شخصية الإمام محمود شكري الألوسي في الشعر الإسلامي الحديث

شخصية الإمام محمود شكري الألوسي

في الشعر الإسلامي الحديث

( 1856 - 1924م )

عمر محمد العبسو

هو الإمام أبو المعالي محمود شكري الألوسي عالم العراق، ورحلة أهل الآفاق، ناصر السنة، وقامع البدعة، محيي هدي السلف، حافظ فنون الخلف، علامة المعقول، ودرّاكة المنقول، دائرة المعارف الإسلامية، نبراس الأمة العربية .

وهو أحد علماء أهل السنة في العراق ومن المتمسكين بمنهج السلف الصالح ومن أحد الشخصيات البارزة في العالم العربي والإسلامي .

 كان – رحمه الله - إماماً يقتدى به في علمه وعمله ، وهديه وآدابه، وقف جميع حياته على علوم الإسلام، وفنون اللغة في هذا العصر الذي قل فيه الاشتغال بالعلم والأدب في تلك البلاد بين أهل السنة .

حمل مشروع الإصلاح والتجديد في العراق، فحارب التقليد والتعصب المذهبي، وأعلى من شأن الدليل الشرعي، أخذ التصوف عن أبيه، ثم تلقى الفكر السلفي عن عمه الشيخ نعمان الألوسي، وتصدى للبدع والخرافات، ودعا إلى التوحيد، ونبذ عبادة القبور، وردّ على الشيخ يوسف النبهاني، وتعرض للاعتقال من قبل السلطة العثمانية، وكان ذلك بسبب وشاية من أبي الهدى الصيادي، ...وها هي بعض الأشعار التي تتجلى فيها أصداء دعوته وأفكاره .

المولد والنشأة :

أبو المعالي جمال الدين محمود شكري بن عبدالله بهاء الدين بن الإمام المفسر شهاب الدين محمود الألوسي، البغدادي .

 ولد السيد في دار جده أبي الثناء في العاقولية، في بغداد في 19 رمضان عام 1273هـ / الموافق12 أيار 1856م.

وسماه والده محموداً تيمناً باسم جده أبي الثناء محمود، ولقبه والده جمال الدين، وكناه بأبي المعالي، ونشأ السيد في ظل أسرةٍ شريفة علمية فجدّه وعمّه من العلماء.عرف عنهم حب الأدب والتفقه مع ميل للتصوف . ولكن نزعته العقلية العالية جعلته أقرب لدعاة السلفية في عصره مثل : جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا ...

لقد نشأ صوفياً فمنّ الله عليه فأصبح سنياً سلفياً، فاتبع السنة، ونبذ البدعة، وتأثر بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وإلى ذلك أشار كامل الرافعي بقوله : ( لم أرَ أحداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرهما مثلهما ) أي محمود شكري الألوسي وابن عمه علي الألوسي .

وكان سلفياً محباً لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وناشراً لها ومدافعاً عنها لأنها دعوة الكتاب والسنة، وقد أفرد كتاباً شرح فيه أحد رسائل الإمام وهي مسائل الجاهلية .

وقد جاهد في نشر الحق والرد على الباطل فشن غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس فكتب الرسائل وألف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل وأحدثت دوياً وإصلاحاً عظيماً وارتفع صوته كمصلح ديني في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من أوضار البدع .

وكعادة المصلحين والمجاهدين يبتليهم الله بخصومه المشركين وأهل البدع والحاسدين، فذهبوا يشنعون عليه، ويرمونه بتهم شتى منها : أنه يبث فكرة الخروج على السلطان ؟ ويؤسس مذهباً يناصب كل الأديان ؟ فأغروا والي بغداد عبد الوهاب باشا، فصدر الأمر بنفي السيد محمود وابن عمه السيد ثابت نعمان الألوسي والحاج حمد العسافي النجدي إلى الأناضول .

فلما وصلوا إلى الموصل قامت قائمة الموصليين لأن الذين أمر بنفيهم من أعلام العراق الكبار، وأن في الموصل عدداً كبيراً من العلماء وطلبة العلم السلفيين، فطلبوا من السلطان الصفح، فصدر العفو عنهم، وعادوا بعد أن مكثوا شهرين في الموصل فعادوا منصورين، فقام الشيخ عبد اللطيف بن ثنيان فكذب في صحيفتة الوشايات والافتراءات، وأصدر مقالاً ( الحمد لله عاد الحق لأهله ) .

دراسته وشيوخه :

أخذ العلم عن أبيه عبد الله بهاء الدين الألوسي، فتعلم عليه القراءة والكتابة، وثقف منه كل ما يعين على اضطلاعه بالعلم مما كان يشغل به نظراؤه في تلك الأحقاب، كما ألمّ إلماماً وافياً بالأدب وطرائق الشعراء والكتاب .

ودرس على عمه أبي البركات نعمان خير الدين الألوسي بعد وفاة أبيه، فأخذ عنه الفكر السلفي، ومناهضة التقليد، ومحاربة البدع .

ومن شيوخه :

 الشيخ إسماعيل بن مصطفى الموصلي، الذي أخذ عنه العلوم الإسلامية .

وأخذ عن الشيخ عبد السلام الشواف مصطلح الحديث.

