شاعر الحنين.. قاسم ميثاق الحسين

الشيخ حسن عبد الحميد

في الدعوة الإسلامية شعراء مبدعون ، ينقصهم تسليط الأضواء عليهم ليكونوا كحسان بن ثابت وكعب بن زهير في الماضي وأحمد شوقي وعمر أبو ريشة في الحاضر !!!

منهم الشاعر شريف القاسم والشاعر محمود مفلح والشاعر يحيى الحاج يحيى والشاعر قاسم ميثاق الحسين والشاعر محمد وليد الحسن 

وسأتحدث في هذه الخاطرة عن واحد منهم  دخل مسابقة الشعر في اسطنبول وفيها أكثر من خمسين شاعرا من البلاد العربية ، فنال شاعرنا الإعجاب والثناء وحاز على المركز الثاني بعد حجب المركز الأول وكانت قصيدته بعنوان 

تركية المجد من بالعز ضاهاها 

    ومن ببذل الندى والفضل جاراها 

إنه قاسم ميثاق الحسين 

 ابن الدير العزيزة  ، يقول عنها : 

لي في رباك هوى يادير أضناني 

     ومزّق القلب من شوق وتحنان 

لم أسلُ بعدك ياديرَ الهوى أبدا 

     فأنت طول المدى ياديرُ سُلواني 

إني وإن جبتُ في الأفاق منتقلا 

    تبقين طبَّ فؤادي المُتعبِ العاني 

رسمتُ حُسنك في جدران ذاكرتي 

  نقشتُ حُبّك في أعماق وجداني

فهل تعود لنا يادير بهجتنا 

    ويجمعُ الشّمل أحباني وخِلاني 

قاسم يتمثل النبي الكريم في أخلاقه الذي طالما هتفنا في حفلات المولد باسم أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ، أما ميثاق فهي كلمة قرآنية تعني العهد .

 وأخونا الكريم أعطى صفقة يمينه لدعوة ربانية يقودها ربانيون ، وهو يشرف ويغذي بفكره بيت الدعوة القرآني في هذا البلد الذي يمر بقربه نهر الفرات .

اخونا قاسم عاش في بلدة تقع على شاطئه ، في بلدة عزيزة اسمها دير الزور 

بلدة أنتجت أعلام في الفقه والعلم والشعر والطب منهم حسن الهويدي تلميذ من خطب في ربوع الدير الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله وتلميذ الأديب الكبير الذي علم وربى الأجيال في الدير الشيخ علي الطنطاوي 

بلدة العالم العرفي مفتي الدير الذي ساهم في تأسيس الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار الفرنسي الذي انتخب نائبا عن مدينة دير الزور  والشيخ حسين الأزهري وحسين رمضان الخالدي رحمهم الله 

قاسم درج على أرض الدير واستظل بسمائها ونهل من نمير مائها ، يكثر في شعره الحنين إلى الوطن ، شعره جزل ينساب إلى القلوب كجدول صاف  ، يبكيك إذا ذكر الأهل والأصحاب والأحباب !

قيل لامراة لم كان شعرك في الرثاء قويا ؟ قالت لأننا نقولها وقلوبنا تحترق !!

أخونا قاسم داعية إسلامي ، يحمل شهادة البكالوريوس في الشريعة والعلوم الإسلامية من جامعة بغداد ، عمل مدرسا في سوريا ، ثم اليمن ثم الإمارات ثم موجها في تركيا ، عضو رابطة أدباء الشام ، ورابطة العلماء السوريين ، ورابطة الأدب الإسلامي ، الداعي إلى الخير ،  شاعر الفرات وعاشق نهر الفرات  :

فُراتك الثرّ عشقٌ كم أكابده 

      من الطفولة أهواه ويهواني 

لرشفة من فرات ِ الدير تُسعفني 

    وغطسة فيه تمحو كُلَّ أحزاني 

قالوا أما زلت تهواه وتعشقه 

     أم أنه قد غدا في طي نسيان

أجبتهم ودموع العين نازفة 

   أنا المشوقُ وهذا الدمع برهاني

إني وإن طفت أرض الله مغتربا 

     فلن أتيهَ ودير الزور عنواني 

لا مكان في الحياة للإنسان أجمل وأبهى من المكان الذي ولد فيه وترعرع ، وتفيأ ظلاله وارتوى من فرات مائه ...

فالمكان هو تذكُّر لمراتع الصبا ، وضحكات الطفولة ، هذا المكان جزء من كيان الإنسان مهما ابتعد  عنه ، ونأت به الدار ، إنه جزء من الوفاء لهذه الأرض التي حملتك على ظهرها وأنت تحبو ، ثم تخطو ، ثم تمشي ، ثم بعد انتهاء الأجل تدفن فيها .

