيجية العسكرية، عاش لفكرته، ومات دفاعاً عنها، بعد أن رفض المقايضة أو الاختيار بين دينه ومنصبه ومهنته … إنه الدكتور لواء أركان حرب/ فوزي محمد طايل؛ فالمتتبع لآثاره (رحمه الله) لا يملكه إلا أن يقضم شفتيه حزناً وألماً على تغييب فكر هذا الرجل ومحاولة طمس معالمه، فلم يذكره كتاب، أو يعرض لآثاره بعض من الذين يتناولون من هم أقل منه بكثير أو من هم لا ذكر لهم في عالم مشحون بالعجز والتخلف !! إن الأستاذ الدكتور فوزي طايل صاحب منهج متميز، ورؤية واضحة، يكتب في وضوح وسلاسة، كتاباته بعيدة عن التقعر والغرابة والشذوذ والالتواء والمفاهيم الغامضة والمصطلحات المضللة التي امتلأت  بها حياتنا الثقافية، إنه يرفض الجزئيات والدخيل من الأفكار.

الميلاد والنشأة:

ولد د. فوزي طايل في القاهرة في 20 أبريل 1942، وتخرج في الكلية الحربية سنة 1960م، وحصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان، ثم حصل على الدكتوراه من كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1986م في (موضوع أهداف ومجالات السلطة في الدولة الإسلامية) كما حصل على الزمالة من كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا سنة 1987م، وتوفى ليلة الجمعة 13 رمضان 1416ه‍ / 2 فبراير 1996م.

المؤهلات العلمية المدنية:

كان د. طايل محباً للعلم والتميز في تحصيل العلوم والمعارف التي تخدم تخصصه العسكري، فحصل على ليسانس حقوق جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات العليا في القانون العام، ودبلوم آخر في الشريعة الإسلامية، كما حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق  من قسم الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، ليس هذا فحسب، فقد اجتاز عدة دورات تأهيلية في اللغات الإنجليزية والفرنسية والعبرية، فضلاً عن دورة في إدارة الأعمال المتقدمة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

التدرج الوظيفي:

ارتقى عدة مناصب وظيفية على مدار حياته المدنية والعسكرية، فوصل إلى قائد جناح تعليمي بمعهد الإشارة، ورئيس قسم التسليح بهيئة التنظيم والإدارة، وملحق حربي بسفارة مصر بزائير، ثم مساعد لمدير كلية الدفاع الوطني، ومديراً لتحرير مجلة العلوم الإلكترونية بجامعة القاهرة.

كما عمل مدرساً للنظم السياسية واللغة الإنجليزية بجامعة بني سويف، ثم أستاذاً للإستراتيجية الشاملة بأكاديمية ناصر، وأستاذاً للعلوم السياسية والقانون الدولي بالكلية الحربية؟، فضلاً عن عضوية عدد من اللجان والجمعيات القانونية المتخصصة.

لمحات إنسانية وفكرية من حياته:

كان د. فوزي طايل مسلماً بمعنى الكلمة، فكان القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدر المعرفة لديه في كل شيء، وهو ما اتضح في كل كتاباته حتى العسكرية منها.

كما لم يكن يميل إلى التطرف في أفكاره إنما كان يتخذ من المنهج العلمي والعقيدة الإسلامية ركيزتين أساسيتين في كل كتاباته ومؤلفاته، وكانت له رؤية مستقبلية واضحة في التنبؤ بالأحداث وقراءة ما بين السطور، وعرض وتحليل المواقف من الناحية الإستراتيجية والتاريخية والعقائدية.ومع ذلك لم يكن من هواة الظهور الإعلامي أو الساعين لترويج أفكارهم وأعمالهم إعلامياً، في ظل مناج عام مضاد لكثير من أفكاره خاصة في داخل القوات المسلحة.

في خدمة القرآن وبعث الأمة:

لم تكن كتاباته ورؤيته تخرج عن غايته في اتخاذ القرآن الكريم دستوراً للحياة، ومن ثم سعيه الدؤوب لبعث الأمة الإسلامية، ويصحح المفاهيم الخاطئة في الدين والعقيدة، فلم يهتم بالماديات أو الرواج الإعلامي، وإنما كان كل ما يهمه  هو أن تصل أفكاره إلى أكبر عدد من المسلمين لدرجة أنه كان يوزع معظم كتبه كهدايا ابتغاء مرضاة الله، ومن الجدير بالذكر أن د. طايل كان من أول من ادخل الدائرة الإسلامية في الأكاديمية، لأنه كان مسؤولاً عن وضع المنهج، ورغم هذه الجهود المخلصة، فقد تم التعتيم عليها وطمسها سواء على مستوى الأكاديمية أو الجمعيات والجهات الأخرى، ولذلك يمكن القول بأنه ظلم ظلماً بيناً على المستوى الفكري والثقافي.

