الشهد محمد دياب فاعور (أبو سمرة)

للبغي أفانين، وللطغيان مذاهب، وللظلم ألوان، ويوم يتاح للتاريخ أن يتحدث عن أفانين البغي، ومذاهب الطغيان وألوان الظلم في سورية أيام حكم حافظ أسد، سيغمر بنو البشر رؤوسهم في التراب خجلاً مما سيسمعون...

لقد عرف الناس حكومات تطغى وتبغي وتظلم...

عرفوا المحاكم الصورية يُعلَّقُ بعدها الرجال على المشانق أو يرمون بالرصاص وما ثم من حكم بالأقدام... والنفخ بالهواء أو الماء..

وعرف الناس أناساً ماتوا بعد أن أمرت السلطات الباغية الطاغية بحقنهم بالحقن المميتة..

ما عرف الناس كل هذا منذ أن كان (نيرون) و(فرعون)... وما سمعوا به في التاريخ، وما كانوا ليصدقوه حتى رأوه عياناً في ظل الحكم الأسدي في سورية...

رأى الشعب السوري أبناءه البررة يعلقون على المشانق في صبيحة 28/5/1979. وعرف هذا الشعب كيف قضى الشهداء من أبنائه أمثال الدكتور مصطفى عبود والشيخ أحمد الفيصل والعالم المجاهد مروان حديد، والشاب اليافع حسن عصفور، وسواهم من الأحرار الأبرار.

أما طريقة التخلص من الشاب الشهيد محمد دياب فاعور (أبو سمرة) فكانت أسلوباً فريداً من أساليب الإجرام جمع إلى الخسة والغدر: الجبن والخور والكذب والتزوير...

مع صلاة الفجر من صباح 10/3/1979م يطرق منزل باب الشهيد، فيفتح الباب، وتقتحم مفرزة من عناصر السلطة البيت بقيادة (رائد) يحمل على كتفه نسراً؟!! وعلى رأسه نسر آخر هو الرائد أحمد الحسن، تقتحم المفرزة البيت وتفتح النار وكأنها على الجبهة السورية؟!!

تنصب الطلقات الآثمة على (رأس الشهيد) الذي خرج يستطلع الخبر، وهو ينادي: الله.. الله، وترتسم بسمة مطمئنة على شفتين كان آخر عهدهما بالدنيا.. الله.. الله، فهنيئاً لك الشهادة أبا سمرة...

ولم تنته الملحمة... فالحقد الأسود.. حقد (ابن سبأ) ما زال يغتلي في النفوس النتنة يقترب أحد الزبانية من الجسد الطاهر، أمام أعين أمه وإخوته، فيقوم بأعظم إنجاز حضاري قدمه حافظ أسد للقطر المنكوب...

يضع فوهة الرشاش على بطن الشهيد، ويتكئ عليه حتى يبقره.. نعم.. بقروا بطنه.. كما بُقرت بطون المسلمين في (دير ياسين) و(قبية) و(تل الزعتر).. بقروا بطن الشهيد فاندلقت أحشاؤه أمام عيني أمه.. لعائن الله والأناس أجمعين عليك أيها الرفيق القائد حافظ أسد! ألا يحق لك أن تتيه على (نيرون).. ؟؟؟!!

بقروا بطنه، ثم وضعوا الرشاش في يديه، وألقوا بجانبه الطلقات الفارغة... والتقطوا له صورة.. ليزعموا حولها المزاعم.. ليقولوا.. إنه الذي بدأ، وإنه قتل، وإن سلاحه من إسرائيل وإنه متآمر مع أطراف (الكامب..) وهم.. أصحاب الرسالة الخالدة.. هم من حثالة التاريخ والذين يبقرون البطون.. بطون الأموات، هم الأحرار التقدميون.. وليرفع بنو الإنسان رؤوسهم عالية...

ولم تنته الملحمة بعد، انطلق المجرمون يعيثون في البيت فساداً، سرقوا عشرين ألف ليرة لوالده...

مزقوا القرآن الكريم.. وداسوه بأقدامهم... رَوَّعوا، وسبوا وشتموا، وهددوا.. ثم أجبروا أهله على دفنه سراً وألا يعلموا بذلك أحداً..

بقي أن يعرف التاريخ، أن كل هذه المآسي جرت في (آذار 1979م) حيث كان حافظ الأسد يتستر وراء (الصمود والتصدي)، وبقي أن يعرف المراقبون الأحداث أن حادث مدرسة المدفعية في (حزيران 1979) هو الثمرة الطبيعية للفعل الحضاري الذي مارسه الفريق القائد خلال عشر سنين، وكان شهيدنا مظهراً من مظاهره.

وبقي أن يعرف الشعب السوري أي شباب من فتيانه يخسر.. وأي أبطال من رواده يضيع..

من هو محمد دياب فاعور...

ولا يهم محمداً أن يعرف الناس من هو.. ألا يكفيه أن يعرفه رب محمد صلى الله عليه وسلم ألا تكفيه صحبة الأحبة.. محمد وصحبه –بإذن الله-.

* * *

شاب من مواليد حماة.. ولد في عائلة مستورة عام 1957م في حي الفرَّاية..

نشأ على الفطرة فكان مسلماً على عهد ربه وعقده..، ومنذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره وقع في أيدي السلطة فذاق في أقبيتها مر العذاب...

كان محمد في الرابعة عشرة من عمره يتلوى تحت سياط الجلادين بصبر وثبات بينما كان أمثاله من الأطفال لا يزالون يلثغون بالكلمة والحرف.. نال الجلادون من جسده ما نالوا، ولكنهم لم يستطيعوا أن يخدشوا إرادته أو عزيمته، فخرج من السجن أشد مضاء وأقوى عزيمة.

تابع دراسته الثانوية في الثانوية الشرعية حتى نال شهادتها.. وكان الأول على مدرسته.. شأنه في ذلك.. شأن جميع إخوانه من الدعاة المخلصين الذين تتفانى السلطات الغاشمة في إبادتهم...

ولم يكن محمد خلال هذه الفترة طالباً فقط.. وإنما كان داعية يقضي أوقات فراغه في بيت الله يعلم أطفال المسلمين القرآن الكريم، والحديث الشريف، ويشرح لهم معنى الإيمان والإسلام.

انتسب الشهيد بعد الثانوية إلى كلية الشريعة في دمشق ليعد نفسه داعية في صفوف جند محمد صلى الله عليه وسلم.. ولكن رياح البغي اجتثته.. ولما يزل غض الإهاب...

رحم الله الشهيد.. وأكرم منزله، وجعله عنده في عليين.. مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وحسن أولئك رفيقاً.

وسوم: العدد 680