من أخلاق العلماء الربانيين

د. محمد مطيع الحافظ

الورع عامّة وبالفتوى خاصّة عند كل من

الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، والشيخ محمد الحامد

والشيخ عبد الوهاب الحافظ (دبس وزيت)

والشيخ محمد أبي اليسر عابدين

د. محمد مطيع الحافظ

الورع عامة: (اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات) كما قال الجرجاني في التعريفات. وقال ابن علان في دليل الفالحين: (هو عند العلماء ترك ما لا بأس به حذراً مما
به بأس).

فترك الشبهات هو من الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم: (إن الحلال بَيِّن وإن الحرام بَيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه).

فالورع صفة جامعة لكل خصال الكمال، فالصالحون اقتدوا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه في ورعهم، وهو أثرٌ من آثار خوفهم الشديد في أن يقعوا في مخالفة حكم من أحكام الله تعالى. لأنهم تحققوا بالتقوى فكانوا عن الشبهات متورعين ومن الله تعالى خائفين ولفضله راجين.

هذا عن الورع عامّة، أمّا الورع في الفتيا فمن لوازم الذي يفتي كما كان عليه عمي الشيخ عبد الوهاب الحافظ (دبس وزيت):

1 –  أن يكون عالماً متمكناً في العلوم عامّة وفي الفقه خاصّة عارفاً بنوازل الأحكام في عصره.

2 –  أن يكون ورعاً شديد الخوف من الله تعالى، لا تأخذه في الله لومة لائم.

3 –  أن يأخذ نفسه بالعزائم ولا يتتبع الرخص.

4 –  أن لا يفتي بغير مذهبه الذي أتقن علمه.

هذا وقد كان سلفنا ومشايخنا من العلماء العاملين على هذا المنهج، وقد توسع الإمام ابن عابدين في هذه المسألة في رسالته المشهورة (رسم المفتي).

وفيم يلي أقدم بعض الأمثلة عن الورع عن عدد من العلماء الربانيين. فأذكر ما كان من فتوى للعلامة الشيخ محمد الحامد علامة حماة بسورية والإجابة عليها للعلامة الشيخ عبد الوهاب الحافظ الشهير بدبس وزيت وفتوى أخرى للعلامة الشيخ عبد الحكيم الأفغاني ثم الدمشقي، وإصرار الشيخ الطبيب محمد أبي اليسر عابدين على عدم إصدار فتوى في الاشتراكية تخالف الشرع مما أدى إلى تسريحه من منصبه.

أقدم أولاً تراجم مختصرة للعلماء الأربعة مرتبة زمنياً.

1 –  الشيخ عبد الحكيم بن محمد نور الأفغاني (1251-1326هـ) (1835-1908م) علامة محقق، فقيه حنفي أصولي، زاهد، نزيل دمشق. ولد في قندهار، ولما شبَّ غادرها طلباً للعلم فقصد الهند والحرمين وبيت المقدس حتى نزل دمشق، فأقام في دار الحديث الأشرفية بغرفة صغيرة متواضعة، مقابلة لغرفة الشيخ محمد بدر الدين الحسني، ومكث في هذه الغرفة ما يقرب من ربع قرن إلى أن توفي. ولازمته المتفقهة من الطلبة في حجرته، منهم العلامة الشيخ محمد أبو الخير الميداني، عرف عنه تقواه وزهده وورعه حتى ضرب به المثل، يكتفي بالضروري من القوت، ويشتغل يوماً واحداً في الأسبوع مع (الطيانين) – الذين يعملون بالطين في البيوت العربية - ليأكل من كسب يده وكانت أوقاته بين التعليم والمطالعة والعبادة وتلاوة القرآن. له عدة مؤلفات منها المخطوط والمطبوع. توفي في 8 شوال 1326 ودفن بمقبرة الباب الصغير بجوار قبري العلاء صاحب الدر المختار وابن عابدين. (تاريخ علماء دمشق 1/240-247).

