مع الدكتور عدنان النحوي ( على أبواب القدس)

بمناسبة الذكرى الثانية لرحيله:

clip_image001_60963.gif

معرفة قديمة متصلة:

  ترجع معرفتي بالدكتور عدنان النحوي – رحمه الله – إلى عقد الخمسينيات من القرن الميلادي المنصرم .. حيث كنا طلابا في جامعة القاهرة ..

  وكان قد عمل في الخليج سنوات ثم التحق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة .

وكنت – لفترة – صلة الوصل بينه وبين شقيقه الطبيب الدكتور نديم الذي كان يقيم – حيث كنت أقيم - في أريحا أقدم مدن التاريخ وكان له بها عيادة طبية ..والعجب  أنه كان من القيادات الشيوعية المهمة !

-       ولأن الدكتور عدنان كان مؤسَّسا تأسيسا جيدا في اللغة العربية منذ البداية .. فقد كان كثيرا ما يستعمل بعض الألفاظ والأساليب الفصيحة في كلامه العادي باللهجة الدارجة .

   وقبل أن أصدر ديواني( بوارق الأمل) عرضته عليه فأبدى بعض الملاحظات القيمة التي استفدت منها عند إصدار الديوان.

   وقي مناسبة معينة.. أرسلت له قصيدة بعنوان( ربح البيع ) جاء في آخرها:

                   أثبت على الحق المبين فقد ربحتَ أبا بلال !

                  عدنانُ؛أنت مجاهدٌ   فاثبُتْ على دربِ النضال

فأجابني بقصيدة بعنوان( لله درُّك يا أخي) .. جاء فيها:

       جاءتْ رسالتُك النَّدِيَّةُ فانتشَتْ               نفسي بها بِعُرًاً وصدقِ مبادي

       فجمعتُ أحلى الذكريات! كأنها              دُرَرٌ نُظِمْنَ على جميلِ قِلادِ

      سأظل أمضي في الطريق على صرا طٍ مـستـقـيمٍ لي ونـورٍ هـادِ

      ماضٍ على الحق المبين من الكتا    بِ وسُنةٍ وهداية الإرشادِ

      حتى إذا حُمَّ القضاء فحسبنا          قبرٌ يوسعه حنينٌ بادِ

... وقد نشر القصيدتين في ديوانه{حرقة الم وإشراقة أمل }- ص-211 -214 مع تصرف منه في بعض ألفاظ قصيدتي ..التي نشرت بحذافيرها ..مع قصيدته المذكورة في ديواني { بوارق الأمل}- ص:80-83   

حبه للغة العربية وحرصه عليها :  

    وكان – رحمه الله- حريصا على اللغة العربية غيورا عليها وعلى آدابها ..وقد ألف عدة كتب في الأدب الإسلامي – والنقد الذيث يسميه( النصح) عدا عن عدد وافر من الدواوين الشعرية والملاحم..ولتأكيد حرصه على اللغة وأساليبها الفصيحة .. وقد كان يعتبرها ( مرجعا أساسيا ثالثا ) – لكل مسلم – بعد الكتاب والسنة !

( قرآنا وسنة ولغة عربية ) ..كما كان رحمه الله- يكرر في كثير من كتبه ومقالاته.

وقد أهداني – رحمه الله- كثيرا من كتبه ودواوينه وملاحمه- وقد كتبت عن بعضها دراسات وعروضا في مجلة البلاغ الكويتية..وخصوصا دواوينه الثلاثة الأولى     ( الأرض المباركة - موكب النور– جراح على الدرب )..منذ أكثر من ثلاثين عاما!

   وكان يرسل لي بعض كتبه بالبريد إثر صدورها.

   كما كان يحرص على سلامة الشعر العربي – شكلا وموضوعا- وكان يرفض أي شكل شعري غير الشكل المألوف المعروف في الشعرالعربي الأصيل فكان يرفض أي شكل شعري لا يلتزم بالبحور الخليلية ..!

