نافذة على الشعراء العرب

الشاعر الأول

أحيحة بن الجلاح الأوسي

أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبي الأوسي ، أبو عمرو

شاعر جاهلي من دهاة العرب و شجعانهم . و أحيحة وفقا لابن دريد ، تصغير أحاح و الأحاح : ما يجد الانسان في صدره من حرارة الغيظ . و الجلاح فعال من الجلح وهو انحسار مقدم الوجه من الشعر .

قال الميداني : كان أحيحة سيد يثرب ، و كان له حسن فيها سماه المستظل ، و حصن في ظاهرها سماه الضحيان و مزارع و بساتين و مال وفير.

يقول البغدادي انه كان سيد يثرب في الجاهلية ، و كان مرابيا كثير المال .

أما شعره ، فالباقي منه قليل جدا .

و في الأغاني أن سلمى بنت عمرو العدوية ، كانت زوجة لأحيحة و أخذها بعده هاشم بن عبد ، مناف ، فولدت له عبدالمطلب ، و بهذا تكون وفاة أحيحة قبل وفاة هاشم المتوفى نحو 102 قبل الهجرة .

توفي في عام 129 قبل الهجرة الموافق 497 ميلادية .

و يقال : ان أحيحة بن الجلاح كان ينزل بالمدينة ، فجفاه اخوانه و أحباؤه و جفته زوجته ثم انه أثرى فاستفاد نيفا و تسعين بئرا لنخل بالمدينة و كان له نخلة على ثلاث منها ، فكان يأتيها بنفسه و يسقيها و يعتني بها ، فقال :

استغن أو مت و لا يغررك ذو حسب ... من ابن عم و لا عم و لا خال

اني أكب على الزوراء أعمرها ... ان الكريم على الاخوان ذو المال

كل النداء اذا ناديت يخذلني ... الا ندائي اذا ناديت يا مالي 

و المال يغشى أناسا لا طباخ لهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي

الدندن من النبات : ما قد بليت . لا طباخ : لا فائدة .

و قال أيضا :

استغنِ عن كل ذي قربى و ذي رحم ... ان الغني من استغنى عن الناس

و البس عدوّك في رفق و في دعة ... لباس ذي اربة للدهر لباس

ولا تغرنك أضغان مزملة ... قد يُضرب الدَّ بر الدامي بأحلاس

و يقال : انه دخل حائطا ( أي بستان من النخيل ) فوجد تمرة ساقطة ، فتناولها فعوتب في ذلك فقال : التمرة الى التمرة تمر ، و الذود الى الذود ابل .. فذهبتا مثلا . أي من عمل عملا كان مرجوعه له .

وهو القائل في الصمت :

و الصمت أجمل بالفتى ... ما لم يكن عيٌّ يشينه

و القول ذو خطل اذا ... ما لم يكن لب يعينه

أورد أبو زيد القرشي في كتابه " جمهرة أشعار العرب في الجاهلية و الاسلام " هذه القصيدة لأحيحة بن الجلاح و هي احدى المذهّبات عند العرب :

صحوت عن الصبا و الدهر غول ... و نفس المرء ، آونة ، قتول

و لو أني أشاء نعمت حالا ... و باكرني صبوح أو نشول

و لاعبني على الأنماط لعس ... على أفواههن الزنجبيل

و لكني جعلت ازاي مالي ... فأُقللُ بعد ذلك أو أنيلُ

فهل من كاهن أو ذي اله ... اذا ما حان من رب أفول

يراهنني فيرهنني بنيه ... و أرهنه بنيّ بما أقول

و ما يدري الفقير متى غناه ... و لا يدري الغني متى يعيل

و ما تدري اذا ألقحت شولا ... أتلقح بعد ذلك أم تحيل

و لا تدري اذا أزمعت أمرا ... بأي الأرض يدركك المقيل

قيل : ان قيس بن زهير بن جذيمة أتى أحيحة بن الجلاح لما وقع الشر بينه و بين بني عامر ، فقال له : يا أبا عمرو ! . نبئت أن لديك درعا ليس بيثرب درع مثلها ، فان كانت فضلا فبعنيها ، أو فهبها لي .، فقال : يا أخا بني عبس ، ليس مثلي من يبيع السلاح ، و لا يفض عنه ، و لولا أني أستليم ( من اللوم ) الى بني عامر ، لوهبتها لك ، و لجعلتك على سوابق خيلي ، و لكن أشترها يا أبا أيوب ، فان البيع مرتخص و غال ، فأرسلها مثلا . فقال له قيس : فما تكره من استلامتك الى بني عامر ، قال : كيف لا أكره ذلك و خالد بن جعفر الذي يقول :

