الشيخ الإمام محمد عبده رحمه الله 13

(13) الشيخ الإمام محمد عبده رحمه الله

وجهوده الإصلاحية

1266- 1323هـ

1849- 1905م

د. موسى الإبراهيم

[email protected]

أولاً- نشأة الشيخ محمد عبده.

ثانياً- محمد عبده على طريق الشيخ جمال الدين الأفغاني.

ثالثاً- الاهتمامات القومية والوطنية في فكر الشيخ محمد عبده.

رابعاً- الاهتمامات العقدية في فكر الشيخ محمد عبده.

خامساً- الاهتمامات الاجتماعية في فكر الشيخ محمد عبده.

سادساً- الاهتمامات التربوية في فكر الشيخ محمد عبده.

1. المذهبية المتعصبة ومحاربتها في فكر الشيخ محمد عبده.

2. الاجتهاد والتقليد في فكر الشيخ محمد عبده.

3. منهج التفسير في فكر الشيخ محمد عبده.

4. إصلاح الأزهر في فكر الشيخ محمد عبده.

سابعاً- الموقف من الانجليز في فكر الشيخ محمد عبده.

ثامناً- موازنة بين الشيخ محمد عبده وشيخه الأفغاني.

تاسعاً- مآخذ نقدية على الشيخ محمد عبده.

عاشراً- مدرسة الأفغاني ومحمد عبده في ميزان النقد العادل.

 أولاً- نشأة الشيخ محمد عبده:

- محمد عبده القروي المصري الأزهري، في هذا الجو نشأ محمد عبده رحمه الله وكانت القرية والأزهر تعني الإسلام.

- ومما أثر في حياة الشيخ الطريقة السنوسية فمنها أخذ الصفاء القلبي.

- والاحتكام إلى القرآن والسنة الصحيحة، وعدم التعصب لما سواهما كان له أثر في حياة الشيخ وفكره.

 ثانياً- الشيخ محمد عبده على طريق الشيخ الأفغاني:

لم يشذ الشيخ محمد عبده في حركته الفكرية في الجملة عن الطريق التي سلكها أستاذه الشيخ جمال الدين الأفغاني، وإن كان قد ابتعد آخر حياته عن المشاركة في العمل السياسي ضد الاستعمار البريطاني حيث التفت إلى الجانب العلمي والديني، ورأى أن العمل في هذا الجانب ليس متوفراً لدى كثير من السياسيين القوميين فسدّ هذا الفراغ.

 ثالثاً- الاهتمامات القومية والوطنية في فكر الشيخ محمد عبده:

كان الشيخ يركز في هذا الجانب على ما يلي:

1. الشورى ودورها للحاكم والمحكوم.

2. دور العرف في التشريع وضرورة مراعاة أعراف الناس، ويقول في هذا الشأن: البلاد تختلف باختلاف المواقع وتباين الأحوال، وكذلك السكان يختلفون في العوائد والأخلاق والمعتقدات، وما يلاءم قوماً قد لا يلاءم آخرين، وعلى أهل الشورى والتشريع مراعاة ذلك.

 رابعاً- الاهتمامات العقدية في فكر الشيخ محمد عبده:

وقد ركز الشيخ في هذا الجانب على موضوعين أساسيين:

1. تحرير المسلم من عقيدة الجبر مع الإبقاء على عقيدة القضاء والقدر.

2. إفهام المسلم بأن عقل الإنسان نعمة ويجب أن يتلاءم مع دين الله وإغفال العقل يعني الغض من قيمة هذه النعمة.

العلاقة بين العقل والوحي عن الشيخ محمد عبده:

إن طبيعة العلاقة بين العقل والوحي كما يفهمها الشيخ محمد عبده تتضح من خلال المرتكزات التالية:

1. لقد أمر القرآن الكريم باستعمال العقل فيما بين أيدينا من ظواهر الكون.

2. الإسلام دين توحيد في العقائد لا دين تفريق في القواعد، والعقل أشد أعوان الإسلام والنقل من أقوى أركانه، وما وراء ذلك فنزعات شياطين أو شهوات سلاطين.

