عدنان سعد الدين..

داعية الحب والتعاون

(1349/1929 - 1331/2010)

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

محمد علي شاهين*

[email protected]

مفكّر إسلامي حركي بارز، المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية سنة 1394/1975، مساعد الأمين العام للمؤتمر الإسلامي الشعبي ببغداد.

ولد في مدينة حماة، نشأ في أسرة متديّنة تعمل في التجارة، وتلقى على أبيه حب الوطن ومعارضة الاحتلال والاهتمام بالشأن العام، وكراهية الاستبداد.

التحق بمدرسة المظفّر والمحمّديّة الشرعيّة، وقرأ على شيوخها مبادئ العلوم الدينيّة واللغويّة، ثم انقطع عن الدراسة مضطراً بعد وفاة أبيه سنة 1362/1942، ثم استأنف دراسته بالمحمّديّة الشرعيّة سنة 1366/1946، واشتغل بالتعليم بعد انتهاء المرحلة المتوسّطة، ونال الثانويّة سنة 1368/1949، والتحق بدار المعلمين بحلب سنة 1369/1950 قاد التيّار الإسلامي في دار المعلّمين، ورفع العرائض إلى وزارة التربية لإدخال مادّة التربية الإسلاميّة في امتحانات الشهادة الثانويّة، وتحدّث باسم الطلاب في المسيرات المؤيّدة لمشروع الاتحاد الفيدرالي بين الدول العربيّة، الذي طرحه رئيس الوزراء السوري آنذاك الدكتور ناظم القدسي.

أوفدته وزارة المعارف السوريّة في بعثة دراسيّة إلى مصر سنة 1370/1951، فالتحق بكليّة الآداب بجامعة القاهرة (فؤاد الأول) وتتلمذ على علماء مصر وأدبائها، ولقي أهل الفضل فيها، وتخرّج منها سنة 1374/1955 بدرجة امتياز.

وفي القاهرة، اكتمل وعيه السياسي والتنظيمي والثقافي، عندما اتصل بجماعة الإخوان المسلمين، وكان مداوماً على حضور حديث الثلاثاء بالمركز العام بالحلميّة، ولقي عبد القادر عودة، ومحمد فرغلي، ومحمد الغزالي، وغيرهم من شيوخ الدعوة، واتصل بالمرشد العام حسن الهضيبي، وحظيت أسرته التنظيميّة بتوجيه الشهيد سيّد قطب في حي الدقي، ويوسف القرضاوي بحي شبرا، غير أنّ التأثير الكبير الذي ترك أثره في وجدان عدنان سعد الدين التحاقه بالشباب المسلم الذي كان يشرف عليه الدكتور عبدالعزيز كامل في المركز العام، وحضوره ما كان يجري فيه من مناقشات في أدق الموضوعات الفكريّة والتربويّة والسياسيّة، أما صلته الروحيّة والفكريّة بالشهيد حسن البنا فقد ملأت وجدانه حبّاً بهذا الإمام المجدّد، وأعادت إليه الثقة بمجد الإسلام وحتميّة انتصاره، كما كان على صلة طيّبة بسيف الإسلام البنا الذي عاش طفولة مشابهة لطفولته، وشهد في مصر أخطر مراحل تطوّر الجماعة السياسي والنضالي بعد سقوط النظام الملكي، وانتصار الثورة الذي كانت الجماعة تضع ثقلها خلفه، وتبني الآمال عليه، وشهد اضطهادها وإعدام قادتها سنة 1373/1954.

عاد إلى سورية وهو ممتلئ حيويّة ونشاطاً، وعزماً وإقداماً، لإحياء الجماعة في سوريّة بعد الانتكاسة الخطيرة التي منيت بها في مصر.

واتصل في دمشق بالشيخ مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريّة، فكان معجباً بثاقب فكره، ورجاحة رأيه، وقدرته على استنهاض الهمم، وتعبئة الجماهير، واستفاد من مجالس الدكتور محمد المبارك ومن بحوثه العلميّة ودراساته الشرعيّة.

وفي حماة، أخذ آداب السلوك والورع، والبعد عن الشبهات وخاصّة في القضايا الماليّة، والأخذ بالعزائم على شيخ حماة وعالمها محمد الحامد رحمه الله.

واشتغل بالتعليم الثانوي في محافظتي إدلب وحماة، فكان له فضل توجيه الناشئين، وإعدادهم ليكونوا رجالاً صالحين في خدمة أمّتهم، وحماية مقدّساتهم.

