أحمد رامي

شاعر الشباب

أحمد رامي

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

وصف بـ عمر الخيام المصري وشاعر الشباب وإسمه الحقيقى أحمد محمد رامى حسن عثمان . ولد فى 9 أغسطس عام 1892  ، ووالده هو الدكتور  محمد رامي إبن الأميرالاى حسن بك عثمان الذى قتل أثناء فتح السودان . عاش أحمد رامى بحى الناصرية الذى يقع بالقرب من حى السيدة زينب بالقاهرة ، ثم إنتقل والده بعدها ومعه أسرته الصغيرة الى جزيرة قولة ليعمل بإحدى الجزر الصغيرة التابعة لها وهى " جزيرة طاشيوز " التى يعتبرها البعض

بعد عودتهه للقاهرة إلتحق الفتى بالمدرسة المحمدية الإبتدائية بحي السيوفية بالقاهرة، وحصل على شهادة الإبتدائية عام 1907 ، ثم الكفاءة فى عام 1909، ودفعته أسرته الى شعبة العلوم بالمدرسة الثانوية حتى يجد مكانا بالطب مثل والده ، لكن الفتى أصر على دخول شعبة الآداب خاصة وأنه فى تلك الفترة بدأ يكتب الشعر ، وكان كتاب "مسامرة الحبيب فى الغزل والنسيب " قد لعب دورا هاما فى حياة الشاب الصغير وجعله شديد الولع بالآداب وفنونها خاصة الشعر حتى أنه حفظ مختارات شعر العشاق والغزليين بذلك الكتاب . وفى عام 1910 نشرت لـ رامى أول قصيدة له بمجلة " الروايات الجديدة " وكان مطلعها : أيها الطائر المغرد رحماك ... فإن التغريد قد أبكاني " .   

   حصل أحمد رامى على شهادة البكالوريا عام 1911 ، لينتقل بعدها الى مدرسة المعلمين العليا ، وأثناء دراسته بالمعلمين العليا أتقن اللغة الإنجليزية وساعده ذلك على قراءة "رباعيات الخيام " باللغة الإنجليزية.

وفى عام 1914  حصل أحمد رامى على إجازة التدريس من مدرسة المعلمين العليا ، وفى تلك الفترة كان على علاقة وثيقة بالشاعر العراقى المكفوف البصر عبد الرحمن الكاظمى وكان يزوره فى منزله كثيرا وتعلم على يديه الكثير من فنون الشعر ، كما عمل على الاتصال بكبار الأدباء والشعراء فى تلك المرحلة مثل أحمد وقى وحافظ ومطران ونسيم وغيرهم .    ببعد تخرجه من المعلمين العليا عمل رامى مدرسا بمدرسة القاهرة الثانوية الأهلية بالسيدة زينب ، وظل بها عامين يعلم تلاميذه اللغة الإنجليزية والجغرافيا ، وكان من زملائه المدرسين بتلك المدرسة  الدكتور أحمد زكى، ومحمد فريد أبو حديد . وفى عام 1919 توفى والده وكان ذلك صدمة بالنسبة له ، ورثاه رامى (ربما كان يرثى حاله) فقال : " نشأت فى اليتم ولى والد ... فما اكتفى الدهر بهذا العذاب".

فى تلك الفترة توطدت علاقاته أكثر بكل من أمير الشعراء أحمد شوقى وحافظ إبراهيم ومطران ، وصدر أول ديوان لأحمد رامى فى عام 1918 ، وفى عام 1920 صدر له الجزء الثانى وقد كتب مقدمته أحمد شوقى وأشار فيها على يسر وسلاسة شعره ، ومن أبيات مقدمة شوقى لديوان احمد رامى قوله: يا راميا غرض الكلام يعيبه ... لك منزع فى السهل ليس برام " .   فى ذلك الوقت كان رامى يعمل بمدرسة القربية الابتدائية وظل بها خمس سنوات طوال ، ثم أوفدته دار الكتب أوائل عام 1922 فى بعثة الى باريس لدراسة اللغات الشرقية ومنها اللغة الفارسية وفن الفهرسة والمكتبات ، وعندما أتقن اللغة الفارسية قرأ ثانية "رباعيات الخيام "  وكتبها أيضا بالفارسية .

تأثر رامى كثيرا بالخيام ونظرته الى الحياة وتعلم إسلوب إيمانه بكل ما يحيط حوله  حتى أطلق عليه بعض أصدقائه هناك عمر الخيام المصرى . وأثناء تواجده فى باريس وصله خبر وفاة شقيقه الأكبر فغرق فى حزن شديد وإنغمس كلية فى فلسفة عمر الخيام وآلامه وقرر ترجمة رباعياته من الفارسية الى العربية ، وبعد الانتهاء من الترجمة قام بإهدائها الى روح شقيقه الضابط محمود رامى الذى توفى ودفن فى وادى حلفا بالسودان فى أول أغسطس عام 1923  . فى نفس العام وأثناء تواجده بباريس أيضا قام الشيخ "أبو العلا" وهو وثيق الصلة بأم كلثوم بتلحين قصيدة " الصب تفضحه عيونه " التى راقت لأم كلثوم ، وذلك دون علم أحمد رامى. ولما عاد من باريس إلى القاهرة فى 21 يوليو عام 1924 أبلغه  أحد أصدقائه حكاية اللحن وأداء أم كلثوم له . وفى اليوم التالى صحبه هذا الصديق الى مسرح البوسفور ودخل رامى الى أم كلثوم فى حجرتها التى نظرت اليه وقالت له: " أهلا سى رامى " ، على الرغم أنها لم تره من قبل ، ومن يومها توثقت العلاقة بين أم كلثوم  ورامى (ولم يفترقا حتى وفاتها فى 3 فبراير 1975).  