حول النظام الإسلامي:

كانت رسالة الدكتوراه التي وضعها تدور حول أهداف ومجالات السلطة في الدولة الإسلامية، وكانت عبارة عن دراسة مقارنة بين النظام الإسلامي وكل من النظام الديمقراطي الغربي والنظام الاشتراكي الماركسي وصل من خلالها إلى أن النظام الإسلامي قائم بذاته، وله جوهره الخاص وطبيعته  الخاصة التي لابد فيها من الربط بين العقيدة الدينية والنظام السياسية وسلطة الدولة فيها تحكم بما أنزل الله.

وهذه حقيقة علمية إلهية لا يمكن أن تطمس في أي عهد من العهود حتى لو كانوا يسيرون في الاتجاه المعاكس له.

حول خصوصية الأمر الإسلامية وأمنها:

والمنطلق الأساسي لديه هو: أن الأمة الإسلامية لها منهجها الخاص (لا بديل له) الذي يعتمد  على العقيدة، لذا تختلف اختلافاً جذرياً عما يمكن أن نطلق عليه (الحضارة الأوربية المعاصرة) القائمة على الفكر الليبرالي والمستمد أصلا من (اليهودية – النصرانية) وكلاهما انحراف عن الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وهذا هو المنطلق الأساسي في فكر الدكتور فوزي.

والمتتبع لآثار الدكتور فوزي طايل لا يملكه إلا أن يضم شفتيه حزناً وألما علي تغييب فكر هذا الرجل ومحاولة طمس معالمه، فلم يذكره كتاب أو يعرض لآثاره بعض من الذين يتناولون من هم أقل منه بكثير أو من هم لا ذكر لهم في عالم مشحون بالعجز والتخلف !! إن الأستاذ الدكتور فوزي طايل صاحب منهج متميز ورؤية واضحة يكتب في وضوح وسلاسة، كتاباته بعيدة عن التقعر والغرابة والشذوذ والالتواء والمفاهيم الغامضة والمصطلحات المضللة التي امتلأت بها حياتنا الثقافية، إنه يرفض الجزئيات والدخيل من الأفكار والمنطلق الأساسي لديه هو: إن الأمة الإسلامية لها منهجها الخاص ( لا بديل له ) الذي يعتمد علي العقيدة، لذا تختلف اختلافا جذرياً عن ما يمكن أن نطلق عليه (الحضارة الأوربية المعاصرة) القائمة علي الفكر الليبرالي والمستمد أصلاً من (اليهودية/ النصرانية) وكلاهما انحراف عن الدين الذي ارتضاه الله لعباده. هذا هو المنطلق الأساسي في فكر الدكتور فوزي طايل. ومن ثم نجد كتاباته كلها تعتمد علي هذا المفهوم وتنظر من خلاله إلي جميع القضايا. فمشكلة فلسطين ليست عربية، إنها إسلامية، وقضايا البلقان قضايا إسلامية وأيضا قضية كشمير وغيرها من الجروح الإسلامية ! إذن فالرجل صاحب فكر متميز فعَال مرن قادر علي الحركة، يقدم البديل الواقعي في مواجهة الفكر الأسطوري الوثني، مرجعيته القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ولا مصادر نقلية للأحكام والفكر بخلافهما، ومن هنا كانت تتميز كتابات الأستاذ فوزي طايل عن غيرها من الكتابات ولكنه في ذات الوقت يسعي – بجهد مشكور – إلي توضيح أهمية الإجتهاد الفكري في حياة الأمة وانه وحده القادر علي تبديد الظلمه الثقافية التي تغطي العقل المسلم حالياً، وقد تلاحظ لدينا عند قـراءة كتابـه الممتـع [كيف نفكر إستراتيجيا] أنه يؤيد تماماً وجود مستويين للإجتهاد أولهما : فردي والآخر جماعى. وأهمية المستوي الإجتهادي الثاني أن يعرض لنتائج المستوي الأول بالتحليل والفحص لنتلاءم مع الظروف المتغيرة وتتكيف مع أحوال المجتمع وذلك كله داخل الإطار المرجعي بشقيه : الكتاب والسنُه. ومن أهم ما يستلفت النظر في كتابات الأستاذ الدكتور فوزي طايل اهتمامه البالغ بمنظومة القيم الإسلامية( العليا/ التكميلية/التحسينية) فهو يطلب دائما تفعيل هذه المنظومات جميعها لتعمل عملها داخل المجتمع. ويري كذلك أن مأساة العراق وما تعرض له الكويت ينبع أساساً من غياب منظومة القيم العليا .. وهو يري كذلك أن فكرة النظام العالمي الجديد هي فكرة ثقافية في المقام الأول لإعادة تشكيل العالم علي مقتضي القيم الغربية. وألطف ما نجده في كتابه [ ثقافتنا في إطار النظام العالمي الجديد ] ما نقله سيادته وبالنص عن "د . لويس لويد " الذي قال :