   وتماما – كما كان العقاد  كان الدكتور عدنان النحوي يرفض ما يعرف بالشعر الحر ! وكان يسميه [ الشعر المتفلت ] – وهذا عنوان أحد كتبه ..وهو – بالطبع – لِما يُسَمَّى بقصيدة النثر – أشدُّ رفضا وإنكارا !

   وكان العقاد مقررا للجنة الشعر في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ..وكان يقول لنا ( وكنت من رواد مجلسه كل جمعة في أواخر الخمسينيات!) - : حين كان يأتيني  ما يسمى ( الشعر الحر) –على غير وزن وشكل الشعر العربي المعروف – كنت أحيله إلى لجنة النثر .

تشرف البلاغ الكويتية بضم الدكتور عدنان إلى كُتّابها 

  وقد انضم الدكتور عدنان النحوي – منذ سنوات – إلى أسرة مجلة ( البلاغ ) الكويتية الإسلامية الأسبوعية.. وكان يكتب فيها مقالا أو قصيدة كل أسبوع – تقريبا .. وكانت المجلة تدرج اسمه في قائمة هيئة تحريرها ,

مع آخر قصائده !:

   وكان المرحوم مصابا بداء القلب منذ مدة طويلة ..وكان دائم مراجعة الأطباء والمشافي لذلك ..إلى أن اختاره الله لجواره في موعد لم يستقدم ولم يستأخر!

   فما شكوايً من أَلَمٍ بجسمي      أضرَّ- مع الجراح- به سنينا

   فكم عِلَلٍ تَجَمَّعُ في ضُلوعي      كتمتُ- على تجمُّعِها- الأنينا

   فعُـذ تُ بخالقي من كل ذنب      لأرجوَ رحمـةً وحمىً أمينـا

   تُرَدِّدُ كلُّ جارِحَـةٍ بجسمي        إليه الحمـدَ والذكرَ المُعينـا

   أُقَدِّم توبتي – ورجاءَ عفوٍٍ     وعافيةٍ، وصبْرَ المُشفِقينـا

   وأبقـى بين قلـبٍ مطْمَئِـنٍّ         وبين مخافةٍ حينًا وحينا ! 

... ولكنه – رحمه الله – ينفي شكواه – المعلنة- من تلك الأسقام والآلام المبرحة التي حلت بجسمه الضعيف ..ويقول إن ألمه الحقيقي – وشكواه الصارخة من حال الأمة التي تدمي القلوب، وتُدمِع العيون، وتستثير المشاعر ، وتثير كل شاعر! يقول – رحمه الله- :

   ولكن الشكاةَ – هُمومُ قلبٍ              يرى مِن حوله الآفاقَ جونا

   يرى الأعداء جاسوا واستباحوا  ديارا ما عَهِدْنا أن تهونا !

   ديارا مُزِّقت – شرقا وغربا      تناثرُ في الفضاءِ أسىُ وهُونا

   كأنّـا حفنـةٌ في كـفِّ طـاغٍ !      فيـنثُـرُهـا شِـمالا أو يميـنـا !

 ...وبعد أن يشير إلى بعض ألوان الهوان والضياع والأذى الذي حل بالأمة – ماديا ومعنويا - يضع آماله في المؤمنين إذا استقاموا واتحدوا- على نهج التوحيد-..ويختم بالأمل في تغيير الأحوال ..وتحقق الآمال!.. حيث قال :

