عبدالكريم الخطابي.. أسد الريف وأمير المجاهدين

عبدالكريم الخطابي..

أسد الريف وأمير المجاهدين

محمد سيد بركة

[email protected]

محمد عبدالكريم الخطّـابي زعيم ومجاهد إسلامي من بلاد الريف بالمغرب الأقصى، من قبيلة بني ورغايل الريفية من قبائل الأمازيغ ولد فى بلدة أغادير بالريف المغربي  سنة 1300هـ /1882م ، أي في الفترة التي شهدت حدّة التنافس بين الدول الأوروبية المستعمرة على القارة الإفريقية. لقب ببطل الريف، وأسد الريف . بويع أميرا للمجاهدين. ورفض أن يبايع ملكا بالريف . كما رفض ان يبايع خليفة للمسلمين .عاش مجاهدا متواضعا  لم يقبل المناصب و لاالنياشين و لا المال ، ورفض كل أشكال التكريم الرسمية، التى عرضت عليه من ملك المغرب محمد الخامس بعد استقلال المغرب. نشأ في أسرة كريمة تحت كنف والده الذي كان يتزعم قبيلة بني ورياغل حفظ القرآن على يد والده .ثم أتم دراسته بمدرسة الصفارين والشراطين بفاس ، كما تعلم  فى جامع القرويين. عمل معلمًا فقاضيًا فقاضى قضاة ثم محررًا فى جريدة يليجراف الريف، واعتقله الإسبان عدة مر ات لتصديه لهم .

من القضاء إلى الجهاد .. معركة أنوال

كان الأمير الخطابي في التاسعة والثلاثين حين تولى مقاليد الأمور في منطقة الريف بعد وفاة والده ، قد حنكته التجارب، وأصقلته الأيام، ووحد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم على القيام به من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد.وفي تلك الأثناء كان الجنرال سلفستر- قائد قطاع مليلة- يزحف نحو بلاد الريف؛ ليحكم السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يحذر الجنرال سلفستر من مغبة الاستمرار في التقدم، والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكن الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمر في التقدم ممنيًا نفسه باحتلال بلاد الريف. كانت قوات الجنرال الإسباني تتكون من أربعة وعشرين ألف جندي مجهزين بالأسلحة والمدفعية، ولم تصادف هذه القوات في زحفها على  بلاد الريف أي مقاومة، واعتقد الجنرال أن الأمر سهلاً، وأعماه غروره غير أن رجال عبد الكريم الخطابي كانوا يعملون على استدراج قواته داخل المناطق الجبلية المرتفعة، واستمرت القوات الإسبانية في التقدم وتحقيق انتصارات صغيرة؛ حتى احتلت مدينة أنوال في 7 من رمضان 1339هـ/ 15 من مايو 1921م. بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلها الإسبانيون، وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في رد الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصرة، وأصبحت قواته الرئيسة، التي جمعها في أنوال مهددة، بعد أن حاصرها وطوقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقواته اصطدم بقوات الخطابي في 16 من ذي القعدة 1339هـ / 22 من يوليو 1921م في معركة حاسمة عُرفت بمعركة أنوال، وكانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية؛ حيث أبيد معظم الجيش المحتل، وأقر الإسبان بأنهم خسروا في تلك المركة 15 ألف قتيل يتقدمهم الجنرال سلفستر، ووقع في الأسر 570 أسيرًا، غير الغنائم من الأسلحة التي وقعت في أيدي المجاهدين.

ما إن ذاع خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة أنوال، حتى هبت قبائل الريف تطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمض أسبوع إلا وقد ظفر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة تطوان وبعض الحصون في إقليم الجبالة.

صدى الهزيمة في إسبانيا

كان من أثر هذه الهزيمة المدوية أن قام انقلاب عسكري في إسبانيا بقيادة بريمودي ريفيرا سنة

1342هـ/ 1923م، لكن هذا لم يغير من حقيقة الأوضاع في المغرب، ولم تعلن الحكومة الجديدة إنهاء احتلالها للمغرب؛ الأمر الذي دعا الأمير الخطابي إلى مواصلة الجهاد ضدها، فقام بهجوم عام سنة 1924م على مدينة تطوان، لكنها لم تسقط في يده على رغم من وصول جنوده إلى ضواحيها، واضطرت القوات الإسبانية إلى الانسحاب من المناطق الداخلية، والتمركز في مواقع حصينة على الساحل، كما أنها أخلت مواقعها في إقليم الجبالة، في أواخر سنة 1343هـ/ 1924م  بعد أن ثبت لها عجزها عن الاحتفاظ بهذا الإقليم أمام هجمات الأمير الخطابي.