2 –  الشيخ محمد بن محمود الحامد (1328-1389هـ) (1910-1969م) علامة، داعية، مجاهد، زاهد، ورع ولد في حماة، وأخذ عن علمائها، ورحل إلى القاهرة لإكمال دراسته في الأزهر، ونال شهادة العالمية، ولما عاد إلى حماة تفرغ لتعليم العلوم الشرعية وتربية الناشئين ورعاية أهل التقوى، فنشأ على يديه جيل من الشباب المؤمن، عَرف أسرار التشريع وحكمته، ودعا إلى الالتزام بالسنة ومحاربة البدعة، يكره الفتن، ويحارب الانحراف بلسانه وقلمه، وشهد له أعداؤه بالإنصاف والجرأة والأمانة والورع: فكان متشدداً في الفتوى لا يفتي إلا إذا دَرَس واطمأن، له عدد كبير من التلاميذ أصبحوا علماء ودعاة، وله عدة مؤلفات. وللشيخ عبد الحميد طهماز كتاب (المحامد في حياة العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد).

3 –  الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ عبد الرحيم الحافظ (دبس وزيت (1311-1389هـ) (1892-1969م) فقيه الحنفية بالديار الشامية ومقرئ دمشق، ورع زاهد. ولد بدمشق وحفظ القرآن الكريم وأخذ عن علماء دمشق ولازمهم وخاصة الشيخ محمد عطا الله الكسم وتخرّج به وكان من أنجب تلاميذه، وأصبح خليفته من بعده، وأتقن حفظ القرآن وتجويده. أخلاقه أخلاق السلف، وكان صورة كريمة للعلماء العاملين الربانيين الذين يزهدون في كل شيء في سبيل عزة العلم، زاهد ورع، والزهد والورع علامة متميزة عنده، يتحرى الحلال، يرضى بالكفاف من العيش، ترك كثيراً من الحلال لئلا يقع في قليل من الحرام، لا يستجيب للدعوات إلا دعوات أصحابه الذين يطمئن إلى طيب طعامهم، ومن زهده أنه رغب عن كثير من الوظائف العالية في دمشق وبيروت منها أمانة الفتوى في عهد المفتي محمد شكري الأسطواني، ومنها الإفتاء العام عندما أصبحت شاغرة، ألقى دروسه في مساجد كثيرة بدمشق منها الجامع الأموي، وحفظ عليه كثير من طلابه القرآن الكريم وأتقنوا. توفي يوم الأربعاء 10 رمضان 1389هـ. (تاريخ علماء دمشق 2/829-846).

4 –  محمد أبو اليسر بن محمد أبي الخير عابدين (1307-1401هـ) (1889-1981م) علامة موسوعي، طبيب مفتي الجمهورية العربية السورية، من أسرة ابن عابدين صاحب الحاشية المشهورة.

ولد بدمشق وأخذ عن والده وعن الشيخ علاء الدين عابدين، وأخذ أيضاً عن عدد من علماء دمشق المشاهير، شارك في الثورة السورية ضد الفرنسيين بماله ونفسه ورأيه وكان يحمل السلاح والدواء للمجاهدين ليلاً. دخل كلية الطب (معهد الطب) طالباً، وعين أثناء تلقيه الطب مدرساً لمادة الشريعة والأصول في كلية الحقوق، فجمع بين كونه أستاذاً في كلية الحقوق وطالباً في كلية الطب في آن واحد. مارس مهنة الطب ثلاثين سنة. وانتخب مفتياً عاماً سنة 1373هـ وبقي في منصبه حتى 1382هـ. وكان سبب فصله عن الفتوى موقفه الصلب حين طلب منه أن يفتي في قضية الاشتراكية وأنها موافقة للشرع، فرفض الإفتاء بها ففصل عن العمل، ولكن الظروف تغيرت بعدُ فعاد إلى الفتوى معززاً مكرَّماً. له مؤلفات كثيرة مخطوطة ومطبوعة. توفي 8 رجب 1401هـ. ودفن بمقبرة الباب الصغير (تاريخ علماء دمشق 2/968-973).

