الشهيد أنس إدلبي

في مدينة حلب عام ألف وتسعمئة وتسعة وخمسين ولد أنس من أبوين صالحين عنيا بتربيته التربية اللائقة من أب تدين عن وعي وعلم هو الحاج عبد اللطيف إدلبي.

نشأ أنس بين الكتب في (مكتبة) أبيه حتى إذا ما انتقل إلى المرحلة الإعدادية في دراسته انخرط في صفوف الحركة الإسلامية وأكب على كتبها قراءة واستيعاباً فكان من المُجلِّين المبرِّزين في هذا الميدان الدعوي كما كان من المجلين المبرزين في دراسته.

وعندما انطلقت الثورة الإسلامية في قطرنا الحبيب كان أنس من أوائل الملتحقين بصفوف المجاهدين مقاتلاً ومراسلاً وصلة مع الناس يشجع الشباب على الانضواء تحت راية الجهاد ويستخلص المال من أصحاب الأموال ليكون مدداً للمجاهدين.. وكان لمحياه البسام، ولوجهه الوسيم ولكلماته العذبة، ولأخلاقه العالية فعل السحر في التأثير بمن يتصل بهم..

وقد شكلت هذه الصلات بمختلف فئات شعبنا المجاهد خطراً على أولئك فصدرت إليه الأوامر بمغادرة القطر كيلا يقع في أيدي الجلادين.

وبخروجه من حلب دخل مرحلة جديدة من الجهاد.. مرحلة حافلة بالتنقلات والأسفار بين العديد من الدول يسعى من أجل تدعيم حركة الجهاد لا يعرف كللاً، ولا يعتريه تعب أو ملل.. فقد كان أنس حركة دائبة لا تعرف السكون وساعدته شقرة شعره وبشرته وتمكنه من اللغة الإنكليزية على التغلب على متاعب السفر وعلى مشاق المهمات التي كان يكلف بها وهي مهمات عصية إلا على أمثاله من الشباب الناضج عقلاً وعاطفة على الرغم من حداثة سنه وقلة تجارته التي كان يغنيها في كل رحلة من رحلاته الكثيرة..

وكانت رحلته الأخيرة إلى ألمانيا حيث حط عصا التسيار في ملحمة طالما كابدها هو وأنداده من الشباب القادرين على العطاء. كان أنس في مهمة يتوجب عليه إنهاؤها في أقصر مدة لأن المرحلة التي كانت تقتضينا تجاوز ما يمكن تجاوزه من عقبات، وملء الزمن من الطاقات.

عمل أنس ثلاثة أيام بلياليها دون أن تغمض له عين وفيما هو عائد بسيارته بعد إنجاز المهمة في ليلة اشتد صقيعها من شتاء عام 1981م وكان يسابق الزمن من أجل اللحاق بآخر طيارة في تلك الليلة غلبه النعاس بعد تعب ثلاثة أيام وسهر ثلاث ليال وإذا السيارة تنحرف عن طريقها وإذا أنس شهيد في سيارته المحطمة المترعة بكل ما يلذ المجاهدين وكان لاستشهاده وقع أليم على كل من عرفوا أنساً أو سمعوا به في شتى الأقطار التي زارها وما أكثرها فانسربت دموع وتصعدت آهات وحسرات على شبابه ونضارته على وسامة خلقه على دماثة أخلاقة على حركته التي لا تعرف الهدوء على خسارة المجاهدين واحداً من خير من عرفوا ديناً وتقى وورعاً وجندية قل نظيرها.

لقد حزن عليه إخوانه ومعارفة وما نظن له عدواً واحداً في أي وسط عايشه.

لقد سارع أحباؤه إلى المستشفى الذي توفي فيه وعملوا على نقله إلى إحدى الدول الشقيقة ليدفن في عاصمتها وليكون كسيده أبي ذر، عاش غريباً ومات غريباً ودفن غريباً، ولد في حلب واستشهد في ألمانيا ودفن في إحدى العواصم الشقيقة.

"وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً.. وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت".

أنس.. ليهنك أنك اليوم في عليين بإذن الله مع الأنبياء والشهداء والصديقين مع عبد الله وإبراهيم مع رامز وعصام ومع محمود وهمام مع أيمن وياسر.. مع من كنت لا تفتأ تذكرهم وتسأل عن تفصيلات حياتهم.

والسلام عليك في الخالدين.

وسوم: العدد 719