   غدًا تتبدلُ الأحوالُ حقًّا           فتـطـلُـعُ اُمَّـةُ  الإسـلامِ  فــينـا

   فتطلعُ أُمَّةً تعلو وصفًّا            يُرَصُّ ، وتُجتلَى صرحًا مَكِينًا  

اهتمامه بقضايا المسلمين كافة – وخصوصا فلسطين

ليس بدعا أن يهتم الدكتور عدنان – كمسلم وكداعية ومفكر– بجميع قضايا المسلمين .ولذا فقد ألف عدة ملاحم عن كثير من تلك القضايا والمآسي!   وبالطبع فمن البدهي أن يكون جل اهتمامه وتوجهه وتركيزه ..على قضية فلسطين ..التي تعد القضية الأولى لكل مسلم – خصوصا وأنها تضم أولى القبلتين وثالث الحرمين    ( المسجد الأقصى )..ولأن الدكتور عدنان ابن الوطن السليب وابن القضية ومن ضحايا النكبة ..وكان واعيا مدركا حينما سلبت أراضي آبائه وأجداده ومنازلهم وأُخرِجوا منها عنوة وبالإرهاب اليهودي المدعوم من قوى الشر والعدوان الاستعماري !

فقد أُخرِج – مرغما- من صفد الشامخة التي تتربع على سفوح جبل الجرمق .. من أعلى جبال فلسطين – بل ربما كان أعلاها !

   وكان أول دواوينه باسم ( الأرض المباركة ) كما سمى الله تعالى  فلسطين في كتابه العزيز!..

وعن فلسطين والأقصى أصدر كذلك كتابا نثريا ( فلسطين بين النهج الرباني والواقع) .. وعدة إعمال شعرية عد منها أربعة في الملاحم ( ملحمة فلسطين – ملحمة الأقصى – ملحمة الإسلام من فلسطين إلى لقاء المؤمنين – درة  الأقصى )

  وكثيرا ما كان يعرج على فلسطين أو يشير إلى آلامها في دواوينه وقصائده الأخرى.

الدكتور عدنان وفن الملحمة :

وكذاك في نهاية الكتاب حين نشر ثبتا بأسماء مؤلفاته التي لم تكن بلغت حينذاك العشرين – أقل من ربع مجموع منشوراته- .. ذكر أن هنالك – تحت الطبع- ملحمة على أبواب القدس .. ولم يدرجها في الملاحم !

كما أنه أدرج في ثبت الملاحم كتبا أخرى لم يسمها أو يعنونها كملاحم ..مثل :لهفي على بغداد- اذكروا هاذم اللذات: أب يرثي ابنه-عدا عن درة الأقصى ..وهي قصيدة طويلة عن الشهيد الطفل الفلسطيني ( محمد الدرة ) الذي سجلت عدسة أحد المصورين الفلسطينيين واقعة قتل جند اليهود له عيانا بالرصاص عمدا – كما تُصطاد الفرائس- وهو منكمش في حضن أبيه وهما يستجيران منكمشَيْن لاصقَيْن بأحد الجدران ومع ذلك قتلوه عمدا بدم بارد – في حضن والده!..وبدون أي ذنب أو جريرة!! وجُرِح والده !

ودأب الدكتور في الملاحم أن يسبق النصوص الشعرية .. بفصول نثرية - تاريخية غالبا- يلقي فيها الأضواء المناسبة عن القضية التي سيتعرض لها ..وذلك حسب مفهومه الخاص للملحمة ..والذي يختلف عن معنى وشروط ورؤى الملاحم في الأدب والنقد الغربي ..ومن سار على منواله!

..وبالمناسبة.. ولسد نقص متوهم في فنون الشعر العربي ..الذي قصره النقاد – والمتأثرون بالنظريات الغربية والأجنبية خاصة .. والذين حاولوا حصر الشعر العربي في فن واحد من ثلاثة [ الفن الغنائي والتمثيلي والملحمي ] فحصروا الشعرالعربي كله في الفن الغنائي ..فكأنهم يريدون أن يقولوا إنه ثلث شعر!!..

وماعلموا أن المسلمين عزفوا عن موضوعات ملاحمهم وتمثيلياتهم ومسرحياتهم ...احتقارا واستخفافاً وتنزها عن التصورات الوثنية والبدائية وأساطير صراع الآلهة ونحو ذلك ..!! 

نقول .. لتلافي ذلك ألّف بعض كبار الشعراء المعاصرين في تلك الفنون .. ..فكلنا يعرف مسرحيات أحمد شوقي الشعرية والنثرية ..وغيره..