*          *          *

الورع عند المشايخ الأربعة المتقدمين عامّة،

وفي الفتوى خاصة:

1 –  فأبدأ بالعلامة الشيخ عبد الحكيم الأفغاني:

فمن ورعه أنه كان لا يقبل صدقة ولا هدية، وإنما كان يأكل من كسب يده، فإنه كان يعمل طياناً في أحياء دمشق في الأسبوع يوماً واحداً ينفق ما كسبه في الأسبوع كله فلما عرفه أهل دمشق امتنعوا عن تشغيله احتراماً له، فكان يذهب إلى القرى المجاورة لدمشق، ويعمل فيها أيضاً.

-   وكان إذا زاره الولاة لا يقبل منهم أي هدية. حتى إن أحد تلاميذه أتاه  بطعام من صنع أهل بيته، فلما قدّمه له وشمه قال: إن هذا الطعام منتن، قال: يا سيدي رائحته زكية، وصنع بأفضل أنواع السمن ...، ثم عُلم بعدُ أن هذا الطعام جُلبت مواده الأولية من عند شخص مالُه فيه شبهة.

-   ومن ورعه في الفتوى ما حدثني به عمي الشيخ عبد الوهاب رحمه الله: أنه جاءه مستفت من أهل اللاذقية فسأله عن مسألة فأفتاه بها، ثم ذهب الرجل شاكراً، ثم إن الشيخ عبد الحكيم طلب من تلميذ له جالس عنده أن يصنع كأساً من الشاي، فقام التلميذ لصنع ذلك، ولكن الشيخ قام إلى كتاب وراجع المسألة فتبين له أنه أخطأ، فسأل عن المستفتي، فقيل له إنه من أهل اللاذقية، فسأل أين ينزل فدلوه على مكان نزوله فذهب مسرعاً مع تلميذه الذي يعرفه إلى مكان المستفتي فسأل عنه فقيل: إنه سافر إلى اللاذقية، فسأل عن مكان انطلاق السيارات إلى اللاذقية فدلوه، فذهب فركب السيارة ليصل إلى اللاذقية بعد ما يقارب ثماني ساعات أو يزيد، واجتمع بالمستفتي، وأخبره بالحكم المعتمد، وعاد سريعاً إلى دمشق إلى غرفته المتواضعة ليطلب مرة ثانية من تلميذه أن يصنع له كأساً من الشاي. رحمه الله.

-   ومن ورعه في العلم ما حدثني به أيضاً عمي رحمه الله: أنه كان في الدرس يقرأ العبارة ويقول لتلاميذه: أنا لم أفهم المسألة، ثم يسأل كل واحد عما فهمه، فيقول كل واحد ما فهمه، ثم يرى أن واحداً منهم فهمها فيدعو له. وهذا دليل على تواضعه وورعه.

2 –  وأمّا عن ورع الشيخ محمد الحامد رحمه الله:

فإنه كان دائماً يتحرى الحلال الطيب، يقول الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقف مجاهداً بالحق أيام الشدة والمحن، فكانت له مواقف مباركة بصدقه وتقواه، وحقن بهذه المواقف الدماء.