" إن الإسلام ثقافة دينيه سياسية مكتفية ذاتياً، لدي معتنقيه وعي بأنه البديل عن النظم العلمانية القومية ... والإسلام بما يحتويه من منظومة كاملة للمعتقدات والقيم يمنح الإسلاميين نظرة متفردة إلي الكون ومكان الإنسان فيه .."(1). ورغم كل هذا الوضوح إلا أن البعض من هواة التزييف في عالمنا المسلم- لا يزال عند رأيه بأن الإسلام فقط داخل المسجد لتأدية الشعائر وهذا قول يأتي علي العقيدة بأكملها. فالشعائر والشرائع لا غني لأحدهما عن الأخر ولا يمكن أن يقوم للإسلام بناء إلا بهما سوياً. ذلكم هو الأستاذ الدكتور فوزي محمد طايل.

مسألة أخيرة، لتوسيع زاوية الرؤية، فقد إهتم الأستاذ الدكتور فوزي طايل بأمن الدولة الإسلامية فـي كتابه [آثار تفكك الإتحاد السوفيتي علي أمن الأمة الإسلامية] يقول [لئن كان التعريف المعاصر للأمن هو : " الحفاظ علي منظومة القيم ضد التهديدات الداخلية والخارجية، وتوفير أحسن الظروف للتنمية الشاملة"، فأن أمن الدولة الإسلامية مرتبط بالضرورة بعقيدتها، وبقدرتها علي الحفاظ علي منظومة قيمها وعلي منهاج حياتها والدعوة إلي سبيل الله تعالي بين الأمم الأخري وحماية هذه الدعوي وإعمار الأرض]. ص 133

أن الأمة الكبيرة بحاجة إلي أن تتبع [استراتيجية ذات أهداف متوازنة] يتم السير فيها جميعاً في آن واحد :

1-     بناء الشخصية المسلمة الواعية، الفاعلة ذات المبادأة.

2-     إعمار الأرض وإمتلاك أسباب القوة المعنوية والمادية.

3-     الدعوة إلي الله في كل بقعة من بقاع الأرض.

4-  الجهاد في سبيل الله حماية للعقيدة والمقدسات والثروات ودفاعا عن الأعراض والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان [انظر حالنا المؤسف في أرضنا المحتلة بفلسطين وتهديد ماشيه اليهود لنا]. وأهم ما يثيره فكر الأستاذ الدكتور فوزي طايل هو : أن تنفيذ الاستراتيجية المطلوبة يحتاج إلي حد أدني من الوحدة يتمثل في التنسيق وإلقاء الخلافات المذهبية وراء ظهورنا فنحن لا نقدر علي تحمل أعباء وتكلفة رفاهية الجدل المذهبي العقيم.

ويعلو صوت الأستاذ الدكتور فوزي طايل قائلاً: [ وان لم نسرع إلي حركة واعية عاقلة جسورة فقد نعتبر ممن تولوا فيستبدل الله قوماً غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا].

