البروفيسور المؤرخ الداعية أكرم ضياء العُمري

( 1361ه/ 1942م – معاصر )

clip_image001_18a81.jpg

الدكتور أكرم ضياء أحمد العمري الموصلي العراقي، أستاذ التاريخ الإسلامي، وعلوم الحديث، والفائز بجائزة الملك فيصل العالمية لعام ١٩٩٦م في الدراسات الإسلامية، أسس لفقه السيرة وإعادة كتابة السيرة والتاريخ وفق منهج المحدثين ؛ لأنه رأى الناس تستنبط منهما الأحكام، فقدم بذلك خدمة للمسلمين، لا يمكن أن تنسى ...

المولد والنشأة :

وُلِد البروفيسور أكرم ضياء العُمري في الموصل في شمال العراق سنة ١٣٦١هـ/١٩٤٢م. من عائلة آل العمري من ذرية الخليفة عمر بن الخطاب، وهي من العوائل العريقة في الموصل والمتنفذة .

دراسته ومراحل تعليمه :

أنهى أكرم ضياء العمري في الموصل دراسته الابتدائية والثانوية .

ثم درس الدكتور أكرم ضياء العمري بكلية التربية بجامعة بغداد، وتخرج منها في العام ١٣٨٤هـ /  1963م .

ثم حصل على شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من كلية الآداب في جامعة بغداد في العام 1386ه /  1966م ، وكان موضوعها " طبقات خليفة بن خياط: دراسة وتحقيق"

وفي سنة ١٣٩٦هـ/١٩٧٤م حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة عين شمس بالقاهرة، كان موضوعها "موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد".

أعماله والوظائف التي تقلدها :

قام الدكتور أكرم ضياء العمري بالتدريس في كلية الآداب جامعة بغداد منذ العام 1966 م، وبقي يدرس فيها لمدة عشر سنوات حتي أعير للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .

ثم عمل في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة؛ وذلك من سنة ١٣٩٤هـ إلى سنة ١٤١٥هـ/ الموافق (١٩٧٦م – 1997م، أستاذاً للتاريخ الإسلامي في قسم الدراسات الإسلامية، ثم أستاذاً في قسم التاريخ في كلية التربية وأصول الدين.

وقد رأس قسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من سنة ١٣٩٧هـ إلى سنة ١٤٠٣هـ (١٩٧٧م–١٩٨٣م)

 كما رأس المجلس العلمي للجامعة الإسلامية من سنة ١٣٩٨هـ إلى سنة ١٤٠٣هـ    (١٩٧٨م– ١٩٨٤م)

 وعمل باحثاً في مركز خدمة السُّنَّة والسيرة النبوية، وعضواً في مجلس المركز منذ تأسيسه .

 وعضواً في المجلس العلمي لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

-أشرف على أكثر من ستين أطروحة ورسالة للدكتوراه والماجستير خلال السنوات العشرين الماضية في الجامعات العربية وخاصة الجامعات السعودية كما ناقش عدداً كبيراً منها في تخصصات الحديث النبوي والتاريخ الإسلامي والتربية الإسلامية .

ومن الرسائل التي أشرف عليها :

-((مرويات غزوة بني المصطلق ))

-ومرويات غزوة حنين فتح الطائف

- و((مغازي موسى بن عقبة))

- ومرويات تاريخ يهود المدينة

- و ((السرايا والبعوث في عصر السيرة))..

كما ساهم في تقويم العديد من الأعمال العلمية لجامعات مختلفة، وكذلك في الترقيات العلمية للعديد من الأساتذة في الجامعات السعودية والعربية .

-عمل أستاذاً بكلية الشريعة والقانون بجامعة قطر 1995م .

