الحسن البصري

سلسلة اهل العلم الحلقة ( ١٦ )

*هو الحسن بن أبي الحسن يسار ، أبو سعيد ، مولى زيد بن ثابت الأنصاري . وكان أبوه مولى جميل بن قطبة وهو من سبي ميسان ، سكن المدينة وسكن البصرة وعرف بالحسن البصري وأُعتِق وتزوج بها في خلافة عمر بن الخطاب فولد له بها الحسن رحمة الله عليه لسنتين بقيتا من خلافة عمر.

وأمه خيرة مولاة لأم سلمة أم المؤمنين كانت تخدمها،  ثم كان وهو صغير تخرجه أمه إلى الصحابة فيدعون له وكان في جملة من يدعو له عمر بن الخطاب قال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس*.

  رأى الحسن البصري رحمه الله  عددا من الصحابة ، وعاش بين كبارهم وروى عنهم ،  كالخليفة الراشد عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله، وروى عن عمران بن حصين ، والمغيرة بن شعبة ، وعبد الرحمن بن سمرة ، ومعقل بن يسار ، وأنس بن مالك ... وعن عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .

*كان الحسن البصري رحمه الله عاما فقيها صوامًا قوامًا، فكان يصوم الأشهر الحرم ، والاثنين والخميس ، ويقول ابن سعد عن علمه: كان الحسن جامعًا عالمًا عاليًا رفيعًا ثقة مأمونًا عابدًا ناسكًا كبير العلم فصيحًا جميلاً وسيمًا ، وكان ما أسند من حديثه وروى عمن سمع منه فحسن حجة، وقدم مكة فأجلسوه على سرير واجتمع الناس إليه فحدثهم، وكان فيمن أتاه : مجاهد ، وعطاء ، وطاووس ، وعمرو بن شعيب ، فقالوا أو قال بعضهم: لم نر مثل هذا قط*.

  وكان أنس بن مالك يقول: سلوا الحسن فإنه حفظ ونسينا.

  وقال أبو سعيد بن الأعرابي في "طبقات النساك" : (كان عامة من ذكرنا من النساك يأتون الحسن ويسمعون كلامه ، ويذعنون له بالفقه في هذه المعاني خاصة، وكان عمرو بن عبيد وعبد الواحد بن زيد من الملازمين له، وكان له مجلس خاص في منزله لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن، فإن سأله إنسان غيرها تبرم به وقال: إنما خلونا مع إخواننا نتذاكر، فأما حلقته في المسجد فكان يمر فيها الحديث والفقه وعلم القرآن واللغة وسائر العلوم، وكان منهم من يصحبه للحديث، وكان منهم من يصحبه للقرآن والبيان، ومنهم من يصحبه للبلاغة، ومنهم من يصحبه للإخلاص وعلم إصلاح النفوس كعمرو بن عبيد ، وأبي جهير ، وعبد الواحد بن زيد ، وصالح المري ، وشميط ، وأبي عبيدة الناجي . وكل واحد من هؤلاء اشتهر بحال يعني في العبادة) .

  وقال قتادة: (كان الحسن من أعلم الناس بالحلال والحرام) .

  *وعن علقمة بن مرثد في ذكر الثمانية من التابعين قال: (وأما الحسن فما رأينا أحدًا أطول حزنًا منه، ما كنا نراه إلا حديث عهد بمصيبة). ويقول يزيد بن حوشب: (ما رأيت أخوف من الحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، كأن النار لم تخلق إلا لهما). وعن حفص بن عمر قال: (بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي)*.

  وكان الحسن ناصحًا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وكتب إليه عمر بن عبد العزيز: أنصحني فكتب إليه: إن الذي يصحبك لا ينصحك، والذي ينصحك لا يصحبك.

    *روي عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال : إن الله  جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف أقوام فخابوا ، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون*.

  وكان رحمه الله من أشجع أهل زمانه وكان المهلب اذا قاتل المشركين يقدمه.

  *كان الحسن البصري  من الزاهدين حقاً ، فهو الذي زهد فيما عند الملوك ، فرغبوا فيه واستغنى عن الناس وما في أيديهم فأحبوه، فعن يونس بن عبيد قال: (أخذ الحسن عطاءه فجعل يقسمه، فذكر أهله حاجة فقال لهم: دونكم بقية العطاء أما إنه لا خير فيه إلا أن يصنع به هذا)*.

  يقول الحسن: (بئس الرفيقان الدينار والدرهم، لا ينفعانك حتى يفارقاك).

  وقال الحسن: (أهينوا الدنيا فوالله لأهنأ ما تكون إذا أهنتها).

  مات الحسن ليلة الجمعة، وأخرج حين انصرف الناس وازدحموا عليه، حتى فاتت الناس صلاة العصر، لم تصل في جامع البصرة. وكان مماته سنة عشر ومائة، وعمره تسع وثمانون سنة، وقيل ست وتسعون سنة، رحمه الله رحمة واسعة

وسوم: العدد 878