فؤاد حداد

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

* أطلق عليه الجميع فنان الشعب، وهو المؤسس الحقيقى لشعر العامية الملحمى فى مصر.

* رغم نشأته البرجوازية الثرية إلا أنه إرتبط بالدهماء والمهمشين والشيوعيين، ثم أسلم وذاق صنوف العذاب فى السجون المصرية بتهم سياسية ، مع كل ذلك ظل مؤمنا بمصر برغم كونه لبناني وسوري الجذور.

القاهرة:حسين حسنين:

من أبرز شعراء العامية في منتصف القرن العشرين، وهو المؤسس الحقيقي لشعر العامية الملحمي في مصر. أطلق على نفسه: والد الشعراء ، وأطلق عليه الآخرون فنان الشعب، خاصة وأنه استلهم من الشعب المصري، عددًا من الملاحم التي كتبها، مثل أدهم الشرقاوي .

ولد فؤاد حداد بحى الظاهر بالقاهرة فى 30 أكتوبر عام 1927 ، وهو أول أبناء سليم بك حداد اللبناني المسيحي البروتستانتي . وقد أتم الأب تعليمه بالجامعة الأمريكية  بالعاصمة اللبنانية بيروت حيث تخصص فى الرياضة المالية  ثم جاء الى القاهرة قبيل الحرب العالمية الأولى ليعيش فيها ويعمل مدرسا بكلية التجارة بجامعة فؤاد الأول ( القاهرة حاليا ) .  تزوج الأب  من سيدة مصرية مسيحية كاثوليكية، ويذكر أن خالها هو المهندس فريد بولاد الذى درس الهندسة فى فرنسا وعاد الى مصر ليصمم كوبري كفر الزيات الشهير. وقد انجب سليم حداد منها عددا من الأولاد كان فؤاد أولهم ، وبعد ذلك حصل الاب على الباكوية. ويذكر أنه عندما نشأت نقابة التجاريين فى القاهرة منحته العضوية رقم (1) ، وما زالت كتبه وجداوله تدرس بإسمه حتى الآن . وقد توفى الأب   عام 1952 .

وتعلم فؤاد  في مدرسة الفرير ثم مدرسة الليسية الفرنسيتين، وكانت لديه منذ الصغر رغبة قوية للمعرفة والإطلاع على التراث الشعري الذي وجده في مكتبة والده، وكذلك إطلع على الأدب الفرنسي دراسته للغة الفرنسية  بمدرستى الفرير والليسيه .

على الرغم من ان فؤاد حداد ينتمي إلى عائلة ثرية إلا انه هجر عائلته وانتمى الى الكادحين وعاش بينهم فى المناطق الفقيرة مثل الإمام الشافعى . ونظرا لتوجهاته السياسية فقد  اعتقل فؤاد حداد عام 1950 ، ثم عاد واعتقل مرة أخرى عام 1953.

ليس هذا فقط بل اختار فؤاد حداد الإسلام دينا له وهو ما اغضب عائلته الثرية على الرغم من ان فؤاد حداد لم يحب أحدا اكثر مما أحب والده ووالدته وأخوته إضافة الى زوجته وأولاده .

وبرغم أن فؤاد كان شيوعي الفكر إلا انه كتب عن الإسلام بصورته البهية أعمالا لا يكتبها الا كاتب صادق النية وصادق الإيمان أيضا . كما كان بحق وطنيا مخلصا لمصر ولعروبته ، كما كان مسلما شيوعيا ومثقفا الى ابعد حدود الثقافة وشديد الانتماء للأرض والوطن ،

كان يحب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على الرغم من انه قضى بسجون عبد الناصر ومعتقلاته اكثر من خمس سنوات (من عام 1959 وحتى عام 1964 )  وهى مرحلة لم ينساها حداد طوال حياته ولم يغفرها لمن عذبوه وفى مقدمة هؤلاء  عبد الناصر وذلك نتيجة المعاناة التى عاشتها أهالي المسجونين السياسيين والتى تمثلت فى التجويع والتشريد الى آخره فى فترة الستينات.