يعمل الآن عضواً بلجنة إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر

مؤلفاته :

وقد قام البروفيسور العُمري بالعديد من الدراسـات في مجال السيرة النبوية، تأليفاً وإشرافاً، محاولاً تطبيق قواعد المحدِّثين في نقد الروايات، وقد تجلَّى ذلك في كتابه: 1-السيرة النبوية الصحيحة:

 محاولة تطبيق قواعد المحدِّثين في نقد روايات السيرة، الذي تميَّز بعمق التحليل وسلامة الأسلوب وأصالته، وقد سدّ ذلك الكتاب ثغرة مهمّة على الصعيد الأكاديمي، وأُعيد طبعه عدّة مرات.  مجلدان، ط 2، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة- 1414 هـ وقد ترجم معظمه، ونشر باللغتين التركية ISTANBUL 1988. والانكليزية U.S.A 1991 MARYLAND

2 - بحوث في تاريخ السنة المشرفة، طبع خمس مرات في بغداد وبيروت والمدينة المنورة في سنة 1967 م، 1972 م، 1975 م، 1984 م، والطبعتان الأولى والثانية بتعضيد من جامعة بغداد. والطبعة الأخيرة مطورة، وتقع في 500 صفحة.

3 - موارد الخطيب في تاريخ بغداد، طبع بدمشق سنة 1975 م وبيروت 1984 م، والطبعة الأولى بتعضيد من جامعة بغداد.

4 - دراسات تاريخية، نشُر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1983 م.

5 - التراث والمعاصرة، طبعتان، نشر رئاسة الشؤون الدينية، قطر 1405 هـ كما طبع باللغة التركية ISTANBUL 1991

6 - الإسلام والوعي الحضاري، بيروت- 1408 هـ.

7 - تراث الترمذي العلمي، نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة-1413 هـ.

8 - مجتمع المدينة في عصر النبوة، مكتبة الدار بالمدينة المنورة 1415 هـ

9 - مناهج البحث وتحقيق التراث، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- 1415 هـ، ويقع في 360 صفحة، وهو تطوير لكتابه "تعليقه في مناهج البحث وتحقيق المخطوطات"، نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة- 1414 هـ.

10 - قيم المجتمع الإسلامي من منظور تاريخي، نشر في جزئين ضمن سلسلة كتاب الأمة- قطر- 1414 هـ.

11 - التربية الروحية والاجتماعية في الإسلام، نشر من قبل مركز خدمة السنة بجامعة قطر.

12 - عصر الخلافة الراشدة: محاولة لتطبيق قواعد النقد عند المحدثين على الرواية التاريخية، نشر مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة- 1414 هـ.

عصر السيرة النبوية، ضمن مرجع في تاريخ العرب، من إعداد المنظمة العربي

للتربية والثقافة والعلوم، جامعة الدول العربية، ولم يطبع بعد (400 صفحة).

13 - من فقه السيرة النبوية العطرة، نشر النادي الأدبي بمكة المكرمة (تحت الطبع)

14 - الحياة الاجتماعية والاقتصادية في عصر السيرة النبوية (تحت الطبع).

التحقيقات

15 - تاريخ خليفة بن خياط، 3 طبعات، العراق- 1967 م، بتعضيد من المجمع العلمي العراقي، ودمشق- 1977 م، والرياض- 1984 م.

16 - طبقات خليفة بن خياط، طبعتان، الأولى ببغداد- 1967 م بتعضيد من جامعة بغداد، والثانية بالرياض- 1983 م.

17 - المعرفة والتاريخ، ليعقوب بن سفيان (ت 277 هـ)، 3 طبعات الأولى ببغداد- 1974 م من قبل وزارة الأوقاف العراقية، والثانية نشر مؤسسة الرسالة ببيروت- 1976 م، والثالثة نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة- 1988 م.

18 - أزواج النبي، لابن زبالة، نشر المجمع العلمي بالجامعة الإسلامية- 1982م.

19 - بقي بن مخلد القرطبي ومقدمة مسنده عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث، بيروت- 1984 م.

20 - مسند خليفة بن خياط، بيروت- 1985 م.

21 - تركة النبي، لحماد بن إسماعيل، بيروت- 1983.

22-وموقف الاستشراق من السُّنَّة والسيرة النبوية .

23-العنف في الحياة الزوجية.

24-الرسالة والرسول

25-استخدام الحاسب في العلوم الشرعية (بحث) .

26-خليفة بن خياط: موارده وتحقيق ودراسة كتابه الطبقات (رسالة جامعية)

27-دراسات تاريخية مع تعليقة في منهج البحث وتحقيق المخطوطات

28-قيم المجتمع الإسلامي من منظور تاريخي

29-منهج النقد عند المحدثين مقارنا بالميثودولوجيا الغربية (بحث)

30-الاستشراق والقرآن .