والأستاذ الدكتور فوزي طايل نموذج المفكر المسلم القدوة ويتضح هذا في كل ما كتب:

1

- أهداف ومجالات السلطة في الدولة الإسلامية

1986

2

- النظام السياسي في إسرائيل

1989

3

- آثار ازمة الخليج علي منظومة القيم الإسلامية العليا

1992

4

- البُعد الإسلامي في أزمة الخليج (رؤية فرنسية ) مترجم

1992

5

- مذابح البوسنة والهرسك ( أندلس جديدة في أوروبا)

1992

6

- البوسنة والهرسك في إطار المؤامرة الغربية

1993

7

- الجواسيس الغير الكاملين( تاريخ مجتمع الاستخبارات الاسرائيلية) مترجم

1994

8

- ثقافتنا في إطار النظام العالمي الجديد

1996

9

- كيف نفكر إستراتيجيا ( بعد الوفاة )

1997

والحقيقة أن الكتابة عن اللواء أ/ ح فوزي محمد طايل تحتاج إلي قلم غير هذا القلم، بيد أن الإعجاب بالرجل اخذ مني مآخذه وملك حب أعماله علي اقطار نفسي فأخذت أتنقل بين كتبه كيف اشاء ومتي اشاء وكل مرة اذكر نفسي أن الكتابة عن الإستراتيجية عمل عسير وصعب ولا يهضم بسهولة، فرأيت غير ذلك رأيت المفردة داخل الجملة منسجمة مع أختها والجملة إلي جوار الجملة غاية في الاتساق والتناسق والفقرة علي الجملة رقيقة مهذبة كانك تنصت إلي محدثك وهو يهمس اليك شعرا !!! سبحان الله العظيم.

جملة رقيقة فصيحة تلهب مشاعرك وتوقد احساسك وتنقلك من عالم السكون إلي عالم الحركة .. جملة توهبك نشاط الذهن وتولد فيك قوة الحياة .. الكاتب يتكلم عن النظام العالمي الجديد (مثلا) يعني قد يكون الحديث اقرب إلي التحليل السياسي المعروف بصعوبته وقسوة مفرداته .. تجد نفسك امام قلم شاعر مغموس في بحور الخبرة والرقة العاطفية، قد تحرقك كلماتك ولكنها صادقة واعية تعتمد منهج خالقها في كل كلمة دون ادني شك.

وارجو أن يوفقني الله إلي عرض بعض من أفكاره حول: اتجاهات الثقافة في إطار النظام العالمي الجديد. في أعقاب أزمة الخليج 90/91 أعلن جورج بوش بداية عصر النظام العالمي الجديد. ولخص خلفه بيل كلينتون غاية النظام في ".. أن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري وأننا لنستشعر أن علينا التزاما مقدسا لتحويل العالم إلي صورتنا([1]) والآن نستعرض أهم أفكار الدكتور فوزي محمد طايل.

فكرة النظام العالمي الجديد

هي فكرة ثقافية في المقام الأول، فكرة لإعادة تشكيل العالم علي مقتضي القيم الغربية التي يصفونها بأنها (يهودية/ نصرانية). ولقد صاغت الولايات المتحدة الأمريكية متحالفة مع أوروبا الغربية ( حربا ثقافية ) بمساندة القوة المسلحة تستهدف فرض الامبريالية وقيمها الأمريكية وفي أعقاب أزمة الخليج صدر من القيادة الأمريكية عدد من المبادئ التي تحكم ما أسموه بالنظام العالمي الجديد وكان منها :-

1-     أمريكا تتعهد بإقامة هذا النظام الجديد بوصفها المؤهلة لإدارة ( المجتمع العالمي ) تجاه غايته النبيلة.

2-  باعتبار الشرق الأوسط ( كناية عن الإسلام ) مصدر التهديد الرئيسي للسلام في ظل هذا النظام، فإن المنطقة ستحتل الأولوية القصوي رغم إعلان الحرب من جديد لمحو الثقافة الإسلامية من ديار المسلمين وزرع الثقافة الغربية ( اليهودية / النصرانية ) بدلاً منها.

تحت لافته ترفع هي ( الحرية – الديمقراطية – حقوق الإنسان ) وقد يتساءل البعض ولم كل هذه  البغضاء، والمسلمون لم يعلنوا عداء للغرب؟ نعيد ما قاله "لويس ويد" ونستكمل الفقرة:- " أن الإسلام ثقافة دينية سياسية مكتفية ذاتيا. لدي معتنقيه وعي بأنه البديل عن النظم العلمانية القومية السائدة في منطقة ( الشرق الأوسط ) الآن. والإسلام بما يحتويه من منظومة كاملة للمعتقدات والقيم يمنع الإسلاميين نظرة متفردة إلي الكون ومكان الإنسان فيه، ومن خلال هذه النظرة يعمل الإسلاميون علي سد الفرجه بين السلطة الزمنية الفعالة والشرعية الروحية بمجتمع المؤمنين (الأمة) مخاطبة كلها بخطاب سياسي واحد، وهذا يجعل الإسلام عابرا للإقليمية وثوريا ايا كانت طريقة تطبيقه ومن ثم فهو حري أن ينتج أيديولوجية سياسية قابلة للتطبيق ولبلوغ الأهداف التي قد يتغياها اي نظام للحكم".([2]) اذا القضية: حرب صليبيه بكل المقاييس كما تقول الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة بجامعة الأزهر.

