سطور من حياة الإمام المجدد "حسن البنا" (18)

سطور من حياة الإمام المجدد

"حسن البنا" (18)

بدر محمد بدر

[email protected]

من وثائق "مرحلة الإسماعيلية"

مرحلة الإسماعيلية (ذو القعدة 1346هـ ـ جمادي الآخرة 1351هـ) (أبريل 1928م ـ أكتوبر 1932م) هي مرحلة التأسيس لدعوة الإخوان المسلمين, وقد حفلت بالعديد من الوثائق والأوراق المهمة, مثلما حفلت بالعديد من المواقف والأعمال الجليلة, ويعتبر "القانون الأساسي للإخوان المسلمين" هو أول وأهم وثائق الجماعة في مرحلة الإسماعيلية, وليس معروفاً على وجه الدقة تاريخ صدوره, وأغلب الظن أنه صدر في عام 1348هـ ـ 1929م, ولا شك في أن قراءة القانون الأساسي, وكذلك اللائحة الداخلية, تكشف بوضوح عن الموهبة الإدارية والتنظيمية والدعوية للأستاذ "حسن البنا" المرشد العام للإخوان المسلمين, والتي تأكدت بعد ذلك في تنظيم جماعته وحركته تنظيمياً فريداً, ليس فقط قياساً إلى المرحلة التي ظهر فيها, ولكن إلى الآن, فمازال الإطار التنظيمي في هيكله العام, هو الإطار المعمول به, ليس في مصر وحدها، بل في مختلف فروع الجماعة المنتشرة في جميع أنحاء العالم.. وهو إطار يتكون من الشعبة والمنطقة والمكتب الإداري ومجلس الشورى ومكتب الإرشاد العام, والأقسام الفنية المتخصصة التي تتبع مكتب الإرشاد (نشر الدعوة ـ التربية ـ الأخوات ... الخ), دون أن يكون هناك أي تدخل أو اشتباك في المسئوليات والاختصاصات والمهام والصلاحيات, رغم المحن التي واجهت الجماعة ـ ولا تزال ـ وقد كان القانون الأساسي من المرونة والبساطة بحيث استوعب النمو المتزايد دائماً, لفروع الجماعة وأقسامها وهياكلها الإدارية, ثم خضع بعد فترة, لتعديلات وإضافات كلما استدعى الأمر ذلك.

ومن وثائق المرحلة أيضاً رسالة "عقيدتنا" التي كتبها الأستاذ البنا كأول رسالة عقيدية فكرية تربوية, وصدرت مطبوعة في عام 1350م ـ 1931م, وكان هدفها تحديد غاية الإخوان وتوضيح وسائلهم, كما تناولت أبعاد الدعوة الإسلامية واتساعها وشمولها, وصاغها الأستاذ المرشد في سبع نقاط على هيئة: "أعتقد.. وأتعهد", وهي نقاط أٍساسية تربوية وإيمانية وعملية في آن واحد، يقول في البند الخامس "أعتقد أن من واجب المسلم إحياء مجد الإسلام, بإنهاض شعوبه وإعادة تشريعه, وأن راية الإسلام يجب أن تسود البشر, وأن مهمة كل مسلم تربية العالم على قواعد الإسلام, وأتعهد بأن أجاهد في سبيل أداء هذه الرسالة ما حييت, وأضحي في سبيلها بكل ما أملك"، وفي البند السابع يقول "أعتقد أن السر في تأخر المسلمين, ابتعادهم عن دينهم, وأن أساس الإصلاح, العودة إلى تعاليم الإسلام وأحكامه, وأن ذلك ممكن لو عمل له المسلمون, وأن فكرة الإخوان المسلمين تحقق هذه الغاية, وأتعهد بالثبات على مبادئها والإخلاص لكل من عمل لها, وأن أظل جندياً في خدمتها أو أموت في سبيلها"..

وقد علق "أرنست رينان" المستشرق الفرنسي وأستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة السوربون بفرنسا على هذه الرسالة بقوله: "إن هذه الكلمات عميقة المبحث والقصد, وهي ـ لا شك ـ مستمدة من نفس المنهج الذي رسمه محمد (صلى الله عليه وسلم) ونجح في تنفيذه, فأسس به أمة ودولة ودنيا, وقد زيد فيها بما يناسب روح العصر, مع التقيد بروح الإسلام.