أدرك أهميّة معرفة العالم الإسلامي للداعية، فأخذ ينشر مقالاته الأسبوعيّة بعنوان: عالمك الإسلامي في صحيفة (الشهاب) واستمر في تقديم حلقاتها حتى توقّفت الشهاب عن الصدور.

وعندما أراد التحرّر من أسر الوظيفة التحق بكليّة الحقوق مع بعض إخوانه ومنهم عبد الكريم عثمان، ونال شهادة الحقوق سنة 1378/1959.

وخاض تجربة الانتخابات ضمن قائمة الإخوان في حماه عندما فاز بعضويّة الاتحاد القومي سنة 1378/1959.

عمل مدرّساً في دولة قطر بين عامي (1960 - 1964)، ثم انتدب من قطر إلى الإمارات العربيّة.

وبعد قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963، شدّد البعث قبضته على البلاد، ووقعت مصادمات عنيفة بين النظام والشعب، كان أشدّها ما حدث في حماة سنة 1384/1964 عندما قصف جامع السلطان أكبر مساجد المدينة، وزج قادة العمل الإسلامي في المعتقلات.

وكان لهزيمة حزيران سنة 1387/1967 وسقوط محافظة القنيطرة والجولان بأيدي الاحتلال الصهيوني، صدمة عنيفة جعلته يؤثر الإقامة خارج الوطن، ويتابع ما يجري فيه من أحداث؛ وفي سنة 1388/1968 دعاه الشيخ زايد آل نهيّان لزيارة إمارة (أبو ظبي) لتأسيس معهد إسلامي في مدينة العين، وبعد جولة عربيّة اطلع فيها على مناهج المعاهد المماثلة، قام بتأسيس ثلاثة معاهد في كل من عجمان ودبي والعين باسم: المعهد العلمي الإسلامي.

وشارك في تأليف اثني عشر كتاباً مدرسيّاً في اللغة العربيّة، والتاريخ الإسلامي، والسيرة النبويّة.

وبعد استفحال الخلاف بين أجنحة الإخوان في سوريّة سنة 1390/1970، وتدخّل المكتب التنفيذي للبلاد العربيّة لحل الخلاف سنة 1393/1973 شغر منصب المراقب العام باستقالة الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة، فانتخبه مجلس شورى الجماعة مراقباً عامّاً سنة 1395/1975، وصادق على هذا الانتخاب مكتب الإرشاد الذي حلّ محل المكتب التنفيذي للبلاد العربيّة، ودخل سوريّة سرّاً بين عامي (1976 - 1978) عدّة مرات، وشارك في وضع خطّة عامّة للجماعة، وساهم في تعديل النظام الداخلي وتحديثه، وكان له الفضل في توثيق الصلات بين التنظيم السوري للإخوان مع سائر التنظيمات الإخوانيّة في المنطقة، وإقامة علاقات سياسيّة واسعة مع الهيئات والحكومات والمنظّمات، كما كان يرتبط بعلاقات صداقة مع عدد كبير من قادة العمل الإسلامي ومفكّريه وقادة الرأي فيه ؛ واختير عضواً في مكتب الإرشاد، وناطقاً رسميّاً باسم التنظيم العالمي للإخوان، إلاّ أنّه اعتذر عن هذه المهمّة لأسباب موضوعيّة.

وعندما انفجر الصراع بين الإخوان والنّظام، شارك في كتابة بيان الثورة الإسلاميّة ومنهاجها في المدينة المنوّرة.

وسعى لتوحيد فصائل الإخوان من جديد وإعادة الأستاذ عصام العطار إلى موقعه بالجماعة، وتنازل عن مهمّته كمراقب عام لأخيه الدكتور حسن هويدي سنة 1401/ 1981، وظلّ في القيادة نائباً له.

وفي أعقاب مجزرة حماة سنة 1402/ 1982 وقع انشقاق خطير في صفوف الجماعة، بسبب اختلاف وجهات نظرها حول أسلوب الصراع مع النظام السوري، وسرعان ما تمّت تسويته بين الأخوة، لأنّه كان داعية حب وتعاون.

وآثر العمل الفكري والتربوي الهادئ، والعناية بالنخبة المثقّفة، ومتابعة ما يجري في الأقطار الإسلاميّة من أحداث، وعكف على القراءة والتأليف والتصنيف، والعبادة والذكر، والتقرّب إلى الله ببناء المساجد، وأعمال البر.