ومن ورعه في الفتوى: أنه أفتى في مسألة الصيام والاقتصار على الماء الممزوج بقليل من الملح مدة تزيد على أربعين يوماً استشفاء من أمراض مستعصية وبدا له أنه جائز إذا كان بإشراف طبيب مسلم حاذق عدل ... وبعد أن عرض هذا الأمر على الشيخ
عبد الوهاب الحافظ دبس وزيت لم يوافق على هذه الفتوى وكتب في هذه القضية. وسرعان ما أعلن الشيخ محمد الحامد على منبر جامع السلطان في حماة هذه القضية وأظهر تراجعه عن ذلك، ثم إنه نشر في صحيفة الفداء الحموية الصادرة في 8 رمضان 1386هـ/ 20 كانون الأول 1966 هذا الأمر بتفصيل: وهذا نص ما نشره الشيخ الحامد رحمه الله:

(رجوع إلى حق)

تلقينا من فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الحامد الكلمة التالية:

لعل قراء (الفداء) يذكرون وما بالعهد من قدم، كلمة نشرتها في حكم الاقتصار على الماء الممزوج بقليل من الملح مدة تزيد على أربعين يوماً استشفاء من علل مستكنة في الجسد قد يظن أنه طريق الخلاص منها.

وملخص ما بدا لي من الحكم الشرعي فيه أنه جائز، وإن كان ضاراً، إذا تعين سبيلاً للشفاء ولكني شرطت أن يكون بإشراف طبيب مسلم حاذق عدل أو مستور بصير بمراحل العلة وحال المريض من حيث تحمله أو ضعفه فإن آنس اقتراب الخطر منه أجبره على العود إلى الطعام كما يراه بنظره الثاقب.

ولا تتقيد هذه المداواة بأربعين يوماً ويوماً لأن مرد الأمر فيها إلى الطبيب الحكيم. أما استقلال المريض بها فإنه إلقاء باليد إلى التهلكة فيحرم.

هذا مجمل ما اتجه لي من الحكم الفقهي في هذا الأمر، لكن شيخنا الجليل أفقه فقهاء بلاد الشام عموماً وسيد علمائها الشيخ عبد الوهاب الحافظ الملقب بدبس وزيت، لم يوافق على هذه النظرة لما عرضتها عليه. وقد تكرم فكتب إلي بالحكم الديني في هذه القضية وها أنا ذا أعرض على القراء ما كتب معلناً تراجعي إليه وانضوائي تحت لوائه.

قال حفظه الله وأبقاه ذخراً للإسلام والمسلمين آمين:

... ثم إني أقول على فرض قول الطبيب المسلم الحاذق العدل بترك الطعام هذه المدة والاقتصار على الماء بالنسبة لمن يتداوى بترك الطعام فلا يجوز الأخذ بقوله لمخالفته النصوص القطعية فإن الشارع جعل قوام الجسد بالطعام إلا أن المريض إن ضره نوع من الطعام ينتفع بنوع آخر منه، وتقليل الطعام علاج للجسد لا تركه بالكلية.

وأيضاً فالطبيب مهما كان حاذقاً واجتهد في تشخيص المرض فهو حزر وتخمين فلا يترك المحقق للموهوم. وفي الشرنبلالية عن الاختيار قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها العبد إلى فيه) فإن تَرَكَ الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى لأن فيه إلقاء النفس في التهلكة وأنه منهي عنه في محكم التنزيل إهـ. بخلاف من امتنع عن التداوي حتى مات إذ لا يتيقن أنه يشفيه كما في الملتقى وشرحه.

ثم إن الرياضة بتقليل الأكل ممدوحة ولكن بشرط أن لا يضعف عن أداء العبادة.

قال علماؤنا: الأكل للغذاء والشرب للعطش فرض يثاب عليه بمقدار ما يدفع الإنسان الهلاك ويتمكن به من الصلاة قائماً ومن صومه، فيفهم منه أن تركه حرام يعاقب عليه، فقد بلغنا عن رجل من الصالحين ومن أهل الطريق أنه عندما يدخل الخلوة لذكر الله تعالى يقلل من الطعام فوق طاقته، فابتلي بمرض كان سبب موته مع تصادف الأجل، وقد أخبر الطبيب بأن سبب مرضه قلة الطعام فوق طاقته.

فنسأل الله العظيم أن يجعلنا من المتبعين لهذا النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم ولا يجعلنا من المبتدعين.