3. الوحي الإلهي أثر من آثار الله، والعقل الإنساني أثر من آثار الله أيضاً وآثار الله يجب أن ينسجم بعضها مع بعض.

4. إذا ظهر أن هنالك اختلاف بين رسالة الوحي واستخدام القعل كان منشأ هذا الاختلاف إما تحريف نص الرسالة أو سوؤ فهم في استخدام العقل، والمحرف للرسالة السماوية والمسيء لاستخدام العقل هو الإنسان وليس الملَك الذي نزل بالوحي ولا الرسول الذي بلغ الرسالة.

 خامساً- الاهتمامات الاجتماعية في فكر الشيخ محمد عبده:

تناول الشيخ في هذا الجانب الأمور التالية:

1. الروح الجماعية.

ويعني الشيخ بالروح الجماعية أن الإنسان لا يكون إنساناً إلا بالتربية وليس هي إلا اتباع الأصول التي جاء بها الأنبياء والمرسلون من الأحكام والحكم والتعاليم، ويقول الشيخ: إذا استقرينا أحوال المسلمين للبحث في أسباب الخذلان لا نجد إلا سبباً واحداً وهو ( القصور في التعليم الديني إما بإهماله مطلقاً وإما بالسلوك إليه من غير طريقه القويمة.

2. عيوب المجتمع.

وفي هذا السياق يصف الشيخ أحاديث الشعب المصري بأنها عنوان على سوء فهم الحياة.. وفي تعدد الزوجات يقول الشيخ: الزواج ضرورة اجتماعية، وتعدد الزوجات مضرة اجتماعية، وأنه يجب الاقتصار على زوجة واحدة إذا لم يقدر الزج على العدل.

كما يذكر الشيخ أن من عيوب المجتمع المصري انتشار البدع وزيارة قبور الأولياء، والتشويش على المصلين.

3. الاقتصاد الوطني.

- وهنا يركز الشيخ على الرشوة وأنها عنوان ضعف الأخلاق.

- ومن العيوب أيضاً عدم المبالاة بالمصلحة العامة.

- وكان يرى – رحمه الله- ضرورة إعادة توزيع الثروة بين الناس على أسس عادلة.

 سادساً- الاهتمامات التربوية عند الشيخ محمد عبده:

وهنا ركز الشيخ على المعاني التالية:

1. حاربة المذهبية المتعصبة.

يقول – رحمه الله-: الخطر الذي يهدد الجماعة – أي جماعة- لا يكمن في تعدد المذاهب في التفكير أو الاعتقاد بل في تحكم هذه المذاهب وسيطرتها على تابعيها بحيث يهابون نقدها وإبداء الرأي في قيمتها.

- والشيخ لا يرى رجحان مذهب على آخر، وهي أمام المجتمع الإسلامي كالشارح الأول للإسلام وتعاليمه الذي من شأنه أن يصيب ويخطئ، ولذلك لا يحق لمذهب منها أن يدعي أنه الحق على الإطلاق أو أنه يمثل الإسلام كصورة تامة له.

- أما المذاهب الكلامية فيرى الشيخ أن علم الكلام يصلح أن يكون وسيلة من وسائل الدربة الذهنية والتمرينات العقلية، ولكن لا يصلح بحال أن يكون وسيلة لتنشئة العقيدة الإسلامية أو تدعيم الإيمان فيها، وأصلح الوسائل لذلك منهج القرآن الكريم في الدعوة الإسلامية، إنه منهج الإقناع العقلي الذي يراعي الفطرة الإنسانية العامة.

2. الاجتهاد والتقليد.

لا يتردد الشيخ في القول بإباحة الاجتهاد ونبذ التقليد، ويرى أن الاجتهاد هو النظرية المشروعة والوسيلة العلمية الملائمة بين أحداث الحياة المتجددة وتعاليم الإسلام العامة.

