أبو إياد (صلاح خلف)

أبو إياد (صلاح خلف)

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

·    وجوده بالقاهرة كان بمثابة نقطة انطلاق كبيرة لعملية النضال الفلسطيني ، فقد تعرف على ياسر عرفات الذى كان طالبا بكلية الهندسة ، جامعة القاهرة.

·    منذ عام 1970م تعرَض أبو أياد لأكثر من عملية اغتيال سواء من الإسرائيليين أو من  بعض الحركات الفلسطينية التي كانت تمول من بعض الأنظمة العربية.

·    كان قريب من السادات حتى أن الأخير أحضره إلى إدارة غرفة عمليات معركة أكتوبر 1973 ، ويؤكد أنه بعد حرب أكتوبر 1973  تبنَى مشروع السادات الخاص بإقامة الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين، وصولاً إلى إقامة دولة ديموقراطية على كامل فلسطين تضم الفلسطينيين والمسيحيين واليهود. وعلى إثر هذا المشروع برزت جبهة الرفض الفلسطينية التي رفضت هذا المشروع جملة وتفصيلا. 

ولد صلاح خلف الشهير بأبو أياد فى عام 1933 بحي الحمام المحروق فى يافا ، وقبل أن يتم الخامسة عشر من عمره وتحديدا فى 13 مايو 1948 أضطر إلى مغادرة يافا مع عائلته وعدد كبير من الأسر الفلسطينية الى قطاع غزة وذلك تحت وابل من قذائف المدفعية اليهودية. وقبل مغادرته يافا اشترك صلاح خلف بمنظمة النجادة الفلسطينية التي أنشئت من أجل مقاومة منظمة الهاجانا اليهودية التي كانت تقتل الفلسطينيين العزل .  لكن صلاح خلف لم يبقى بغزة طويلا فقد توجه إلى القاهرة عام 1951 ليتابع دراسته الجامعية حيث انتسب إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ثم تخرج منها ليحصل بعدها على دبلوم تربية وعلم نفس من جامعة عين شمس.    ويذكر أبو أياد أن وجوده بالقاهرة كان بمثابة نقطة انطلاق كبيرة لعملية النضال الفلسطيني ، فقد تعرف على ياسر عرفات الذى كان طالبا بكلية الهندسة بجامعة القاهرة آنذاك والذي كان يدعو مع عدد كبير من الطلبة الآخرين الى ضرورة تكوين خلايا من الفلسطينيين لمقاومة المحتل الإسرائيلي . وفى عام 1952 بدأت فكرة المقاومة فى التحقق حيث تم تشكيل قيادة اتحاد الطلاب الفلسطينيين، وكانت تمثل قطاعًا هاما من الرأي العام الفلسطيني وقد  أطلق عليها أنصار الاتحاد الطلاب الفلسطيني من أجل عمل فلسطيني وحدوي . يذكر أنه بعد الغارة الإسرائيلية على قطاع غزة فى عام 1955 انتفض الطلبة الفلسطينيين بالقاهرة وقاموا بعدة مظاهرات، كما قاموا بالإضراب عن الطعام ، ثم تقدموا بلائحة من المطالب الى الحكومة المصرية ، منها على سبيل المثال :  (1) إلغاء نظام التأشيرات بين غزة ومصر،(2) إقامة معسكرات تدريب إجبارية تتيح للفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الإسرائيلية.  وبالفعل استجاب الرئيس المصري عبد الناصر الى مطالبهم ، وقد ساهم ذلك فى توطيد العلاقة  بين الطلبة والثورة المصرية. وفى هذه المرحلة نشط أبو إياد ورفاقه في تجنيد الكوادر الفلسطينية  وتوطيد هذه العلاقة فيما بينهم. 

بعد أن أنهى أبو إياد دراسته بالقاهرة عاد إلى غزة عام 1957 ليعمل بالتدريس ثم ممارسة عمله السري في تجنيد مجموعات من المناضلين الفلسطينيين وتنظيمهم في غزة.

على الطرف الآخر في الكويت كان رفيق دربه أبو عمَار يعمل هناك مهندسا وناشطا في تجنيد المجموعات الفلسطينية ، ولعل ذلك هو ما دفعه للانتقال الى الكويت عام 1959م للعمل مدرسا هناك ويكون بالقرب من ياسر عرفات لتوحيد جهودهم من أجل إنشاء حركة تحرير فلسطين التي أطلقوا عليها اسم ( فتح )  لتحرير أرضهم المحتلة. ومنذ ذلك الحين عزم مؤسسو حركة (فتح) على التصدي لكل محاولة لإخضاع حركتهم الوطنية لأي إشراف حكومة عربية عليها (أو هكذا كان الهدف). وبالفعل قام أعضاء حركة فتح بعرض مبادئهم أمام الجماهير الفلسطينية الواسعة عن طريق  مجلة ( فلسطيننا )، كما قام أعضاء الحركة أيضا بإنشاء جهازين: أحدهما عسكري، والآخر سياسي في الفترة ما بين 1959م –1964م.