 كما أخذ طرفاً من التفسير عن الشيخ بهاء الحق الهندي وقرأ عليه علم الأصول والحديث والتفسير والكلام.

وتعلم المنطق عن الشيخ المعمّر عبد الرحمن القرادغي، وقرأ الهيئة والحكمة والعروض على السيد محمد أمين الخراساني الفارسي وقد تعلم اللغتين التركية والفارسية .

 وليس علم السيد ما ثقفه وأخذه عن شيوخه، بل إنه اتسع فيه بما كان له من قراءات خاصة في أمات المصادر من المطبوع والمخطوط . وكانت له خزانة كتبٍ عظيمة فيها من نفائس المخطوطات والتي تفرّقت بعد وفاته، ولم يسلم منها إلا القليل .

أعماله :

 تصدّر للتدريس في داره، وفي بعض المساجد مثل جامع عادلة خاتون دروساً في موضوعات مختلفة من العلوم العربية، والعلوم الإسلامية وذلك قبل أن يدخل في سلك التدريس الرسمي، ثم صار مدرساً وعمره قد تجاوز الثلاثين، فدرس في مدرسة داوود باشا آخر الوزراء العثمانيين ببغداد، ثم أضيف إليه تدريس مدرسة السيد سلطان علي، وحمل على أهل البدع، فعاداه كثيرون، وسعوا به لدى والي بغداد.

فصدر الأمر بنفيه إلى بلاد الأناضول، ولما وصل الموصل عام 1320هـ قام أعيانها باستقباله، ومنعوه من تجاوزها، وكتبوا إلى السلطان محتجين، فسمح له بالعودة إلى بغداد فعاد.

ساهم في إنشاء مجلة (الزوراء)، وكتب عدة مقالات، وراسل مجلة (المقتبس) و(المشرق) و(المنار) ومجلة (المجمع العلمي العربي) .

اصطدم بأبي الهدى الصيادي،  وكاد له وجعل من عبد الوهاب باشا يأمر بنفيه فنفي بالفعل لكنه في طريق المنفى مرّ بالموصل، فاستفتاه أهلها، وتوسطوا من أجل إلغاء النفي، وقد درس في الموصل على يد العلامة إبراهيم مصطفى الموصلي .

 وعندما احتل الإنجليز العراق عام 1333ه سعى الألوسي طالباً النجدة من بعض الأمراء العرب لكنهم لم يستجيبوا لطلبه فعاد إلى بغداد، واستمر بالتدريس والتأليف حتى سقطت بغداد بيد الإنجليز عام 1335هـ ، فعرضوا عليه قضاء بغداد، رغبة في التقرب منه لمكانته ومكانة عائلته، فزهد فيه، وانقبض عن مخالطتهم، ثم عرض عليه الافتاء فرياسة مجلس التمييز الشرعي فالقضاء بالمشيخة الإسلامية، فرفض كل خدمةٍ غير خدمة العلم الصحيح، ونشره بين أفراد الأمة، ولذلك قبل عضوية مجلس المعارف ليتمكن من توسيع نطاق العلم في العراق، كان عضواً فخرياً في المجمع العلمي بدمشق.

وكان يخط مؤلفاته بيده، وهو خطاط بارع من أئمة الخط العربي ببغداد، وأخذ إجازة الخط من والده وفي خطه روعة وجمال، وكان يخط على قاعدة ياقوت المستعصمي .

مؤلفاته :

تجاوزت آثاره العلمية أربعاً وخمسين مصنفاً بين كتابٍ ورسالة، عُني رحمه الله بتصحيح العقيدة وإصلاح المجتمع وبعلوم اللغة والأدب والتاريخ. وبدأ بالتأليف وعمره 21 سنة ، فقد صنف أول رسائله وكتبه في سنة 1294ه .

ومن أهم كتبه:

1-بلوغ الأرب في أحوال العرب.

2- المسك الأذفر في  نشر مزايا القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر.

 3- فصل الخطاب في شرح مسائل بن عبدالوهاب (تاريخ نجد).

4-  غاية الأماني في الرد على النبهاني : يرد فيه على النبهاني ويدافع عن ابن تيمية

5- ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة .

6- منتهى العرفان والنقل المحض في ربط الآي ببعض .

7- صبّ العذاب على من سب الأصحاب .

8- مختصر التحفة الاثنى عشرية .

9- تاريخ بغداد .

10- رسالة في الماء .

11- شرح قصيدة النسب .

12 – عقوبات العرب في الجاهلية .

13- تجريد السنان في الذب عن أبي حنيفة النعمان .

14- السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة – رد على الرافضة .

15- سعادة الدارين في شرح حديث الثقلين – رد على الرافضة .

16- الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى .

17- فتح المنان في الرد على صلح الإخوان من أهل الإيمان – وهو تتمة رد العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن .

18- كنز السعادة في شرح كلمتي الشهادة .

19- تصريف الأفعال .

20- المفروض من علم العروض .

21- الدر اليتيم في شمائل ذي الخلق العظيم .

ومن تلاميذه:

وقد تخرج به طائفة من طلاب العلم ببغداد ، وذاع صيته وعلا اسمه لدى أهل العلم وقصدوه من آفاق شتى وأمم مختلفة ، وقد تلمذ له :

ماسنيون المستشرق المعروف .