أفكاره :

رغم نشأته فى أسرة برجوازية ثرية وتعليمه بالمدارس الفرنسية منذ بداية حياته الا ان فؤاد حداد ابن الدكتور سليم بك حداد ارتبط بالبيئة الشعبية وعاش فيها ولها وترك الثراء والحياة الأرستقراطية . تأثر كثيرا بـ بيرم التونسى وعلاقته بالمهمشين والدهماء الا انه تميز عن بيرم  باسلوبه ولغته الخاصة وساعده فى ذلك إتقانه للغات الأوربية وعلى رأسها الفرنسية وأيضا الإيطالية والأسبانية . كانت رقعة ثقافته عريضة وممتدة ، فبالإضافة الى الفكر العربي الذى جعله شديد الصلة بشعراء العربية من قدامى ومحدثين وكان يحفظ قصائده الام عن ظهر قلب ،  كان أيضا شديد التعمق فى التراث الشعبى والصوفى ، وفى نقس الوقت كان شديد القرب من الثقافة الأوربية وخاصة الفرنسية.

كان الموال شائعا فى أشعاره لعلمه بأنه الأقرب الى قلوب المصريين الشعبيين ، وبذكاء شديد وعبقري مزج الموال بالتاريخ خاصة فى أعمال المقاومة ضد الاستعمار والاضطهاد وغيره أملا فى استنهاض الهمم  وهو ما يعشقه المصريين .  وفوق كل ذلك كانت أعماله الشعرية تركز على استلهام التراث وتقديمه فى صورة جديدة بطريقة نقدية ساخرة تفيض بالمرارة وتبعث على الضحك والبكاء فى آن واحد .

كانت أشعاره تصور قسوة تجربته فى سجون جمال عبد الناصر خاصة سجن برج القلعة الذى ذكره  فى قصيدته ( موال البرج ) .

أعماله: أصدر 33 ديوان منها 17 ديوان أثناء حياته والباقي بعد وفاته:

 1- نشر ديوانه الأول : حنبنى السد عام 1956 . ويذكر أن هذا الديوان شرع فى كتابته  بعد أن خرج من السجن مباشرة.

2- وفى نفس العام (1956) كتب ونشر ديوان  أحرار من وراء القضبان عام .  

3- وفى عام 1963 وهو فى داخل السجن بدأ يكتب شكلا جديدا لم يكن موجودا من قبل فى الشعر العربي ، وهو شعر العامية ، وصدر له بعد خروجه من السجن مباشرة  فى عام 1964أشعار الرقصات مثل : (الدبة) ، و (البغبغان) ، و(الثعبان) ، وغيرها .

4- وفى نفس العام 1964 كتب  أيضا (المسحراتي) التى قام الفنان سيد مكاوي بتلحينها وغنائها .

5- وفى عام 1969 كتب البرنامج الإذاعي  لـ سيد مكاوي أيضا (من نور الخيال وصنع الأجيال) فى 30 حلقة ، ويذكر أن أغنية (الأرض بتتكلم عربى) كانت جزءا من ذلك النسيج الدرامي لهذا العمل الرائع.

6- أدهم الشرقاوى ( وهى من أهم أشعاره).

7- حسن المغنواتى (من أهم أشعره).      8- إستشهاد جمال عبد الناصر،عام 1982.

9- الحضرة الذكية ، عام 1984.           10- الشاطر حسن ، عام 1985.

11- أم نبات.                                 12- كلمة مصر عام 1975  .    

13- مرآة الصوت.                          14- الحمل الفلسطينى ، عام 1985 .

15- ميت بوتيك .                             16- يا أهل الأمانة .

17- أيام العجب والموت.                     18- يوميات العمر الثانى .

