الدكتور عبدالودود شلبى.. رجل بأمة

أبو الحسن الجمّال

 من العلماء فريق أخلص النية لله فى القول والعمل، وشارك بكل حواسه فى نصرة الحق وهو الإسلام والذود عن شريعته وحضارته، والإهتمام بأمر أصحابه فى الداخل والخارج.. من هؤلاء الدكتور عبدالودود شلبى الذى تنطبق عليه هذه الكلمات وأكثر، لم يدع منبراً يدافع به عن دينه إلا وطرقه ووضع فيه بصمة تشهد له ... دافع عن الدين، وتصدَّى للتبشير الذي غزى الأمة الإسلامية ... تعرض من خلال حياته للمحن والسجن والتشريد، وبرغم هذا لم تضعفه هذه المحن أو تفت فى عضده، وإنما زادته إصراراً وعزيمة ... زار العديد من دول العالم وعمل بالتدريس والوعظ فى كثير من هذه الدول ... يستطلع عن قرب أحوال هؤلاء المسلمين الذين تعرضوا للنسيان من وسائل إعلامنا التى أهملت مصير هؤلاء وتركتهم عرضة للتنصير الذى كان يفت فى أوصالهم كل يوم بإمكانياته الهائلة التى تسخرها له الدول الغربية التى تدعى أنها تطبق مبدأ العلمانية، ومن يتامل المبالغ المالية التى يدفونعا للتشكيك فى الإسلام والصد عنه لترى أنهم لم يغيروا من سياساتهم التى كانوا يتبعونها خلال الحروب الصليبية.

 ولد الدكتور عبدالودود شلبى  18 أبريل 1925، فى قرية ميت عفيف فى مركز الباجور بالمنوفية، حفظ القرآن الكريم منذ صغره فى كتاب القرية، والتحق بالتعليم الإبتدائى، ثم التحق بالأزهر الشريف سنة 1941، ثم التحق بكلية اصول الدين ويتخرج فيها سنة 1952، وقام بالتدريس له نخبة من الأساتذة منهم: الدكتورعبدالحليم محمد، والدكتور محمدغلاب، والشيخ محمود حب الله، والمؤرخ محمود شاكر، وبدأ حياته العملية سكرتيرًا للشيخ محمود شلتوت، ثم عمل بمكتب الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، ثم عمل أمينًا مساعدًا لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الدعوة الإسلامية، ثم أمينًا عامًّا للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر، وحصل على الدكتوراه من باكستان حول موضوع "الأصول الفكرية لحركة المهدي السودانى ودعوته"، ووثَّقها من جامعة أكسفورد بلندن، وعمل محاضرًا في العديد من الدول الإسلامية؛ في باكستان، وقطر، والشارقة، والكويت، ثم عمل مديرًا للمركز الإسلامي في سيدني،وفي عهد الدكتور عبد الحليم محمود رأس تحرير مجلة الأزهر خلفًا للشيخ عبد الرحيم فودة، وفي عام 1982، اختير أمينًا لمؤتمر العيد الألفي بالأزهر الشريف، وفي 1985 اختير أمينًا لمؤتمر السيرة والسنة الذي نظَّمه الأزهر، وقد أُحيل إلى التقاعد من العمل بالأزهر عام 1990م وتفرَّغ بعدها للكتابة، وكان لا يفارق مكتبته الخاصة حتى آخر يومٍ في حياته.

لقد سخَّر الشيخ حياته مدافعًا عن الإسلام ضد المشكِّكين والمبشِّرين، وأخذ يواجههم في كل مكان وبكل الوسائل، فلقد ذكر في إحدى مؤلفاته تقريرًا جاء فيه: "تقول الإحصائيات إن عدد مؤسسات التنصير وإرسالياته ووكالات الخدمات التنصيرية تبلغ 120.880 مؤسسة، والمعاهد التي تؤهل المنصرين وتقوم بتدريبهم يبلغ عددها أكثر من مائة ألف معهد، ويبلغ عدد المنصرين أكثر من خمسة ملايين، ويوجد في مؤسسات التنصير 82 مليون جهاز كمبيوتر، ويصدر عن المؤسسات التنصيرية 25 ألف مجلة، وفي عام واحد أصدرت المؤسسات التنصيرية مائة ألف كتاب، وتمتلك 2500 محطة إذاعة وتليفزيون، وتمَّ توزيع 53 مليون نسخة من الإنجيل مجانًا، ويدرس تسعة ملايين طالب في المدارس الكنسية، أما دخل الكنائس التي تعمل في التنصير فيبلغ 9 ملايين دولار، وبلغت التبرعات التي قُدِّمت إلى كنيسة في سنة واحدة هي سنة 1990م مبلغ 157 مليون دولار!!"، ولذلك يتساءل د. عبد الودود شلبي: "ما مدى وعي دعاة الإسلام بمخططات التنصير في ديار الإسلام؟ وهل لديهم إحصائيات دقيقة عن أعداء المسلمين وتوزيعهم في العالم؟!"، ويشير في غِيرةٍ شديدةٍ إلى أنشطة بابا الفاتيكان في قارة إفريقيا، التي أصبح فيها عدد الكاثوليك 16% من إجمالي عدد سكانها، أي 65 مليون نسمة، وينادي الشيخ عبد الودود شلبي بتوجيه أنشطة الدعوة وبناء المساجد والمعاهد والجامعات إلى إفريقيا، التي من الممكن أن يذهب إليها فلا يجدها إلا في أيدي المنصِّرين الكاثوليك،.

