الأستاذ الأديب الداعية د. عبد الباسط عبد الرزاق بدر

(1944 – معاصر )

clip_image002_421e0.jpg

هو الأستاذ الدكتور شخصية مميزة ومبدعة وهو يشغل مدير مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة .. وأستاذ الأدب والنقد والأدب الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .

المولد والنشأة :

 - وُلد عبد الباسط عبد الرزق بدر بمدينة الباب بمحافظة حلب في سوريا عام 1944م ، وهي مدينة تاريخية عريقة يغلب عليها البساطة في الحياة والجو الإيماني ونشأ في أسرة عُرِفَتْ بالتدين والاهتمام بالعلوم الشرعية تعمل في مجال الدعوة فجده كان المدرس الديني في البلدة ، وكان عمه مدرس ديني في منطقة ثانية ، أما والده فكان متصوفاً من أتباع الطريقة النقشبندية البعيدة عن البدع، وكان والده يصحبه إلى المسجد ليصلي الفجر، ويأخذ الختم، فنشأ في هذا الجو الروحي، وقد بلغ عدد أفراد الأسرة /12/ توفي اثنان، وبقي عشرة ، تنقل مع أسرته بين منبج ، وجرابلس، واستقر في حلب .

دراسته ومراحل تعليمه :

درس في الكتاتيب عند أحد أقاربه .

وانتقل إلى منبج وعاش في أجواء أدبية وإسلامية، وسمع شعر الشاب محمد منلا غزيل، ومنبج فيها تعدد ثقافي ، وعرقي ، سمع عن الشيوعية والأحزاب القومية والاشتراكية ، والأحزاب الوطنية ، وتفتح ذهنه على هذا التعدد، فتمسك بالعروة الوثقى،وتنوعت ثقافته فراح يقرأ لمكسيم غوركي رواية الأم ، وقرأ اللامنتمي ، والطاعون ، ودستوفيسكي ، وقرأ لسارتر ، فتنبه إلى الأدب ومدى تأثيره في الحياة فحصل لديه ردة فعل على هذا النمط .

شاهد في مدينة منبج الصراع بين التيار الإسلامي واليساري .

ودرس المراحل الابتدائية، والإعدادية، فعاش في صراع فكري في نهاية هذه المرحلة .

تأثر الأستاذ عبد الباسط بكتب الأستاذين محمد قطب، وسيد قطب ، فقرأ منهج الفن الإسلامي ، وفي ظلال القرآن ، وتأثر بكتب مالك بن نبي ، وكتب جودت سعيد ـ وقرأ كثيراً في مجلة المسلمون وقرأ كتب الإمام الغزالي، وكتب ابن كثير ، والقرطبي .

وكان عمه يحثه على القراءة، ويلزمه بحضور الدروس، ويناقشه حول القصص، وتأثر بأستاذه في تلك الرحلة .

ومن ثم درس في دار المعلمين، وتخرج عام 1963م ليبدأ مسيرة الحياة العملية المبكرة معلماً في قرى محافظة حلب، وفي الوقت نفسه طالباً منتسباً في جامعة دمشق كلية الآداب قسم اللغة العربية، وطالباً منتسباً في كلية الحقوق بجامعة حلب.

- تخرج في كلية الآداب في جامعة دمشق عام 1967م وانتقل للتعليم في المرحلة الثانوية، سافر للبحث عن فرصة للدراسات العليا في مصر، إذ لم تكن موجودة في سوريا وعن فرصة للعمل.

- سجل للماجستير في جامعة القاهرة، وعمل مدرساً في معهد الخدمة الاجتماعية في بنغازي لمدة سنة تلتها رحلة إلى أوروبا استغرقت معظم السنة التالية، ثم عاد للعمل في سوريا مدرساً في المرحلة الثانوية.

- ثم حصل على الماجستير من جامعة القاهرة سنة 1973م، وكان موضوع الرسالة (شعر بدوي الجبل دراسة في الفن والموضوع) : محمد سليمان الأحمد : شاعر مبدع متميز، متعدد الألوان والموضوعات، لم يرزق الانتشار لأسباب سياسية ، ويعتبر في مستوى أحمد شوقي ، تعرف عليه، وزاره في دمشق، وأعجب بشعره، فكتب هذه الدراسة عن شاعر المعارضة .

- وسجل للحصول على نيل الدكتوراه في جامعة عين شمس بالقاهرة ثم سافر إلى الرياض ليعمل في مدرسة متميزة اسمها (مدارس الرياض) مدرساً ثم مشرفاً على القسم الثانوي، ثم مشرفاً على مادة اللغة العربية وتطوير مناهج دراستها.

- حصل على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من جامعة عين شمس في مصر عام 1978م، وكان موضوع الرسالة (قضايا الشعر الجديد في النقد الأدبي المعاصر) : كان المجتمع يعيش محاولة تغير وكسر الشعر التقليدي على أيدي السياب ونازك الملائكة والبياتي ونشأ تيار متحلل على أيدي أدونيس ، ونشأ شعر التفعيلة وحاول البعض التمرد على الأصالة ، وكانت الواقعية الاشتراكية والوجودية والإسلامية فحاول أن يؤصل للاتجاه الإسلامي ، وراح يميز بينها .

أعماله والوظائف التي تقلدها :

- انتقل إلى المدينة المنورة ، وعمل أستاذاً لمادة النقد والأدب الإسلامي في  الجامعة الإسلامية منذ عام 1400 للهجرة لمدة خمسة عشر عاماً.

وأشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وشارك في مناقشة رسائل أخرى في الجامعة نفسها وفي جامعات المملكة الأخرى.

- نقل إلى مركز خدمة السنة والسيرة النبوية للعمل في قسم السيرة النبوية نهاية عام 1415 للهجرة.

- أعير إلى إمارة منطقة المدينة المنورة ، وكُلّفَ بإدارة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة عـام 1417هـ، وما زال على رأس عمله هذا حتى تاريخ إعداد هذه السيرة.