كما أن شوقي ألف كتابا كاملا في أرجوزة مختلفة القوافي متعددة الأبواب عن السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وبعض الشخصيات الإسلامية.. سماه ( دول العرب وعظماء الإسلام) كأنه أراد أن يقول : هذه ملحمة !

ولكن قصيدته عن صقر قريش ( عبدالرحمن الداخل ) صاغها على شكل الموشحات الأندلسية وليس الرجز!

وكذلك سمى الشاعر الكبير أحمد محرم ديوانه مجد الإسلام ( الإلياذة الإسلامية ) تقليدا للاسم اليوناني عن إلياذة هوميروس ..وكان ديوان أحمد محرم عن السيرة النبوية ووقائعها كذلك – في قصائد مختلفة القوافي والأوزان..!

  وهذا هو الدكتور عدنان النحوي يُعرض عن ذلك كله ..ويخط خطا خاصا بالملاحم ويطبقه عمليا .. في أعمال عدة!

على أبواب القدس

.. هذا الكتاب تتوافر فيه شروط الملحمة كما رآها الدكتور عدنان وكما طبقها وإن لم يعنونه بلفظ (ملحمة) .

   لقد أضاء الدكتور عدنان لكتابه هذا بقوله" على أبواب القدس! هناك يقف المؤمنون أبد الدهر في رباط وجهاد، هنالك وقف ابو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في زحفه وجهاده، وهناك وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نصر من عند الله ، وهناك وقف صلاح الدين الأيوبي في عزة وإباء ، وستظل مواكب الإيمان تتزاحم في أرض فلسطين في ملحمة ماضية مع الزمن، تتدفق منها الدماء الزكية مسكا يملأ العصور والآفاق،ويدفع نصرا بعد نصر."

وبعد أن يلقي أضواء مناسبة ووجيزة على أبواب الكتاب ومحتوياته.. يختم بقوله:

" مع هذا التاريخ العظيم لأمة الإسلام يمضي هذا الكتاب ، نثرا في ثلاثة أبواب، وشعرا في ملحمة  امتدت مع الزمن حتى يومنا هذا، ويعرض الكتاب من خلال النثر والشعر ملامح واقعنا المعاصر وملامح آمال المستقبل  "

وكما اعتاد الدكتور في مؤلفاته يسبق ذلك بإهداء وافتتاح ومقدمة .

... وهكذا كان فلنقف - مع – وعلى كل باب وقفة قصيرة بقدر ما يسمح المقام:

الباب الأوّل:معالم الدرب إلى فلسطين:

وقد جاء هذا الباب في فصلين: 1-إلى أبواب القدس  2- الملامح الرئيسية للدرب.

الفصل الأول : إلى أبواب القدس:

يوضح المؤلف – في هذا الفصل- أن أرض فلسطين أرض جهاد ورباط ..ويستعرض بعض النصوص التي أشارت إليها من الكتاب والسنة.

ثم يتتبع ( طريق النبوة إلى أرض فلسطين ) فيشير إلى حادثة الإسراء التي ربطت فلسطين بالإسلام وأمته وداره ورسالته إلى أبد الآبدين ..إلى أن تقوم الساعة ! (ص:11)

ويذكر الهجرة إلى المدينة المنورة التي انطلقت منها كتائب الإيمان إلى فلسطين  فيشير إلى : غزوة مؤتة وبعث أسامة ومعركة اليرموك التي سماها ( جولة) ويذكر معركتي – أو جولتَيْ ( فحل وأجنادين) .. ولا ندري لماذا أغفل الدكتور ذكر غزوة تبوك ( ساعة العسرة ) مع أن ( بوصلتها كانت موجهة إلى الشام ..ودرتها فلسطين والأقصى ) ولمواجهة الاحتلال الروماني الذي لم يجرؤ – على ما يبدو- على مواجهة جيش النبوة – ربما معتبرا بغزوة مؤتة ! !