وكان مفكّراً بعيد النظر، واسع الأفق، فعندما أخذت العلاقات العربيّة الإسرائيليّة تدخل مرحلة الاعتراف والتطبيع، رفع صوته قائلا: ما بالنا نعيش عصر الخذلان؟ ونشرب كؤوس المذلّة مترعة؟ ونستطيب الاستسلام باسم السلام؟ ونشهد زوراً للصهيونيّة بأن لهم حقّاً في أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وربوع الأقصى؟

ووصف حال الأمّة: أمّة مغلوبة على أمرها تبارك لاعنيها، وتحيّي جلاّديها، وتسحق بنيها، وتسكت أصوات المخلصين والغيورين على إيمانهم وأمّتهم ووطنهم وكرامة شعبهم ومقدّساتهم؛ وتساءل قائلاً: هل مرّت أمتنا بكل تاريخها بمثل هذا الهوان؟ أو بحقبة حالكة السواد كما تمرّ الآن؟‍

وعلى هامش مؤتمر أدبي للشعر عقد في بغداد، التقى الأستاذ سعد الدين بالمفكر المؤمن رجاء جارودي، عام 1984 جرى فيه حوار فسيح حول القرآن الكريم والسنّة المطهّرة، والسيرة العطرة، وأمور السياسة، وقضايا الاقتصاد، وشؤون الفكر، جمعه في كتاب (مع الأستاذ رجاء جارودي في الحوار والأفكار) رأى أن الإسلام تعثّر في انتشاره ولم يتوقف، وأن الثقافة في نظر الإسلام ذات أفق غير محدود، يشمل العالم المحسوس، والعالم الغيبي، ويتناول الإنسان ويغوص في أعماقه.

وأن الإسلام أباح الحريّة الاقتصاديّة بكل ما فيها من حوافز وبواعث، تفجّر في الإنسان قدرات كبيرة من الحيويّة والنشاط والعطاء، وحرّم الاستغلال، واعتبر الربا جريمة لا تساويها في الجريمة بعد الكفر جريمة أخرى.

وأكّد على أصالة الفكر الإسلامي في ميادين الثقافة وحقول المعرفة، لأن التعليم حق للجميع وواجب على العلماء، وهو فرض على كل مسلم، رجلاً كان أو امرأة، وأن المساجد تحوّلت إلى مدارس وجامعات، يتعلم فيها من يشاء بالمجّان.

واستخلص جملة من أبرز مقوّمات الشخصيّة الربانيّة التقيّة في التزكية والسلوك لتكون منهاجاً عمليّاً يحتذى، ومثالاً واقعيّاً يقتدى في كتابه (الصفوة من صفة الصفوة) وله (مملكة حماه الأيّوبيّة في مواجهة الحملات الصليبيّة والزحوف المغوليّة) و(البعد الإنساني في الرسالة الإسلاميّة) و(في التزكية والسلوك) و(دور الإسلام في النظام التعليمي) و(تاريخ الحركة الإسلاميّة في سوريّة) و(مع الرسول صلى الله عليه وسلّم)، أرّخ للحركة الإسلاميّة في سوريّة في خمسة مجلّدات (الإخوان المسلمين في سوريّة مذكّرات وذكريات) وكان رحمه الله قد أنهى معظم المجلّد السادس.

أقام في عمّان موفور الكرامة متمتّعاً باحترام إخوانه ومحبتهم مبتعداً عن الخلافات، عاكفاً على العبادة والذكر، والتأليف والتصنيف.

توفي ليلة العشرين من شعبان 1431، الموافق للأوّل من آب 2010، في العاصمة الأردنيّة عمّان، ودفن في مقبرة سحاب الإسلاميّة بعد حياة حافلة بالعطاء.

               

* أديب سوري يعيش في المنفى

الهوامش:

(1) لقاءات مع الأستاذ عدنان سعد الدين في عمّان عام (2003 - 2010).

(2) مع الأستاذ رجاء جارودي في الحوار والأفكار لعدنان سعد الدين.

(3) قراءات منشورة للمؤلّف في كتب الأستاذ عدنان سعد الدين على موقع أدباء الشام ومجلة الغرباء.

(4) الإصلاح والتجديد في فكر الأستاذ عدنان سعد الدين، محمد علي شاهين (تحت الطبع).