31- العامة في بغداد في أواخر العصر الإيلخاني – نشره عام 1978م.

ومن تحقيقاته:

1-كتاب المعرفة والتاريخ : لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي.

2-   خليفة بن خياط موارده (تحقيق ودراسة) – صدر عام 1996م

 3-كتاب الطبقات لخليفة بن خياط (تحقيق)- صدر عام  1967م

 4- تاريخ خليفة بن خياط (تحقيق)- صدر عام 1967م

البحوث:

1 - منهج المحدثين في النقد مقارناً بالميثودولوجيا الغربية، مجلة السنة، جامعة قطر- 1412 هـ.

2 - الخطيب البغدادي: سيرته الذاتية، بيئته الحضارية، إنتاجه الفكري واهتماماته التربوية، ضمن كتاب "من أعلام التربية العربية الإسلامية"، مجلدة 2، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج- 1409 هـ (1988 م).

3 - موقعة عين جالوت.، نشر مجلة الشرطة 1968 م.

4 - القراءة المجدولة وأثرها.

5 - الاستشراق، نشر مجلة مركز السنة والسيرة، جامعة قطر 1415 هـ.

الجوائز التي حصل عليها :

1-مُنِح البروفيسور أكرم ضياء أحمد العُمري جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1996م؛ تقديراً لجهوده في مجال السِّيرة النبويَّة الشريفة؛ تأليفاً وتحقيقاً وتدريساً وإشرافاً، محاولاً تطبيق قواعد المحدِّثين في نقد الروايات.

 وقد تجلَّى ذلك في كتابه “السِّيرة النبويَّة الصّحيحة” الذي أبان في مقدمته عن منهجه في ذلك وطبقه مع عمق التحليل وسَلاسَة الأسلوب.

2-بعد نيله جائزة الملك فيصل العالمية، مُنِح البروفيسور العُمري بالاشتراك مع آخرين جائزة السلطان (حسن البلقية) العالمية لسنة ١٤٢٠هـ/٢٠٠٠م.

 clip_image003_d1c4f.jpg

- وهو من جملة العلماء الذين راجعوا المادة العلمية لمسلسل (عمر) رضي الله عنه الذي يعرض على شاشات الفضائيات في شهر رمضان المبارك .

-واهتم العمري بالبحث عن الأحكام الفقهية وتاريخ تشريعها وقال: إنَّ منهجه في الدراسة لا يخرج عن دائرة المعتقدات الإسلامية المبنية على إيضاح دور الإنسان ومسؤوليته عن التغيير في إطار المشيئة الإلهية .

-ويدعو العمري إلى ضرورة إسهام العلماء والمثقفين المسلمين في بناء كيان حضاري ذاتي يحافظ على الهوية الإسلامية ويتعامل مع المنجزات الإنسانية المعاصرة بعين واعية، ويقول: إنَّ الجيل الجديد لا يحتاج فقط إلى حفظ القرآن الكريم والتفسير والأحكام الفقهية، وإنَّما يحتاج كذلك إلى رؤيا وتصوّر للعالم بكلِّ جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة.

-نقد النص التاريخي عند الدكتور أكرم ضياء العمري :

التاريخ شيخ الأضاليل، كما قال الزبيري رحمه الله، وأي تشويه للتاريخ يعني تشويه الحاضر وارتباك المستقبل، ولا أظنني أبالغ إذا قلت إن كثيرا من مآسينا الحاضرة يرجع إلى القيم والقناعات المشوهة التي تسربت إلينا عن طريق روايات تاريخية لا أساس لها من الصحة ولا الدقة.

ويكون الأمر أخطر إذا تعلق بالسيرة النبوية لما تمثله من مكانة ولما هي عليه من مقام اقتداء وأسوة، ويليها في ذلك تاريخ صدر الإسلام فهو مرحلة حساسة في التاريخ الإسلامي، ذلك بأنها مرحلة التشريع (فترة النبوة) ومرحلة روايات شهود العيان (الصحابة)، يضاف لذلك أن هناك آثارا تقول بأرجحية سنة أبي بكر وعمر على غيرها، مما يفرض توخي الحذر والدقة فيما يروى عنها، وإخضاع تاريخها لمنهج مختلف عن مناهج المؤرخين القائمة على الجمع دون تمحيص ولا روية.