19- ديوان قال التاريخ أنا شعر أسود ، وقد ترجم فيه فؤاد حداد مختارات من الشعر الفيتنامي ، عام 1968.

أما أبرز قصائده فهى:

1- سلام .  2- حسن أبو عليوة.  3- الإستمارة.   4- الكحك.   5- النسمة هلت .

والله زمان.  7- يا هادى.   8- بعلو حسى.  9- إفتح يا سمسم. 10- فى الغيط نقاية.  11- عنتر.  12- ألف باء.  13- هلال.  14- حرفة هواية.

15- التبات والنبات.  16- جواليب زمان.  17- على باب الله.  18- الأرض بتتكلم عربى.   

رحل فؤاد حداد فى عام 1985 مخلفا ورائه تراثا نادرا كان له ابلغ الأثر فى الأدب المصرى خاصة فى شعراء العامية لما يملكه من إبداعات ستظل باقية .

كتب عنه:

1- جمال الغيطاني:  
أحيانا اتساءل: هل من قبيل المبالغة اذا قلت ان فؤاد حداد يعتبر أشعر من خطا فوق ارض مصر بعد المتنبي وابي نواس وشوقي؟ ..  كلما عدت إلي قراءته أتأكد من صدق الايجاب في الاجابة، انني أقرأه باستمرار، اشعاره تعجبني في اسفاري، استغرقها وتستغرقني، هذا التركيب المبهر، وتلك الصور الغزيرة التي يفاجئني بعضها ويبدو كأنه اكتشاف امسك من خلاله بجوهر الوجود والصيرورة، للأسف لم ألتق به رغم انني عاصرته، ولم أعرفه عن قرب رغم انني ترددت كثيرا علي دور عمل فيها مثل روزاليوسف، ووكالة انباء الشرق الاوسط، وربما وقع عليه بصري ولم ادرك انه هو ذلك العبقري المغرد، فقد كان الرجل بقدر قامته زاهدا، متواضعا، لايسعي إلي الاضواء، يتواجد بشعره وليس بضجيجه أو صخبه..

2- محمود الورداني:

فؤاد حداد إمام طائفة المجددين في شعر العامية المصرية ، وأحد الروٌاد العظماء الذين أحدثوا تحولات انقلابية مازال أثرها ساريا حتي الآن وممتدا في كل الكتابات الشعرية المكتوبة بالعامية.. وهو حالة استثنائية يستحيل القياس عليها، فعبر أكثر من اربعين ديوانا، تمكن من أن يشكل ذائقة جمالية ارتقت بالشعر إلي آفاق خلاقه استوعبت جميع أشكال التجديد لقد امتزجت حياة الشاعر بالشعر، فأصبح مثل قصيدة مضيئة شفافة.. ارتبطت دائما بنبض البشر وهموم المجموع..
انه مولانا الشاعر الأعظم الذي امتلك مفاتيح الأسرار لم يرتبط في حياته بأي سلطة، فأصبح سلطان القصيدة، لم يتاجر بشعره، ولم يقف علي النواصي، وأمام الأعتاب يستجدي الأجر والمشاعر.  لقد ترك مساحات واسعة من حدائقه لتنمو فيها الاشجار والنباتات والزهور، من جميع الأعمار والأجيال والاتجاهات . فأصبح صوت الجميع، وملهم الأمة، ونبضها الحقيقي في أحلك الظروف والاوقات..

3- أمجد ريان:

لقد قدمت تجربة حداد الكثير لهذا الوطن، لتاريخ الوطن ولمثقفيه ولشعرائه، وفؤاد حداد هو الشاعر الذي يمكن أن نطلق عليه عبارة الشاعر المعلم، لأنه يدفع بالطاقة الفنية الهائلة التي تتحرك لتبني في صمت، وفي قوة، وتكسب الحياة نكهة طازجة، لايعلم أحد كيف كنا سنعيش أحلامنا الثقافية والإبداعية لولم تكن موجودة..