ومؤرخ العراق عباس العزاوي .

 والعلامة محمد بهجة الأثري.

والعلامة أمجد الزهاوي .

والشيخ طه الراوي .

 ومؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد .

 والشيخ محمد بن مانع.

والشاعر معروف الرصافي .

قالوا عنه :

وصفه السيد محمد رشيد رضا في مجلة المنار بقوله : ( عالم العراق، ورحلة أهل الآفاق، ناصر السنة، وقامع البدعة، محيي هدي السلف، حافظ فنون الخلف، علامة المعقول، ودرّاكة المنقول، دائرة المعارف الإسلامية، نبراس الأمة العربية .

إلى أن يقول : ( كان إماماً يقتدى به في علمه وعمله، وهديه وآدابه، وقف جميع حياته على علوم الإسلام، وفنون اللغة في هذا العصر الذي قل فيه الاشتغال بالعلم والأدب في تلك البلاد بين أهل السنة، وكاد ينحصر في الشيعة ) .

وقال الأستاذ بهجة الأثري في الكلام عن السيد الألوسي مدرساً ومؤلفاً :

خلق الألوسي لكي يكون عالماً ممتازاً يتقدم العلماء ويقود حركة العلم والأدب في وطنه بعدما قادها جده ثم أبناؤه من بعده ) .

وفاته :

توفي - رحمه الله – في بغداد يوم الخميس 4 شوال عام 1342هـ /الموافق 8 أيار 1924م ، ودفن في مقبرة الجنيد ، ومعروف الكرخي في بغداد .

وذكر محمد بهجة الأثري أنه مات بمرض ألمّ به في رئتيه .وقد رثاه العلماء والأدباء والشعراء . رحمه الله رحمةً واسعة.

 

 

 

 

 

شخصية الإمام محمود شكري الألوسي في الشعر الإسلامي الحديث

أحدثت وفاة الإمام محمود شكري الألوسي هزة قوية في مشاعر المسلمين في العراق ، ورثاه العديد من الشعراء، وكتب عنه إبراهيم السامرائي، ومحمد بهجة الأثري، وتحدث عنه السيد محمد رشيد رضا مطولاً في المنار، وها هو الشاعر العراقي معروف الرصافي يكتب في رثائه قصيدتين تعتبران من أروع قصائد الرثاء ...

واشيخاه :

كتب الشاعر العراقي معروف الرصافي قصيدة يرثي فيها شيخه محمود شكري الألوسي ، والقصيدة من بحر البسيط ، وتقع في 43 بيتاً ، يقول في مستهلها :

لمن تركت فنون العلم والأدب           أما خشيت عليها من يد العطب

نلك المدارس قد أوحشتها فغدت      خلواً من الدرس والطلاب والكتب

ما إن تركت لها في العلم من وطر           ولا لمنتابها في الدرس من أرب

يتساءل الرصافي لمن ترك الإمام فنون العلم والأدب والمدارس ، أما خشي عليها من الفناء والعطب بعد رحيله ، ويتابع الشاعر وصفه، فيقول :

إن الألوسي محموداً عرته لدن           لاقاك محمود شكري خفة الطرب

فاهتزّ لابنٍ أبٌ في قبره وغدا            يبدي الحفاوة خير ابن لخير أب

بحرين في العلم عجّاجين قد ثويا    فانصبّ مضطرب في جنب مضطرب

من فخر أزماننا في العلم أنّهما           عـــــــــــــــــــلاّمتا هذه الأزمان والحقب

فهو يربط بين علمين من أعلام العراق في العصر الحديث محمود شكري الألوسي وجده، الذي طرب بقدوم حفيده العالم المصلح إلى الدار الآخرة، إنهما بحران في العلم، علامتان يفخر الزمان بعلومهما، وفارسان من فرسان التجديد والإصلاح لا يشق لهما غبار، ويتابع الشاعر وصفه، ويصور هول المصيبة التي عمت جميع البلدان ، فيقول :

عليك شكري غدت سكرى مدامعنا تكفيك أدمعها السقيا من السحب

ما كنت فخر الألوسيّين وحدهم       بل كلّ من ساد من صيّابة العرب

ولا رزأت النهى والعلم وحدهما       بل قد رزأت صميم المجد والحسب

ولم يخصّ الأسى داراً نعيت بها           بل عمّ مبتعداً من بعد مقترب

من العراق إلى نجد إلى يمن              إلى الحجاز إلى مصر إلى حلب

لقد ترحّلت في يوم بنا انقلبت         حـــــــــــــــوادث الدهر فيه شرّ منقلب

حتى تقدّم ما في القوم من ذنبٍ       فصار رأساً وصار الرأس في الذنب

وبات يحسو الطلا بالكأس من ذهب   من كان يشرب رنق الماء بالعلب

لم يكن فقد الإمام خسارة للألوسيين وحدهم بل خسرته العراق ونجد واليمن ومصر وحلب، وحزن على رحيله الجميع فخسارة الأمة فيه لا تعوض، ويصور الشاعر أن رحيله كان خيراً له؛ لأنه غادر دنيا العناء والويل والحروب، ونجا من هذا الزمان الذي انقلبت فيه الموازين، وتبدلت القيم :

