الشيخ أحمد الحصري 3

الشيخ أحمد الحصري

(3)

رحمه الله

الشيخ أحمد الحصري

عبد المعز الحصري

[email protected]

طريقته

 لقد مضى على مولد الشيخ قرابة قرن ولم أجد أحداً – رغم جهودي الحثيثة - يفيدني بأن الشيخ كان يحضر أو يقيم حضرة صوفية علما بأنّه شيخ المعرة والناس تثق به وهو مؤسس ومدير ومدرس في مدرسته (معهد الامام النووي الشرعي في معرة النعمان ) ولديه من الطلاب المئآت ،

 وطريقة الشيخ رحمه الله هي الجهاد بسلاح الدعوة الى الله " فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً " (52) الفرقان ، وباسلوب الحكمة والموعظة الحسنة "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " (125) النحل

حارب الشيخ أحمد الحصري - رحمه الله - الصوفية المشوهة للإسلام ، فأنّب و عاتب تلميذين من طلابه ، بعد ما علم بحضورهما حضرة للصوفية - قرب حماة - بدون علمه و إذنه ، و قال لهما : تريدون أن تتزبزبوا قبل أن تتحصرموا ، عليكما بالعلم أولاً .

ومما يؤكد حرص ّالشيخ على العلم أن وجّه أولاده – التسعة - لطلب العلم فكانت نسبة الشهادات الجامعية أكثر من مئة بالمئة ( نظرا لأن منهم من يحمل شهادتي بكالوريوس ) فمن أولاده الشيخ الدكتورمحمد صالح الحصري – رئيس قسم الدراسات الاسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة سابقا - والذي أجازه الشيخ ابن باز – رحمه الله – في الفتوى ، ومن أولاده الاستاذ الشيخ عبد المنعم الحصري الذي كان رئيس مراكز الشيخ زايد لتحفيظ القرآن الكريم في الامارات العربية المتحدة لمدة 30 سنة حتى توفّاه الله، رحمه الله والمسلمين آمين .

لم يسمح لطلابه أن يمشوا حوله بل كان الشيخ يمشي لوحده ويخدم نفسه ، ويأمرهم بأن يمشوا أمامه مسرعين الى قضاء مصالحهم ( المطالعة ، أو تجهيز طعامهم في سكن المدرسة ....)

وصدق القائل : كم قطعت طقطقت النعال خلف الرجال من رأس ،

جلّ وقته في البيت يقضيه مصطحبا الكتاب وتراه ينام والكتاب على صدره أوبين يديه

 وان ترك الكتاب يلجأ الى الذكر ، ولو شاء الشيخ أن يقيم حضرة في بيته لتّسع لمئات من الناس ،

ناقش الشيخ الحصري بعض الصوفية – الشيخ صبحي الصبوح رحمه الله – قائلاً : لماذا تقولون في الحضرة هو هو هو

فأجابه الشيخ الصبوح : هذه أصلها هو الله الذي لا إله إلا هو .

وقد حضرالشيخ الحصري مجلس الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد في احدى القرى وأخذ المنشد بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم وقام أحدهم يدور ويقفز فصاح به الشيخ صيحة واحدة فاذا بالذي كان يدور ويقفز قد جلس في أرضه ولم يتحرك .

 لم أره ولو مرة واحدة يحضر حضرة صوفية خلال ربع قرن من صحبتي له ،

 وكان الشيخ لايعجبه ما يفعله بعض الصوفية من ضرب أنفسهم بالشيش أو بأي قطعة حديدية ،

 ويقول لمن يسأله عن ذلك أنه لاينبغي فعل هذا العمل امام الناس وكلهم مسلمين .

 و اعتبر الشيخ الحصري ، ((( الصوفي الحق ))) هوالذي صفت سريرته و علّق قلبه بالله و حمل لواء العلم و الجهاد و دافع عن الإسلام و حارب البدع و الضلالات و كل ما يخالف الكتاب و السنة " ،

 فكانت طريقته هي ((( السير على نهج وسيرة رسول الله " صلى الله عليه وسلم " من أحب وأسرع وأقصرالطرق الموصلة الى الله ألا وهي العلم بالله أولا ، ولعل ذلك من بعض حكم أول ما أنزل من القرآن الكريم " ا قرأ " ومن ثم سيرة أبو بكرالصديق والصحابة الكرام –رضي الله عنهم ))) وأوصله إلى ذلك شيخه الولي العارف بالله الشيخ محمد أبوالنصر خلف الجندي الحمصي النقشبندي " رحمه الله آمين " ، الذي كانت طريقته هي السير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وبفكروقلب أبي بكر الصديق " رضي الله عنه الذي كان من قوله رضي الله عنه ( أينقص الدين وانا حي ) والذي كان ملازماً للرسول " صلى الله عليه وسلم " وأشدالتصاقا وأسرع تطبيقا وأقواهم فداء لهذا الدين