المؤلفات:

1· "المنهج في اللغة العربية".

2· شعر بدوي الجبل دراسة في الموضوع والفن.

3· "قضايا الشعر الجديد في النقد الأدبي المعاصر".

4· "ملاحظات حول تعريف الأدب الإسلامي" بحث مقدم إلى الندوة العالمية للأدب الإسلامي في لكنو بالهند.

5· "من قضايا الأدب الإسلامي" بحث مقدم لندوة الحوار حول الأدب الإسلامي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

6· "حداثة الشعر العربي" بحث مقدم للجامعة الإسلامية.

7· "الأدب الإسلامي بين أنصاره وخصومه" بحث مقدم لندوة الأدب الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

8· مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي.

9· "مذاهب الأدب العربي رؤية إسلامية".

10· قضايا أدبية.

11· دليل مكتبة الأدب الإسلامي الحديث.

12· قضايا نقدية.

13· التاريخ الشامل للمدينة المنورة- 3 مجلدات بقي يجمع مادته، ويكتبه لمدة خمس سنوات، تحدث عن تاريخ يثرب منذ العصر الجاهلي حتى زمن التأليف .

14- المدينة المنورة في عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك دراسة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية .

وهو يعمل على جمع تراجم العلماء والنساء الذين عاشوا في المدينة ...

النشاطات الثقافية الأخرى:

والأستاذ عبد الباسط بدر عضو مؤسس في رابطة الأدب الإسلامي العالمية وصديق مقرب للأستاذ أبي الحسن الندوي .

تأثر بالندوي وصحبه عدة سنوات، وكتب عن حاجة المكتبة إلى الأدب الإسلامي وحضر مؤتمر لكنو فكان هذا منعطفاً فكرياً يمثل الوسطية والواقعية

وتأثر بالدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا والدكتور عبد القدوس أبو صالح

وقدم· برنامج من الأدب الإسلامي - برنامج إذاعي أسبوعي استمر لمدة خمس سنوات.

· مجموعة من الدراسات والمقالات حول الأدب الإسلامي وتاريخ المدينة المنورة منشورة في مجلات وصحف محلية وعربية.

· مجموعة محاضرات في النادي الأدبي الثقافي بالمدينة المنورة حول الأدب الإسلامي وتاريخ المدينة المنورة.

· شارك سعادته في عدد من المؤتمرات والندوات عن الأدب والتاريخ وجميع مؤتمرات رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

وهو يدعو المسلمين أن يعرفوا من هم، ويدعوا إلى تكوين الشخصية المسلمة المعتدلة والواقعية لتواجه التحديات، وتتحلى بالحكمة، ويتطلع إلى المستقبل يعرف هدفه، وكيف يصل إليه نريد تكوين الشباب .

ثناء العلماء والأدباء عليه :

-كلمة معالي الشيخ الدكتور محمد عبده يماني :

 (( الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اللقاء نكرم فيه رجلاً من رجال العلم والأدب والثقافة، أخي الأستاذ الدكتور عبد الباسط عبد الرزاق بدر، ....

دلنا على أن قضية هذه الأمة هي قضية أدب وأخلاق فهؤلاء الصفوة من الأحباب وفي مقدمتهم أخي الدكتور عبد الباسط، اليوم عندما تهلُّون علينا نفرح بكم ونفرح بأعمالكم وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم خيراً، ونحن في هذه الليلة على وجه الخصوص عندما نكرم الأخ العزيز الدكتور عبد الباسط لا نكرم جاهاً ولا مالاً ولا حسباً ولا نسباً وقد جمعْتَ كل ذلك، ولكننا نكرم فيك الأدب وعنايتك بالأدب الإسلامي، هذه نعمة من نعم الله أن نجتمع في هذه الليلة حول هذا الموضوع ونطلَّعَ على أعمال لهذا الرجل الذي عاصرته عندما كنت في مدارس الرياض ولي أبناء يدرسون وكان في بداية شبابه وما يزال شاباً - الحمد لله - نفرح به ونفرح بهذا اللقاء وبهذه الصفوة من الإخوان .

ثم أتيحت الفرصة للشيخ عبد المقصود خوجه قائلاً: آسف لأنني لم أوجه كلمة اعتزاز لوالد ضيفنا الكريم، وهو معنا في هذه الأمسية الشيخ عبد الرزاق بدر، هنيئاً لك سيدي بهذا الابن، هنيئاً لك هذه الثمرة الطيبة الكريمة، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك قبل الجميع فأنت الصاحب في هذا الفضل، ونحن مقصرون في حقك فعذراً وعفواً فقد كان يجب عليَّ أن أفيك حقك بأول كلمة بالتأهيل قبل الجميع فعذراً مرة أخرى وأهلاً وسهلاً ومرحباً بك وبعد ذلك لكل الجميع.

- سعادة الأستاذ الشاعر الكبير محمد هاشم رشيد رئيس النادي الأدبي الثقافي بطيبة الطيبة :

أيها الأخوة الأحبة ونحن في أحضان هذه الأمسية الرائعة نستروح عبق الفن وأريج الإبداع،...وما احتفالنا الليلة بفارسنا المغوار الدكتور عبد الباسط بدر خير دليل جديد على ما تحققه الاثنينية كل يوم من نجاح متواصل تجاوز كل حدود الثناء والإطراء، فالدكتور عبد الباسط بدر يذكرني كلما رأيته بالمتنبي حين قال:

وإذا كانت النفوس كبارا       تعبت في مرادها الأجسام

لقد كان أستاذاً في الجامعة الإسلامية حينما التقينا في النادي الأدبي منذ بداياته، ودهشت يومها لهذا الأستاذ الكبير والأديب المتفوق الذي يجد الوقت لأداء رسالته الجامعية، ورعايته النابهين من طلبتها، والإسهام في أنشطة النادي وكأنه هو المسؤول وحده عن الحركة الأدبية والثقافية، وعرفت بعد حين واسمحوا لي بأن أقولها بصراحة عرفت مع ذلك كله أنه عاشق صبابة كما يقول التعبير الشعبي الجميل، وبمن؟ بالحبيبة التي نحبها جميعاً "طيبة الطيبة"، أشفقت يومها على هذا العاشق الذي حمل كل هموم العشق على كتفيه إلى جانب هموم الأدب والثقافة ورعايته المتواصلة لأبنائه الطلبة في كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، وسيطول بي الحديث لو استعرضتُ كل جوانب التفوق والشموخ عند الدكتور عبد الباسط بدر، فما أكثر هذه الجوانب، وما أكثر الحديث عنها ولكنني سأركز على بعض التضاريس اللافتة في خارطته الوجدانية والثقافية وهو يحاول إرضاء الحبيبة والتعبير عن مشاعره تجاهها، ثم أعرج على علاقته الحميمة بالنادي، لقد كانت المدينة المنورة كما هي الآن شغله الشاغل، والحلم المتوهج الذي ضم عليه صدره وأطبق جفنيه، وما فتئ يجوب سهولها وحرارها وشعابها وجبالها ويناغي حدائقها ووديانها، ويغوص في كتب السيرة والتاريخ والآثار ليعيش الماضي في ظل الحاضر، والحاضر على مشارف المستقبل، ولكن يعرف كيف كانت هذه الغادة المكتملة النضج وهي في مطالع صباها وبواكير حسنها وتفتحها للحياة من حولها، وكما قال أحد شعراء المدينة المنورة وهو يؤكد لحبيبته أن كل تجاربه السابقة لم تكن غير تمهيد لحبه الكبير:

جداولاً كنت قد تخطيتها       إلى الخضم المزبد المغرق

وبعض أزهار بدرب الشذا      تركتها تغفو على مفرقي

فإن عبد الباسط بدر ألقى بعض المحاضرات في النادي الأدبي والجامعة الإسلامية عن مظاهر حبه ولواعج هواه وهي بحوث جتده عن تاريخ المدينة المنورة وعن بعض المواقف والأحداث التي عبرت بها، ثم استبد به الشوق وعصف الوجد، فعكف على كتابة التاريخ الشامل للمدينة المنورة، وهو كتاب موسوعي يقف الجميع على أنه جهد متميز وأطروحة نادرة... ولكن بعض الباحثين يأخذون عليه أنه ركز على بعض الجوانب وأن التاريخ الشامل يتطلب عدداً أكبر من الصفحات، وقد كنت وما زلت يشغلني كل ملمح من ملامح الجمال عن التطلع إلى الملمح الآخر أو إمعان النظر إليه، فتلك طبيعة البشر، أما الإيجاز والاكتفاء بعدد أقل من الصفحات فتلك خاضعة لظروف معينة، أرى ضرورة الاقتناع بها، وأنا في ذلك على مذهب الشاعر عمر أبي ريشة رحمه الله حينما قال:

وما علينا إذا ما الدورة اختصرت     بعض الربيع ببعض العطر يختصر

ولكن الشوق الملح والحنين الجارف قذف بعبد الباسط بدر إلى أعماق اللجج المتلاطمة فأنشأ منذ أعوام مركز البحوث والدراسات للمدينة المنورة ليستقصي كل جوانب الحضارة على امتداد العصور وليقدم بالصوت والصورة كل القسمات والملامح المتميزة عبر القرون والأزمان، وكان من الطبيعي أن يضم المركز كل ما كتب عن المدينة المنورة في القديم والحديث وأن يلم شتات الوثائق النادرة بمختلف اللغات حينما وجدت وحيثما وجدت هذه اللغات، وأكبر أمير العاشقين لطيبة الطيبة صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز هذا الجهد الفريد والعمل المتميز، فتبنى هذا المشروع الثقافي العملاق وسار به خطوات واسعة إلى الأمام ليهيئ له كل وسائل الدعم الذي يجب أن يقوم عليها ليؤدي رسالته في التعريف بهذه البلدة الطيبة والدور الذي اطلعت ولا تزال تطلع به في بناء الإنسان وتشييد الحضارة وقيادة البشرية، وها هو ذا المركز يحتضن نادي الأنترنت ويصدر الكتب الوثائقية والأفلام المصورة ويشترك مع كبريات المؤسسات والجمعيات العالمية باستكمال الصورة الدقيقة الشاملة للمدينة المنورة منذ بداية التاريخ إلى اليوم وإلى الغد بإذن الله.

أيها الأُخوة اسمحوا لي أن أكتفي بهذا القدر من الحديث عن عشق الدكتور عبد الباسط بدر فهو حديث طويل لأنه يلامس جزيئيات حياته الشخصية والعملية لأتحدث عن علاقته الحميمة بالنادي فهو وثيق الصلة به إلى أبعد الحدود، وبحسبي أن أشير إلى أننا كنا نلجأ إليه قبل استكمال البرامج في بعض مواسمنا فيبادر إلى الإسهام في افتتاح الموسم أو اقتراح أحد الأسماء التي يعتمد عليها للقيام بهذه المهمة ريثما يكتمل استكمال البرامج، ولقد كنا كما تصنع الأندية الأدبية نطرح مسابقاتنا الثقافية عن أحد الشخصيات المعروفة حسان بن ثابت مثلاً أو عبد الله بن أبي رواحة رضي الله عنهما مثلاً فتنهال المشاركات، ولكننا بعد وفاة الأستاذ عبد العزيز الربيع - يرحمه الله - آثرنا طرح المسابقة عن حياته وأدبه فلم يتقدم إلينا أحد وتحدثت إلى الدكتور عبد الباسط بدر وسألته عما إذا كان من الممكن أن تطرح أسماء بعض الشخصيات في المدينة المنورة لتكون موضوعاً لرسائل التخرج في كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية فرحب بالفكرة وبدأ - حفظه الله - في تنفيذها، وكان حصا ذلك رسائل عن عدد من الأعلام في مقدمتهم السيد عبيد مدني والأساتذة ضياء الدين رجب ومحمد سعيد دفتردار وعبد العزيز الربيع والسيد ماجد الحسيني والأستاذان عبد الرحمن رفا وحسن مصطفى الصيرفي.