قال رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

انتهى المقصود من كلام فضيلة الشيخ عبد الوهاب الحافظ الملقب بدبس وزيت ذي النظرات العميقة في الأحكام وعللها الفقهية وقد أجاد وأفاد بارك الله عليه وأدامه.

بقي أن شفاء بعض الناس بهذا النوع من التداوي، حادثة جزئية والفقه الإسلامي يرى أن الحادثة الجزئية لا تشكل قاعدة كلية وحكماً عاماً.

صورة نص الرسالة التي نشرت في صحيفة الفداء:

ثم إنه أرسل رسالة بخطه إلى الشيخ عبد الوهاب توضيحاً لذلك:

ومسألة أخرى في حكم حقن الوريد أو العضل بالنسبة للصائم، فقد سأل الشيخ محمد الحامد الشيخ عبد الوهاب عن الحكم الشرعي فأجابه بما يلي بخطه:

 

3 –  وأماّ عن ورع الشيخ عبد الوهاب الحافظ (دبس وزيت):

فقد كان ورعاً في كل مناحي الحياة: لا يأكل إلا حلالاً لا شبهة فيه، يرضى بالقليل من العيش في مأكله وملبسه ومشربه، يترك الكثير من الحلال خوفاً من الوقوع في الشبهات، ورغب عن كثير من الوظائف العالية.

أمّا عن الفتوى فكان يأخذ بالعزائم ويبتعد عن الرخص إلا عند الضرورة الشديدة ويفتي بالأقوال المعتمدة، وإذا كان حكم راجح وحكم مرجوح يأخذ بالراجح وخاصّة في مسائل الطلاق.

-   كان الشيخ محمد شكري الأسطواني المفتي العام لبلاد الشام يعرض عليه كثيراً من الفتاوى ويقول له: إني أستشيرك لأنك لا تهز برأسك بالموافقة لي، وإنما تقول وتبين الخطأ من الصواب.

-   سعى الشيخ عبد المحسن الأسطواني قاضي دمشق الأول أن يكون الشيخ عبد الوهاب أميناً للفتوى فرأى شيخه الشيخ محمد عطا الله الكسم في المنام فنهاه عن ذلك فامتنع.

-   ثم عُرض عليه منصب المفتي العام فرفض وقال: إن الشيخ أبا اليسر عابدين قد عزل عن الفتوى ظلماً، وأنا أقول علينا أن نسعى لإعادته.

-   كان يستشير تلاميذه ويقرأ عليهم الفتاوى التي تعرض عليه مع إجاباته ويستشيرهم، – وكنت بحمد الله واحداً منهم - وخاصّة الأمور التي تحتاج إلى متخصص في الطب وغيره.

4 – وأمّا عن ورع الشيخ أبي اليسر عابدين:

فقد كان زاهداً حتى في ملبسه ومأكله، وكان متواضعاً بكّاءً، لا يمنع طالباً من الدرس ولو كان هذا الدرس لطالب واحد وهذا ما حصل لي عندما تابعت دراسة الفقه عليه في كتاب (اللباب في شرح الكتاب).

وفتاواه دقيقة يأخذ بالقول القوي في المذهب، وكان مستحضراً لمسائل الفقه عامّة، وكان القضاة يتصلون به للفصل في الأحكام، فكان ربما أعطى الجواب مباشرة، أو ربما طلب بضع دقائق ليراجع المسألة.

وقد رفض أن يقدم فتوى في حِل الاشتراكية المعروفة في عصره، فأدى ذلك إلى عزله، فرجع إلى بيته وفتحه لكل سائل وطالب علم. ثم لم تمض مدة والظروف تغيرت. فعاد إلى منصبه معززاً مكرماً.

رحمهم الله ونفعنا الله بعلومهم، وجعلنا نقتدي بهم لنفوز بسعادة الدنيا والآخرة.