بناء الدولة

بسط الأمير الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الإسبان عنه، واتجه إلى تأسيس دولة منظمة دون أن يتنكر لسلطان مراكش، أو يتطلع إلى عرشه بدليل إنه منع أنصاره من الدعاء له في خطبة الجمعة.

وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق التي احتلوها، وإقامة علاقة طيبة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء الأوربيين في بناء الدولة، وقام بتحويل رجاله المقاتلين إلى جيش نظامي على النسق الحديث، وعمل على تنظيم الإدارة المدنية، وقام بشق الطرق ومد سلوك البرق والهاتف، وأرسل وفودًا إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من بريطانيا وفرنسا والفاتيكان الاعتراف بدولته.

وفوق ذلك كله دعا إلى وضع دستور تلتزم به الحكومة، وتم تشكيل مجلس عام عرف باسم الجمعية الوطنية، كان أول قرارته إعلان الاستقلال الوطني، وتأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد.

التآمر الفرنسي الإسباني

فوجئ الفرنسيون بانتصار الخطابي على الإسبان، وكانوا يتمنون غير ذلك، كما فجعوا بانسحاب القوات الإسبانية من إقليم جبالة كله؛ ولذا قرروا التدخل في القتال ضد الخطابي ولمصلحة الإسبان، وكانت فرنسا تخشي من أن يكون نجاح الخطابي في ثورته عاملاً مشجعًا للثورات في شمال إفريقيا ضدها، كما أن قيام جمهورية قوية في الريف يدفع المغاربة إلى الثورة على الفرنسيين ورفض الحماية الفرنسية.

واستعرت فرنسا لمحاربة الخطابي بزيادة قواتها الموجودة في مراكش، وبدأت تبحث عن مبرر للتدخل في منطقة الريف، فحاولوا إثارة الأمير الخطابي أكثر من مرة بالتدخل في منطقته، وكان الخطابي يلتزم الصمت أمام هذه الاستفزازات؛ حتى لا يحارب في جبهتين، ويكتفي باستنكار العدوان على الأراضي التابعة له، ثم قام الفرنسيون بتشجيع رجال الطرق الصوفية على إثارة بعض القلاقل والاضطرابات في دولة الريف، فلما تصدى لهم الأمير الخطابي تدخلت فرنسا بحجة حماية أنصارها، واندلع القتال بين الخطابي والفرنسيين في رمضان 1343هـ/ إبريل 1925م، وفوجئ الفرنسيون بالتنظيم الجيد الذي عليه قوات الأمير الخطابي، وببسالتهم في القتال، فاضطروا إلى التزام موقف الدفاع طيلة أربعة أشهر، وأصيبت بعض مواقعهم العسكرية بخسائر فادحة.

لم يعد أمام الدولتين الكبيرتين فرنسا وإسبانيا سوى أن يجتمعا على حرب الأمير الخطابي، وأُعد لهذا الأمر عدته بالإمدادت الهائلة لقواتهما في المغرب، والإنزال البحري في مكان قرب خليج الحسيمات، الذي يمتد في قلب بلاد الريف، وأصبح على الأمير الخطابي أن يواجه هذه الحشود الضخمة بقواته التي أنهكها التعب والقتال المستمر، فضلاً عن قلة المؤن التي أصبحت تهددها.

وبالإضافة إلى ذلك لجأت فرنسا إلى دعم موقفها في القتال، فأغرت السلطان المغربي بأن يعلن أن الخطابي أحد العصاة الخارجين على سلطته الشرعية، ففعل السلطان ما أمر به، كما قامت بتحريض بعض قبائل المجاهدين على الاستسلام، فنجحت في ذلك.

