رحيل العلامة محمد حماسة عبداللطيف، زلزال هز الجميع

أبو الحسن الجمّال

 clip_image002_7c3be.jpg

clip_image003_cfeab.jpg

 وبينما كانت السنة 2015 تودع آخر أيامها، ودعنا نحن معشر الأدباء الأستاذ الدكتور محمد حماسة عبداللطيف، نائب رئيس المجمع اللغوى "مجمع الخالدين"، وأستاذ اللغويات فى كلية دار العلوم جامعة القاهرة، الذى رحل فجر اليوم الخميس 21ربيع الأول 1437هـ (الموافق 31ديسمبر2015م).. رحل وهو يجاهد فى سبيل إعلاء لغة الضاد بعد انتهاء فاعليات مؤتمر مجمع اللغة العربية بمناسبة اليوم العالمى للغة العربية بساعات قليلة .. رحل والغبن يسيطر عليه بعد قرار الجامعة الظالم بفصله من الجامعة هو وأستاذه العالم الجليل الأستاذ الدكتور حسن محمود الشافعى رئيس مجمع اللغة العربية بحجة واهية لا تخيل على طفل رضيع وهى الجمع بين وظيفتين وهى جريمة تشرف الجامعة لا تشينها، والتى تولى أحد أبنائها أرفع منصبين علميين فى مصر والعالم العربى، وإلا كنا فصلنا طه حسين، وزكى المهندس، وكمال بشر، ولكنه الغرض ومذهب "كيد النساء" الذى يسيطر على عديد من النخبة الإقصائية التى تعانى الفصام النكد، وتعادى الديمقراطية، وتهرع إلى السلطة لتكيد للشرفاء وأصحاب المبادىء، ومع ذلك لم يعبأ حماسة وأستاذه الشافعى بحقد الحاقدين ولؤمهم الخبيث ..خرج من سور الجامعة إلى العالم الرحيب حراً طليقاً يستقبل تلاميذه من الباحثين والمريدين وعشاق العربية فى كل مكان ويرد على رسائلهم واتصالاتهم فى أبوة حانية وشعور من الحنان متدفق، وكنت أنا منهم، وأذكر فى آخر مكالمة لى معه كان حديث من القلب عرجنا فيه على محطات متعددة حول الأدب وفنونه وذكرياته مع أعلامه ...رحل بعد شهور قليلة من رحيل أساتذته فى دار العلوم ومجمع اللغة العربية: على أبو المكارم، وكمال بشر، وبعد أيام من رحيل تلميذه الأثير الأستاذ الدكتور عرفه عبدالمقصود عامر.

 ولد الدكتور محمد حماسة عبداللطيف رفاعى فى قرية كفر صراوة مركز أشمون، بمحافظة المنوفية فى عام 1941، لأب عالم فى الأزهر الشريف هو الشيخ عبداللطيف رفاعى وحفظ على يديه القرآن الكريم وجوده، ثم وهبه والده للأزهر فذهب للقاهرة ليلتحق بالمعهد النموذجى بالقاهرة ليحصل على الثانوية الأزهرية عام 1963، ثم يلتحق بكلية دار العلوم قبلة العلوم العربية فى الشرق ليتخرج منها ويحصل على الليسانس الممتازة عام 1967 دارساً على نخبة من كبار أساتذة اللغة والأدب والتاريخ نذكر منهم: الدكتور بدوى طبانة، والدكتور أحمد الحوفى، والأستاذ عمر الدسوقى، والدكتور ضياء الدين الريس، والدكتور أحمد شلبى، والدكتور محمود قاسم، والاستاذ عبدالسلام هارون، والدكتور الطاهر أحمد مكى، والدكتور عبدالحكيم بلبع، وغيرهم...

 حصل على الماجستير والدكتوراه فى العلوم اللغوية من كلية دار العلوم، وخلال مسيرته العلمية عمل أستاذاً فى العديد من جامعات العالم العربى والإسلامى وعين عميداً لمعهد اللغات واللغويات فى الجامعة الإسلامية بإسلام آباد 1992، وتولى رئاسة قسم النحو والصرف والعروض بدار العلوم 1994، ثم اختير وكيلاً لدار العلوم 2001 وتم انتخابه نائبا لرئيس مجمع اللغة العربية يوم الأثنين 27مايو 2013. 

 أثرى الدكتور محمد حماسة المكتبة العربية بالعشرات من الكتب والأبحاث اللغوية التى دلت على علو شأوه فى هذا المجال الخصب الذى لا يرتاده إلا كل عبقرى فهو مجال وعر لابد لمن يرتاده أن يمتلك أدواته بدقة وأن يغوص فى مجاهل اللغة بين الآثار المطبوعة والمخطوطة سنوات وسنوات، وقد امتلك الرجل الملكة التى تمكنه من ذلك ومن مؤلفاته:

1– الضرورة الشعرية في النحو العربي. الناشر: مكتبة دار العلوم 1979م القاهرة 2– النحو والدلالة مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي. الناشر: مكتبة ومطبعة المدينة – القاهرة 1983م.