عندما ظهرت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري اكتشفت حركة (فتح) خطورة هذه المنظمة نظرا لإشراف الأنظمة العربية على الحركة الوطنية الفلسطينية وهو ما رفضه أعضاء حركة فتح ، وقد حاول كل من ياسر عرفات وصلاح خلف(أبو أياد)  الاتصال بأحمد الشقيري لإقناعه بالتنسيق بين حركة فتح والمنظمة فى الأنشطة العلنية والسرية  إلا أن الشقيري رفض ذلك نتيجة لإلتزامه بميثاق المنظمة، وفى النهاية وافق عرفات وصلاح خلف على المشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية نظرا لإمكانياتها الأوسع ماديا وإعلاميا  ، وبالفعل انخرط فدائيو ( فتح) في جيش التحرير تحت إشراف المنظمة .

فى نوفمبر عام 1964 شهدت حركة فتح أول خلاف لها بين أعضائها حول حرب العصابات، فقد رأى بعضهم أن الوقت مبكرا ، بينما رأى الطرف الآخر وعلى رأسهم أبو إياد  أن الوقت  مناسب لبدء الكفاح المسلح وكانت خطته فى ذلك أن حركة فتح سوف تتطور إلى حركة جماهيرية فى حال بدء الكفاح . وفى النهاية نجح أبو أياد فى إقناع الطرف الآخر ببدء العمليات. وهكذا تم الاتفاق على توقيت أول عملية عسكرية فى 31 ديسمبر عام 1964، وقد سميت بـ (العاصفة).

رغم تزايد الخلافات داخل حركة فتح ، علاوة على الضغوط العربية على الحركة وضعف إمكانياتها المادية إلا الحركة واصلت العمل مما زاد حدة التوتر بين إسرائيل والأنظمة العربية . وإستمر الحال كذلك حتى جاءت هزيمة 1967 التي اعتبرت بمثابة نقطة الانطلاقة الكبرى لتطوير حركة فتح وإنشاء قواعد لها على طول نهر الأردن وساندهم فى ذلك السكان المحليون والقوات الأردنية النظامية إلى أن تم تحقيق أول انتصار للحركة فى معركة الكرامة التي على إثرها تدفق الآلاف للانتساب لحركة فتح. وفور ذلك الانتصار أصدر أبو أياد بيانه التاريخي عن اللجنة المركزية لحركة فتح ليعلن فيه تعيين ياسر عرفات ناطقا بإسم حركة  فتح وبالتالي باسم (العاصفة).

في عام 1969م استطاعت حركة فتح السيطرة على منظمة التحرير، وبالتالي أصبح ياسر عرفات رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية وتم دمج حركة فتح في منظمة التحرير، وبدأت المنظمة تؤمن تواجدها دوليا خاصة مع الدول الاشتراكية التي دعمت كفاح الشعب الفلسطيني بالمال والتدريب والدورات مثل كوبا وفيتنام.  وهكذا بدأ اسم أبو إياد يبرز كعضو  للجنة المركزية لحركة فتح، ثم مفوضا لجهاز الأمن بها،  وتولى قيادة الأجهزة الخاصة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية . ويذكر أنه منذ عام 1970م تعرَض أبو أياد لأكثر من عملية اغتيال سواء من الإسرائيليين أو من  بعض الحركات الفلسطينية التي كانت تمول من بعض الأنظمة العربية. لكن الحدث الأكثر ألما هو وصول العلاقات بين السلطات الأردنية والمقاومة الفلسطينية الى حد الاشتباك المسلح في سبتمبر عام 1970. وفى هذه الأحداث المؤسفة تم اعتقال صلاح خلف في العاصمة الأردنية عمَان ومعه عدد من رفاقه ، ثم دعي إلى القصر الملكي بعمَان للقاء الوفد العربي الذي جاء إلى عمان للتوصل إلى وقف المعارك بين الفلسطينيين والأردنيين ، وتم إخراج أبو أياد  من الأردن على نفس الطائرة التي أقلت الوفد العربي إلى القاهرة ليشرح للرئيس عبد الناصر الوضع بالأردن . وهكذا انتهى تواجد المقاومة الفلسطينية في الأردن صيف 1971 ، (وفى هذا الصدد يقول أبو أياد : لقد طويت  صفحة من تاريخنا بصورة نهائية) .

أما عن علاقة أبو أياد بالرئيس المصري أنور السادات  ، فقد كان أبو أياد من القلة التي عرفت بعض الخفايا التي سبقت حرب أكتوبر 1973 وأثنائها وبعدها نظرا لقربه من السادات، حيث طلب السادات عرفات وأبو أياد أيضا استخدام أكبر عدد ممكن من الفدائيين للاشتراك معه في معركة 1973 ، (يذكر أبو أياد فى هذا الصدد أنه حضر الى إدارة غرفة عمليات المعركة مع السادات، ويؤكد أنه بعد حرب أكتوبر 1973  تبنَى مشروع السادات الخاص بإقامة الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين، وصولاً إلى إقامة دولة ديموقراطية على كامل فلسطين تضم الفلسطينيين والمسيحيين واليهود). وعلى إثر هذا المشروع برزت جبهة الرفض الفلسطينية التي رفضت هذا المشروع جملة وتفصيلا. 

أما على الصعيد اللبناني ، فقد كان لأبو أياد دور بارز إبان الحرب الأهلية حيث كان أحد قادة المقاومة المكلف بعملية المفاوضات المعقدة بين الفصائل اللبنانية من جهة، والفصائل اللبنانية والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، وشارك في الإعداد لاتفاقية شتورا عام 1977م التي نظمت هذه العلاقة.