حامد العويضى

فارس الحروف والكلمات

حامد العويضى

أسامة محمد أمين الشيخ/مصر

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

[email protected]

لازالت الأحزان تلاحقنا تبكينا تنزع من قلوبنا الأحباب ففى يوم توشحت مدينتنا الحزينة القابعة فى جنوب الصعيد ( قوص ) بوشاح أسود قاتم ، وقفت المدينة أطفال ونساء ورجال لاستقبال جثمان ابنهم البار ابن قوص الأسمر والذى اختطفه المرض المفترس ، فبكت الكلمات وترنحت الحروف التى خطها العويضى الذى رحل عن دنيانا يوم 14/3/2008م عن (51) عاماً وبرحيه يفقد الخط العربى واحداً من مبدعيه المتألقين رحل حامد العويضى الخطاط الصحفى وهو مدير القسم الفنى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية .

ولد الراحل فى 8/7/1957م وتقى تعليمه الأول فى مدينة قوص ، وداعبت أنامله القلم وبدأ فى كتابة اللوحات على الجدران وفى الكراسات وتطوع بكتابة لوحات الحجاج على المنازل وكان يستخدم البوص فى الكتابات ويستخدمه أيضاً كأداة عزف كناى .

وبدأ فى حفظ القرآن الكريم فى أحد الكتاتيب المنتشرة فى مدينة العلم والعلماء ( قوص ) وظهرت عليه علامات النبوغ والتفوق الإعلامى والصحفى فى المرحلة الثانوية وأبدع فى مجال الخطوط العربية وكانت لوحاته معبرة وكلماته نافذة إلى قلوب أقرانه ونجح فى الثانوية العامة متفوقاً على أقرانه والتحق بكلية الهندسة ولكن عشقه للخط وتعلقه الشديد به دفعه إلى التقدم لمدرسة الخطوط بالمدرسة السعيدية وعشقه هذا أفشله فى الهندسة التى كانت تحتاج الكثير من التفرغ والمجهود وتذكرنى مقولة د/ رفعت السعيد – حينما قال فى مقالة بجريدة الأهالى فى العدد 1369 بتاريخ 19 مارس 2008م " لم أزل أتذكر إذ أتيت تستشيرنى فى أن تترك كلية الهندسة حيث كنت لم تزل فى السنة الأولى كى تتفرغ لدراسة الخط العربى ، اعترفت لك بعدها أننى أخطأت إذ حاولت منعك من هذه الفكرة الجنونية قلت لك أدرس خطاً اكتب خطاً كما تشاء ولكن دراسة الهندسة أفضل لمستقبلك " ، لكنك رفضت ما أشرت به وانغمست فى دراسة فنون الخط العربى كنت يافتى شجاعاً وأنت لم تزل صغيراً وداعاً يا أيها الابن العزيز يا فتانا العبقرى الجميل .

ثم نقل العويضى أوراقه إلى كلية الإعلام  ونجح فيها بأقل مجهود ليكمل بعدها دراسة الخط ويحصل على دبلومة ثانية فى الوقت الذى بدأ فيه العمل فى الصحافة خطاطاً فى إصدارات حزب التجمع وجريدة الأهالى وعمل سكرتيراً بها وكان يحلم بالاشتراكية ويهتم بها ويفخر بالقومية العربية ثم انتقل إلى جريدة الأهرام ، وعمل فى دار المستقبل وتصميم الأهالى مع الأستاذ / عبد الغنى أبو العنين – وصمم كتاب الأهالى ومجلة أفاق الاشتراكية وفى انتقاله إلى الأهرام أشرف فنياً على إصدارات مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، كما تعاون مع أكثر من دار نشر منها المركز المصرى اللبنانى ودُعى إلى اليابان فى منتصف الثمانينيات لعمل تصميمات فنية بالكمبيوتر ولكنه كان يرى أن تطور تقنيات التكنولوجيا لن تكون عائقاً أمام جمال وروح الخط العربى الذى تخطه يد الفنان بل ستكون مساعدة للفنان والموهوب وكما يقول : زيد العابدين خيرى فى جريدة البديل فى 20 مارس 2008م أن العويضى ظل حزيناً لعدم وجود خط خاص بالجريدة تستخدمه فى كتابة مادتها الصحفية والعويضى لم يكن يتحدث من فراغ بل رحل وهو يملك أفكاراً لعشرين أو خمسة وعشرين نوعاً جديداً من الفونتات ( الحروف المصممة على الكمبيوتر ) والعويضى كان يحلم أيضاً بتدريس الخط كمادة مستقلة فى كلية الفنون الجميلة وكان يمارس كتابة الخط العربى يومياً فى أيام الإجازات والأعياد فلا يمر يوم عليه دون أن يذهب إلى مكتبه بالدور الحادى عشر فى مبنى الأهرام الجديد ليكتب ولو ساعة واحدة لو لم يفعل هذا يتعب نفسياً وكان الراحل يجمع فى مكتبه رفاقاً يمد بينهم جسوراً المحبة ومنهم ضياء رشوان – سيد محمود –عبدالفتاح الجبالى – مجدى صبحى – ضياء حسن – خالد السرجانى – وكما يقول سيد محمود : أن شخصية العويضى لم تكن تقبل الحلول الوسط ولا تفضل الرماديات لأن صاحبها اعتاد الاستقلال .

