22 عاماً على وفاة الصحفي الداعية جابر رزق

22 عاماً على وفاة الصحفي الداعية جابر رزق

- رحمه الله -

بدر محمد بدر

[email protected]

يوم الأحد الماضي (20 / 6) مرت الذكرى الثانية والعشرون لوفاة الصحفي الداعية والإنسان الخلوق جابر رزق جابر الفولي رحمه الله رحمة واسعة، بعد حياة ليست طويلة في العمر، لكنها مليئة بالعمل والبذل والتضحية، وفى السطور القادمة نتوقف عند أهم المحطات في حياته.

ولد جابر رزق ـ رحمه الله ـ في الثاني من أكتوبر عام 1936م، في قرية "كرداسة" التابعة لمحافظة 6 أكتوبر (الآن) بمصر، ونشأ في أسرة بسيطة، وتعرف على جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأته، فقد كانت بلدته إحدى معاقل الجماعة، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة السعيدية الثانوية بالجيزة، واشتغل مدرساً للغة الفرنسية، ثم أكمل دراسته الجامعية، ليحصل على درجة الليسانس من كلية الآداب جامعة القاهرة قسم صحافة، وعمل محرراً في مجلة الإذاعة والتلفزيون، التي كان يرأس تحريرها الكاتب الكبير أحمد بهجت، وتكونت صداقة عميقة بينه وبين زميله الصحفي الناصري حسنين كروم.

دخوله السجن

وفي عام 1965م اعتقلته أجهزة الأمن، ضمن حملة الاعتقالات الكبيرة التي شملت الآلاف من المنتمين للإخوان المسلمين، وتم تقديمه مع إخوانه للمحاكمة العسكرية، وصدر الحكم ضده بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاماً... كان الحكم قاسياً ضد الجميع، وبدأ يسرى بين المحبوسين تيار يشكك في إسلام هؤلاء الذين يعذبون الدعاة إلى الله ويظلمونهم، ويلقون بهم خلف أسوار السجون دون ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله، وبدأ جابر رزق يتأثر بهذا التيار، وسرعان ما هدأت نفسه واستقرت، بعد صدور الدراسة العلمية الرصينة، التي أشرف عليها المستشار حسن الهضيبي ـ رحمه الله ـ بعنوان "دعاة لا قضاة"، فأوكل الجميع أمر هؤلاء الظالمين، إلى الله العادل سبحانه وتعالى.

أمضى جابر رزق في السجن 9 سنوات بكاملها، حتى خرج في عام 1974، في عهد الرئيس أنور السادات، وسجل بقلمه هذه الفترة الحالكة من تاريخ مصر في عدد من الكتب منها: الأسرار الحقيقية لاغتيال الإمام الشهيد حسن البنا ـ مذابح الإخوان في سجون ناصر ـ ومذبحة الإخوان في ليمان طره.. وخرج من السجن ليواصل جهاده الصحفي والدعوي، وعاد للعمل في مجلة الإذاعة والتلفزيون، وفيها نفذ أكثر من حملة صحفية ناجحة، منها حملته لكشف أفكار طه حسين في ميزان الإسلام، من خلال آراء المفكرين والنقاد والعلماء، وأحدثت تحقيقاته أثراً سياسيا وفكريا كبيراً، وتعرضت المجلة للضغوط حتى تم إيقاف الحملة بأوامر عليا، لكن جابر رزق لم يتوقف، وجمع حلقات هذه الحملة في كتاب بعنوان "طه حسين.. الجريمة والإدانة".. وأيضاً قاد حملة صحفية ناجحة ضد التعذيب الذي يجرى في السجون، وكشف فيها الكثير من الوقائع، عما تعرض له السجناء السياسيون والمعتقلون من أهوال.

مجلة الدعوة

وفي عام 1976م عادت مجلة "الدعوة" للصدور من جديد، وكان صاحب امتيازها الشيخ صالح عشماوي ـ رحمه الله ـ وأدراها وأشرف على تحريرها الأستاذ عمر التلمساني ـ رحمه الله ـ وتولى الأستاذ جابر رزق مسئولية مدير التحرير، فأعطاها اللمسة الصحفية الساخنة، بمقالاته الحية وتحقيقاته وحواراته وعناوينه الجذابة.. ونجحت المجلة، وزاد توزيعها على الخمسين ألف نسخة شهرياً، وهو رقم كبير جداً في ذلك الوقت.

وفي عام 1978 سافر للعمل في دولة الإمارات العربية، لكنه لم يستقر بعد أن شعر بحاجة إخوانه إليه، فعاد مجدداً إلى مصر وتولى مسئوليته في مجلة "الدعوة" التي كانت قد زادت شهرتها، وبدأت ضغوط السلطة عليها وعلى الإخوان، خصوصاً في الفترة التي أعقبت توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وأيضاً الثورة الإيرانية وتأثيرها على المنطقة.