وكان من نتيجة ذلك أن بدأت الخسائر تتوالى على الخطابي في المعارك التي يخوضها، ويمكن الإسبان بصعوبة من احتلال مدينة أغادير عاصمة الأمير الخطابي، ثم تمكنت القوات الإسبانية والفرنسية من الاستيلاء على حصن ترجست، الذي اتخذه الأمير مقرًّا له بعد سقوط أغادير في 11 من ذي القعدة 1344هـ/ 23 من مايو1926م.

واضطر الأمير عبد الكريم الخطابي إلى تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية باعتباره أسير حرب بعد أن شعر بعدم جدوى المقاومة، وأن القبائل قد أُنهكت، ولم تعد مستعدة لمواصلة القتال.. وقد قامت فرنسا بنفي الأمير المجاهد إلى جزيرة نائية في المحيط الهندي.

وفي تلك الجزيرة عاش الأمير المجاهد مع أسرته وبعض أتباعه أكثر من عشرين عامًا، قضاها في الصلاة وقراءة القرآن، وفشلت محاولاته لأن يرحل إلى أية دولة عربية أو إسلامية.

الإقامة بالقاهرة

وفي سنة 1367هـ/ 1947م قررت فرنسا نقله إليها على متن سفينة، فلما وصلت إلى ميناء بورسعيد تمكَّن بعض شباب المغرب المقيمين في مصر من زيارته على متن السفينة، ورجوه أن يتقدم باللجوء إلى مصر ليواصل مسيرة الجهاد من أجل تحرير المغرب، فوافق على هذا الرأي شريطة أن توافق الحكومة المصرية على طلبه. وبذل الأمين العام للجامعة العربية ـ الأستاذ عبدالرحمن عزام ـ جهوداً مكثفة مشكورة، حتى تمّت موافقة الحكومة المصرية على لجوئه السياسي إلى مصر، على الرغم من احتجاج السفير الفرنسي في مصر.

بدأ الخطابي  بعد استقراره بالقاهرة يمارس نشاطه من أجل استقلال بلاد المغرب العربي الكبير، وفي القاهرة، أسس الخطابي وأبناء المغرب العربي الكبير، لجنة أسموها لجنة تحرير المغرب العربي، وذلك يوم25 من المحرم1367 هـ/ 9 من ديسمبر 1947م  واختير الأمير رئيساً لها، وأصدرت اللجنة بياناً جاء فيه:

في عصر تجهد فيه الشعوب بالاضطلاع بمستقبلها، حيث إن بلدان المغرب العربي تتطلع إلى استرجاع استقلالها المغتصب وحريتها المفقودة، يصبح من الضرورة الملحة لكل الزعماء السياسيين في المغرب أن يتوحدوا، ولكل الأحزاب التحررية أن تتحالف وتتساند، لأنه في هذا تكمن الطريق التي سوف تقودنا إلى تحقيق أهدافنا وآمالنا على ضوء مبادئ الإسلام والعروبة والاستقلال الشامل ورفض أي حل متواطئ مع المستعمر...

وقد مكنته إقامته في مصر من اللقاءات الكثيرة والمتكررة مع زعماء العالم العربي والإسلامي، أمثال الحاج محمد أمين الحسيني، الذي كان قد سبقه باللجوء إلى مصر، ومحمد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورتلاني، ومحيي الدين القليبي، ومحمد علال الفاسي، و محمد علي الطاهر وغيرهم من الزعماء العرب والمسلمين.

يقول  الدكتور توفيق الشاوي: حين زرت الأمير عبدالكريم الخطابي بمكتب المغرب العربي بالقاهرة، وجلست أستمع إليه، كان حديثه عن جهاد المستعمرين وإصراره على أن هناك سبيلاً واحداً للحرية، هو القتال المسلح لتحرير البلاد والعباد، وكل ما عداه عبث وضياع...

وفاته

ظل الأمير عبد الكريم الخطابي مقيمًا في القاهرة، يتابع نشاط المجاهدين من أبناء المغرب العربي المقيمين في القاهرة، ويمدهم بنصائحه وإرشاداته، حتى لقي ربه في 1 من رمضان 1382هـ/ 6 من فبراير 1963م.