الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو في الصحافة التونسية

الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو

في الصحافة التونسية

أ.د مولود عويمر

لم أجد فيما وصلني من بحوث ودراسات حول الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو ما يشير إلى أنه نشر مقالات في الصحافة التونسية. ولم اقتنع بما قرأت. وتساءلت مرارا في قرارة نفسي: كيف لهذا القلم السيال الذي كتب في مجلة "المنهل" السعودية ومجلة "الرابطة العربية" المصرية وجريدة "البصائر" الجزائرية وجريدة "الشعلة" القسنطينية ألا يكتب في الجرائد التونسية المجاورة التي كانت تعج آنذاك بأسماء جزائرية لامعة وأخرى واعدة؟

كتاباته في الصحافة التونسية

وكم كانت فرحتي كبيرة حينما عثرت خلال رحلة علمية على ثلاثة مقالات لأحمد رضا حوحو منشورة في جرائد تونسية. ولا شك أن عددها أكثر من ذلك، وهي تحتاج إلى من ينفض عنها الغبار.

نشر الأستاذ أحمد رضا حوحو المقالة الأولى في عام 1946 في مجلة "الثريا" لصاحبها نور الدين بن محمود. وهو مثقف تونسي معروف تربطه علاقة قوية بالجزائر التي زارها، وكتب عنها في جريدته "الأسبوع".

كما أن له أيضا صلة متينة بالمثقفين الجزائريين خاصة الذين ساهموا كثيرا في هذه الجريدة أمثال: مفدي زكريا، حمزة بوكوشة، علي مرحوم، محمد صالح رمضان، عبد الرحمان شيبان، محمد الأخضر السائحي، إسماعيل العربي، الحبيب بناسي، أبو القاسم سعد الله...الخ.

وتعتبر مجلة "الثريا" من أرقى المجلات التي كانت تصدر في العالم العربي آنذاك. وكانت تشبه في شكلها مجلة "الفتح" لصاحبها محب الدين الخطيب أو مجلة "الرسالة" لأحمد حسن الزيات.

وكانت النخبة التونسية تتنافس على النشر في "الثريا" مقالات أكثر رصانة وجدية مما تعوّدت على نشره في الصحف اليومية أو الأسبوعية خاصة في مجال البحث التاريخي والإنتاج الأدبي. وكان من أبرز أقلامها: محمد الفاضل بن عاشور وعثمان الكعاك ومحمد صالح المهيدي...الخ

كما اشتهرت في الأربعينيات مجلة تونسية أخرى، وهي "المباحث" التي كان يشرف عليها محمود المسعدي. (الجابري، نشاط...،  ص 325). وتواصل معها العديد من المثقفين الجزائريين، وكتبوا في صفحاتها أمثال: عمر راسم ومصطفى الأشرف وعبد الله شريط...الخ.

نشر حوحو مقاله المعنون " الأدب الحيّ.. بين أدب القصة وأدب المقالة" في العدد الثاني عشر الصادر في عام 1946 في صفحة واحدة ونصف (24-25). والجدير بالذكر أن هذا المقال هو اختصار لمقال طويل سبق له أن نشره في مجلة "المنهل" السعودية في سنة 1939، ثم حيّنه بإضافة أفكار جديدة، كالمفاضلة بين الأديبين توفيق الحكيم ومحمود تيمور سنعود لها لاحقا.

بعد مقدمة تاريخية عن القصة التي ظهرت في نظره مع الأدب الروماني واليوناني، عالج حوحو أسباب انتشار الرواية المسرحية بالنسبة إلى غيرها من أنواع القصص. وقد لخصها في سببين أساسيين، وهما: قلة القراء وانتشار الأمية من جهة، والعامل النفسي المتمثل في ميل الإنسان إلى تصوير المشاهد وبساطة اللغة وسهولة التعابير من جهة أخرى. ثم عرج على المقالة وبيّن قلة قرائها ومحدودية تأثيرها.

وقال حوحو في هذا الشأن: " ومهما يكن من أمر فإن أدب القصة أهم من أدب المقالة وأكثر قراء وأعظم نفعا وأشد تأثيرا واصدق تصويرا منه." ثم يدعو إلى الكتابة في القصص الشعري عوضا من نظم للقصيدة.

وتناول أيضاً تطوّر القصة في العالم العربي متوقفا عند اسمين لامعين مختلفين، الأول هو توفيق الحكيم الذي يعتبره صاحب نزعة عالمية يتناول في قصته الإنسان بغض النظر عن انتماءاته.

أما الثاني فهو محمود تيمور ذو نزعة إقليمية صرفة والذي لا يكتب إلا عن عالمه المحدود. وهذا الانحياز إلى الكاتب الأول يتجلى بعد ذلك في كتابات حوحو وخاصة في كتابه "مع حمار الحكيم".

ودعا الأستاذ أحمد رضا حوحو في الأخير الكتاب الجزائريين إلى الاهتمام بالقصة والاعتناء بالمسرح في الجزائر.

وقد امتثل هو شخصيا لهذه الدعوة لما أسس جمعية مسرحية موسيقية في 27 أكتوبر 1949 باسم "المزهر القسنطيني"، والتي قدمت عروضا مسرحية ناجحة في الجزائر وخارجها.

وقد درس هذا الجانب بشيء من التفصيل الدكتور أحمد منور في كتابه النفيس: "مسرح الفرجة والنضال في الجزائر"، والباحثة نجية طهاري في رسالتها الجامعية: "بناء الشخصية في مسرح أحمد رضا حوحو."