بعد ذلك  تحدث عن الفتح العمري لبيت المقدس والعهدة العمرية لنصاراها ..وعن بناء المسجد العمري ثم المسجد الأقصى والصخرة ..ثم ذكر الغزو الصليبي ومذبحة الأقصى [ ذبح فيه الصليبيون 70 ألف مسلم ]..حتى بلغت الدماء الرُّكَب!   ثم حرره صلاح الدين ثانية ..وعاد لحمى الإسلام ..ولابد أن يبقى دارا للإسلام إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

الفصل الثاني : الملامح الرئيسية للدرب :

في هذا الفصل يستعرض المؤلف الواقع المعاصر –الذي لا يخفى على أحد- وضياع فلسطين ثانية ..وانحراف كثير من المسلمين عن الجادة .. واتباع بعضهم أهواء ودعوات شاذة وغريبة !

 ثم يتحدث عن ( ملامح الدرب إلى فلسطين) ويكرر ما يبينه في كتبه دائما من وجوب توحد المسلمين على رسالة الإسلام والإخلاص لله تعالى – مع سلامة النهج والتطببق والأخذ بكافة الأسباب المشروعة الممكنة والمتاحة.

الباب الثاني: ملامح الجهاد المعاصر للمسلمين في فلسطين

وقد جاء هذا الباب في اربعة فصول :

الفصل الأول

ملامح الواقع المعاصر الذي أحاط بجهاد المسلمين في فلسطين :

يتحدث المؤلف في هذا الفصل عن سقوط فلسطين بيد الصليبية الجديدة بعد سقوط الخلافة وضياعها ..وكيف عملت بريطانيا المنتدبة على فلسطين على مساعدة اليهود بكل الوسائل وتكثيف هجراتهم إلى فلسطين وتسهيل تسريب الأراضي لهم، .. وتعسفها ضد أهلها الأصليين وعملهما معا - اليهود والإنجليز - على إفساد الحياة الاجتماعية والسياسية في فلسطين وتسريب وتشجيع المباديء الهدامة والدعوات المنكرة والعصبية الجاهلية.. والأخلاق الفاسدة ..إلخ..

ثم تحدث عن الواقع الدولي وتداعي أمم الكفر والصليب على العالم الإسلامي في غزو تفتيتي جديد .. لكنه لم يذكر ألمانيا والصين وما نهشتا من بلاد المسلمين !

الفصل الثاني:

ملامح الجهاد العسكري للمسلمين في فلسطين حتى سنة 1948م 

استعرض المؤلف في هذا الفصل أهم وقائع دفاع الفلسطينيين عن أرضهم ضد الاحتلال والاستيطان اليهودي .. حتى في العهد العثماني منذ القرن التاسع عشر ..حيث كان أول صدام في صفد سنة 1832 الميلادية وكذلك أواخر ذلك القرن ..!

وكان قناصل الدول الأجنبية يضغطون ويتدخلون لصالح اليهود!

حتى إذا كانت الحرب الصليبية الأخيرة ..وسقطت الخلافة وسيطرت بريطانيا على فلسطين .. هب الشعب الفلسطيني ينافح عن وطنه وحقوقه في مواجهة قوتين عاديتين عاتيتين وصفهما الشاعر ابراهيم طوقان بقوله :

         لنا خصمان: ذو حول وطول      وآخر ذو احتيال واقتناصِ!

وثار الشعب الفلسطيني نحو 20 ثورة خلال 30 سنة من الاحتلال البريطاني .. من أهمها ثورة البراق – سنة 1929..والثورة الكبرى سنة 1936 ..ولكن تغول الخصوم وطغيانهم ..وقلة الإمكانات وضعف التخطيط والتنسيق لدى المجاهدين وكذلك التخاذل وعدم الالتزام وعدم التحشيد الكافي لدى الشعب المكافح ..أدى إلى النتائج التي نعرفها جميعا!

مع أنه شاركت في الجهاد عناصر عربية وإسلامية من خارج فلسطين ..مثل الشيخ عز الدين القسام ابن جبلة السورية الذي كان له دور كبير واستشهد في أحراش يعبد شمال فلسطين!