 3– العلامة الإعرابية في الجملة بين القديم والحديث. الناشر: جامعة الكويت 1984م.

 4– في بناء الجملة العربية. الناشر: دار القلم بالكويت 1982م.

 5– الجملة في الشعر العربي. الناشر: مكتبة الخانجي 1989 القاهرة.

 6– ظواهر نحوية في الشعر الحر: دراسة نصية في شعر صلاح عبد الصبور. الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة 1990م.

 7– من الأنماط التحويلية في النحو العربي. الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة 1990م.

8– اللغة وبناء الشعر. الناشر: مكتبة الزهراء بالقاهرة 1992م.

 9– التوابع في الجملة العربية. الناشر: مكتبة الزهراء بالقاهرة 1987م.

 10– البناء العروضي للقصيدة العربية. الناشر: دار الشروق بالقاهرة 2000م. 11– القافية في الشعر العربي. الناشر: مكتبة الثقافة بالقاهرة 1996م.

12– ظاهرة الإعلال والإبدال في العربية. مكتبة الثقافة بالقاهرة 1995م.

13– التحليل الصرفي للفعل في العربية. مكتبة دار العلوم بالقاهرة 1995م.

 14– التحليل الصرفي للأسماء في العربية. مكتبة الزهراء بالقاهرة 1995م.

 15– الإبداع الموازي. التحليل النَّصي للشعر – دار غريب 2001م.

وكان الرجل شاعراً مجيداً طرق كل موضوعات الشعر ويمتاز شعره بخصوبة صورة ولغته فى آن واحد وخلف دووايين عدة إضافة إلى أشعاره المنشورة فى المجلات والصحف وعلى صفحته من موقع التواصل الاجتماعى، ومن دوواينه: "ثلاثة وجوه مصرية" (بالاشتراك)، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1970، و"نافذة فى جدار الصمت" (بالاشتراك)، مكتبة الشباب، و"حوار مع النيل" دار غريب، 2000، و"سنابل العمر" دار غريب، 2005.

 عندما اتصلت برفاق دربه وتلامذته وجدتهم جميعهم فجعوا لهذا الخبر الذى زلزل كيانهم وأصابهم بالصدمة، ولكن لا راد لقضاء الله، جاءت كلمات الدكتور حلمى محمد القاعود تقطر حزنا وأسى فقال:

  "كنت أتمنى أن ينصفه القضاء الأرضى قبل رحيله، ولكن القضاء السماوى أصدر حكمه الذى لا تعقيب عليه ولا راد له!

بعد ست سنوات قضيتها مجنداً فى القوات المسلحة، خرجت لأبدأ دراستى التى منعت منها بقرار وزارى فى دار العلوم ..حلم حياتى ..كنت أكتب فى الصحف والمجلات، وأصدرت كتابين، وعرفنى الناس فى الحقل الأدبى، خجلت أن أقدم نفسى إلى أساتذة دار العلوم بوصفى طالباً لم يزل. وكانت هناك مادة أعمال السنة يدرسها المدرس المساعد محمد حماسة عبداللطيف وزميله أحمد كشك. كان السن بيننا متقارباً، يسبقان ببضع سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة، أى إننا من جيل واحد تقريباً. ضحيت بدرجات أعمال السنة حياء من الرجلين. تعارفنا بعد حصولى الليسانس فى السنة التمهيدية، قبل ذلك فى السنة الثالثة منحونى جائزة فى مادة النقد الأدبى التى حققت فيها امتيازاً وبحثوا عنى لاتسلمها، فعرفنى الدكتور شفيع، والدكتور على زايد – رحمه الله .

 تتابعت معرفة الأساتذة، وكان الدكتور محمد حماسة مندهشاً لأننى لم أتواصل معهم فى مرحلة الليسانس، ورحب وتلاقينا كثيراً، وتواصلنا هاتفيا، وتابعت كتاباته وأشعاره، وحين كان يتاح لى الذهاب إلى دار العلوم قبل مرضى كنت أزوره، ونتناول العديد من القضايا الأدبية والثقافية، وكنت معجباً بدراساته النصية للشعر، وأملت أن أكتب عنها.

 فاجأنى مؤخراً إيقافه مع أستاذى العالم الجليل حسن الشافعى عن العمل بحجة الجمع بين وظيفتين: عضوية مجمع اللغة العربية ، والتدريس فى دار العلوم! معظم أعضاء المجمع ممن يجمعون بين العضوية والتدريس فى جامعة القاهرة خاصة، ولكن بلادى لها رأى آخر.