والسيرة النبوية ليست من العلوم التي أنتجت علما ينقد رواياتها ويضع ضوابط للتعامل معها، فالاستنباط وضع له علم الأصول والحديث وضع له علم الرجال وعلم المصطلح، وأظن أن محاولة الشيخ أكرم ضياء العمري في كتابه: صحيح السيرة النبوية، كانت الأولى من نوعها في محاولة إخضاع روايات السيرة النبوية لآليات نقد الحديث النبوي.

وقد تنبه د. أكرم ضياء العمري إلى حساسية هذه الفترة وإلى ما تؤسسه أخبار وروايات غير دقيقة في السيرة النبوية من قناعات مشوهة وما تبنيه من تصورات خاطئة عن النبوة والرسالة والمنهج، فكتب بحثه القيم(السيرة النبوية الصحيحة) الذي حاول فيه إخضاع مرويات السيرة النبوية لمناهج المحدثين.

صَدَّرَ الباحث كتابه بفصل تمهيدي نفيس، وضع فيه أسس وقواعد للتعامل مع النص السيري، وهو فصل حقيق بالمدارسة والاستيعاب، فقد بذل فيه كاتبه جهداً فكرياً وبحثياً واستقرائياً كبيراً.

ويفرق الباحث بين تاريخ صدر الإسلام وبين بقية التاريخ الإسلامي في نسبة الإخضاع لمنهج المحدثين، كما يفرق بين مرويات السيرة النبوية ذاته، فيرى أن الروايات الضعيفة من الناحية الحديثية ـ وليس الموضوعة ـ ينبغي ألا تستبعد بل تنبغي الإفادة منها في الموضوعات التي لا تتعلق بالعقيدة والشريعة.

ذلك بأن النص السيري في كتب الحديث لا يأخذ الطبيعة القصصية فيحتاج إلى ملء فراغاته حتى تكتمل الرواية بما لا يعود على أصلها بالتزوير أو الاختلاق.

وهناك رأي قريب من هذا للأستاذ فريد الأنصاري رحمه الله ـ ولعله إعادة صياغة لرأي العمري ـ  يرى أننا حين نتعامل مع التاريخ بطرق أهل الحديث سنسقط الجانب الاجتماعي للتاريخ، فالرواية التاريخية تحمل في النهاية تجربة مجتمع، وإنما المطلوب أن نصحح من السيرة ما تعلق بترجيح رأي فقهي أو سياسي وما عدا ذلك نتركه في حيز علم السيرة، بمعنى أن يكون منهج  أهل الحديث حاضرا كأداة للتعامل مع السيرة لا أن نخضعها له.

وقد استطاع أكرم ضياء بتطبيق منهجه هذا  تخليص السيرة النبوية من روايات وأخبار استقرت في المخيال العربي عبر قرون عديدة، كقصة بحيرا الراهب التي أثبت عدم صحتها مستخدما لذلك طريق نقد السند ونقد المتن.

ويشير أكرم ضياء إلى أن نقد الروايات من خلال مساءلة المتن، ليس ابتكارا في مناهج تفسير التاريخ الغربية بل كانت حاضرة في العصر الأول، لكنها لم تتبلور منها رؤية منهجية واضحة ولم تقنن قبل محاولات بن خلدون في القرن الثامن.

لكن جهود ابن خلدون في نقد الروايات التاريخية وتمحيصها لم تجد من ينهض بها بعده، وأظن أن سبب ذلك هو خلطنا بين المقدس وغيره، أو ما سماه الشنقيطي الخلط بين الوحي والتاريخ، الذي جعل وضع الخبر التاريخي أمام سؤال النقد إحدى الكبائر، فحال بيننا ـ وما زال يحول ـ وبين قراءة تاريخنا قراءة نقدية ترمم الحاضر وترشد إلى المستقبل.

