الأديب محمد الحسناوي

علماء وأدباء في ذاكرتي

(1)

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

حاولت أن أكون موضوعياً في الكتابة عن أستاذنا الراحل محمد الحسناوي –يرحمه الله- كما علّمنا فيما يكتب وينتقد، ولكنني أحسب أني لن أوفق في ذلك، فالتمست لنفسي عذراً، وهو أن ما أسطره عنه يختلط فيه الذاتي مع الموضوعي، إذ كان لي شرف التتلمذ عليه في أواخر الخمسينيات، ببلدتنا جسر الشغور، فعرفته عن قرب، كما عرفت الشعر في شخصه الشاعر، وقد أهدى إلى مجموعة من التلاميذ –وكنت منهم- ديوانه الأول "ربيع الوحدة" فقرأت أشعاره.. حفظتها.. اعتنيت بالديوان في مكتبتي الصغيرة وتعلقت بالشعر وأحببته، وكانت أول مقطوعة لي بعد سنة تقريباً.. ورحل الأستاذ إلى دمشق، فبقيت صورته مختزنة في خاطري، أتسقط أخبار مجيئه إلى البلدة في الأعياد والمناسبات، وفي خطبة الجمعة التي كان يلقيها في الجامع الكبير أحياناً.

وجاء إلى حلب – وحلب حاضرتنا- إذ قُدر لي أن أدرس في جامعتها بكلية الآداب، وترددت على منزله في حي الأنصاري لأنهل من مكتبته العامرة، ولأقدم له على استحياء قصائدي الأولى، فأجد التشجيع والتوجيه والتسديد، ثم تخرجت في الجامعة وتكحلت عيناي بعد سنوات بجمع هذه القصائد في ديواني الأول عام 1977م (في ظلال المصطفى) فقدّم له وكان موضوعياً كعادته؟!.

ثم تمضي سنوات ويضطر للهجرة، ويشاء الله أن ألحق به، لأقضي سنتين معه في محطة هجرتنا الأولى لأتعرف على أشياء جديدة في شخص أستاذنا الراحل، فعملت معه في مؤسسة إعلامية، أفدت منها كثيراً، وتعلمت أنماطاً جديدة في الكتابة سوى الشعر.. وما زلت أذكر كلماته بعد أكثر من خمس وعشرين سنة وهو يقول للعاملين معه: نحن هنا في هذه المؤسسة في مدرسة، ولكن ليس فيها أستاذ وتلميذ، وإنما يعلم بعضنا بعضاً، ويلتفت إلى بعض القصاصات التي لا نهتم بها قائلاً: لا تهملوا شيئاً! سيأتي يوم يكون لهذه القصاصات شأن، فتبحثون عنها ولا تجدونها.

كان - رحمه الله- يعلم أن الواجبات أكثر من الأوقات، وقد أدرك الذين عملوا معه ذلك، حتى تداول الإخوة مقولة: إن أبا محمود يظل يعطيك أعمالاً، طالما أنك ساكت وراض لأن لديه عملاً ضخماً، فإذا سمع صوت أنينك تركك، وقد وصلت شكوى إلى زوجته أم محمود –رحمها الله- بأنه أتعب نفسه وأتعب من معه، فاتضح بعد ذلك أنها تتابعه حتى في طعامه، لأنه قد يخرج في الصباح دون أن يأكل شيئاً، ولولا أنها تتابعه بلفافة صغيرة لنسي نفسه في زحمة العمل، فقد كان شعاره العملي: لن نتوقف فإن غيرنا من إخواننا دفعوا دماءهم ونحن لا نبذل سوى جهد ووقت، ثم يبتسم ليقول أنا مسمار في عجلة العمل الدائرة، وراض بذلك فمن شاء أن يتابع فمرحباً، ومن شاء أن يتوقف فليدعُ لنا ولا يعرقل مسيرتنا.

رحمك الله أبا محمود أديباً وداعية ومعلماً، وأجد نفسي أردد مع الذين عرفوك: لقد أتبعت من بعدك –أيها الراحل الكبير-.

              

*عضو رابطة أدباء الشام