إن الحديث عن عبد الباسط بدر هو في الحقيقة الحديث عن الشموخ والوفاء والحب والاعتزاز بالعروبـة والإسلام، الحديث عن الرجل الذي أتعب نفسه ولا يزال يتعبها، لا ليكون له صوته المسموع المتميز بل ليحسن التعبير عن وفائه وحبه واعتزازه، وتكريمه هذا المساء تكريم لكل هذه القيم والمعاني والمبادئ، فشكراً للرجل الكبير عبد المقصود خوجه، وشكراً لكم جميعاً أيها الأخوة فالفضل لا يعرفه إلا ذووه، أو كما يقول المثل الصيني، ومعذرة فقد جاء في الأثر: اطلبوا العلم ولو في الصين، يقول هذا المثل: إن الوردة تترك بعض شذاها في يد مهديها فكيف والأمر كما يقول الشاعر:

قامت تظللني من الشمس      نفس أعز إلي من نفسي

قامت تظللني ومن عجب     شمس تظللني من الشمس

فالأفق كله شموس وأقمار والحقل كله ورود وأزهار والشذا يعبق في كل مكان،

-سعادة الأستاذ الدكتور عبد القدوس أبو صالح أستاذ الأدب الإسلامي بكلية المعلمين بالرياض.

(( هو الأخ الصديق الصدوق الدكتور عبد الباسط بدر فلا بد لي من مقدمة أو مقدمة موجزة عنه بين يدي الكلمة التي اخترت أن أتحدث فيها عن الدكتور عبد الباسط والأدب الإسلامي. تعود معرفتي بالدكتور عبد الباسط إلي نحو ربع قرن إذ كنت يوماً في مكتبة الكليات والمعاهد العلمية في الرياض قبل أن تصبح جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وإذا بشاب سوري الملامح يتقدم ليسألني أأنت فلان؟ ولم يكن يدور في خلدي أن ذلك السؤال سوف يكون فاتحة لعهد طويل من الأخوة الصافية والصداقة الخالصة تظللهما وحدة المعتقد وتآلف الروحين في مسيرة الأدب الإسلامي، التي عمّقتِ المودة ووحدتِ الدرب الذي قطعنا فيه عهد الشباب وما بعد الشباب، وأشهد أن شمائل هذا الأخ الصديق كانت تشدني وتشد غيري إليه فهو رجل موطأ الأكتاف بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وهو رجل كريم بكل ما في الكرم من ضروب وأفانين، ولقد رأيت من كرمه في استضافته لمجلس أمناء رابطة الأدب الإسلامي في بيته أكثر من مرة ما حملني على أن أحدث به والدي رحمه الله وكان يعرف أباه، ويعرف جده، فقال لي لا تعجب يا بني فهو كريم ابن كريم ابن كريم...

والدكتور عبد الباسط بدر مع عصاميته صاحب مروءة مسعفة وهمة عالية وطموح بعيد ونشاط عجيب، وقد جعله كل ذلك كله يحمل نفسه فوق الجهد والطاقة، حتى عرض نفسه أكثر من مرة إلى اضطراب في القلب كان نذيراً له أن يهدهد من نشاطه ويكف من غربه، ولكن هيهات هيهات وكأن المتنبي كان يعنيه حينما قال:

وإذا كانت النفوس كبارا      تعبت في مرادها الأجسام

رافق الدكتور عبد الباسط بدر نشأة رابطة الأدب الإسلامي العالمية منذ كانت فكرة راودت أذهان بعض الأدباء الإسلاميين إلى أن أصبحت حقيقة ماثلة وثغراً إسلامياً ورابطة عالمية تضم عشرة مكاتب في أنحاء العالم الإسلامي وتصدر خمس مجلات بعدة لغات، ويأتي الدكتور عبد الباسط بدر بعد ذلك في مقدمة النقاد الإسلاميين، لا يكاد يفضله إلا الدكتور محمد مصطفى دار رحمه الله ولا يكاد يساويه سوى الدكتور عماد الدين خليل الذي جمع بين النقد والإبداع، ومما زاد في تمكن الدكتور عبد الباسط في النقد الأدبي اختصاصه بالأدب الحديث وتمرسه به وجمعه بين التراث والمعاصرة، وإذا كان المجال يضيق عن الاستفاضة في الحديث عن كتبه وبحوث ومقالاته فـي الأدب الإسلامي عن برنامجه الإذاعي الذي استمر خمس سنوات فلا أقل من أن نشير إلى مصدر كتبه في مجال الأدب الإسلامي.

أول هذه الكتب التي أصدرها هو مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي يتحدث فيه عن العقيدة ومحاسن الأدب الإسلامي وعن ضرورة هذا الأدب وأهم مشكلاته وقضاياه.

وثانيها: مذاهب الأدب الغربي رؤية إسلامية وهو كتاب صغير الحجم عجيب يدل على ثقافة هذا الناقد وقدرته على محاكمة هذه المذاهب على ضوء التطور الإسلامي لبيان ما لها وما عليها من وجهة النظر الإسلامية التي تبتعد عن الانغلاق والجمود وترفض التبعية والتقرير...

وثالثها: دليل مكتبة الأدب الإسلامي في العصر الحديث وهو كتاب استغرق إعداده نحو خمس سنوات جمع في نحواً من ألف وثمانمائه وثمانية وأربعين عنواناً ما بين دواوين الشعر ومجموعات القصص والمسرحيات والبحوث والمقالات وهم منشورات رابطة الأدب الإسلامي.