كثير من الناس من ذاق لذع الهجر ، وارتشف شرابه  في كؤوس من الحنين والأشواق ، فكم من مهاجر ومغترب تغنى صباح مساء :

 بلادي وإن جارت عليّ عزيزة   

وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام 

والمصطفى عليه السلام يقول ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة ) 

أخونا قاسم يعيش غربة وكربة ، وكل منهما يهد جبلا من العزم ، أما الغربة فهو واحد من الآلاف الذين شردوا عن وطنهم الحبيب ، وأخرجوا من ديارهم لأنهم قالوا ربنا الله  !!

أما الكربة فهو يفتقد الأنيس والسكن ، والله يقول عن شريكة الحياة ( هنّ لباس لكم ) 

كيف يعيش الإنسان في برد الشتاء دون لباس يدفئه وأنيس يؤنسه ، ادعو لأخيكم الشاعر أن يزيل الله غمته ويفرج كربته ، وينهي غربته ، ويعيد له الأنيس والجليس في أتم عافية .

أنا الغريب الذي ضاقت به السبل 

    في كل يوم له حِل ومرتحل  

نأت بيّ الدار لا أهل ولا وطن 

    حتى مللتُ وحتى ملني المللُ

وكم تجرعتُ من كأس النوى غصصا 

    فنأي أهلي عني خطبه جلل 

في الصدر من بعدهم نار مؤججة 

  وفي فؤداي جرح ليس يندمل 

شفاء قلبي أن يلقى أحبته 

        وأن تعود له أيامه الأول 

إذا اشتقت لوطنك وأردت البكاء فاقرأ شعر قاسم  !!

وإذا أرقت في ليلك فادع لمن يعيش في الأرق والقلق ، وينفث عن نفسه ويروح عنها بشعر وفن جميل !!

ذكرتني حالته بقول القائل ( إن أخاك الحق من كان معك ، ومن يضر نفسه لينفعك ) 

أعيني كفّا عن بكاء الأحبة 

   فقد أحرقت خدي جمرة عبرتي 

ومالي لا أبكي وقد شفني الهوى    وفي الصدر من فرط الجوى ألف غُصة 

فقد طال ترحالي  وشطّ بي النّوى    وقد سئمت نفسي وكلّت مطيتي 

أحنُّ إلى أمي إلى دفء حبها 

  إلى طبخها الزاكي الى خبز جدتي

إلى أبتي يحنو عليّ بقلبه 

     ويزجي لي النصح الجميل برقّة 

إلى صوت جدي في الدّجى       متهجدا يرتل آيات الكتاب بلذة 

أخي قاسم الصبر على البلاء من أخلاق النبيين والمرسلين ، أنت مرابط فاصبر وصابر ، وماصبرك إلا بالله ، وعسى أن يطبع الدعاة شعرك في كتاب ليقرأ الجيل الجديد شعر شوقي زمانه بثوب جديد .

أخانا قاسم فرّج الله كربك ، وأزال المولى همك ، وأنهى غربتك ، ونشر في الآفاق شعرك ، حياك الله ولم شملك ، اجعل القرآن ربيع قلبك ، وبيت القرآن مجال سعيك ، 

( فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا )ولن يغلب عسر يسرين .

وإلى شباب الأمة ، أمل الغد ،اقرؤوا شعر الحنين إلى الوطن ، فقد قرب يوم العودة ، وماذلك على الله بعزيز 

أيا طائر الأشواق هلاّ أعرتني      جناحيك يوما كي أطير لديرتي 

لعليّ أوفي النفس بعضَ مرادها 

    وتهدأ أحزاني وترقا دمعتي 

والله أكبر والمستقبل لهذا الدين  ، وسلاما وتحية ومحبة لشعراء الإسلام الدكتور محمد حكمت وليد قواه الله ، والأخ الكريم شريف القاسم عشت معه في نجران سنوات وسنوات ، ومحمود المفلح كذلك ، ولقاسم ووليد الحسن التحية والمحبة والسلام .

سلام من صبا بردى أرق    

     ودمع لا يكفكف يادمشق 

ولكن : 

وللحرية الحمراء باب  

         بكل يد مضرجة يدق 

سلام حب واجلال لكل شعراء الإسلام بدءا بحسان ومرورا بالأميري وغزيل وانتهاء بقاسم ميثاق الحسين الذي توفيت زوجته أمس رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وانا لله وانا إليه راجعون 

والله أكبر والعاقبة للمتقين 

وفرجك ياقدير

وسوم: العدد 701