فاذهب نجوت رعاك الله من زمن      من عاش فيه دعا بالويل والحرب

تستثقل الصدق فيه إذن سامعه       وتطــــــــــــــــــــــــرب القوم فيه رنّة الكذب

والخير قد ضاع حتى أنّ طالبه       لم يلق منه سوى المسطور في الكتب

أما الرجال فنار الشرّ موقدةٌ           فيهم وهــــــــــــــــــــــــم بين نفّاخ ومحتطب

أفعالهم لم تكن جدّاً ولا لعباً          لكن تراوغ بين الجـــــــــــــــــــــــــــــد واللعب

إذا جلست إليهم في مجالسهم       تلقى القوارض فيها ذات مصطخب

أرقى الصحائف فيما عندهم أدباً      ما شذّ منها بهم عن خطّة الأدب

قد يطربون لشتم المرء صاحبه             كأنما الشتم مدعاة إلى الطرب

ويستلذّون من قوم سبابهم              كما استلذّ بحكّ الجلد ذو جرب

لا يغضبون لأمرٍ عمّ باطله           كأنهم غير مخلوقين مـــــــــــــــن عصب

وليس تندى من النكراء أوجههم       كأنما القوم منجورون من خشب

لقد أصبح الرجال بهذا الزمان يمزجون الجد باللعب، وتكثر في مجالسهم الغيبة والنميمة، يطربون للشتم وكأنه طعام شهي، ولا تثور حميتهم من كثرت الباطل وانتشار الفجور، لقد فقدوا الحمية والإحساس بالكرامة حتى أصبحوا كالخشب، ويصور بكاء الناس الغيارى على الدين على رحيل الإمام، إنهم يعرفون قيم الراحل العظيم :

يا راحلاً ترك الآماق ســــــــــــــــــــــــــائلةً       يذرفـــــن منسكباً في إثر منسكب

أجبت داعي موت حمّ عن قدر       وأي نفس لداعي الموت لم تجب

والناس أسرى المنايا في حياتهم     من فاته السيف منهم مات بالوصب

هذي جيوش الردى في الناس زاحفةً     لكنهنّ بلا نقــــــــــــــــــــــــع ولا لجب

بين الدواء وبين الداء معــترك           فيه قضى ربنـــــــــــــــــــا للداء بالغلب

والناس فيه عتاد للحمام فلا          ينجون من عطب إلاّ إلى عطب

وإن للموت أسباباً يسببّها          مـــــــــــــــــــــــن سدّ كلِّ طريق عنه للهرب

لقد رحل الإمام الألوسي وترك خلفه الأحباب يذرفون الدموع ، فالشاعر في هذه الأبيات يستخدم الحكمة، وهي مستقاة من ثقافته الإسلامية، فلنستمع إليه، وهو يقول :

ولا يخلق الله مخلوقاً يجول به         دم الحيــــــــــــــــــــــــــــاة بلا أم لــــــــــــــــــــه وأب

ولا يميت بلا داء ولا سقم          ولا يعـــــــــــــــيش بلا كدٍ ولا تعــــــــــــــــــــــــــب

وليس ذلك مِن عجزٍ بخالقنا         عن أن يزجّ بنا في قبضة الشجب

لكنّه جعل الدنيـــــــــــــــــــــا مسبّبةً         لكل أمـــــــــــــــــــــــــــــرٍ بها لابدّ من سبب

وصور الشاعر مشاعر الإجلال والإكبار التي يحس بها تجاه الراحل العظيم، فقال :

يا من إذا ما ذكرناه نقــــــوم له        على الأخامص أو نجثو على الركب

لقد تركت يتيم العلم منتحباً             والكتب راثيةً منـــــــــــــــــــــــــــه لمنتحب

إن كنت في هذه الدنيا لمنقطعاً          إليه عن كل موروث ومكتسب

أعرضت عنها مشيحاً غير ملتفت       إلى المناصب فيها أو إلى الرتب

أولعت بالعلم تنميه وتجمعه           منذ الشباب وما أولعت بالنشب

فعشت دهراً حليف العلم تنصره       حتى قضيت فقيد العلم والأدب

لقد عاش الإمام الألوسي طيلة حياته منقطعاً إلى العلم، ولم يركض وراء المناصب والجاه، ولم يسعَ لجمع الثروة، فلما مات أحدثت وفاته ثلمة في العلم والأدب .

في موقف الأسى :

وكتب معروف الرصافي قصيدة في رثاء الإمام الألوسي، وهي من البحر البسيط ، وتقع في 38 بيتاً ، يقول فيها :

أزمعت عنا إلى مولاك ترحالا         لمّا رأيت مناخ القوم أوحالا

رأيتنا في ظلام ليس يعقبه          صبحٌ فشّمرت للترحال أذيالا

كرهت طول مقام بين أظهرنا         بحيث تبصرنا للحق خذّالا

ولم ترق نفسك الدنيا ونحن بها         لسنا نؤكد بالأفعال أقوالا

وكيف تحلو لذي علم إقامته       في معشر صحبوا الأيام جهّالا

لذاك كنت اعتزلت القوم منفرداً       حتى أقارّبك الأدَنين والآلا

وما ركنت إلى الدنيا وزخرفها        ولا أردت بها جاهاً ولا مالا

لقد كان الأمام زاهداً في زخارف الدنيا، اعتزل الناس، وكان يربط الأقوال بالأفعال، عرض عليه منصب قاضي القضاة فرفض ذلك المنصب؛ لأنه يرى حرمة التعاون مع قوات الاحتلال .