ومن جانب آخر يرى الشيخ أنه لا يجوز أن يمارس الاجتهاد إلا من كان على الصفات العلمية التي كان عليها المجتهد الأول في القرون الثلاثة الأولى.

- وفي هذا السياق يرى الشيخ ضرورة العودة إلى كتب المتقدمين وتجاوز كتب المتأخرين التي صبغتها التقليد المحض والتعصب للمذاهب..

- كما يرى ضرورة أن يكون للفقهاء جمعيات يتذاكرون فيها ويتفقون على الراجح الذي ينبغي أن يكون عليه العمل، وإذا ترجحت بعض المسائل لأسباب خاصة بمكان أو زمان فينبغي لهم التنبيه على ذلك.

3. منهج التفسير.

 ويرى الشيخ أن منهج تفسير القرآن الكريم ينبغي أن يراعي فيه الأسس التالية:

الأول- إخضاع حوادث الحياة القائمة في وقته للقرآن الكريم، إما من خلال التوسع في التفسير، أو حمل الشبيه على شبيه.

الثاني- اعتبار القرآن الكريم جميعه وحدة متماسكة.

الثالث- اعتبار السورة كلها أساساً في فهم آياتها.

الرابع- اعتبار الموضوع في السورة أساساً لفهم النصوص التي وردت فيه في سور أخرى.

الخامس- إبعاد الصنعة اللغوية عن التفسير.

السادس- عدم إغفال الوقائع التاريخية في سير الدعوة إلى الإسلام عند تفسير القرآن الكريم.

4. إصلاح الأزهر

 يقول الشيخ في هذا الشأن: السبيل إلى الإصلاح الثقافي، وإلى جعل الثقافة بناءة، والسبيل إلى أن نسير دائماً ولا نتخلف هو إصلاح الأزهر، ويعتقد الشيخ أن إصلاح الأزهر إصلاح لحال المسلمين، وأن صلاحه وسيلة للتعرف بين الشرق والغرب وكان الشيخ يدعوا الأزهريين إلى فهم الحياة الواقعية، وإلى عرض الإسلام بعقلية العصر، ولكن الأزهريين قاوموا فكر الشيخ واتهموه بضعف الدين.

سابعاً- الموقف من الإنجليز في فكر الشيخ محمد عبده:

 يرى الشيخ أن السلطان في مصر بيد الإنجليز وأن لهم القوة والسيطرة، وأن مصر لا تستطيع مقاومة الإنجليز، وعليه فالأولى مسالمتهم والتفاهم معهم وأخذ ما يستطاع لخير الشعب منهم.

ثامناً- موازنة بين الشيخ محمد عبده وشيخه الأفغاني:

 من خلال التأمل في منهج الشيخ وتلميذه يظهر أن بينهما فروق عدة أهمها:

1. الأسلوب.

 فقد تميز أسلوب الشيخ جمال الدين الأفغاني رحمه الله بإثارة الحماس الشعبي وتهييج الجماهير للوقوف في وجه الاستعمار.

 بينما يرى الشيخ محمد عبده أن هذا الأسلوب مؤقت وغير مضمون النتائج في الإصلاح والتغيير، ولذلك تبنى هو منهج التربية والتعليم والتوجيه.

2. العالمية والمحلية.

 لقد اتسم منهج الشيخ الأفغاني بالعالمية والشمولية بينما اقتصر منهج تلميذه على الاهتمام بمنهج مصر وحدها عملياً.

3. وكان للشيخ محمد عبده اهتماماته في إحياء التراث الإسلامي وبعث الكتب القديمة، بينما لم يعهد عند الشيخ الأفغاني مثل ذلك.

تلك هي أهم ملامح حياة الشيخ محمد عبده رحمه الله وجهوده الإصلاحية غفر الله له ورحمه رحمةً واسعة(1).

 تاسعاً- مآخذ نقدية على الشيخ محمد عبده:

 إن الكمال لله وحده، وما من أحد إلا يؤخذ من كلامه وتُترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإن الشيخ محمد عبده رحمه الله رغم جهوده الإصلاحية التي لا تُنكر، لم يخل من مآخذ أُخذت عليه في مسيرته التجديدية والإصلاحية وأهم هذه المآخذ:

1. مهادنته للإنجليز ودعوته لمسالمتهم والاستفادة منهم.