4- خيري شلبي: 

أصبحت دواوين الشاعر فؤاد حداد بمثابة ديوان للملامح القومية الأصيلة لشخصية مصر العربية. أما كونها شعرا خالصا فهذا أمر مفروغ منه، وأما كونها شعرا عالي المقام رفيع المستوي فهذا ما تؤكده الأشعار من قصيدة إلي أخري بل من كلمة إلي أخري. وقد بلغ في دواوينه الأخيرة ذروة من النضوج الشعري والفني والفكري بوجه عام درجة تقربه من أفذاذ الشعر الصوفي أمثال جلال الدين الرومي وفريد الدين العطار، وتوثقه بأعمام له في العصور الكلاسيكية للشعر العربي العظيم أمثال المتنبي والمعري والشريف الرضي وكافة فرسان العمود الخليلي يمتلك النفس الطويل ويرسل علي نفس الروي إلي مالا نهاية دون اختلال أو تهافت. هذه الدرجة التي بلغها تربط بينه وبين أفذاذ معاصرين برزوا علي مسرح النضال الإنساني من أمثال أراجون وبريغت وبابلو نيرودا وغيرهم..
هؤلاء وأولئك­ ومن بينهم شاعرنا فؤاد حداد­ حملوا مسئولية إعداد شعوبهم وتهيئتها للقيام بدورها التاريخي والحضاري فكيف يتم لهم ذلك؟ إنهم­ ومن بينهم شاعرنا فؤاد حداد­ يوجهون طاقتهم الشعرية نحو اكتشاف العناصر الإيجابية الأصيلة في شخصية الانسان القومية. فإذا بهذه العناصر تحت عدسة الشاعر الحساسة اللاقطة تتجسد وتنطبع من جديد علي واقع الشخصية القومية، تصبح كالبذرة الجديدة يرميها الشاعر في النفوس المتعطشة للشعر الحقيقي الصادق فتصبح نبتة جديدة تزداد بها الشخصية غني..
5- بهاء جاهين:
أخشي أن أكون قد ادعيت أجنحة لا أملكها حين تجاسرت علي التحليق في سموات شاعر من أكثر شعراء الإنسانية رحابة. فمحاولة تتبع تطور لغته الشعرية علي مدي أكثر من ثلاثين ديوانا هي محاول أقل ما يمكن أن نصفها به أنها مجنونة، خاصة إذا تذكرنا أننا بصدد مقالة أدبية لا رسالة دكتوراه ..

6- مسعود شومان:
تظل تجربة فؤاد حداد واحدة من أكثر التجارب الشعرية طرحا للقضايا الإشكالية، إذ إنها تشتبك اشتباكا تمتد خيوطه مراوحة بين التراث والمأثور الإنساني، العربي، الشعبي، هذه المراوحات التي كانت سببا مباشرا في خوف النقاد والدارسين من الاقتراب من عالمه لفك تداخلاتها، وفصل أنسجتها الملتحمة، فعالم حداد يستعصي ­بالتأكيد­ علي غير عارف بحدود عوالمه، موسيقاه واستلهاما ته..

7- محمد سيد احمد:

محمد سيد احمد الكاتب السياسي الكبير غني عن التعريف فهو أحد كبار محللينا و مفكرينا السياسيين.. أما الجانب الذي قد لا يعرفه كثيرون فهو الصداقة العميقة التي ربطت بينه وبين فؤاد حداد منذ التقيا معا ذات يوم من أيام الأربعينات تلميذين في مدرسة الليسيه فرانسيه بباب اللوق..  كان فؤاد يستطيع ان ينتج بلا اوراق أو اقلام ويكتفي بحفظ شعره الذي كان يلقيه بصوت عال معتمدا علي قوافيه الرصنية.
فؤاد من آباء الشعر المصري الحديث، وعندما قال صلاح جاهين أنه تلميذ فؤاد حداد كان يقصد هذا تحديدا .."