الشيخ أحمد ترمانيني

عبد الحكيم الأنيس

ليلة رمضانية في حلب:

الشيخ أحمد الترمانيني الأزهري شيخ حلب في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري.

جمع بين علم حلب والقاهرة.

وتمثل بأخلاق السلف، فكان سراج العلم والعمل والإرشاد في الخلف.

ولد سنة 1208 في قرية ترمانين من قرى حلب (وهي اليوم حي من أحيائها).

ودخل حلب وله ست سنين.

ورحل إلى الأزهر وعمره 22 سنة، وأقام فيه 13 سنة، وحصل ما لم يحصله غيره.

وآلت إليه مشيخة حلب بعد وفاة أخيه مفتي الشافعية سنة 1250 إلى وفاته سنة 1293.

واليوم يضرب به المثل عند أهلها فيقال لمن يدعي العلم: كأنه يرى نفسه الشيخ الترمانيني.

كانت حياته مقصورة على التعليم، والتدريس: الخاص والعام، والإفتاء، والتوجيه، والنصح والإرشاد.

وما كان يغشى أحدا من رجال الدولة العثمانية، ولا يلبي دعوة أحد من الكبراء، إلا دعوة واحدة ألح بها والي حلب جودت باشا على الإفطار عنده في رمضان...

ولابد أن الوالي استعد لقدوم الشيخ استعدادا كبيرا، وأن القصر ومن فيه اهتز لمقدمه...

ولا ندري هل جاء راكبا فخالف عادته أيضا أم ظل على منهجه من عدم الركوب والتنقل ماشيا...

ولما حضر وحان موعد الإفطار وضعت الشوربا أولا على العادة المتبعة، فتناول منها لقيمات، ثم قاموا إلى صلاة المغرب...

 وبعد أن فرغوا منها دعي الشيخ إلى المائدة ثانيا -ولابد أنها كانت مائدة عامرة فاخرة زاخرة بروائع المطبخ الحلبي وأطايبه وعجائبه- فقال الشيخ: أما تعشينا؟ فقالوا له: تلك مقدمة الإفطار...

فقال: لا، قد اكتفينا. 

ولم يأكل سوى ذلك.

ولا يملك أحد مراجعة الشيخ.

وربما كان الشيخ قليل الأكل حقا...

وربما أراد التورع عن طعام لا يتيقن حله، فاكتفى بلقيمات لا تقيم صلبا، ولا تنبت جسما، ولا تغذي لحما.

وقد سكت الرواة عن تفصيل الخبر

أجلس الشيخ أم غادر؟

وهل تعشى الآخرون، أم اضطروا لموافقته؟

وهل صلى التراويح في القصر، أم عاد إلى بيته الذي تعود أن يدخله بعد فراغه من دروسه عصرا فلا يخرج منه إلى الصباح؟

قال الكاتبون عن سيرته: 

"ولم نسمع أنه أجاب دعوة أحد من الكبراء غير هذه، ولعله أجاب دعوة الوالي جودت باشا لأنه كان من العلماء".

وقد كانت إجابته بعد جهد جهيد...وكان أكله كما رأيت...

رحم الله الشيخ الزاهد العابد الورع الصالح المفنن أحمد الترمانيني...

لقد كان صورة جميلة من عصر مضى...

وسوم: العدد 624