أن النظام العالمي الجديد هو نظام صهيوني من حيث فكرته وغايته وأهدافه بل وكثيرون من الأشخاص الذين يسيرونه سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في الأمم المتحدة. كما لم يعد خافيا أن الصهيونية العالمية صارت بمثابة العقل المدبر وقوة الدفع المحركة لأكبر قوة مادية في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هيمنتها علي معظم وسائل الإعلام والثقافة وبيوت المال والاقتصاد بل ومؤسسات اتخاذ القرار جميعا. وهذه أية من آيات الله تتحقق آذ يقول سبحانه وتعالي :

(وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) الإسراء رقم 3 ولما كانت هذه هي هوية النظام العالمي الجديد فليس بمستغرب أن يعاد الإسلام لقول الحق سبحانه وتعالي :

[لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا] المائدة 82.

وتقوم فكرة النظام العالمي الجديد علي معتقدات راسخة في الثقافتين [اليهودية والنصرانية]، جماعها فكرة [خلاص البشرية من الخطيئة الموروثة من ادم أبي البشر] وبينما يعتقد النصاري أن هذا لن يكون إلا [ بمقدم المسيح عيسي ابن مريم عليه السلام فيخلص البشرية ويحكم الأرض ألف سنة سعيدة ]. ومن الواجب أن تتهيأ الأرض لمقدمه بأن يسودها السلام ، وتعلو فيها قيم النصرانية – نجد علي الجانب الأخر اليهود، وهم لا يؤمنون بالمسيح عيسي بن مريم عليه السلام، يتحدثون عن مسيح آخر (ملك بني إسرائيل) لم يظهر بعد، وعليهم أن يهيئوا الأرض المقدسة كي يحكم العالم من القدس (أورشليم ) وهنا يسود الأرض السلام]. فشرط أن يسود الأرض السلام هو أن تقوم (إسرائيل الكبري) بعاصمتها القدس لتستقبل ملكها المسيح. ومن الهيكل يحكم العالم في أخر الأيام، وعلي حين يعتقد النصاري أن اليهود هم أهل المسيح عليه السلام وأنهم سيؤمنون به، بمجرد رؤيته، وقد جاء ليخلص البشرية فإن اليهود يخادعون بإستخدام نفس لفظ ( المسيح ) وهم يتصورون شخصاً أخر تماماً هو ( ملك إسرائيل ) الـذي إذا لم يظهـر فسـوف تدمـر إسـرائيل مرة ثالثة ويمزقون في الأرض وصدق الحق إذا يقول ( .. وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا.. ) الإسراء 8.

الطريق إلي مجتمع العالم

لم يعد تعظيم الغرب في خلق تواجد ملموس أو في قوة تذل الناس بخشونتها وعجرفتها، لكنه يقوم علي قوي رمزيه، هيمنتها المعنوية اكثر مكرا إلا أنـها أقـل قابلية لإثارة المنازعات وهذه العوامل الجديدة للهيمنة هي : العلم ، والتقنية، والاقتصاد.

لقد أصبحت التقنية وسيلة لخلق إيمان عالمى، فهي الأثر المادي والتواجد المنظور للاله الجديد : العلم ولقد ساهم المبشرون المسيحيون ( المنصًرون ) كثيرا في نشر هذه العبادة الدنيوية([3])  ومجتمع العالم هذا لا يكون إلا علي أنقاض نظام الدولة الذي هو بدوره ( شر لابد منه ) فإنها الجزاء الذي ضربه الله علي الإنسان بسبب خطيئته الموروثة فإنه جهاز للقهر والسبب الرئيسي لقيام الحروب وبزواله يكون السلام !!! ومن دلائل صهيونية النظام العالمي الجديد أن هذه النظرية من المفروض أن تنطبق علي كل دول العالم عدا (إسرائيل) التي ستكون فيها الحكومة العالمية التي تفرض السلام علي الأرض!!!

ويعد الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً من أكثر المؤمنين بهذه الفكرة وكذا الدكتور عليّ الدين هلال الوزير الاسبق والسياسي المعروف.

