محمد قطب

د. صلاح الدين الخالدي

د. صلاح الدين الخالدي

بقي "سيد" هو الولد الوحيد لأمه ما يزيد على ثلاثة عشر عاماً. إلى أن ولد شقيقه "محمد" وكانت ولادته في شهر "أبريل" – نيسان – عام 1919م(1).

وبعدما أكمل "محمد" الدراسة الثانوية، كان يرغب في الالتحاق بكلية الآداب، لدراسة اللغة العربية وآدابها، ولكنه التحق بقسم اللغة الإنجليزية، بناءً على رغبة شقيقه "سيد"(2)، حيث تخرج من كلية الآداب بجامعة القاهرة، حاملاً شهادة "الليسانس" مع دبلوم في التربية وعلم النفس.

والتحق بوظيفة في وزارة التربية والتعليم.

نصيب محمد من المحنة

وقع على "محمد" قسطٌ كبيرٌ من المحنة والابتلاء، حيث أدخل سجون الطغاة مرتين:

الأولى: عام 1954م مع آلاف المعتقلين من الإخوان المسلمين، ولكنه لم يصدر عليه حكمٌ، فبقي موقوفاً سنواتٍ عديدة، ثم أفرج عنه.

الثانية: وهي الأكثر ألماً ومشقةً وعذاباً، وذلك عام 1965م، إذ كان أول من اعتقل في تلك الأحداث. وكان اعتقاله يوم 2/8/1965م، ثم قدم شقيقه "سيد" رسالة احتجاج، للمباحث العامة المصرية – وللضابط أحمد راسخ على وجه الخصوص – على اعتقال "محمد" وعدم معرفتهم بمكانه. وقال لهم: إن الشرطة البريطانية لما اعتقلت المفكر الإنجليزي "برتراند رسل" أخبرت أهله بمكانه، و"رسل" مفكر، و"محمد" مفكر. فردوا على رسالته باعتقاله أيضاً بعد سبعة أيام(3).

وقد عذب "محمد" في السجن تعذيباً رهيباً، حتى أشيع أنه قتل تحت التعذيب، ولما عرف الناس أن الأمر إشاعة، وأنه حي في سجنه، أطلقوا عليه لقب "الشهيد الحي" من باب التندر.

ولم يحاكم "محمد" ولم يصدر عليه حكم، ولكنه بقي موقوفاً في السجن حوالي سبع سنوات. إلى أن أفرج عنه في مطلع "السبعينيات".

"محمد" مدرس في الجامعة السعودية

بعد الإفراج عن "محمد" تعاقدت معه جامعة الملك عبد العزيز فرع مكة المكرمة – جامعة أم القرى حالياً – فعمل مدرساً فيها منذ عام 1972م وحتى الآن.

وقد تزوج "محمد" بعد الإفراج عنه، وبعدما جاوز الخمسين من عمره. وله عدة أولاد، أكبرهم "أسامة".
محمد تتلمذ على شقيقه

تتلمذ "سيد" أدبياً على عباس العقاد، بينما تتلمذ "محمد" على الكاتب الساخر "إبراهيم عبد القادر المازني" من حيث الأدب، حيث كان أحب إليه من باقي الأدباء المعاصرين(4).

والأستاذ الحقيقي لمحمد هو شقيقه سيد، حيث ترك لمساته واضحة على شخصيته.

وقد أهدى محمد أول مؤلف مطبوع – وهو كتاب "سخريات صغيرة" – إلى شقيقه سيد، ومما جاء في الإهداء قوله: "إلى أخي الذي علمني كيف أقرأ، وكيف أكتب، وحباني برعايته، منذ طفولتي، فكان لي والداً وأخاً وصديقاً. إليه أهدي هذا الكتاب لعلي أستطيع أن أفي بشيء من الدين العظيم"(5).

كما نظم محمد في شبابه الشعر، ونشر كثيراً من قصائده في "الرسالة" و"الثقافة" أيضاً. وقد توقف عن نظم الشعر بعد ذلك.

ثم اتجه محمد نحو الفكر الإسلامي، وراح يعد أبحاثاً وكتباً إسلامية، وقد أصدر عدداً من الكتب الإسلامية الهادفة الرصينة:

1- الإنسان بين المادية والإسلام. وهو أول كتاب إسلامي له، نشره عام 1951م، وقد اعتبره الأصل لعدد من كتبه الإسلامية التي تلته.

2- شبهات حول الإسلام.

3- في النفس والمجتمع.

4- قبسات من الرسول.

5- معركة التقاليد.

6- منهج التربية الإسلامية: الجزء الأول.

7- منهج الفن الإسلامي.
8- التطور والثبات في حياة البشرية.

9- دراسات في النفس الإنسانية.

10- جاهلية القرن العشرين.

11- هل نحن مسلمون؟

وبعد الإفراج عنه، واستقراره في الجامعة أصدر عدداً من الكتب الإسلامية، وهي من أنضج كتبه وهي:

1- دراسات قرآنية.

2- منهج التربية الإسلامية، الجزء الثاني.

3- واقعنا المعاصر.

4- مفاهيم ينبغي أن تصحح.

5- مذاهب فكرية معاصرة.

كما أنه أعلن عن بحوث أخرى تحت الإعداد، منها:

المستشرقون والإسلام.

كيف نكتب التاريخ الإسلامي.
ويعتبر الأستاذ محمد قطب الآن في طليعة الدعاة الإسلاميين، والمفكرين الحركيين. وقد شارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية، داخل البلاد الإسلامية وخارجها، وقدم العديد من الأبحاث الإسلامية، وألقى الكثير من المحاضرات الإسلامية القيمة.

بصيرة لسيد في شقيقه محمد

لسيد بصيرة نافذة في شقيقه محمد، حيث كان يعده ليخلفه من بعده، وعندما نشر ديوانه "الشاطئ المجهول" أهداه لشقيقه محمد، ومما جاء في إهدائه قوله:

أخي ذلك اللفظ الذي في حروفه=رموزٌ وألغازٌ لشتى العواطف

أخي ذلك اللحن الذي في رنينه=ترانيم إخلاص، وريا تآلف

أخي أنت نفسي حينما أنت صورةً=لآمالي القصوى التي لم تشارف

تمنيت ما أعيا المقادير، إنما=وجدتك رمزاً للأماني الصوادف

فأنت عزائي في حياةٍ قصيرة=وأنت امتدادي في الحياة وخالفي

تخذتك لي ابناً، ثم خدناً، فيا ترى=أعيش لألقى منك إحساس عاطف(6).

وقد تحققت أمنية سيد في شقيقه، فمد الله في عمره، وخلف "سيداً" واعتبر امتداداً له في حياته، وخالفاً في آرائه وأفكاره.

* من كتاب: (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد).

(1) أخبرني بهذا الأستاذ محمد قطب.

(2) مقدمة "سخريات صغيرة" لمحمد قطب. 4

(3) الموتى يتكلمون لسامي جوهر: 120 – 121.

(4) مقدمة "سخريات صغيرة" لمحمد قطب: 5

(5) المرجع السابق: 3.

(6) ديوان "الشاطئ المجهول": 2.