لكن سلكتَ طريق العلم مجتهداً        تهدي به من جميع الناس ضلالا

محمود شكري فقدنا منك حبر هدى    للمشكلات بحسن الرأي حلالا

قد كنت للعلم في أوطاننا جبلا         إذا تقسم فيها كان أجبالا

وبحر علم إذا جاشت غواربه         تقاذف الدّر في لُجيه منهالا

يا من بشوال قد شالت نعامته        نغصت بالحزن شهر العيد شوالا

أعطمْ برزئك في الأيام من حدث      هزّت علي به الأيام عسالا

أمستْ لروعته الأبصار شاخصة      أما القلوب فقد أجفلنَ إجفالا

طاشتْ حصاة العلا لما نعيت لها       وكل ميزان علم بالأسى سالا

إذا نعيك وافى مصر منتشراً              جثا أبو الهول يشكو منه أهوالا

وإن أتى البيت بيت الله رجَّ به       وأوجس الركن من منعاك زلزالا

أما العراق فأمسى الرافدان به        سطرين للدفع في خديه قد سالا

بكى الورى منك حبراً لا مثيل له       أقواله ضربت في العلم أمثالا

بكوك حتى قد احمرّت مدامعهم         كأنهم نضحوا فيهن جريالا

لو أن الأمة جادت بروحها لم توف حق الإمام، فهم قد فقدوا العالم الرباني، الذي كشف بقلمه المستور، واستخرج كنوز المعرفة، وهو العالم الفاضل، الذي خسرته جميع فئات الشعب، 

ولو لفظنا لك الأرواح من كمد        لم تقض من حقك المفروض مثقالا

ولا نخــــــــــــصص في رزء بتــــــــــــــــــــــعزية       إلا علوماً أضاعت منك مفضالا

فإن رزأك عمّ النـــــاس قـــــــــــــــــــــــــــــــاطبة      يا أكرم الناس أعمـــــــــــــاماً وأخوالا

شكراً لأقلامك اللائي كشفت بها       عن أوجه العلم أستاراً وأسدالا

كتبن في العلم أسفاراً سيدرسها           أهل البسيطة أجيالاً فأجيالا

أمــــــــــــددتها بمـــــــــــــــــــــداد ليس يعقبه          دمع الأنام وإن يبكوك أحوالا

وكنت أنت نطاسيّ العلوم بها          وكن في سير جرحِ الجهل أميالا

يا مطلعاً في سماء الفكر أنجمه            تهدي إلى العلم رحالا وقفالا

ويتابع الشاعر رثاءه للإمام، ويعدد سجاياه الحميدة وخصاله المجيدة، فهو ترك وراءه الكتب، ولم يخلف الأولاد، ويعاهد الإمام بأنه سوف يبكي عليه طيلة عمره، وسوف يبقى وفيّاً لعهده ، فيقول :

لو أنني بلغت زهر النجوم يدي     نحتها لك بعد الموت تمثالا

ما ضر من بعدما خلدت من كتب     أن لا ترى لك بين الناس أنجالا

إذا ذكرناك يوماً في محافلنا        قمنا لذكراك تعظيماً وإجلالا

إني أخف لدى ذكراك مضطربا    وإن حملت من الأحزان أثقالا

لأشكرنك يا شكري مدى عمري       وأبكينك أبكاراً وآصالا

فأنت الذي لقنتني حكماً         بها اكتسيت من الآداب سربالا

أو جرتني من فنون العلم أدوية       شفت من الجهل داء كان قتالا

فصح عقلي وقبلاً كنت مشتكلياً     من علة الجهل أوجاعاً وأوجالا

أنا المقصر في نعماك أشكرها       ولو ملآت عليك الدهر إعوالا

فاغفر عليك سلام الله ما طلعتْ     شمس وما ضاء بدر الليل أو لالا

لقد كتب الرصافي عدة قصائد يشيد بها بالإمام الألوسي ويرى نفسه مقصراً تجاه أستاذه، فالشعر يعجز عن الإحاطة بكمالات الأستاذ الإمام، وتصوير أخلاقه، ووصف صفاته، وتعداد مناقبه .

واحر قلباه :

وكتب الشاعر محمد بهجة الأثري ( 1902- 1996م ) قصيدة جاءت على منوال قصيدة الرصافي،  يقول فيها :

أتيت بالعيد أهني العيد شــــــــــــــــــــوالا      والظن أنك قـــــــــــــــــد أبللتَ إبلالا

فعدت والقلب مــــــــــــــــــــــــلتاع بلوعته       والعين ترسل فيض الدمع إرسالا

فوالدهري ! أما يكفيك ما فعلت       صـــــــــــــــــــــــــروفه فيَّ حتى كرّ صيالا

بالأمس صاح بإخواني فأخمدهم        واليوم صــــــــــــــــال الأستاذ فاغتالا

لقد جدد رحيل الإمام أحزان الشاعر، ونكأ الجراح الدامية في فؤاده، ونغص عيشه ، وراح يثني على أخلاق الراحل الكريم، فيقول :