ولوضع هذه الأفكار موضع التنفيذ [زوال فكرة السيادة] كان ابتكار آليه [الدبلوماسية الوقائية] والتي يتم بموجبها التدخل في الشئون الداخلية للدول بهدف معلن هو منع وقوع الازمات وهو في الحقيقة اثارة للنزعات العرقية والطائفية ثم التوجه لحلها وهذه الدبلوماسية الوقائية تحتاج بطبيعة الحال إلي كم هائل من المعلومات والي وسائل شتي من وسائل التجسس في كل المجالات كما انها تحتاج إلي جهاز ضخم للاعلام والدعاية والحرب النفسية وتحتاج إلي قوة مسلحة قادرة علي سرعة التدخل لحسم النزاعات الداخلية متجاوزة سلطة الدولة.

وهو ما عبر عنه امين عام الامم المتحدة بـ (تفاعل الشعوب) !!!!

ولمـا كانت الامم المتحدة تفتقد الأدوات الفعالة (الاستخبارات – الاعلام – التخطيط الاستراتيجي – القوة المسلحة) فانها تعتمد بصفة اساسية علي الولايات المتحدة الامريكية التي تسيطر فيها الصهيونية العالمية بالفعل، وتهيمن علي هذه الأدوات المذكورة علي وجه التحديد. أن الشرق الأوسط هو الميدان المناسب لممارسة الدبلوماسية الوقائية كما اعلن وزير خارجية أمريكا كويستوفر في مارس 93.

كمـا ابتكـرت آليـه اخـري هي (حق التدخل) تستند إلي شعار خادع هو (الأخوة الانسانية) وتقوم بها جماعات وتنظيمات غير حكومية لا تعلم هويتها مثل [جماعات حقوق الانسان ومنظمات العفو واطباء بلا حدود، صحفيون بلا حدود وجماعات المراقبة....إلخ]

وتستمد هذه التنظيمات سندها الروحي من تصريح لبابا روما في 5/12/1992 جاء فيه:

"يتعين علي القوات المسلحة الغربية ان تتدخل من أجل توفير الغذاء والرعاية الصحية لكل انسان علي وجه الارض دون التفات الي الحجج الاعتباطية كالسيادة وعدم جواز التدخل في الشئون الداخلية ...!! ولا يعلم الا الله ماذا يمكن ان تتمخض عنه هذه الحرب الثقافية العالمية والتى منها:

أ‌-  اتخاذ اجراءات بناء الثقة وهي تقوم علي مراقبة كل النشاطات العسكرية في بلاد العالم الإسلامي بما فيها التدريب والتمركز ويستخدمون في ذلك اصلاحات [السماوات المفتوحة والثقافة العسكرية] انها اجراءات لبناء ثقتهم في انصياعنا وخضوعنا وبقائنا تحت المراقبة التي يملكون وسائلها ولا نملكها!

ب-  تبنـي فكـرة (الـدفاع غـير المستفـز) بمعني نزع الايجابية من القوة المسلحة والتخلي عن فكرة أن (الهجوم خير وسيلة للدفاع) لتحل محلها فكرة (الدفاع خير وسيلة للأمن).

جـ- تحويل الطاقة التدافعية للدول – وهي سنة من سنن الخالق – الي الداخل بدلا من ان توجه للخارج ووضعت لهـذا. (استراتيجية وعقيدة) يطلـق علـيها (الصراعات منخفضة المستوى) أو (الصراعات منخفضة الشدة) ويتصورون أن طاقة الدفاع ستوجه ضد ما يطلقون عليه (الارهاب) والاعتداءات علي (البيئة) وتجارة المخدرات والصراعات الطائفية والعرقية للتعامل مع (الازمات الانسانية) التي تنتج عن اللجوء باعداد كبيرة عبر الحدود ولتقديم المعونات الصحية والغذائية!! وفي سبيل ذلك ستستخدم عناصر من القوات المسلحة اما لدعم الشرطة أو للعمل ضمن قوات تحالف لتثبيت القوات المسلحة خارج أراضيها وهي أمور بدات تشكل ظاهرة دولية بالفعل!!   ....ولا غالب إلا الله .. والحمد لله رب العالمين...

               

(1) ثقافتنا في إطار النظام العالمي الجديد، فوزي طايل ص75.

([1]) خطاب تنصيب ب. كلينتون في 20/1/1993.

([2]) ثقافتنا في إطار النظام العالمي الجديد، فوزي طايل ص75.

([3]) التغريب، لواء أحمد عبد الوهاب، مكتبة التراث الإسلامي ط 90 ص8، مصر.