آمن "حسن البنا" بالشورى منذ بواكير حياته, وكان حريصاً على الاستماع إلى الآراء المختلفة واحترامها، حتى وإن اختلف معها, وبالرغم من أنه كان يمتلك من الصفات والمواهب والخبرات والبصيرة التي تؤهله للقيادة بمفرده, إلا أنه اختار طريق الشورى وإشراك الآخرين في القيادة واتخاذ القرار, تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالمنهج القرآني الذي طالب رسول الله بمشاورة أصحابه (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) (آل عمران: 159).

يقول الشيخ عبد الرحمن حسب الله ـ رحمه الله ـ أحد الستة الأوائل الذين أسسوا دعوة الإخوان المسلمين, في حواره السابق الإشارة إليه: "كان الأستاذ البنا ـ رحمه الله ـ لا يقطع أمراً دون أن يجمعنا ويستشيرنا, وكان من عادته الشورى في كل صغيرة وكبيرة، وكان يحب أن يسأله الأخ منا في كل شئ.."، فإذا كانت الشورى بهذه المنزلة عند شخص في وزن "حسن البنا" فكيف بمن يدانيه علماً وخلقاً ومواهب وخبرات وبصيرة؟!.

المؤتمر العام الأول للإخوان:

ومن هذا المنطلق, وبمجرد أن استكمل البناء التنظيمي للإخوان المسلمين أولى خطواته, دعا فضيلة المرشد العام "حضرات نواب فروع (شُعب) الإخوان المسلمين بالقطر المصري, إلى الاجتماع بمدينة الإسماعيلية, يوم الخميس الموافق 22 من صفر 1350هـ، 9 من يوليو 1931م, للنظر في شئون الجمعية, وتم بالفعل عقد الاجتماع بنادي الإخوان المسلمين, عقب صلاة العشاء, وانتهى مع صلاة فجر اليوم التالي, وفي صلاة الجمعة خطب كل نائب من نواب فروع الإخوان الحاضرين خطبة الجمعة, ووعظ الناس بعدها بمسجد من مساجد الإسماعيلية, وكانت حفاوة أهل الإسماعيلية بالمشاركين كبيرة, وبعد صلاة العصر من يوم الجمعة, أقامت إدارة الإخوان بالإسماعيلية, حفلاً لتكريم المشاركين, بفناء مدرسة أمهات المؤمنين للبنات, توالى فيه الخطباء من أعضاء الجمعية ومن النواب, في جو من الفرح والسرور.

وقد امتد الاجتماع قرابة ست ساعات (من العاشرة مساءً وحتى الرابعة من صباح اليوم التالي) وشارك فيه خمسة عشر فرعاً من فروع الإخوان المسلمين, ولأهمية هذا المؤتمر العام الأول نذكر أسماء المشاركين فيه وهم: الأستاذ عبد الرحمن أفندي الساعاتي (نائباً عن القاهرة) ـ الأستاذ على أحمد الجداوي (نائباً عن الإسماعيلية), الأستاذ محمد أفندي مصطفى طيرة (نائباً عن بورسعيد), الشيخ محمد فرغلي وفا (نائباً عن جباسات البلاح), الشيخ حامد عسكرية (نائباً عن شبراخيت والأسمنية ومنشأة جديد), الأستاذ أحمد أفندي السكري (نائباً عن المحمودية ـ بحيرة), السيخ مصطفي محمد الطير (نائباً عن المنزلة وميت خضر ـ دقهلية), الأخ المجاهد محمود أفندي عيد اللطيف (نائباً عن الجمالية ـ دقهلية), الشيخ أحمد محمد المدني (نائبا عن ميت مرجا سلسيل ـ دقهلية), الشيخ عبد الفتاح عبد السلام فايد (نائباً عن شبلنجة ـ قليوبية), الشيخ محمد أفندي الجعار (نائباً عن شعبة طنطا ـ تحت التكوين), الشيخ عبد الرزاق البحيري (نائباً عن شعبة السويس), الشيخ عفيفي الشافعي عطوة (نائباً عن حي الأربعين), الأستاذ مصطفى أفندي حسن الموافي (نائباً عن شعبة دمياط ـ تحت التكوين), الحاج محمد إسماعيل العسلوجي (نائباً عن شعبة "أبو حماد" شرقية ـ تحت التكوين)، بالإضافة إلى عبد الله أفندي حسين على نور اليماني (ممثلاً لشعبة "جيبوتي")!