يا راحلاً جدّد الأحــــــــــزان مصرعه         نغصت عيشي وزدت البال بلبالا

قد كنت براً لا تنثني حــــــــــــــــــــــــــــــــــدباً         فمالك اليوم تجفو الصحبَ والآلا

سئمتَ منا فأزمعت السرى عجلاً        أم قــــــــــد رأيت مصير القوم ممحالا

أم لم يرقك مقامٌ بين أظـــــــــــــــــــــــــــهرنا         لما رأيت رعـــــــــــــــــــــــاء الشاء أبطالا

عليهم من جــــــــــــــــــــــلود الشــــاء أردية         يخــــــــــــــــــــــــــادعون بها الأغنام ختالا

آلت إليهم مقاليد الأمــــــــــــــــــور وهم         لا يرقبون سوى أحوالهم حــــــــــــــــالا

بالأمس كانت إلى جنكيز نسبتهم          واليوم صاروا إلى قحطان أنجالا

حالٌ لعمرك تبكي كلّ ذي بصرٍ          وتذهـــــــــــــــــــلُ العاقل الفكير إذهـــــــــالا

باسم العروبة قد باعوا مــــــــــــــواطننا          وحمـــــــــــــــــــــــلونا على الأثقـــــــال أثقالا

وأرهقـــــــــــــــــــــونا على الإذلال إذلالا            وطوقونا على الأغـــــــــلال أغلالا

ويتابع الشاعر مصوراً هول المصيبة بعد رحيل الإمام ، فيقول :

بغداد قد أقفرت من بعد مصرعه      فقلقل الركب عن بغداد أهبالا

هذي المدارس أضحت وهي باكية      من بعد شيخ بنى الآداب أطلالا

الإمام المخلص :

وكتب العلامة محمد بهجة البيطار قصيدة قصيرة في رثاء محمود شكري الألوسي :

أعلامه الإسلام كهف زمانه          قم اليوم أنقذ أهله من لظى الخطب

فللهدم ما شــــــــــــادته آل أمية           وملك بني العباس للســـــــــلب والنهب ِ

رأينا بك الإخلاص لله رائداً           وآثرت في كل الأمــــــــــــــــور رضا الربِّ

طويت ببرديك السماحة والتقى         فذكرتنا أيــــــــــــــــــــــــام أحمد والصحب

زهدتَ بدنيا نالها كل بــــــــائع ٍ           لها العرض المحبوب من أمم الغربِ

وهل يستوي الخصمان راض عن العدا    يسومونه سوءاً وغضبان للشعب

وما يستوي البحران ذلك مالحٌ           أجاجٌ وهذا أعذب سائغ الشربِ

فهو يشيد بأخلاق الإمام الألوسي ويثني على إخلاصه وسماحته وتقواه ، وزهده .

ناصر الدين :

ورثاه الشاعر العراقي ناجي القشطني بقصيدة مطلعها :

لا السجن يبكينا ولا التبعيد      كلا ولا الإرهــــــــــــــــاب والتهديد

سنظل نهزأ بالخطوب تجلداً       مهما استمر الضغط والتشديد

ثم قال :

محمود شكري أنت ناصر ديننا       لله درّ أبيك يا محــــــــــــــــــــــــمود

أحييت بالتنقيد ميت عــــــــــــقائد       ما مسها فحص ولا تنقيد

ورثي بالعديد من المراثي تجد العديد منها في كتاب أعلام العراق للشيخ محمد بهجة الأثري – رحمه الله تعالى - .

هجاء محمود شكري الألوسي :

وانفرد الشيخ يوسف النبهاني بهجاء الإمام الألوسي، فكتب قصيدة طويلة زادت على خمسمئة بيت كلها هجاء لدعاة السلفية ابتداء من الأفغاني ومروراً بمحمد عبده ورشيد رضا حتى يصل إلى محمود شكري الألوسي، فيقول :

وَقد عمَّ في هذا الزمانِ فَسادُهم       فَما تَركوا شاماً وما ترَكوا مصرا

وَلَم ينفرِد شذّاذُ مذهبِ أحمدٍ       فَقَد ضَلّ قَومٌ من مذاهِبنا الأخرى

كَشُكري الألوسي تابعاً إثر جدّهِ        وَأَعمامهِ لكنّهم آثَروا السترا

إِلى أَن رَمى مجنونُهم برجيعهِ         عَلى الناسِ في تأليفهِ ذلكَ السِفرا

وَما وَصلَت أرجاسهُ غير قومهِ        بهِ وَبِهم أَرجاسهُ حُصِرت حَصرا

وَمَهما أَبانوا عــــــــــــــــذرَهُم بجنونهِ        نُصــــــــدّقُهم فيهِ ولا نقبلُ العُذرا

فَكانَ علَيهم قيدهُ بســـــــــلاسلٍ         وَأَن يحجروهُ عَن فظائعهِ حجرا

فَمَن أطلقَ الكلبَ العقورَ فإنّه   هو المُخطِئ الجاني الّذي فعَلَ العَقرا

لقد تبع الألوسي جده وأعمامه في عقيدته السلفية، وظهرت نحلتهم الباطلة يوم ألف محمود شكري كتابه في الطعن على يوسف النبهاني، واعتذر قومه بأنه مجنون كما يزعم النبهاني، ولكنه لم يقبل عذرهم؛ لأن الكلب العقور يسأل عنه صاحبه لماذا لم يحجزه عن أذية الناس، ويعرج النبهاني إلى ما جاء في ذلك السفر، فيقول :