قبيل وفاته بليلة واحدة (29/12/2015) وكان فى إحدى الندوات عن اللغة العربية ردد بعض الأبيات ذات الدلالة التى لا تخفى والمؤثرة بعمق فى الوجدان العربى وهى للمقنع الكندى:

وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلفٌ جداً

                  أراهم إلى نصري بطاءا و إن هم . .. دعوني إلى نصر أتيتهم شدا

إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً

 

لا أظن أبناء أبيه أو أبناء عمه المعاصرين يفهمون الدلالة ويقدرون ما يقول، ولكنهم يتحركون بغريزة أخرى!

  صحيح نه حصل على جائزة الدولة التقديرة عن مجمل أنتاجه الأدبى والعلمى، وهو غزير وسخى وعميق، ولكنه لا يستحق التنكيل به فى أخريات حياته لأسباب غير مقنعة....لقد خدم لغة القرآن وتفوق فى عمله، وتولى العديد من المناصب العلمية والإدارية توجت بنائب رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وشارك فى الحياة الأدبية والثقافية، وكان رمزاً للأصالة والمعاصرة فى اجواء ثقافية معادية للثقافة والمعاصرة جميعاً، وأسهم بنشاط ملحوظ فى اتحاد الكتاب المصرى ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة وجمعية الأدب المقارن المصرية ومركز تعليم اللغة للأفارقة ثم ترك لنا ثروة عظيمة..." .

 ويلتقط الخيط الأستاذ الدكتور خالد فهمى رئيس دار الكتب الأسبق، فقال:         

"رحل جبل علم، كان ذلك أول شعور تملكني ساعة بلغني نبأ وفاة الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف ، رحمه الله، ورضي عنه، والحديث عن الرجل متشعب الجوانب : فقد كان عالما بالعربية من طراز فريد ، قدم للمكتبة العربية، والنحوية، واللغوية بوجه خاص سهمة جليلة، وهو من أكثر العلماء الذين انتصروا لمفهوم النحو الرشيد الذي ورثناه من الجيل الأول من علماء المسلمين الذين أخلصوا لدراسة أسرار التراكيب العربية، وهو ممن خلط دراسة النحو بالإبداع، والدلالة، وله في هذا الباب سهمة معروفة، ثم هو شاعر رقيق، ذو إنجاز معتبر، وهو ممن كان يعرف للتراث حقه، وممن كان يؤمن به، ويخدمه، وله في ذاك لعض إسهامات تتعلق بكيفية قراءة النص التراثي، ثم هو إداري ناجح، تولى غير مسئولية، ونجح فيها بالحب قبل الإدراك لأصول الإدارة، فقد كان وكيلا لدار العلوم التي تنكرت له، ولم ترع جهاده في سبيلها، وهوكان نائبا لرئيس المجمع بالانتخاب، منا يدل على محبة وتقدير، ثم هو إنسان رحيم رءوف محب لأبنائه ودرد بهم، وقد عرفته منذ زمن بعيد ، وتوثقت بيني وبينه عُرى المحبة، واستصفته في مناقشات كثيرة، وكنا نتواصل كثيرا، محبة وودادة ، رحم الله الفقيد وعوضنا خيرا".

 وقال عنه الشاعر الجنوبى جميل محمود عبدالرحمن، والذى التقى به ليلة رحيله فى مجمع اللغة العربية عانقه فيه عناقاً حاراً فقد كان العناق الأخير:

 "فقد الوسط الأدبى واحداً من أهم النقاد المصريين والعرب، فقد كان متعدد المواهب، فهو شاعر مجيد وناقد كبير ولغوى حصيف.. لانت له اللغة وأسلمت قيادها إليه فكانت كتبه تشهد أن لغتنا العربية فى قشيب أثوابها فضلاً عن دوره الرائد فى تخريج طلاباً أفذاذاً يملأون الحياة شرقاً وغرباً وقد شرفت به محافظة سوهاج "بلدتى" عام 1987م فى صحبة الشاعر الكبير فاروق شوشة والأستاذ الدكتور محمود الربيعى (أستاذ حماسة) وعاشت سوهاج يومين من أسعد أيامها مع الشعر والنقد ومع الرصانة والأدب الرفيع وبالأمس الأربعاء 30/12/2015 كان يدير ندوة مؤتمر مجمع اللغة العربية فى اليوم العالمى للغة العربية حيث أدار اليوم الثانى كما أدار اليوم الأول باقتداره الموعود، وكان بفراسته يصوب أخطاء المتداخلين لحذقه البارع فى اللغة وكان التوهج الإبداعى والإقتدار باديين عليه مثلما كان العناق بيننا حاراً وتشهد الصورة التذكارية بذلك ولكنه كان عناق الوداع العناق الأخير..".  

رحم الله الأستاذ الدكتور محمد حماسة عبداللطيف واسكنه فسيح جناته..

وسوم: العدد649