الشهيد عبد المعطي الحلموشي

شابٌّ غضُّ الإهاب لم يجاوز العشرين من عمره، نحيف الجسم معتدل القامة، أبيض الوجه. فيه أنفة وعزة في غير تكبر ومخايل ذكاء ونبوغ في غير تغطرس مندفع بلا تهور يعرف أين قدمه في هذه المتاهة وكيف يختار طريقه في هذه الملحمة طيب الغرس كريم المنبت رضي الخلق زكي الطباع يشدك إليه قوة إيمانه وسلامة فطرته واستقامته وصدقة وإخلاصه.

إنه الشابُ المجاهد عبد المعطي الحلموشي في دوحةِ حمص الوارفة الظلال نشأ غصناً غضاً رطيباً كالزهرة لما تتفتح أكامها بعد، وفيها حصل على الشهادة الثانوية عام 1978م ثم التحق بالجامعة في فرع (ر. ف. ك) وأمضى بها سنتين إضافة لما حصله من علم ومعرفة إسلامية مهارات فنية في بعض المجالات.

كان المجاهد الشاب عبد المعطي الحلموشي كما كان إخوته المجاهدون محط الأنظار ومهوى قلوب وأفئدة الشباب والرجال ولقد أعجب به كل من عرفه وأحبه وكل من خالطه وتوسم فيه الخير كل من رآه.

في هذه الأثناء كان المجتمع السوري يتطلع إلى من يحمل العبء ويضع حداً للأمر الذي ضاق به الناس وهو الفساد المستشري في كل المجالات والإفساد الذي تمارسه سلطات أسد بمكر وخبث في كل ميدان من ميادين الحياة لتحقيق أغراض دنيئة على حساب مصلحة الوطن والمواطن.

وإزاء هذا الوضع كان على كل مجاهد مخلص أن يدرك عظم المحنة وفداحة الخطب وأن يكون أهلاً لحمل التبعة وتحقيق آمال شعبنا السوري البطل الذي يرزح تحت نير الطغيان الأسدي أدرك عبد المعطي ما يراد منه وما يراد به فكان عند حسن الظن به وكيف لا وهو ينتمي إلى عائلة مشهود لها بالتقى والصلاح لذا كانت أشد العائلات المنكوبة بلاء...

فقد استشهد واعتقل عدد من أبنائها ورجالها وألقي بالبعض منهم في غياهب السجون والمعتقلات التي هي في حقيقة الأمر أعظم المنجزات العمرانية في العهد الأسدي المشؤوم..

وجاء دور المجاهد الشاب عبد المعطي الحلموشي.. اعترف عليه أحد المعتقلين تحت ضغط التعذيب الرهيب فحاصرت مخابرات أسد دار أهله وقبضوا عليه واستاقوه وهو الشاب الطاهر إلى أوكار الظلمة كأنه مجرمٌ أثيم..

وفي قبو التحقيق المظلم جيء بعبد المعطي معصوب العينين مجرداً من ثيابه وقيد إلى خشبة التعذيب وانقض زبانية أسد بسياطهم وأدوات تعذبيهم عليه وكله جلدٌ وصلابة.

كانت حصيلة التحقيق – أعني التعذيب – اعترافات بِلُقْيا بعض الناس في المساجد وقراءة القرآن لقد فرحوا بهذه النتيجة المذهلة!

وسيق عبد المعطي إلى معتقل كفر سوسة بدمشق حيث أصبح نزيل الغرفة رقم /6/ غرفة صغيرة تزدحم بثلاثين معتقلاً كلهم صامدون راسخو العقيدة شامخو الهمة وعرض عبد المعطي على القاضي الحاقد النقيب سليمان حبيب قاضي المحكمة العسكرية الميدانية الرهيبة التي كانت توزع أحكام الإعدام بغير حساب.

أثار المجاهد الشاب عبد المعطي الحلموشي بمظهره الهادئ وثباته وثقته بنفسه كوامن الحقد في نفس هذا النقيب القاضي فحار وغضب وتمخض فكره السمج وتصوراته المنحرفة – عدا التقرير الكاذب عن نتيجة رهيبة الإعدام الحكم بالإعدام على هذا الشاب المتحدي لسلطته وسلطانه.

وسيق المجاهد عبد المعطي مع أربعين من إخوانه المعتقلين/ إلى سجن تدمر العكسري/ سجن الموت/ سجن التدمير الوطني والتصفية الجسدية في الثلاثين من شهر آب/ عام 1980م/ لتنفيذ الحكم الجائر.

غير أن التنفيذ لا بد أن يسبقه برنامج خاص جداً للتعذيب بغرض التحطيم الجسدي والإحباط الفكري والقهر النفسي وكلها مكافآت أسدية لمن كان له لون أو طعم أو رائحة. اشتدت الأزمة وضاقت حلقاتها وأحاطت بالمعتقلين أهوال السجن والقهر والتعذيب وهم صابرون صامدون لا يزيدهم هول المحنة إلا ثباتاً وصلابة.

وفي شهر تشرين الأول عام 1980م أي بعد شهر من التعذيب لعبد المعطي وإخوانه المعتقلين اشتد سعار الزبانية ومنعوا المعتقلين من النوم طوال الليل.

وعند الفجر جمعوا هؤلاء الأبرياء من سائر مهاجع سجن الموت بعد أن عصبوا أعينهم وأوثقوا أيديهم وساقوهم في صفٍ طويل إلى تلك الساحة الرهيبة "ساحة الإعدام" في تلك الليلة توضأ عبد المعطي وصلى من الليل ما شاء الله، وجهز نفسه لتلك الرحلة.. وقبيل الفجر ودع إخوانه وانطلق مع نفر من إخوانه في نفس المهجع إلى ساحة الإعدام ومع فجر ذلك اليوم الخريفي الغامض انبلج فجر الخلاص والفرج.

وصاح المجاهد البطل عبد المعطي الحلموشي والحبلُ الرهيب يلتفُ حول رقبته:

الله أكبر.. الله أكبر.. فزتُ ورب الكعبة.. إنها الشهادة.. الشهادة في سبيل الله.. اللهم اخز القوم الظالمين وانصر المسلمين يا أرحم الراحمين ..

انطلقت صيحات الله أكبر، تدوي في تلك المساحة، تشق أجواء الفضاء كالرعد القاصف.

وتنطلق الأرواح الطاهرة من إسار الجسد الفاني والقيد الدنيوي، لتصبح أخروية ربانية، ساميةً طاهرة مرضية، وتتبوأ مقعد الصدق عند المليك المقتدر.

وسوم: العدد 711