 واعتمد بذلك على العلم الصافي الذي لا تشوبه شائبة

 وكان الشيخ الحصري يقول لطلاب مدرسته : عليكم أولا بالعلم فهو الطريق الموصل إلى الله . متأثراً بشيخه محمد أبوالنصرخلف الجندي الحمصي الذي رفع شعار ( أنا بريْ مما يخالف الكتاب والسنة ) " انظر الشيخ محمد الحامد للمؤلف عبد الحميد طهماز " رحمهما الله

فكانت طريقة الشيخ هي الطريقة النقشبندية ( وهي تعتمد على تخريج علماء عاملين ربانيين – راجع كتاب أعلام النقشبندية طباعة بيروت - )

و نقشبند مؤلفة من كلمتين : ( نقش + بند )

 و نقش في اللغة : تعني نتفك شيئاً بالمنقاش بعد شيء ، ( المرجع : العين ، للخليل بن أحمد الفراهيدي ) .

و بند : تعني الربط

و نقشبندي تعني : نقش لفظ الجلالة ( الله ) مع ربطه على القلب

قال الله تعالى : (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ) (10) القصص

 وقال تعالى : ( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ) (14) الكهف

جاء الشيخان ( أحمد الحصري و محمد الحامد ) رحمهما الله ، إلى بيت الشيخ محمد أبو النصر خلف الجندي الحمصي فعلم الشيخ أبو النصر من مريد له أن الشيخان سلفيان (1) قدما من حلب- قلت : لأنهما كانا يدرسان في حلب - فأمرهما بالجلوس قريباً منه ،

و أشار للمنشد قائلاً أسمعنا . فبدأ المنشد قائلاً :

كـان  لي ظل رسوم
عشت بالمحبوب iiحقاً
و تـخفى عن iiعياني
لست بعد اليوم أخشي
أنـا  في مقعد iiصدق
كـل أوقـاتـي iiمنه
هـكـذا العشق و إلا






فاستوت شمسي iiفزالا
بـعد  ما كنت خيالا ً
بـي عـزا ً و iiكمالاً
مـنه  و الله iiانفصالاً
أجـتني  منه iiوصالاً
فـرحـات iiتـتوالى
كـان و الله iiانـفعالاً

ثم أمسك الشيخ أبو النصر بيد سيدي الشيخ الحصري ، قال الشيخ الحصري رحمه الله : فشعرت بنور ينساب في أوصالي كأنه سلك كهربائي و أنا أعي ذلك حتى شعرت بأن النور قد وصل إلى قلبي فأخذتني نشوة روحانية فلما أفقت تلقاني الشيخ أبو النصر و احتضنني كما تحضن الأم طفلها ، و هكذا ربط الشيخ أبو النصر- رحمه الله – بفضل الله قلبيّ الشيخين ( الحصري و الحامد ) ،

 قلت : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أن يضع يده الشريفة على قلب الرجل الذي جاء يستاذن بالزنا الا وقد طهّر الله قلبه ، ورجل جاء لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم الا وصار الرسول – صلى الله عليه وسلم - أحب الناس اليه بعد أن كان أبغض الناس اليه .

 فهل من مسلم ينكر جلوس المؤمن جلسة الصلاة وعلى وضوء وباتجاه القبلة و يذكر الله دون أن يتحرك و قلبه معلق بالله و لسانه يذكره الذكر الخفي . أليس ذلك من روح ديننا الحنيف ، ولقد ورد في الحديث " خير الذكر الخفي ، وخير الرزق ما يكفي " وفي القرآن الكريم على لسان زكريا عليه الصلاة والسلام "اذ نادى ربه نداء خفيا " الآية 3 سورة مريم

وصلى الله على سيدنا محمد - الذي اذا نامت عيناه قلبه الشريف لاينام –وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا كثيرا .

              

(1)  لقد سألت الأستاذ الكبير عدنان سعد الدين ( الذي كان عارفا بالرجال ) هل كان سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري سلفيا وصوفيا ، فأجاب نعم كان الشيخ سلفيا و صوفيا ، وعلّق على ذلك بكلمة موجزة ، مشكورا .

 قلت : تميزت سلفية الشيخ بالدفاع عن الاسلام في شتى الميادين وهي – سلفيته – أشبه بالسلف الصالح الذين عاشوا في خير القرون ، وقد شهد للشيخ بذلك ( أعداؤة – من النصارى – أمام المحافظ ، وكل من عرف الشيخ - وخاصة أهل معرة النعمان الكرام - يشهد له بالدفاع عن الاسلام ) يضيق ذكر ذلك تفصيلا في هذا المقال .