أما محمد بدوى فقال : كان حامد العويضى متمرداً لكنه تمرد الرجل هادئ طويل النفس مولع بالصمت والتأمل والجلوس فى الزوايا المعتمة حديثه همس ولكن عواطفه عميقة لا تعبر عن نفسها إلا فى الخطوط ، كان عمله الصامت قد تكلم وصار معروفاً عنه أنه واحد من بقايا عشاق النقش العربى القلائل المجيدين وواحد من أصحاب الكنوز فى الموسيقى الشرقية .

وكما قال حلمى سالم : العويضى متصوف الحرف ، طبيعى أن يتواشج فى روح العويضى الغرام بالخط العربى مع الغرام بالموسيقى الكلاسيكية وبالتواشيح الدينية والتراتيل القرآنية ، وكتب فى ذلك مقالات عديدة وبذلك تصبح روحه مركباً باهراً من طاقة الحرف العربى ومن أهم معارض العويضى معرضه عن شعر (ابن الفارض) وأود أن نتصور أن الفنان قد تماهى مع ابن الفارض فنظر إلى الخط العربى بتشكيله الجمالى الجميل وقال قولة ابن الفارض : " قلبى يتحدث بأنك متلفى روحى فداك عرفت أم لم تعرف " وأراد أن يتماهى مع أمل دنقل فيقف مع اللقطة إلى جوار لوحة الخط التى تنطق بلسان العويضى فيقول :

معلق أنا على مشانق الصباح وجبهتى بالموت محنية لأننى لم أحنها حية

ويؤكد هانى درويش : أن العويضى أطلق فى أخر أعماله إبداع رمز الشعر المصرى أمل دنقل ولفتت لوحات العويضى حاملة سحر العربية وإبداعها مشارق الأرض ومغاربها من طوكيو إلى روما إلى ألمانيا وفى الأخيرة مزج حامد بين أشعار سيد المتصوفة ابن الفارض وعمر الخيام وكلمات الإمام على رضى الله عنه فى نهج البلاغة بأشعار الشاعر الألمانى الكبير جوته فى ديوانه الشرقى الغربى وخرج العويضى بالخط العربى من كلاسيكية الخط الزخرفى ليصبح عنصراً تشكيلياً فاعلاً وعلاقة قائمة بذاتها داخل اللوحة وكان العويضى قد ساهم فى إخراج العديد من الإصدارات والشعارات أهمها شعار نقابة الصحفيين وقام راحلنا بأداء فريضة الحج العام الماضى وأدى العمرة لوالده وأخيه الأكبر ، ومن المعروف أن الراحل العويضى قد تزوج السيدة منال الجسرى الصحفية اللبنانية بالأهرام ويكلى ، ورحل عن دنيانا تاركاً ابنيه صلاح وعايدة بالصف الخامس الابتدائي وتم مواراة جثمان الراحل حامد العويضى فى مدافن الأسرة بمدينة قوص وسط حشد كبير من الصحفيين والفنانين والخطاطين . (( رحمة الله على العويضى وأسكنه الله فسيح جناته )).