الفصل الثالث:

ملامح الجهاد السياسي للمسلمين في فلسطين حتى سنة 1948م.

الفصل الرابع: ميادين أخرى لجهاد المسلمين في فلسطين :

تحدث المؤلف في هذا الفصل عن مختلف الميادين والأنشطة الفلسطينية – عدا عما سبق من الميدانين العسكري والسياسي .. فتعرض لميادين الإعلام والاقتصاد والتربية والتعليم.. وختم بالأدب حيث استعرض نماذج من شعر بعض الشعراء الفلسطينيين متلمسا التوجهات الإسلامية لدى بعضهم ..حتى بعض النصارى ..مع أن النبرة الإسلامية قد خفتت في تلك الفترة لحساب التوجهات القومية والعروبية واليسار .. إلخ ..ثم ما لبث أن عاد الصوت الإسلامي يعلو ويرتفع ..حتى وجدنا نماذج جيدة ومتعددة منه لدى كثيرين ..وضرب لذلك أمثلة من شعره وأشعار الشعراء : أحمد فرح عقيلان وأحمد صديق ومحمد صيام ومحمود مفلح ومأمون جرار وكمال رشيد وعبدالرحمن بارود وكمال الوحيدي ومصطفى النبالي وأبي فراس النطافي..( ص: 168- :180)

وبعد ذلك تحدث في فقرة عن علماء فلسطين وبعض جهودهم..

الباب الثالث: أين الطريق؟!

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول : هل هذه هي الجولة الأخيرة ؟ :

يستعرض الدكنور في هذا الفصل ظروف نشأة  الحركات الفدائية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفللسطينية .. وهي مرحلة تمتاز بكثير من التشتت الفكري والضبابية ..وعدم وضوح الرؤية لدى كثيرين ..ولذا لم يكن فيها نصيب كبير للنهج الإسلامي الواضح .. الذي يُفترَض أن ترتبط به قضية الأقصى وفلسطين والصراع مع اليهود .. إلا ما كان من الجهود الخافتة (للهيئة العربية العليا لفلسطين برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين) ..وما يشبهها..مما لم يكن له صدى كبير في تلك الظروف!

وأشار إلى خطين متعارضين: مسلسل تنازلات عربية في غياب مناهج واضحة ..يقابله تصعيد يهودي عملي مخطط له بدقة وإحكام !

وختم الفصل بالإشارة إلى فتوى الأزهر(1/1/1956) برئاسة الشيخ حسنين محمد مخلوف – بتحريم الصلح مع اليهود –وتحريم التعاون مع الدول التي تشد أزرهم بالمال والعتاد!

وفي :الفصل الثاني : مسلسل التنازل-

يتتبع الدكتور مسلسل التنازلات السابق ذكره ببعض تفصيل في 17 مرحلة – أولها : مقاومة الخلافة – وآخرها – القبول بدولة فلسطينية على أي شبر من فلسطين ..ثم أخذ الشبر يضيق ويضيق حتى تلاشى أو كاد ! ..هذا في زمن كتابة مؤلفه هذا قبل أكثر من 26 عاما !! فما بالك اليوم ..وما نرى ؟!

وفي الفصل الثالث :مع ميزان المنهاج الرباني :

  يقارن المؤلف بين نهجين: نهج رسمه الله ورسوله وسار عليه الصحابة في فتوحاتهم ...وفي فتح فلسطين التي جعلها الإسراء " أمانة في عنق المسلمين إلى يوم القيامة، دارا للإسلام،وحمىً لدين الله، ومسجدا بارك الله فيه وبارك حوله وأرضا مباركة.."(ص:213)

..والنهج الثاني هو الذي سار فيه واقعنا المعاصر ..وفيه مواقف إيمانية طيبة ..ولكن فيه كذلك أخطاء ومزالق .. لابد من تصحيحها وتجنبها...إلخ

ولقد قارن بين النهجين .. في الولاء ،والجهل الممتد ، والنهج والتخطيط ،والتصور الخاطيء لقضية فلسطين،وضرب أمثلة لهذه المغالطات في التصور .

