عادل محمد كنعان

عادل محمد كنعان

أحمد الجدع

دار الأرقم محطة بارزة في الدعوة الإسلامية ، فقد لجأ رسول الله r ومن معه من المؤمنين وهم لا يتجاوزن ثلاثين رجلاً إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي يتخفون فيها عن أعين المشركين ، ويتدارسون أصول هذا الدين الجديد ، ويُعَدّون إعداداً عميقاً لقيادة العالم .

كانت دار الأرقم هذه على الصفا ، والصفا ليست جبلاً كما يتخيل الكثيرون ، بل هي صخرة كبيرة لا تبعد كثيراً عن الكعبة المشرفة ، ويستطيع الذاهب إليها من الكعبة أن يصلها في دقيقتين إن كان سريعاً وفي خمس إن لم يكن كذلك .

وهذا يعني أن الرسول عليه السلام اختار مكاناً محاطاً بالأعداء المتربصين به، وهو اختيار يقوم على نظرية معروفة من نظريات الأمن ممن خاف أعداءه !!

ومن هنا من دار الأرقم النبوية تخرج رجال الصفوة الذين قامت على أيديهم دعوة الإسلام والذين قادوا مسيرته حتى نشروا الإسلام في بلاد شاسعة شملت الدولتين العظيمتين في ذلك الوقت ، فارس والروم .

وإلى الذين يستبعدون عودة الإسلام ونصره المؤزر قريباً في عالم اليوم نسوق لهم قول أحد الصحابة : " رأيت غلبة فارس الروم ، ثم رأيت غلبة الروم فارس ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس، كل ذلك في خمس عشرة سنة " (1).

بل إن المسلمين غلبوا الفرس والروم في وقت واحد .

وعلى طريق دار الأرقم النبوية سار الشيخ عبد القادر السبسبي فأسس دار الأرقم في حلب، وكان معه عدد من الرجال ساروا بهذه الدار سيرة الدار الأولى أو هم تحروا أن يسيروا سيرة الدار الأولى .

من هؤلاء الرجال ثلاثة عرفتهم : الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، والشاعر عمر بهاء الدين الأميري والأستاذ عادل محمد كنعان ( أبو عمار ) .

هؤلاء الرجال الحلبيين حققوا عن طريق دار الأرقم الحلبية إنجازات لا أكتب هذه المقالة لتفصيلها ، إنما أنا أكتب هذه المقالة لأتحدث عن معرفتي بالأستاذ عادل محمد كنعان أحد مؤسسيها .

عرفت الأستاذ عادل كنعان في قطر عندما نقلت مدرساً إلى مدرسة قطر الإعدادية وكان الأستاذ عادل مديراً لها ، وقد طالت إقامتي في هذه المدرسة عشرين عاماً ، كان الأستاذ عادل مديراً لها أكثر من عشر سنوات ثم نقل مفتشاً إدارياً .

كان الأستاذ عادل مديراً ناجحاً وأخاً عزيزاً ، اختلطت ما بيننا علاقة الأخوة مع مسيرة التدريس، فكانت نموذجاً لما يمكن أن يكون ذلك منهجاً يسير عليه كل مدير مع مدرسيه حتى تنتهي العملية التربوية إلى مداها .

وكان أعظم ما أسداه الأخ الأستاذ عادل إليّ أن عرفني بأمير الشعر الإسلامي المعاصر عمر بهاء الدين الأميري.

كنت وأنا أكتب مقالات عن الشعراء الإسلاميين المعاصرين في مجلة المجتمع الكويتية في أوائل السبعينات من القرن العشرين قد كتبت مقالاً ضافياً عن عمر الأميري كشاعر من شعراء الدعوة الإسلامية المعاصرين ، واطلع عليه الأستاذ عادل كنعان ، فأخبرني أن الشاعر سوف يأتي إلى قطر أستاذاً زائراً في جامعتها وأنه على علاقة وثيقة به وسوف يعرفني به حال وصوله .

عندما حان وصول الشاعر ذهبت مع الأخ عادل إلى مطار الدوحة لاستقباله ، فوجدت أيضاً في قاعة كبار الزوار رئيس جامعة قطر الأستاذ محمد إبراهيم كاظم في الانتظار ، وكانت لحظة من لحظات حياتي الطيبة أن تعرفت على هذا الشاعر الكبير.

تعددت زيارات الشاعر الأميري لقطر، وتعددت لقاءاتي به مع الأستاذ عادل.

وقد عانى الأستاذ عادل من متاعب في القلب ، فأجريت له عملية قلب مفتوح ، وصادف ذلك وجود الأميري في الدوحة ، فذهبنا سوياً لزيارته في مشفى حمد العام ، وكانت مداعبات الأستاذ الأميري للأستاذ كنعان تسر الزائرين ، ثم أتحفه بأبيات من الشعر بعنوان :" بالشفاء والعافية " بعضها صالح للنشر أثبته هنا ، والبعض الآخر أُفَضِّلُ أن يُطوى فلا ينشر :

"أبا العمار" والأيامُ تترى
إذا ما كنت تألَمُ من جراحٍ
ستحيا، بعدما عبستْ وغامتْ
وللإيمانِ والتسليم عُقبى
سيجزيك الإله رضاً ونعمى
ويجمع شملك الرحمنُ جمعاً

 

ملونةً، فصبراً ثم صبرا
فذلك عارضٌ ، وغداً ستبرا
ليالي الضُّر، عافيةً وبِشرا
ومنذا منك بالتسليم أحرى
ويحبو صبرك المحمود أجرا
وتلقى من بنيك النُجبِ بِرّا

وأرخ هذه الأبيات في 4 رجب 1406 هـ ، 13/3/1986 م

بعد أن قدمت استقالتي من العمل في قطر أبطأت بنا الصلات ، فهو عندما يسافر إلى الولايات المتحدة لزيارة أبنائه هناك يمر بعمان فيتصل بي فأراه، وعندما أذهب إلى قطر في زيارات متقطعة ومتباعدة أتصل به وأراه ، ثم إن كل ذلك توقف وتقطعت بنا السبل .

أسأل دائماً عنه أولئك الذين يزورون قطر فأطمئن عليه، مدّ الله في عمره وضاعف له حسناته .

               

(1) الإصابة في تمييز الصحابة ج2 ، ص 457 ترجمة الزبير بن عبد الله الكلابي رقم 2793 .