 ولم يقتصر على التصدي للتبشير فحسب، بل عمل على التقريب بين المذهب السني والشيعي؛ فقال: "تياران عظيمان يشكلان أغلبية المسلمين على الكرة الأرضية، وهما تيار السنة وتيار الشيعة، والتياران نشآ في أحضان عهد الخلفاء الراشدين، خاصةً زمن الفتنة الكبرى بعد مقتل الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه، خاصة وان جميع القوى في عالم اليوم اتحدت، وجميع المذاهب اتحدت في تجمعات سياسية واقتصادية، وأحلاف عسكرية أمام تيارات الغزو والعدوان، وبقي المسلمون- للأسف- رهن الحزازات النفسية والشخصية والتاريخية التي تحرك العداوة بين السنة والشيعة، والأصل أن جميع الأئمة اتفقوا على أنّ الفرق بين المسلم وغير المسلم هو النطق بالشهادتين؛ فإذا قالها الإنسان دخل زمرة المسلمين، وأن الخلاف في بعض الأمور التي يظن أنها اعتقادية كالقول هل الإنسان مسير أم مخير؟ وهل يرى الله يوم القيامة أم لا؟ هذه هي القاعدة العامة، فالإسلام كلمة من نطق بها فهو مسلم.

 كما أنه طالب بإصلاح الأزهر مرارًا وتكرارًا، فقال: "لو كان للأزهر دور حقيقي ما ارتفعت صيحات الإلحاد والتطرف، واختفت إلى الأبد عصابات الإرهاب المسلَّح، فالأزهر تراجع عن دوره في التعريف بدين الإسلام الصحيح السمح، ودوره في تقويم اللسان العربي الذي يكاد يختفي في الأزهر نفسه!!"، وقال: "الأزهر لم يعد يعبأ بحفظ القرآن حفظاً كاملاً، وقد كان هذا في الماضي هو الطريق الأساسي لدخول الأزهر، كما أن اختزال المناهج اختزالاً مخلاً ساعد في هذا التدهور، حتى إن الطالب في الأزهر لا يكاد ينطق عبارة أو آية صحيحة، والأجيال القديمة التي تربت في الأزهر القديم انتهت، وأصبح معظم العاملين الآن من الأجيال التي قلت بضاعتها في أمور الدين واللغة، مما أدى إلى فقدان الأزهر لمكانته في مصر وبالتالي في العالم الإسلامي".

  وحول وضع الأقليات المسلمة يقول: "الأقليات الإسلامية تعاني من مشكلات كثيرة، أهمها ضعف المستوى الثقافي، والتربية الدينية، وخاصةً في مواجهة الحضارة الغربية؛ مما يجعل المسلم الذي يعيش في هذه البلاد سهل الاصطياد، ومما ساعد على ذلك غياب المؤسسات الدينية التي تتولى توعية ورعاية وتربية هذه الأقليات... وإذا ظل تخاذل المسلمين على ما هو عليه، وإذا ظل خوف المسلمين وخنوعهم كما نرى؛ فإن النار سوف تشتغل في جسد العالم الإسلامي كله في كوسوفا، ومقدونيا، وقبرص، والهند، وأفريقيا، وبورما، وكشمير، والصين، إن ما حدث في البوسنة كان اختباراً للأمة هل ما زال فيها عرق ينبض؟ هل بقي فيها من الإخاء شيء".

  ويرى أن المستقبل للإسلام رغم المذابح والحن التى يتعرض لها المسلمون فى شتى بقاع الأرض والمفتريات التى تلصق زورا وبهتانا للمسلمين وفى هذا يقول: "الإسلام مستقبله في ذاته لأنه رسالة الله الأخيرة، وكلمته الوحيدة الباقية، وبعد سقوط كل النظريات والأيديولوجيات في العالم، وهم الذين يقولون ذلك بألسنتهم في الغرب، ومن ثم يحاربون الإسلام بلا هوادة.

 إن حكام الغرب ومفكريه يقولون: إن المستقبل للإسلام، وبرغم المحن والمذابح التي يتعرض لها المسلمون في العالم فالله متم نوره، أما من هم الذين سيحملون راية الإسلام يوم النصر فإن الله سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه، أنا لا يهمني الأسماء والجماعات وإنما يهمني الإخلاص والتجرد من الشهوات".

  وقد أثرى الدكتور عبدالودود شلبى المكتبة الإسلامية بالعشرات من الكتب والأبحاث فى مجال الدعوة والثقافة الإسلامية منها:"في محكمة التاريخ"، و"أبو جهل يظهر في بلاد الغرب"، و"الوحدة الإسلامية في ضوء الخطبة الشامية"، و"عرب ومسلمون للبيع"، و"كلنا إخوة شيعة وسنة"، و"كيف أرى الله؟، و"القرآن يتحدى"، و"الإسلام والغرب"، و"الدين الإسلامي وأركانه"، و"حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح"، و"هل انتشر الإسلام بالسيف"، و"حقائق ووثائق: دراسة ميدانية عن الحركات التنصيرية في العالم الإسلامي"، و"الزحف إلى مكة: حقائق ووثائق عن مؤامرة التنصير في العالم الإسلامي"، و"عبد الودود شلبي "من شيخ أزهري لشيخ الأزهر".. الأزهر إلى أين؟"

  وقد ظل الرجل يتابع أحوال المسلمين، يدافع عنهم، يكتب عن همومهم حتى رحل فى 21مايو 2008، رحل فى هدوء، دون ان يشعر به أحد أو يكتب عنه، أو ينعيه ببضع سطور، ولكن الله سعوضه بالجزاء الأخروى الأوفى عندما يحوز الجائزة الكبرى.

وسوم: 634