 ثم أكد أن فلسطين هي قضية الأمة المسلمة.. وأنها لا تتحرر إلا بنهج  الإيمان الواضح الجلي المشرق المخلص ..كما حررها من قبل أصحاب رسول الله ..صلى الله عليه وسلم ..ومن بعدهم.

الباب الرابع: (القسم الشعري)

  ملحمة على ابواب القدس:

  جاء هذا الباب في قصيدة واحدة دالية من البحر الخفيف استغرقت اثتين وأربعين صفحة ! "امتدت مع الزمن حتى يومنا هذا..مع عرض ملامح واقعنا المعاصر وملامح آمال المستقبل" – كما يقول الشاعرالمؤلف.  ومطلعها ( ص:222) :

         عانقي المجد واخفقي يابيدُ        كل يوم على بطاحك عيدُ

ويسير فيها الشاعر مع نفس الأحداث وبعض العناوين التي سلفت في القسم النثري : يتحدث عن فلسطين ارض النبوات والجهاد والإسراء ويشير للهجرة النبوية إلى المدينة حيث انطلقت جحافل الجهاد نحو الشام وغيرها .. فيذكر مؤتة وبعث أسامة ومعارك اليرموك وفحل وأجنادين ثم فتح القدس وتسليمها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.. ثم كيف كان وهن وتخاذل ..وسقطت القدس بأيدي الصليبيين فأدموها بوحشيتهم:

       أَعمَلوا السيف في الرقاب فسالت   أنهُرٌ من دمٍ ! وسالت نجودُ

ثم يذكر توجه صلاح الدين من حطين وفتحه المبين لبيت المقدس

ثم ينثني إلى آلام العصرالحاضر شاكيا لله حال الأمة :

       يارسول الهدى ! إلى الله نشكو      ما تلاقي من الهوان كُبودُ

ويسخر من السياسة ومقولات السلام والمراحل ..إلخ.. ويتوقع أياما قابلة أكثر صعوبة ومعاناة ..!..كأنما يستشرف الواقع الحاضر ..وما يليه!..

       انهضي أمتي !أفيقي! ففي الدر     بِِ دواهٍ يشيبُ منها الوليدُ!

.. ويستبعد السلام في ظل سياسات مخادعة تقوم على القوة – كشرع الغاب !

       لا تقـل لي : سياسـة وسـلامٌ         فحديث السلام شيء بعيـدُ

       يفرض الِّسلمَ صاحبُ الحق بالسيـ   ـفِ ويمضي به الأبيُّ الشديد

ثم يتحدث عن أطفال الحجارة وانتفاضاتهم ضد المحتل اليهودي : وقف الطفل وحده..

       وقف الطفل عند بابك يا قد   سُ! ونادته من هناك الجدودٌ

       وقف الطفل عند بابك يا قد   سُ! وغابت كتائب وحشودُ!

ثم يبشر أؤلئك الأطفال الصابرين الثابتين المقاومين المضحِّين.. ويبشر الأمة بمستقبل الخلاص .. بإذن الله تعالى واهب النصر والصبر والنعم .. ويختم ملحمته بقوله – متفائلاً - :

       امض واصبر! غدا سيأتيك أنصا   رٌ ويعلو التكبيرُ والتوحيدٌُ

       وغدا تشرق المواكب بالصد قِ فينشقُّ منه فجر جديدُ

      يطلع الفجر من دمٍ سكبَتْهُ     في الروابي ملاحم وجنودُ

     أُمًّةٌ تصدق العزيمة للّـــــــــــــــه فتُلقي أفلاذها وتجودُ

التمكن من ناصية البيان وادوات البحث:

والمتجول في رياض تراث الدكتور عدنان النحوي – ومنها كتابه الذي تناولناه في هذه المقالة : (على أسوارالقدس)-.. يلحظ تمكنه من أدوت االبيان والمعلومات .. – شعرا ونثرا ..أدبا وفكرا-.. ويلاحظ كذلك سعة معلوماته ..وحرصه على دقتها وصحتها .. وجهده الواضح في الرجوع إلى عشرات بل مئات المراجع والمصادر ( رجع في كتابه هذا إلى أكثر من 180 مرجعا!) ..مما يجعل –إضاءاته التاريخية لملاحمه - وما في حكمها - معلومات موثوقة صحيحة ..يستطيع الباحث أن يستند إليها ويصدر عنها ..