أَتى بكتابِ الشتمِ لا العلم داعياً     إِلى لعنهِ بينَ الوَرى كلَّ مَن يَقرا

عدوُّ رَسولِ اللَّه أرضى عُداتَهُ           وَمنّي ومِن أحبابهِ أوغرَ الصدرا

وَمِن حمقهِ أَو كفرِه قــــــــــــــــال إنّه       إِلهي وقَد أكثرتُ في مدحهِ الشعرا

وَلَو حلَّ مَدحي للنبيّ بســـــــــــــــفرهِ       لَلوّثهُ تبّـــــــــــــــاً لــــــــــــهُ وله سِـــــــــــــــــــــــــــــفرا

وَمَع شحنِه مِن نظمِ كلّ مجازفٍ       بِشِـــــــــــــــــــــــــــــعرٍ إِذا حقّقته تلقهُ بَعرا

فَمِن مدحِ خيرِ الخلق ما راح مُنشئاً    وَلا منشداً بيتاً ولا منشداً شطرا

سبق للنبهاني أن مدح محمود شكري الألوسي، وكتب فيه القصائد الجميلة، وأثنى على أخلاقه، وأشاد بسجاياه، ولكنه حين اختلف معه لم يبق ولم يذر، وقلب له ظهر المجن، وراح يصفه، ويقول :

بإِقرارهِ كم صغتُ فيه قصيدةً          وَنوّعتُ في أمداحه النظم والنثرا

وَألّفتُ في فضلِ اِستغاثتنا به          أجلَّ كتابٍ لم يَدع للسوى عُذرا

شَواهدُ حقٍّ أطلعت في سطورها       بدورَ عُلومٍ كلُّ سَطرٍ حَوى بدرا

فَكانَت لأرواحِ المُحبّينَ جنّةً       وَكانَت عَلى أعداءِ خيرِ الورى جمرا

وَلامَت لمنعِ الاستغاثة جدّهُ           وَمِن عمّه نعمان أنكرت النكرا

فَلو خصّني بالشتمِ مع عظم جرمهِ           لَما لمتهُ لكنّهُ عمّم الشرّا

فَذَمّ هداةَ الدين مِن كلّ مذهبٍ       وَأَعطى لكلٍّ مِن سَفاهتهِ قدرا

لقد دافع محمود شكري الألوسي عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وأيد أراءه في التوسل، وتلك جريمة يحاسب عليها القانون، ويعترف النبهاني للسيد الألوسي بنسبه النبوي الشريف، فيقول :

غَـــــــــــــــــــــدا لِفَتى تيميّةٍ أيّ ناصـــــرٍ        فَهلّا اِستحقّ المُصطفى عندهُ النصرا

وَهلّا عَفـــــــــــــــــــا عنّا لِذنبٍ بزعمهِ        لِخدمتنا روح الوجـــــــــــــــــــــــــــودِ أبا الزهرا

فَلَو كانَ مِن نسلِ المجوس عذرتهُ       وَقلتُ اِمرؤٌ يبغي لأجـــــــــــــــــــــدادهِ ثأرا

وَلكن نراهُ يدّعي خيرَ نِسبــــــــــــــــــــــــــةٍ      وَأمُّ الفَتى مــــــــــــــــــــــــــــنهُ بِنسبــــــــــــــتهِ أدرى

فَمَن ذا رأى في الناسِ شَخصاً موالياً    لِقـــــــــــــــــــومٍ يرَونَ الحبَّ في جدّهِ كُفرا

وَمَن ذا رأى في الناسِ شَخصاً مُعادياً   فَتىً بمعــــــــــــــــــــــــــــالي جدّهِ أنفقَ العمرا

إِذن نحنُ في شكٍّ منَ النسَبِ الّذي    يقـــــــــــــولُ وفيه الشكُّ نَحصرهُ حصرا

ومن الغلو الذي جاء به النبهاني قوله : إن الألوسي يوالي أقواماً يرون حب رسول الله كفراً، وهذا بهتان عظيم، فحب رسول الله فرض على كل مسلم ومسلمة، ولكن الغلو في حب رسول الله لنصل به إلى درجة الألوهية فهذا مرفوض ومردود، أما التوسل برسول الله فهذه مسألة تتعلق في كيفية الدعاء، وليست من أصول العقيدة حتى نكفر من يقول بالتوسل، أو يرفضه، ويذم النبهاني جهل الألوسي فيقول :

وَبعدُ فذيّاكَ الكتابُ يــــــــــــــــــــــــدلّنا       عَلى جهلهِ طَوراً على غيّه طورا