 وأرى أن هذا أهم خطأ وقع فيه الشيخ غفر الله له وإن مثل هذا المسلك لا يورث المسلمين إلا الذل والخضوع لأعداء الله وما عُهد في التاريخ الإسلامي المجيد أن أحداً من العلماء الربانيين المخلصين دعا لمثل هذه المسالمة والمهادنة، وإن كنت لا أفهم قصد الشيخ ونيته إلا أنيني أجزم بخطئه في هذا الشأن ولعله لا يحرم أجر اجتهاده.

2. التقريب بين الإسلام والحضارة الغربية.

 وهذا أيضاً سير في الاتجاه إياه نحو الغرب ومسالمته. يقول الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله: واتجه محمد عبده بعد دعوته من المنفى إلى التقريب بين الإسلام والحضارة الغربية واتخذ اتجاهه هذا أشكالاً مختلفة. فظهر أحياناً في صورة مقالات أو مشاريع وبرامج تدعو إلى إدخال العلوم العصرية في الأزهر، وظهر أحياناً أخرى في تفسير لنصوص الدين من قرآن أو حديث يخالف ما جرى عليه السلف في تفسيرها ليقربها إلى أقصى ما تحتمله – بل إلى أكثر مما تحتمله في بعض الأحيان- من قرب لقيم الغرب وتفكيره، لكي يصل آخر الأمر إلى أن الإسلام يساير حضارة الغرب ويتفق مع أساليب تفكيره ومذاهبه(1).

3. انتسابه للماسونية.

 وهذا الأمر بات مؤكداً، حتى أقره الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تلميذ الإمام محمد عبده وكاتب سيرته(2).

 ومن يعتذر عن الشيخ في هذا الموضوع يقول: إن الماسونية ما كانت معروفة في البلاد العربية بمقاصدها وأهدافها الخبيثة ولعل بعض الناس يدخُلُها جهلاً بحقيقتها أو سعياً في إصلاحها أو لأمر آخر، والله أعلم.

 عاشراً- مدرسة الأفغاني ومحمد عبده في منظار النقد العادل:

 إن الاعتدال والتوسط مطلوب في كل شيء، وقد غلا في الشيخين – الأفغاني ومحمد عبده- أناس كثيرون مدحاً وقدحاً ولا شك أن لهما آثارا إيجابية لا تنكَر ولا يلغيها ما أُخذ عليها مما ثبت خطؤهم فيه فضلاً عما كان مجرد اتهام.

 ولعل الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله قد أنصف الرجلين وهو الناقد البصير الثبت عندما قال فيهما: وحقيقة الأمر في حركة الشيخ محمد عبده وأستاذه الأفغاني.. لا تزال تحتاج إلى مزيد من الوثائق التي توضح موقفهما وتزيل ما يحيط به من غموض وتناقض.. ومهما يكن من أمر في حقيقة الشيخ محمد عبده فمن الواضح في آثاره الأدبية أنها تنقسم إلى قسمين ظاهرين اتجه في أحدهما إلى تدعيم الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، بينما اتجه في القسم الثاني إلى تقريب الإسلام من الغرب والتفكير الغربي الحديث(1) على أن هذا الاتجاه للتقريب بين الإسلام والحضارة الغربية قد صار اليوم محمَدةً عند كثير من المفكرين الإسلاميين المعاصرين وإن كان الأصل هو التميز واستقلال الشخصية الإسلامية والله أعلم...

               

(1) انظر كتاب (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي) / د. محمد البهي/ ص97- 152.

(1) (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر) / د. محمد محمد حسين ج1 / ص337.

(2) (تاريخ الأستاذ الإمام) / ج1 / ص40- 46- 48.

(1) (الاتجاهات الوطنية) / ج1 / ص329 بتصرف.