..وربما كانت تلك الخصائص مما دفع كثيرين للكتابة والبحث في أدب وشعروفكر الكتور عدنان .. فكانت رسائل جامعية كثيرة تتناول إنتاجه ..والمتوقع أن يقدم باحثون آخرون – مع الزمن – على تلك الثروة الشعرية والأدبية والعلمية ..بحثا ودراسةً واستقصاءً ..ِ

.. كما يلحظ المطالع لكتاباته .. دورانه الدائم حول منهج التوحيد والإخلاص ..والتزام نهج الله ورسوله صلى الله عليه وسلم..

وأنه غالبا ما ينهي كتاباته وموضوعاته بالأمل "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"  

...مقابلة مع مجاهد من أصحاب القسام :

يلحق المؤلف بملحمته –هذه - مقابلة أجراها مع المجاهد احمد حسين حمدان – من قرية الهربج- قضاء حيفا –شمال فلسطين - والذي صاحب الشيخ عز الدين القسام في جهاده في فلسطين ..وأعدم الإنجليز والده أمام أهالي قرية الكساير لاكتشافهم وثيقة كان وقعها نيابة عن أهالي تلك القرية التي كان  يقيم فيها – بمبايعة القسام بالجهاد معه !..

أبواب القدس :

.. وهكذا طوفنا مع الدكتور عدنان النحوي حول ـ أبواب لقدس زمانيا ومكانيا .. ونشقنا عبير التاريخ والجهاد من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ..وحتى العصر الحاضر !

..وبالطبع فإن المعلوم من عبارة ( على أبواب القدس ) كناية عن التوجه للجهاد لتحريرها وإعمار مسجدها الذي تشد إليه الرحال مع الاهتمام والحرص على ذلك.

ولذا لم يعتن الدكتور المؤلف بذكر أسماء أبواب القدس ..وها نحن نذكرها إتماما للمعلومات: باب الأسباط – من الشرق وباب الساهرة وباب العمود ( أوبوابة دمشق) والباب الجديد من الشمال..وباب الخليل ..ثم باب المغاربة من الغرب ..وهذا الأخير يفضي إلى باحة الحرم القدسي مباشرة ويمر إزاء سور البراق الذي يسميه اليهود [المبكى ] ويبكون عنده ..ولذا فقد سيطروا عليه وجعلوه بابا خاصا بهم لا يدخل أو يخرج منه أحد غيرهم! فتحته – على يساره ساحة البراق التي يتجمعون فيها ..والتي أقيمت على أنقاض حي المغاربة الذي هدموه بمجرد احتلالهم  القدس القديمة سنة 1967 الميلادية!

أما الأبواب الباقية فهي أبواب في سور مدينة القدس القديمة تفضي إليها ثم يسير الزائر مسافة في داخل القدس القديمة - ويدخل حرم المسجد من أبوابه المعروفة داخليا .

أما من جهة الجنوب فلا أبواب ..حيث أنها قبلة المسجد الذي يشمخ عاليا وترتفع جدرانه هناك !

أثاب الله تعالى أخانا الدكتور عدنان على ما قدم ..راجين أن يكون كله لله ومسجلا في صحائف حسنات أبي بلال ..

وكما قال رحمه الله  ) نرجو أن نعبد الله في كل كلمة نقولها نثرًا أو شعرًا، فكرًا أو أدبًا، ... )

وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.

وسوم: العدد 706