لقد رفض ابن حزم في القرن الخامس الرقم الذي ذكرته المصادر الكثيرة عن عدد جند المسلمين في غزوة أحد بناء على محاكمة المتن وفق أقيسة عقلية بحتة، وقدم موسى بن عقبة غزوة بني المصطلق إلى السنة الرابعة مخالفا معظم كتاب السيرة الذين يجعلونها في السنة السادسة، وتابعه ابن القيم والذهبي بناء على نقد المتن، حيث اشترك سعد بن معاذ بالغزوة وقد استشهد في أعقاب غزوة بني قريظة.

وقد قال العراقي في ألفية الحديث:

وليسمع السامع أن السيرا         تجمع ما صح وما قد أنكرا

لكن هذا الإحساس بضعف بعض مرويات السيرة لم يمنع من تسرب كثير من الروايات المختلقة إليها، كما لم يدفع الأقدمين لوضع علم منهجي يغربل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بالتأسي به والاقتداء بهديه وسنته.

كما رأى الباحث أن البحوث العلمية المعاصرة التي كتبت حول السيرة النبوية قد ركزت على رد شبهات المستشرقين، فيما يرى ـ غير مقلِّلٍ من شأن تلك الدراسات ـ أن الاهتمام التاريخي ينبغي أن ينصب على إعادة البناء بدلا من رد الشبهات.

ويقدم الباحث ما يراه ملامح التصور الإسلامي للتفسير التاريخي في رأيه، ويطرح ضمنها قضية مركزية تتعلق بكيف يلزم أن يقوم المؤرخ المسلم الحقب التاريخية وكيف يحكم على الحضارات والمدنيات، فيرى أن المؤرخ المسلم لا يحكم على المستوى الذي تبلغه أي حضارة من خلال منجزاته المادية فقط، وإنما ينظر إلى القيم الروحية والخلقية، فالحضارة السامية في نظر المسلم هي التي تهيء الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية والمادية الملائمة لتوجه الإنسان نحو توحيد الله وإفراده بالعبودية والتزام تعاليمه في كل ألوان النشاط الذي يمارسه.

والملمح الثاني هو رفض منطق التبرير كأساس لتفسير تاريخ صدر الإسلام، ذلك أن هذا المنطق ـ حسب الكاتب ـ أثر للقهر النفسي والفكري الذي أحدثه الغزو الفكر لعقول الأمة الإسلامية، كما فعل بعض الكتاب المعاصرين حين كلامه على الجهاد في الإسلام وحركة الفتوح الإسلامية واعتبارها دفاعا عن حدود شبه الجزيرة العربية أمام تحركات الفرس والروم، وأن الغزوات كانت دفاعا عن دولة المدينة.

إنها صرخة عالم بالتاريخ الإسلامي أعلنها منذ عقود، لكن عالمنا العربي لا يحتفي بالأفكار الكبيرة، فكتاب العمري بقي بين الرفوف يطلع عليه الخاصة دون أن يأخذ مكانه اللائق بين الكتب مؤثرة في حركة التاريخ والتي لا تظهر إلا كل قرن.

-ورد في الأثر عن  التابعي الكبير عبد الله بن المبارك أنَّه قال: (الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)، بهذا القاعدة الذهبية صان العلماء والمحدّثون تراث أمتهم الزاخر من الأقوال الدخيلة والأخبار الواهية والأحداث المغرضة التي بثّها أو نقلها ضعاف القلوب أو بعض الحاقدين والماكرين المتربصين بهذا الدين العظيم ومصادره وينابيعه الصافية.

ومن العلوم التي تعرّضت لمثل هذه الدَّسائس والمكائد، علم السيرة النبوية الشريفة، حيث حوت بطون الكتب والمصنفات العديد من الأخبار والأحاديث الضعيفة والموضوعة.

ولقد هيَّأ  المولى تبارك وتعالى لهذا العلم الشريف علماء ومحقّقين ينفون عنه تحريف الغلاة وانتحال أهل الباطل، ومن كتب  السيرة النبوية الحديثة التي تناولت الصَّحيح من أحداثها ومجرياتها وما ثبت بالأسانيد الصحيحة عن الثقاة أهل الضبط والعدل، منها كتاب ((صحيح السيرة النبوية)) للدكتور أكرم ضياء العمري، الذي يعدُّ محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية وإسهاماً كبيراً في إعادة صياغة ما أسماه ((التصوّر الإسلامي)) في تفسير الأحداث التي شهدها العالم الإسلامي منذ صدر الإسلام وحتى يومنا هذا . 