وكتب حوحو مقاله الثاني في جريدة "الأسبوع" في نهاية شهر أوت 1948 عنوانه: "جمعية العلماء في مرحلتها الثانية أو بين الهدم والبناء". وتوقف الكاتب عند أهم محطات هذه الجمعية الإصلاحية مبرزا ما تعرضت له من مضايقات وما عانته من معوّقات في طريق التبصير والتنوير.

وقد حرص الأستاذ حوحو على الكتابة عن هذه الجمعية الجزائرية في جريدة تونسية معروفة لإحياء ذكراها بعد أن فرضت عليها أحداث الحرب العالمية الثانية وما ترتب عليها من تداعيات سياسية واجتماعية على الركود وتقليص نشاطها الإصلاحي. ولم تستأنف نشاطها بشكل واسع إلا في عام 1947. فكأن حوحو يعلن عبر مقاله عن ميلادها الجديد.

إنه اعتراف بالجميل للجمعية التي احتضنته بعد عودته من الحجاز في عام 1946، فعيّنته مديرا لبعض مدارسها في قسنطينة وشلغوم العيد، ثم عيّنته كاتبا عاما لمعهد عبد الحميد بن باديس، و نشرت كذلك مقالاته في جريدتها الرسمية: "البصائر".

ونتساءل هنا لماذا لم تعد نشره جريدة "البصائر" التي استأنفت صدورها مجددا في جويلية 1947 برئاسة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي؟

وواصل أحمد رضا حوحو تعاونه مع جريدة "الأسبوع"، فنشر في أكتوبر ونوفمبر 1953 مقالا طويلا في خمس حلقات قدم من خلالها قراءة نقدية لكتاب "الشابي حياته شعره" لصاحبه أبي القاسم كرو. ولقي التقريظ حظا كبيرا عند المؤلف الذي سيحتفظ بهذه الذكرى، وينشر كتاب "نماذج بشرية" لحوحو في عام 1955 في إطار سلسلة "كتاب البعث" التي كان يشرف عليها هذا الكاتب التونسي.

كما نشر بعده المثقف الجزائري الحبيب بناسي مقالا في العدد الخاص الذي أصدرته الجريدة نفسها عبّر من خلاله عن نظرته في فلسفة هذا الشاعر التونسي الشهير، وشّبهه بأبي العلاء المعري ونيتشه ذلك لأنه " رفع لواء التفكير والحرية في التعبير والاستقلال في الرأي."

وبقيّ الشابي محل إعجاب كتاب الجزائر وموضع تقديرهم، ومصدر إلهام لشعرائها، فقد كان له الفضل في رفع الشعر التونسي إلى مستوى العالمية. (الشيخ الحفناوي هالي، البصائر، العدد 311، 25 مارس 1955، ص 6).

كتابات عن حوحو في الصحافة التونسية

لا شك أن نشاط الأستاذ حوحو الأدبي والصحفي والمسرحي قد تجاوز حدود الجزائر، خاصة وأن بعض كتبه الشهيرة صدرت في المطابع التونسية مثل "غادة أم القرى" التي طبعت في عام 1947 بمطبعة التليلي، وكذلك آخر أعماله المطبوعة في حياته، وهو كتاب "نماذج بشرية" الصادر في عام 1955. (البصائر، العدد 343، 2 ديسمبر 1955، ص 2).

وقد نال هذا الكتاب قبولا حسنا لدى القراء والنقاد، ودفع الباحثين إلى تتويج مؤلفه رائدا للقصة القصيرة العربية في الجزائر؛ ذلك أنه كان سباقا إلى " فهم دورها في التأثير على المجتمع بعيدا عن التعبير الأجوف والتصنع".

وأضيف كذلك إلى هذا الرصيد الأدبي، مقالاته الرائعة التي كان ينشرها في "البصائر"، وتصل أصداؤها إلى تونس عن طريق المبادلات بين الجرائد الجزائرية التونسية، وتوزيع الطلبة الجزائريين الزيتونيين لهذه الجريدة الإصلاحية، والعمل الترويجي الذي كان يقوم به متجوّل البصائر في القطر التونسي.

ولاشك أن التونسيين تعرفوا أيضا على روائع الأستاذ حوحو، وأدركوا الظروف الصعبة التي كان يبدع فيها في مجال الأدب والمسرح وهم يطالعون مقالة الشيخ عبد الرحمان شيبان في جريدة "الصباح" التي زيّنت بها صفحاتها في ثلاثة أعداد متتالية.

لقد استطاع الشيخ شيبان الذي عرف الأستاذ حوحو عن قرب، وعاشا معا في رحاب معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، وتعاونا في مجال الصحافة وعالم الثقافة، أن يرسم صورة كاملة ومشرقة عن صديقه، ويكشف للقارئ التونسي جوانب مجهولة في حياة كاتب " مع حمار الحكيم"، ويكشف عن ظروف اعتقاله من طرف جيش الاحتلال الفرنسي ثم اغتياله في نهاية مارس 1956 بطريقة شنيعة.

وتكتمل ملامح هذه الصورة المشرقة لأديبنا الشهيد بقراءة كتابات الباحثين التونسيين حول تراث الأستاذ أحمد رضا حوحو. وهو موضوع جدير بالدراسة في مقالات أخرى بحول الله.