ورابعها: كتاب بعنوان قضايا أدبية رؤية إسلامية تحدث فيه عن الأدب والمعرفة وعن موقف الإسلام من الأدب وعن أثر التصور الإسلامي فيه.

وخامسها: كتاب مصطلح الأدب الإسلامي تحدث فيه عن الجانب الأدبي والجانب التصوّري في هذا الأدب ثم تحدث عن تصنيف النص الأدبي وعن الموقف من التراث والأدب المعاصر.

وسادسها: وهو الكتاب الأخير وعنوانه قراءات نقدية برؤية إسلامية، ويدخل هذا الكتاب في النقد التطبيقي، تناول فيه ديوان عبد الوهاب البياتي ثم مسرحية الزل لمعين بسيسو، ثم تحدث عن أدب الرحلات في تراثنا الأدبي...

هذه هي مؤلفات الدكتور عبد الباسط في مجال الأدب الإسلامي، وقد بوأته مع بحوثه العديدة ومقالاته الكثيرة مكانة عالية في ميدان هذا الأدب، وأبانت حاجة الأدب الإسلامي ورابطته العالمية إلى جهوده وحرص الرابطة على استمرار مسيرته في العطاء النقدي، ولكن الدكتور عبد الباسط سرعان ما بدأ يتفلت من ذلك كله كلما يتفلت الماء من فروج الأصابع، وإذا بذهنه المتقد الموار يتفتق عن مشروع كبير هو وراء التخطيط له، وقد أُعِينَ على جعله حقيقة واقعة ألا وهو إنشاء مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، وهو ميدان جديد ومجال واسع لنشاط الدكتور عبد الباسط الذي أصبح كصاحب الضرّتينِ الحسناوين تحاول كل واحدة منهما أن تشده إليها وهو يحاول أن يعدل بينهما، ولكن هيهات فقد غلبته الجديدة على القديمة واستأثرتْ به أكثر من ضرتها واستولت على عقله ووقته وجهده، وصدق الله تعالى إذ يقول ولَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ الِنّسَاءِ ولـَو حَرَصْتُمْ.

 - سعادة الدكتور عبد الخالق الزهراني رئيس قسم الأدب والبلاغة والنقد بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة  :

(( واسمحوا لي أن أهنئ أستاذي فضيلة الدكتور عبد الباسط بدر بهذا التكريم وأن أوجه له هذه الكلمة التي تذكرت فيها عمله في الجامعة الإسلامية منذ أن كنت طالباً إلى أن أصبحت مدرساً في هذه الجامعة، فقد صحبته طيلة وجوده في هذه الجامعة فأقول له: أستاذي الكريم أرجو أن تعذرني أن لم تجد فيما أسطره ما كنت تأمله وترتقبه أيام كنت على مقاعد الدراسة، فإنني أحسب أن جذوة من موهبة كانت لدي قد حالت الأيام دون نمائها، فقد كنت أحلم بتنميتها حتى أراها واهية لا تطفأ، ولكني حين خرجت إلى الحياة العملية زاحمتها أمور كثيرة، فأخذت في الخفوت حتى انطفأت أو كادت، فهل العمل الأكاديمي يتعارض مع الإبداع، أو أن قدرات الناس تتفاوت فمنهم من لا يعيقه هذا العمل، ومنهم من يقف حاجزاً أمامه مثلي.

أستاذي الكريم لم أستطع أن أجاريك فأنت لم تزل كما عهدتك جلداً صبوراً، دؤوباً في العمل، وكأنك تجد متعة في المشقة والسهر، أما أنا فلم أقدر على التوفيق بين أعباء الحياة والعمل والتدريس والبحث والإبداع حاولت أن أستلهم شيئاً من نشاطك، وأستعيد ذكراك في الجامعة وأنت كوكب يسطع ضوؤه في كل مكان، حاولت أن أكون مثلك فأبرز في جميع الأعمال فوجدت تشعباً في المسارب يحتاج كل مسرب منها إلى حياة كاملة، أما أنت فقد جمعتها في حياة واحدة، رأيتك في قاعة الدرس عَلَمَاً يجلك الطلاب فأنت لديهم كممدوح الفرزدق الذي:

يُقضِي حياءً ويُقْضَى من مهابته       فما يُكَلَّمُ إلا حين يبتسم

أتذكر كل تلك الساعات التي تمر كلمح البصر، بينما الطلاب يركضون خلفك زرافات في مناقشة لا تنقطع، وأنت الذي زرعتها فيهم سعياً إلى الوصول إلى النتائج المرضية والمقنعة، ولا يحول بينك وبين مناقشتهم إلا عمل آخر أو درس يصرفهم عنك، كانت قاعة الدرس تتحول إلى ملتقى أدبي يضم ثقافات متباينة ورؤى مختلفة في الأدب والنقد، ولكل طالب لغة أخرى يجيدها غير العربية، وثقافة أدبية غير الأدب العربي، ومنهم من كان يجيد الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية بالإضافة إلى لغته المحلية ولذا كانت قاعة الدرس مسرحاً للرؤى الأدبية تحتاج إلى صاحب بصر وأناة وعلم فكنت ذلك الرجل، لما أشاهده من حرص على دروسك وتقدير لك بين الطلاب وارتياح لما يتوصلون إليه من نتائج، زرعت في طلابك حب الحوار والسعي إلى الفائدة دون التمسك بالرأي أو الإصرار عليه وزرعت فيهم احترام الرأي المعارض وصاحبه، فمنحتهم الثقة بأنفسهم، إنني أتذكر تلك الساعات التي كنت تلقي فيها علينا محاضرات في الأدب المقارن وأهميته، وما كنت تدعو إليه من اطلاع على آداب الأمم الأخرى، وما تدعو إليه منا انفتاح واعٍ يأخذ ويدع ببصيرة وفطنة، ولم تكن متجافياً عن تلك الآداب محذراً منها أو معرضاً عنها، ولم تكن داعياً إلى الانكباب عليها جملة وتفصيلاً، بل كنت معتدلاً وسطاً توصي بأخذ النافع، والمسلم لديه من الثوابت ما يستطيع أن يجعلها ميزاناً نافذاً، وفي كتابك: مذاهب الأدب الغربي رؤية إسلامية وإن لم يكن في الأدب المقارن نظرة واعية تؤكد منهجك وتؤصله، ففيه على صغر حجمه فوائد جمة، وهو مناسب للطالب الجامعي فيه تركيز واختصار غير مخل، وفيه نظرة موضوعية معتدلة، وإن كنت أرجو أن تجد من الوقت ما يسمح لك بإعادة النظر فيه مرة أخرى فتبسط في مباحثه، وتضيف نماذج من أدب أعلام كل مذهب حتى تتبين مواطن الإضافة فيه.