كتابٌ عليهِ اللّعنُ مِن كلِّ سامعٍ       وَصاحبهِ أَيضاً غَدا ماطِراً مطرا

وَكثّرَ فيهِ النقلَ من دون حاجةٍ          لِيثبتَ في دعواهُ بالكبرِ الكبرا

وَبالحرفِ وَالقرطاسِ عظّم حجمهُ       لِيحملَ لَعناتٍ أتَت فوقه تترى

وَكلُّ جَوابٍ فيه غير مطابقٍ         لِمعني كَلامي عندَ مَن يفهمُ الأمرا

وَلكنّهُ عشواءُ تخبطُ خبطها            بِليلٍ منَ الأهواء قد فقدَ البدرا

ويهبط مستوى النقاش عند الشيخ يوسف النبهاني ليصل إلى الشتم والسب ووصف الإمام الألوسي بأن كلب، وهذا المستوى لا يليق بمثله فإذا كان الألوسي جاهلاً وكلباً عقوراً فلماذا يدبج في مدحه أعظم قصائد المديح من قبل :

وَأَعقلُ منه الكلبُ يسترُ رجسهُ      وَهذا رَأى في نشرِ أَرجاسهِ فخرا

كِتابي لخيرِ الخلقِ قد جاء ناصراً         وَهذا لأعداءِ النبيِّ أَتى نصرا

فَذلكَ مِن أَعلى وأَعلى مناقبي           وَهذا لهُ أَقوى مثالبهِ الكُبرى

وَذلكَ فَخري في الحياةِ وبَعدها         وَهذا لهُ خِزيٌ بدنياهُ والأخرى

ويصف الذين قرظوا كتابه بشيوخ الإسلام، أما العلماء الذين أثنوا على كتاب الألوسي فهم شيوخ السوء، وهذه منقصة أخرى، تدل على ضيق الأفق والصدر وعدم احترام الرأي المخالف، فأين علماء الأمة من عمر عندما قال أمام الناس : أصابت امرأة، وأخطأ عمر، كلّ الناس أفقه منك يا عمر :

وَقرّظ قَولي عنَدما تمّ طبعهُ             مَشايخُ إِسلام الشريعةِ في مصرا

وَقرّظَ سفرَ السوءِ بالزورِ أهلهُ         وَمَن كانَ عَن سبلِ الشريعةِ مزورّا

يَذُمُّ خيارَ المُسلمينَ وَيَنتقي             لأشرارِهم أمثاله الحمدَ والشكرا

فَمثلُ الرِفاعي القطب يختار ذمّهُ        وَشيخُ منارِ السوء يمنحهُ شُكرا

خبائثُ أَرواحٍ تحنُّ لِبعضها       فَسُحقاً لهُم سُحقاً وخسراً لهم خسرا

همُ الكلُّ أعداءُ النبيِّ فَبعضهم          عداوتهُ كُبرى وبعضهمُ صغرى

وَخصّوا مُحبّيه بنسبةِ حبّهم              فَأَعطوا لكلٍّ مِن عَداوتهم قدرا

وَقَد جَعلوا لي حصّةً من كبارها        لما عَلِموا مِن حبّه حصّتي كبرى

ويعود النبهاني ليجعل ممن انتقده، وبين عيوب كتابه بأنه يعادي النبي – عليه الصلاة والسلام – ويرى أن دعاة السلفية قد خصوه بالذم؛ لأنه عاشق لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهذا القول بعيد عن الحقيقة، فالقضية تتعلق بالدليل الشرعي، وليس لأن النبهاني يحب الرسول، فمن يحب رسول الله يجب عليه اتباعه واحترام سنته، وعدم الغلو في محبته؛ لأن النبي – عليه الصلاة والسلام – يقول : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم حتى ألهوه .

وبعد :

فهذه سيرة الإمام محمود شكري الألوسي وهذه بعض أقوال أهل العلم فيه، مدحه أكثر أهل العلم والأدب، ولم يذمه سوى الشيخ يوسف النبهاني الذي تتبع زعماء الإصلاح الإسلامي في رائيته الصغرى ، فصورهم خوارج يكفرون الناس، ويزعمون فتح باب الاجتهاد وهم لا يملكون شروط المجتهدين ، ويذمون المذهبية ، وهم أشد تعصباً من غيرهم ، ويصفهم بالمروق والتجديف في الدين ، وينسبهم إلى الماسونية ، ويذم دعوتهم من أجل الإصلاح ويزعم أنها جاءت على الطريقة البروستانتية ، أما الذين مدحوه فجعلوه إماماً مجدداً، وصالحاً مصلحاً ، فاق أهل زمانه ، وحصل على الجوائز العالمية ، وذاعت شهرته ، وعلا اسمه ، تتلمذ على يديه كبار العلماء والأدباء، فرحم الله الإمام، لقد أعطى جميع ما يملك، ونشر عقيدة التوحيد الخالصة من البدع والخرافات، ودعا إلى فتح باب الاجتهاد؛ لأن العصر الحديث يتطور بسرعة مذهلة، ويحتاج من الفقهاء إلى بذل الجهود لمواكبة روح العصر، فلكل عصر دولة ورجال .

مصادر البحث :

1- محمود شكري الألوسي وآراؤه اللغوية – محمد بهجة الأثري – من منشورات معهد الدراسات العربية العالمية – القاهرة 1958م .

2- أعلام العراق – محمد بهجة الأثري – مصر 1345ه .

3- محمود شكري الألوسي وبلوغ الأرب – إبراهيم السامرائي -