أختير رامى للعمل أمينا لمكتبة مدرسة دار المعلمين العليا، وهو ما أعتبره فرصة عظيمة لإشباع نهمه بالقراءة وحب المعرفة، فى الوقت نفسه صدر له أول طبعة لترجمة رباعيات الخيام عن الشعر الفارسي عام 1924 (ثم صدرت بعد ذلك 14 طبعة وكان آخرها طبعة 1972) .    

إنتقل أحمد رامى بعد ذلك من مكتبة دار المعلمين العليا الى مكتبة دار الكتب السلطانية ، وهناك أعد مشروعا عظيما لها وهو تحقيق ومراجعة وإخراج قاموس البلاد العربية مقسما القرى الى ثلاثة أنواع هى : قرى مندرسة ، وقرى خالية بالوجه البحرى ، وقرى خالية بالوجه القبلى .

يذكر أنه طوال حياته العملية ظل أحمد رامى مغبونا أشد الغبن فى دار الكتب على الرغم من إجادته لعدد من اللغات واللهجات. وقضى نحو   19 عاما قابعا فى الدرجة الخامسة لأن وزارة المالية لا تريد أن تنشىء درجة مالية جديدة ، فى الوقت نفسه كان يرى شخصا آخر يتقدم عليه ولا يحمل سوى الإبتدائية .  وأخيرا وصل أحمد رامى الى سن التقاعد ، وخرج الى المعاش وتفرغ للأدب والشعر، لكن الإذاعة المصرية إختارته عام 1954 ليعمل لها مستشارا أدبيا ، وعضوا بلجنة النصوص ، وظل فى هذا العمل 12 عاما أعطى فيها كل وقته لبث الفن الجميل حتى بلغ السبعين من العمر ، وترك الإذاعة الى منزله ليواصل حياة الفكر والتأمل والاستجمام .

   نشير هنا إلى أنه فى عام 1957 ذاع صيت رامى ولقب بشاعر الشباب وأسرفت الصحافة فى المديح له على الرغم من أنه بلغ الـ 65 عاما فى ذلك الوقت وهو ما جعل البعض ينتقد تلك التسمية التى لا تتفق مع عمره . وترجع هذه التسمية  إلى عام 1924 عندما عاد رامى من فرنسا وكان ينشر قصائده بمجلة أسمها " الشباب " وكان صاحب المجلة ينشر إسم أحمد رامى مقرونا بعبارة "شاعر الشباب " ، وبمرور السنين نسى الناس إسم المجلة وظلوا يتذكرون شاعر الشباب .

لقد أحدثت مدرسة رامى تطورا واضحا فى الأغنية العربية المعاصرة ، وقال عنه الشاعر صلاح عبد الصبور:" أحمد رامى شاعر عريق فى صناعة القريض ، له فيها تجربة نصف قرن من الزمان ، إرتبط إسمه بتجديد الغناء المصرى فى لغته وإسلوبه وأفكاره وعواطفه منذ عودته من باريس وغنى له القطبان الكبيران.. أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب".  

كتب أحمد رامى نحو 250 قصيدة أغنية ، كما ترجم عن الأدب الإنجليزى الى اللغة العربية 15 مسرحية ، وكتب 35 قصة للسينما المصرية ، وترجم عن الفارسية " رباعيات الخيام " ، وصدر له 6 دواوين ، الأول منها صدر عام 1918 ، وصدر له الديوان الأخير عام 1965 .  كان يرى أن لأم كلثوم دور هام فى النهضة بالأغنية المصرية ، وكان يعلل ذلك بأن الأغانى المصرية أخذت بعد الحرب العالمية الاولى (1914-1918) سبيلا يتميز بالإباحية فى التعبير حتى وصلت فى بعض الأغانى الى ما يسمى بالأدب المكشوف ، لذلك كان لابد من وقفة وهو ما حدث عندما أصرت أم كلثوم على إختيار كلمات أغانيها بدقة وتبعها فى ذلك العديد من المطربين . وقد أختير أحمد رامى عضوا باللجنة الدائمة لجمعية المؤلفين والملحنين فى باريس ، كما أختير عضوا بلجنتى الشعر والفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية .  وحصل على وسام الأرز اللبنانى ، وعلى وسام الكفاءة الفكرية المغربى.  وأخيرا توفى شاعر الشباب  فى 4 يونيو عام 1981 .