أستاذي الكريم لقد عرفناك - نحن طلاب الجامعة الإسلامية - داعياً إلى الأدب الإسلامي شارحاً لنظريته مدافعاً عنه، كانت محاضرتك في الأدب الإسلامي على ما فيها من حماس للفكرة متزنة، فلم يجعلك الحماس مصادراً لكل رأي مخالف أو سؤال متعنف، بل كنت في حوار هادئ تسعى إلى الإقناع، وقد كان كتابكم مقدمة في نظرية الأدب الإسلامي رفيق دربك يشرح فكرتك التي تدعو إليها ويدلل على حاجة الساحة الأدبية إلى وجود الأدب الإسلامي نظراً لما تراه من اعتناق بعض الأدباء أفكاراً ملحدة يبثونها في أدبهم ويدافعون عنها، وحين نغادر قاعات الدراسة نجدك في الأنشطة الطلابية مشرفاً وموجهاً يتهافت الطلاب على ناديك "النادي الثقافي"، الذي كان يحتضن المبدعين من طلبة الجامعة وقد كانت إبداعاتهم كثيرة كعددهم؛ منها الشعر والقصة والمسرحية والمقالة والنقد، وكنت كما عهدناك لا تسأم من هذه الكثرة ولا تفتر من العمل في كل وقت توجههم توجيهاً سليماً يضمن لهم بناء ملكاتهم الأدبية، وقد كنت تقرأ لكل واحد منهم وتقف وقفات طويلة تدفعه إلى المزيد وتبين له الطريق الصحيح، حتى ظن كل واحد منهم أنه الأثير لديك وما دروا أنهم جميعاً كذلك، وهل تدري كم موهبة بنيتها؟ وكم أديب أعددت؟ وكم ناقد سددت.

أستاذي الكريم كنت أراك شعلة من النشاط فحين تكون في رحلة طلابية أو مخيم نجدك تثير في الطلاب نشاطاً أدبياً مميزاً، نسمع من خلاله القصيدة والقصة والنقد وغير ذلك، وأما الإشراف على الرسائل الجامعية الذي أخذ منك وقتاً ليس بالقصير فقد وجدناك تحرص فيه على بناء شخصية الباحث العلمية والأدبية. كنت كثير المناقشة لما يكتب، شديداً في تحري الدقة والبحث عن المعلومة وتوثيقها من مصادرها الأصيلة مما كلف الباحث ذلك من تعب ومشقة، ولكنك لا تفرض عليه رأياً فيخرج من بحثه وقد وعى مناهج البحث السليمة ويصدر عن وعيه ما يكتب ويكون مطمئناً إلى عمله، أستاذي الكريم: ومع هذه الأعمال الكثيرة المجهدة التي لا تكاد تدع لك وقتاً كنا نطالع لك بين الحين والآخر مشاركات في بعض الصحف والمجلات وفي برامج الإذاعة والتلفزيون. ونجدك في قاعة المحاضرات الكبرى بالجامعة محاضراً في قضايا الأدب والنقد وفي رحاب النادي الأدبي محاضراً أو مناقشاً مثرياً بمداخلاتك وآرائك، ولقد فاجأتنا جميعاً حين أخرجت تاريخ المدينة الشامل مع ما نراه لك من أعمال كثيرة تستغرق منك وقتاً طويلاً، والكتاب مليء وواسع يشمل تاريخاً طويلاً، فهل كنت ترى أن هذه الأعمال جميعاً مما يجب على الأستاذ الجامعي أداؤها؟ ولذا ألزمت نفسك بها جميعاً أو أنك ألزمت نفسك شيئاً ليس يلزمها؟ أو:

بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها    تنال إلا على جسر من التعب

أو لديك نفس عظيمة:

وإذا كانت النفوس كباراً       تعبت في مرادها الأجسام

أو صحبتك العزيمة التي تتصاغر أمامها كل صعب: وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

وإني أحسب أن الله منحك هبة فيها الإرادة والعزم وما أعظم هبة الله، فأسأله وهو الكريم أن يزيدك توثيقاً ونشاطاً وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل...

-سعادة الأستاذ المربي والموجه التربوي الأستاذ محمد إياد الحسيني.

((إخواني في الله أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عساي أن أقول في هذه العجالة ولدي الكثير مما لم يذكر عن ابن العم الحبيب الدكتور عبد الباسط بدر، وحسبي أن أعرج على أمرين اثنين نال أحدهما بعض التفاصيل والذكر أما الأمر الأول: فهو سر توفيق هذا الذي نحتفي به وتذكرتُ دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، وما أجمل أن ندعو وأن يدعو الصالحون والعلماء لأبنائهم وطلابهم وأن نوقن بأن الدعاء مصدر مهم في حياة الإنسان، ولقد حظي الدكتور عبد الباسط بدر الدعاء والرضاء، فأمره عجيب في برِّ والديه بأمه التقيةِ الصالحة وبأبيه الوارف الرباني حتى قال والدي، عمه، له في قصيدة وجهها إليه مطلعها:

أتعبت كل فتى جاراك في الكرم   يا ابن النبي وريث المجد والشيم

صلى الله وسلم وبارك عليك يا سيدنا يا رسول الله، وحظي من دعاء عمه ومن دعاء جده وجده أمره عجيب مر على هذه الأمة وسوف ويذكر في كتب يؤلفها علماء (الباب) ليبينوا قدر هذا الرجل الوارف الفقيه الخطيب العالم الرباني، الذي كنت أسمعه كثيراً وهو يدعو للمحتفى به، ووالله في ذلك الخير الكبير، هذا العالم الرباني رأينا له من الكرامات الكثير وحدثنا عن الثقاة ما لم نره، كان دون العشرين من العمر في كوكبة يتدارسون العلم مع أساتذته الكرام من كبار العلماء في بيته حينما طرقت أمه عليه الباب فخرج لتهمس في أذنه: يا ولدي أخواتك اثنتا عشرة بنتاً، أخواتك يتيمات جائعات، والعلم على الرأس والعين، ألا تذهب إلى السوق ولو أن تعمل حمالاً لتأتي ولو بالدقيق فلقد كنست خزانة الدقيق قبل أن آتي إليك وليس فيها ذرة، فقال البدر: يا أماه فيها دقيق كثير قالت: أبداً، فقال وهو يحشرج صدره: هو الله هو الله والفتى ابن العشرين يتوجه إلى خالقه قال يا أماه عودي إلى المخزن خزانة الدقيق ففيها الخير، وخفت أمه لتجد الخير الكثير والخزانة مملوءة بالدقيق بفضل الله، بكت الأم وعلمت أن هذا من مخزن الغيب لأنها بَرّة تقيه ترى له الكرامات وتعلم شأن طلبة العلم، من هذا الحبر الرباني استفاد فارس اليوم، وكان في نفسي أن أتحدث أكثر ولكن الوقت يلاحقني فألخص ما قاله لي ملاك شعوري وبيني وبينه تنادم وألفة قال لي ألا أزين ديوان شعرك ببعض أبيات لهذه الاثنينية المباركة العامرة ولهذا التكريم ولهذه الوجوه النيرة فأطعته وهو لا يأمرني إلا بخير بفضل الله ورحمته، وقلت منشداً:

ما كان مستغرباً أن يُصْطَفى الغُرُّ       وأن يكرمهم شهـمُ الحِمَـى الحـرُّ

فالفضلُ يشهدُه ذو الفضل ينشرُهُ    كما هو النورُ يبدي حسنَهُ الفجرُ

بـاركْ لعبدكَ يا مقصـودُ ما صنعتْ      يمينُه لم يـزلْ مِنْ جـودِك الشكـرُ

كمْ فـارسٍ كرمّتْـهُ قبـلُ روضتُه        والفارسُ اليوم عبد الباسـط البـدرُ

إذا نظرتَ إلى سيماهُ تعرفُهُ             ويستبينُ النَقَّا والعلم و الفكرُ

من دوحـةٍ أدبُ الإسـلامِ نضَّرهـا   وطابَ فيها الهـوى والشِّعـر و النثرُ

حباهُ ذو العرش توفيقاً بخدمتهِ         مدينةَ المصطفى يا حبذاَ الأمرُ

وطيبةُ مهوى العاشقينَ فما       تغيبُ عنهم وفيها السعد و البشرُ

هو الحُسينيّ مـن آلِ النبي أبَاً           والجدُّ بدر وما أدراكَ مـا بدرُ

بدرٌ فقيهٌ سَمَا بالنورِ منزلةً           في المخبتين وطابَ الجهرُ والسّرُ

يميدُ بالحبِّ في محرابه ولِهَاً               مُتَيّماً عاشِقاً قد شَفّهُ الذِّكرُ

ولم تزدْهُ كراماتٌ له ظهرت         غيرَ التواضعِ شأنُ المؤمنِ الفقرُ

من هـذهِ العترةِ الغراءِ فارسُنا        يحمي جناها الحميدُ الماجدُ البرُّ

فبورك المحتفي منْ رائدٍ فطن          ومَنْ به يُحتفى والأنجمُ الزهرُ

 -سعادة الشيخ ضياء الدين الصابوني  :

بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله وسلام عليك يا سيدي يا رسول الله صاحب كل فضل عليه وإمام كل خير معطيه:

يا عبدُ إنَّ الفضلَ فيك سجيةٌ        ولأنتَ أهلُ الفضلِ والعلياءِ

كرمتْ أهلَ العلمِ في أعلامهِ         لك همةٌ تسمو على الجوزاءِ

يا من يجلُّ على المدائح قـدرُهُ        تسمو بنبلكَ فوقَ كلِّ ثناءِ

خلعتْ عليـكَ المكرمـاتُ رداءَهـا     أكرِمْ بها مِنْ خلعةٍ حسناءِ

والمرءُ إن يفخرْ ففي آدابهِ            وجلائلِ الأعمال و الآلاءِ

أخلقْ بِكم في أن تُكَرِّمَ فاضلاَ  من صفوةِ الأدباء في (الشهباء)