في تلك الفترة (79 ـ 1980)، تعرفت على الأستاذ جابر رزق واقتربت منه كثيراً، وكنت أجد سعادتي في الحوار معه في كل شئ وفي أي اتجاه، فكان بالنسبة لي الأب الحاني والأستاذ والمربى وصاحب الرسالة والصديق والمحلل السياسي، والأخ الأكبر والناصح الأمين.. ارتحت إلى صفات كثيرة فيه، لكن أهمها صفتان؛ الأولى: حبه الشديد لدعوته وجماعته، حباً ملك عليه نفسه، واستولى على حبات قلبه، وكان يبدأ يومه قبيل صلاة الفجر ويستمر حتى ما بعد منتصف الليل، مابين قراءة وكتابة ولقاءات ومحاضرات وزيارات.. يبذل ما يستطيع صابراً محتسباً، والثانية: هدوء نفسه وصفاء قلبه وسعة صدره، لا يحمل ضغينة لأحد، ولا يبيت وفي صدره شئ من أحد.

الملف الإعلامي

وفي أوائل سبتمبر 1981م تم القبض عليه مرة أخرى، ضمن عدد من قيادات الإخوان منهم الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام والشيخ صالح عشماوي، وتم الإفراج عنهم بعد نحو خمسة أشهر، وخرج الأستاذ جابر رزق ليواصل جهاده، مرافقاً للأستاذ عمر ومستشاراً إعلامياً له، ومسئولاً عن الملف الإعلامي للإخوان المسلمين، رغم أنه جاءته الدعوة ليكون رئيساً لتحرير مجلة "الإصلاح" التي تصدرها جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي بدولة الإمارات، لكنه فضل أن يكون قريباً من قيادة الجماعة التي كانت في حاجة إليه، وفي عام 83 تم افتتاح مقر الإخوان في شارع سوق التوفيقية بوسط القاهرة، وفي عام 84 شاركت معه في إنشاء مجلة "البشير" لكن أجهزة الأمن صادرت المجلة الوليدة، وأحالت المسئولين عنها للمحاكمة، وفي عام 85 تولى الأستاذ جابر رئاسة تحرير مجلة "لواء الإسلام" بعد سلسلة من ضغوط السلطة، حتى نجحت المجلة نجاحاً كبيراً، وارتفع توزيعها إلى نحو 90 ألف نسخة شهرياً.

نقابة الصحفيين

ومع موجة الانفتاح على المجتمع المصري، التي قادها الأستاذ عمر التلمساني، في أوائل الثمانينيات، تولى الأستاذ جابر رزق مسئولية تفعيل شباب الصحفيين المنتمين للإخوان أو القريبين من الجماعة في نقابة الصحفيين، وخصص يوماً في الأسبوع للاجتماع العام بمقر النقابة في شارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة، ورغم أن العمل كان متواضعاً في تلك المرحلة، بسبب قلة العدد وضعف الخبرات وصغر السن، إلا أن هذا اللقاء كان مدخلاً للتأثير الإيجابي لصالح الإسلاميين في انتخابات النقابة التي جرت عام 1985، وفاز فيها الأستاذ محمد عبد القدوس بعضوية مجلس النقابة بأعلى الأصوات، وكان هذا اللقاء أيضاً فرصة لتعريف الصحفيين بدعوة الإخوان المسلمين، والآن يشكل التيار الإسلامي رقما مهما في معادلة العمل النقابي بين الصحفيين.

وفاتـه

وفي يناير 1988م عاد الأستاذ جابر رزق من تركيا، بعد أن حضر أحد المؤتمرات هناك، وكان يعاني من آلام في الصدر وكحة شديدة، ورغم أنه ذهب للأطباء والتزم بالدواء الموصوف له إلا أنه كان يتألم، حتى نصحه أحد الأطباء بإجراء فحوص وأشعة وعمل تحاليل، والتي أدت إلى اكتشاف إصابته بالمرض الخبيث، وأنه في مرحلة متقدمة، وعندما طلب منه الإخوان أن يسافر إلى أوربا أو أمريكا للعلاج وألحوا عليه في ذلك، اشترط أن يعالجه طبيب مسلم، وفي أواخر مارس 88 ودعناه ـ أنا وأخي صلاح عبد المقصود ـ على أمل اللقاء، لكن جثمانه عاد من الخارج بعد أن لقي ربه في العشرين من يونيو 1988, ليدفن ـ كما أوصى ـ بجوار أستاذه ومرشده عمر التلمساني في مقابر القطامية بمدينة نصر، ولتطوى صفحة مضيئة من صفحات المجد، سطرها هذا الرجل الصابر المجاهد.. جابر رزق.. رحمه الله رحمة واسعة.