وهو الكتاب الذي نتناوله في هذه الزاوية بالتعريف والبيان.

مع كتب السيرة النبوية :

من العلماء الذين اشتهروا بكتابة السير والمغازي نذكرهم حسب الترتيب الزمني : أبان بن عثمان بن عفان ( ت 101 - 105 هـ ). وعروة بن الزبير بن العوام ( ت 94 هـ). وعامر بن شراحيل الشعبي (ت 103 هـ ) له كتاب المغازي . و محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( ت 124 هـ). وشرحبيل بن سعد المدني ( ت 123 هـ ) قال ابن عيينة :  (لم يكن أعلم بالمغازي والبدريين منه).  وموسى بن عقبة ( ت 140 هـ )، قال الإمام الشافعي : (ليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة مع صغره وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره) . و محمد بن إسحاق ( ت 150 - 151 هـ ) وهو إمام المغازي، ومعمر بن راشد ( ت 150 - 153 هـ ).  ومحمد بن عمر الواقدي ( ت 207 هـ) وغيرهم كثير.

ومن الكتب القيّمة والتي تعدّ مرجعاً للباحثين والدارسين للسيرة النبوية نذكر منها: السيرة النبوية لابن هشام المتوفى سنة 213هـ، وشرحه ((الرَّوض الأُنف)) للسهيلي، والسيرة النبوية لابن كثير، والرَّحيق المختوم للمباركفوي، وغيرهم...

مع الكتاب:

يقول الدكتور العمري في مقدمة كتابه : (إنَّ  هذه الدِّراسة التي أقدم لها لا تمثل طموحي ، ولكنها محاولة للإفادة من منهج المحدثين في نقد الرّواية التاريخية ، ويظهر فيها التركيز على نقد الأسانيد والرواة إلى جانب نقد المتن، وخاصة في عملية الانتقاء من مجموع الروايات الضخمة التي دونها القدامى في السيرة، إذ أنَّ الاعتماد على الرِّوايات التي صحَّحها النقاد القدامى أحياناً، أو الإفادة من منهجهم في تصحيح أو تضعيف ما لم يحكموا عليه من الرِّوايات ، هو أهم ما تهدف إليه هذه الدِّراسة ، لينال البحث ثقة القارئ ، وليعطي أصدق صورة عن السيرة).

إنَّ  هذه الدِّراسة التي أقدم لها لا تمثل طموحي ، ولكنها محاولة للإفادة من منهج المحدثين في نقد الرّواية التاريخية ، ويظهر فيها التركيز على نقد الأسانيد والرواة إلى جانب نقد المتن

ويوضح منهجه في انتقاء ونقد الأخبار والرِّوايات بقوله : (ويلاحظ الاهتمام في هذه الدراسة بنقل الخبر عن شاهد عيان مشارك بالحادثة، وهو منهج في الدراسات التاريخية المعاصرة ، كما أنَّه معتبر في الدراسات الحديثية في القرون الهجرية الأولى، ونلحظ أنَّ الإمام البخاري في صحيحه كثيرًا ما يختار الرواية من طريق الصحابي المشارك بالحادثة ، كما فعل في نقل قصة الإفك عن عائشة رضي الله عنها ، وسبب نزول سورة المنافقين عن زيد ابن أرقم ، وسبب نزول سورة الجمعة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وقصة نزول سورة التحريم عن عائشة، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة. فشاهد العيان أدق رواية؛ إذ تشترك الحواس العديدة من العين والسمع واللمس في ضبط الخبر ... وهذا أقوى من النقل بواسطة السمع فقط، كما يحدث عندما يغيب عن الرِّواية شاهد العيان) .

الكتاب مطبوع عدَّة طبعات في أكثر من دول عربية، ولا غنى للأسرة المسلمة عن اقتنائه واتخاذه مرجعاً في دراسة السيرة النبوية.

المراجع والمصادر :

1-كتاب شخصيات موصلية – إبراهيم العلاف .

2-ومدونة الدكتور إبراهيم العلاف.

3-موقع إسلام أون لاين.

4-جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية .

5-كتابه السيرة النبوية الصحيحة – المقدمة .

وسوم: العدد 723