اذا ما أردت العز في آل يثرب ... فناد بصوت يا أحيحة ، تمنعِ

رأيت أبا عمرو أحيحة جارُهُ ... يبيت قرير العين غير مروع

و من يأته من خائف ينس خوفه ... و من يأته من جائع الجوف يشبع

فضائل كانت للجلاح قديمةٌ ... و أكرم بفخر من خصالك الأربع

فقال قيس : و ما عليك بعد ذلك من لوم . ثم عاوده فساومه ، فغضب أحيحة فقال :

ألا يا قيس لا تسمن درعي ... فما مثلي يساوم بالدروع

فلولا خلة لأبي جويٍّ ... و أني لست عنه بالنزوع

لأبت بمثلها عشر و طرف ... لحوق الاطل جياش تليع

و لكن سمٍّ ما أحببت فيها ... فليس بمنكر غبن البيوع

فما هبة الدروع أخا بغيض ... و لا الخيل السوابق بالبديع

....

الشاعر الثاني

قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق و جيب قيمصه مرقوع

ابراهيم بن هرمة

أبو اسحق ابراهيم بن سلمة بن عامر بن هرمة بن هذيل بن ربيع .

ينتهي نسبه الى الحارث بن فهر ، و فهر أصل قريش ، تربى في قبيلة تميم ، وهي من القبائل العربية الكبيرة في شرق الجزيرة . كان لها شأن في الجزيرة و الاسلام .

ولد سنة 80 هجرية .. الموافق 176 ميلادية .. و توفي 699 للهجرة الموافق 792 ميلادية ، حيث دفن بالبفيع بالمدينة .

شاعر مشهور من مخضرمي الدولتين الأموية و العباسية . ذكر الأصمعي أنه رآه ينشد الشعر بين يدي الرشيد . 

اتفق ابن الأعربي و الأصمعي ، على أن الشعر ختم بابن هرمة و بخمسة من معاصريه ، الا أن الأصمعي ، قدمه عليهم و كان يقول : 

ما يؤخره عن الفحول ، الا قرب عهده ، 

و قد تنقل بين المدينة و دمشق وبغداد ، يمدح الخلفاء . له ديوان شعر .

يقول من قصائده الجميلة :

أحمامة حلبت شؤونــــــك أسجما 

..............................تدعو الهديل بذي الأراك سجوع 

كم منزل خلق اضر بـــــه البلى 

..............................و الريح و الأنواء و التوديـــــع 

بلوى كفافة أم ببرقة أخـــــــرم 

.............................خيم على آلاتهـــن وشيــــــــع

عجبت أمامة أن رأتني شاحبا 

............................ثكلتـــك امك ..أي ذاك يروع 

قد يدرك الشرفَ الفتى ورداؤه 

............................خلق و جيب قيمصه مرقـوع

و ينال حاجته التي يسمو لهــا 

.........................و يطل وتر المرء و هو وضيع

اوما تريني شاحبــــــــا متبذلا 

.........................و السيف يخلق غمــــده فيضيع 

فلرب لـــــذة ليلة .. قد نلتـــــها 

........................و حرامها ، بحلالها مدفـــــوع 

بأوانس حــور .. العيون كأنها 

.......................آرآم وجــرة .. جادهن ربيــــع 

صَيد الحبائل ..يستبين قلوبَنـــا 

........................و دلالهن مخلّق ممنـــــــــوع

......

و له أيضا :

لله درك من فتى فجعت به ... يوم البقيع حوادث الأيام 

هش اذا نزل الوفود ببابه ... سهل الحجاب مؤدب الخدام

و اذا رأيت صديقه و شقيقه ... لم تدر أيهما ذوي الأرحام

ومن قصائده الجميلة :

تقول و العيس قد شدت بأرحلنــــــا ... 

........................الحق أنك منـــــا اليـــــــــوم منطلق

قلت نعم فاكظمي ، قالت و ما جلدي ...

.......................و ما أظن اجتماعا حيـــــن نفترق

فارقتها .. لا فـــــؤادي من تذكرها ... 

......................سالي الهموم ، و لا حبلي لها خلَق

فاضت على اثرهم عينـــاك دمعهما ... 

.....................كما يتابع مجــــــــرى اللؤلؤ النسق

فاستبق عينك لا يـــودي البكاء بها ... 

....................و اكفف مدامـــع من عينيك تستبق

ليس الشؤون و ان جادت ببـــاقية ... 

...................و لا الجفون على هذا و لا الحــدق

راعوا فؤادك اذ بانـــوا على عجل ... 

...................فاستردفوه كما يســـــتردف النسق

بانوا بأدماء من وحش الجناب لها ... 

....................أحوى أخينس في أرطــــاته حُرق (*)

... 

(*) أخوى : الحوّة سواد الى الخضرة .. و قيل حمرة تضرب الى السواد 

اخينس : الخنس قصر في الأنف و تأخر الأرنبة في الوجه و الرجل أخنس و المرأة خنساء .. و ابن الأعرابي : الخنس مأوى الظباء .. و الخنس : الظباء أنفسها

وسوم: العدد 722