يا (بدرُ) هـذا الجمعُ يشهدُ فضلَكم أنتَ الجديرُ بِمْدَحةِ الفضلاءِ

لك همةٌ وثَّابة و عزيمةٌ                 أعظِمْ بها من همةٍ قعساءِ

العلمَ والجهدُ الكبيُر شعارهُ         متحملاً ما شئتَ منْ أعباءِ

انظر إلى الأحبابِ كيـف توافـدوا       وقـلوبُهم مغمورةٌ بدعاءِ

يتشوفون إلى أديب مسلم        ومنافحاً عن شرعةِ السمحاءِ

بدرٌ ينير لها الطريقَ وتهتدي             في فكرهِ الوقادِ والبناءِ

يا صاحـبَ الذوقِ الجميلِ سماحـة    يا مبدعاً في البحثِ والإنشاءِ

فلأنت ملءُ عواطفـي ومشاعـري      أوحيتَ لي بقصيدةِ عصماءِ

أيحارب الأدبُ الرفيعُ ويعتلي    (الأدب الوضيع) ومنهج السفهاءِ

وتسود أفكار الحداثة بيننا               ولها تُسلطُ أجملُ الأضواءِ

سيظلُ جهدكَ خالداً في طيبة           والذكرِ للأبطالِ والعلماءِ

يكفيكَ فخراً أن تكونَ نزيلها         بجوار (أَحمدَ) سّيدِ الشفعاءِ

والله يحفظكم منَاراً يُحتذى              بالخلقِ والآداب والعلياءِ

وإمامنا فخر الوجود (محمدٌ)            بدرٌ تألّقَ في دنى الظلماءِ

تتضاءل الدنيا أمام مقامه             هو قدوة الأدباءِ والحكماءِ

مَنْ مثله في خلقه؟ مَنْ مثله             في جودهِ وسماحةٍ ونقاءِ

الله أكرمكم بنور المصطفى            مدينة الفضلاءِ والسعداءِ

صلى الإله على الحبيب محمد         فخر العوالم سيّد الحنفاءِ

 -سعادة الدكتور عبد الله الحسيني :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وبارك على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين:

لَكَ عبدَ المقصودِ شكرٌ ومِنّةْ     حين أحييتَ للمكارمِ سُنّةْ

أسال الله أن يجزيك عنا كل خير، سادتي لست من فرسان هذا المكان ولكنني من يعمل في تهذيب الأضراس والأسنان فاعذروني على ما يبدر مني إن أخطأت، وما جعلني أقف في هذا الموقف إلا الحب، الحب يتغلغل في الوجدان فيفيض باعثاً حركة وانتعاشاً في العقل والوجدان فيتحرك به اللسان، هذا الرجل المحتفى به أحبه منذ عرفت الحبَّ وكان والدي رحمة الله عليه يحبه ولذلك لا أجد كلمات تفي بما يعتلج في صدري له ولكنه جهد المُقلِ:

على الأفنانِ صداحٌ رطيبُ           يحركنا وأنسامٌ وطِيبُ

وأقمارٌ تسربلُ في بهاء            وأنسٌ حاضرٌ وفمٌ عذوبُ

وشربُ صفاء وندمـان حسان      وبدر لقائنا راحٌ وكوبُ

واثنينية قد زان فيها اللقا               عبدٌ لمقصودٍ نجيبُ

تُرى ماذا أقـول وأي شعـرِ     لعبد الباسطِ الأسمى يُصيبُ

ذكيُّ اللبِّ لّماحُّ صدوقٌ       رهيفُ الحسنِ ذواقٌ أديبُ

له هدفٌ يسيرُ بهِ دؤوبـاً         ينير إذا تشعبت الدروبُ

وعَى المنهاجَ ثم أعدّ زاداً            لتسيارٍ تهدده النيوبُ

وهبَّ بنهضةٍ ضمـتْ فُحـولاً  إلى سـاحٍ يجـولُ بها الكذوبُ

فقامتْ مِنْ بـني الإسـلامِ دارٌ       ورابطةٌ تؤلفها القلوبُ

أوى فيها من الأحـرار رهـطٌ     ذوو أدبٍ وقصدٍ لا يخيبُ

نعمْ أدبٌ من الإسلام يُنْشَا     رصيناً تستقيمُ بهِ الشعوبُ

نعم أدب و للإسلام يُبْنَى          عفيفـاً لا يضلله لعوبُ

ترفرفُ فيه عاطفـة ويشـدُو            به قلب يحركه وَجِيبُ

وتعصفُ في منابرهِ أسودٌ           إذا نزلتْ بأمِتنا خطوبُ

ويرسمُ للغدِ الآتي غيورٌ          ويقبسُ من حضارتهِ لبيبُ

فرابطةٌ هي الأدبُ المصفَّى    ورابطةٌ هـي الروضُ الخصيبُ

وعبد الباسـطِ الجنديُّ فيهـا     وعبدُ الباسـطِ الَحْبُـر الأديبُ

ألا يا ابنَ النبي سعدت        لمّا شرفتَ بقربـهِ ودنَـا الحبيبُ

وصرتَ لحيّهِ صَّباً وفيّاً           وطيبةُ للهـوى روضٌ رحـيبُ

جمعتْ لحسنها الأبهـى سِجِـلاً         وتاريخاً بجوهرِها يطيبُ

ألا فأهنأ أُخَيّ فقربُ طه        لأهلِ جوارهِ غيثٌ سكوبُ

وأعتابُ الحبيبِ دواءُ روحٍ     من الأسقـام إن عجـزَ الطبيبُ

أحبتنا وفي التكريم تُجْنَى           ثمـارُ العمـرِ يقطفُهـا الأريبُ

ألا فلتسلمي يا دارَ فضلٍ         لها مِنْ كلِّ مكرمةٍ نصيبُ

وبوركَ عابدُ المقصودِ فيها           تهاطل في مرابعهِ الطيوبُ

وبعد :

مازال الأستاذ الدكتور يعطي وينشر العلم رغم ظروف الغربة والمعاناة ، فهو يتعذب بعيداً عن وطنه سورية نتيجة أفكاره التي عاداه من أجلها نظام المقبور حافظ أسد ثم جاء ولده الوريث القاصر بشار فزاد الطين بلة وأفسد ولم يصلح وطارد الدعاة والمخلصين ونكل بالشرفاء وسجن الأحرار ..وما زال البدر محافظاً على المبدأ وفياً لإخوانه وأصدقائه ، ولم تغيره الأيام ومغريات الدنيا الفانية ، فهنيئاً له الحياة الطيبة في بلد الحبيب المصطفى عليه السلام ونرجو الله لنا  وله الثبات والوفاة على الإيمان مع طول العمر وحسن الخاتمة .

مصادر الترجمة :

-      الاثنينية – موقع للشيخ عبد المقصود خوجة .

-      حديث الذكريات – الشيخ جاسم المطوع .

وسوم: العدد 700