قائد جيش الإنقاذ الجنرال فوزي القاوقجي

clip_image002_a454a.jpg

فوزي القاوقجي ضابط في الجيش السوري وقائد جيش الإنقاذ خلال حرب 1948 ولد في مدينة طرابلس بالدولة العثمانية، درس في المدرسة الحربية في إسطنبول، وتخرج ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني عام 1920. عمل في خدمة الملك فيصل في دمشق وعمل مسئولا عن حراسة قصر الملك بدمشق وفي عهد الانتداب الفرنسي أصبح آمرا لسرية الخيالة في حماة اشترك في الثورات السورية ضد المستعمر الفرنسي واسند إليه قيادة الثورة في منطقة غوطة دمشق، وشارك في المعارك ضد الإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى في العراق 1914وفلسطين 1916. لكن النقطة البارزة في حياته كانت توليه قيادة جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1947 .

ساعد الملك عبد العزيز آل سعود في تشكيل الجيش السعودي عام 1928 ثم انضم إلى الملك فيصل في العراق في عام 1932 ثم قام بتشكيل قوات متطوعة عربية توجه بها إلى فلسطين عام 1936 .

عاش فوزي القاوقجي في دمشق وتميز بشجاعته النادرة وعروبته التي دفعته لخوض المعارك ضد الاستعمار الأوروبي في مجمل المناطق العربية فشارك في الثورات في مناطق مختلفة من سوريا ضد الفرنسيين في العشرينيات وثورة فلسطين 1936 وفي العراق ساهم في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 .

تولى قيادة جيش الإنقاذ في فلسطين عام1947، وجند الكثير من المتطوعين الفلسطينيين بين عامي 1947 و 1948 لقتال المحتلين الإسرائيليين ومن هؤلاء المتطوعين ضباط مشاهير من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية لاحقاً وجيش التحرير الفلسطيني.

قاد القاوقجي عدداً من المعارك ضد الإسرائيليين، أهمها معركة المالكية والهجوم الذي قام به الجيش السوري وقوات لبنانية في حزيران 1948 ضد الإسرائيليين. قدم استقالته بعد اتفاقيات هدنة 1949 بين العرب وإسرائيل. وعاش في دمشق ثم توفى في بيروت عام 1977 .

غير أن مما لا ينبغي إغفاله أن لظروف تلك المرحلة أثر في تشويش الصورة حول فوزي القاوقجي، ففيما ينظر البعض إليه كقائد ومناضل فذ فإن هناك من يرميه بالعمالة للإنكليز، وبأنه كان دسيسة لهم، وعميلاً مزدوجاً حيث كان يتعاون في الظاهر مع الألمان وفي الباطن يتعاون مع الإنكليز، ويرميه هؤلاء بأنه كان يحاول التفريق بين القادة العرب، ومن هؤلاء الدكتور معروف الدواليبي الذي كان يجزم بذلك، ويذكر في هذا السياق محاولة القاوقجي إثارة الفرقة بين رشيد عالي الكيلاني والحاج أمين الحسيني، كما يعزز كلامه بسياق عدد من الوقائع التي تثير - إن صدقت- ظلالاً من الشك في حقيقة كونه مناضلاً صادقاً.

ويعتبر فوزي القاوقجي في الذاكرة الشعبية العربية من أهم المناضلين الابطال في الدفاع عن الدول العربية كافة وعن القضايا العربية يلقى كل التكريم والاحترام كواحد من الابطال في التاريخ العربي الحديث.

ولد فوز الدين القاوقجي المعروف بفوزي بك في مدينة طرابلس السورية عام 1890م من أُسرة عريقة في الوجاهة. تلقى علومه العسكرية في مدرسة استانبول الحربية، وتخرج منها عام 1912م برتبة يوزباشي من صف الفرسان. بعد الحرب العالمية الأولى خدم في صفوف أول جيش عربي نظامي، وأبلى في معركة ميسلون عام 1920م بلاء حسناً حيث عاد ومعه ضباط أسرى من الفرنسيين. في عام 1925م أعلن ثورة حماة التاريخية وهو تحت قناع ضابط من القوات العسكرية التي أحدثتها فرنسا بعد احتلالها سورية، وكان لهذه الثورة الفضل في عدم تمكن الفرنسيين من القضاء على ثورة جبل الدروز وجعلها ثورة عامة تشمل معظم بقاع سورية. قاد القاوقجي الثورة السورية ما يقارب ثلاث سنوات بنجاح وكان آخر من ترك ميدان الثورة عام 1927م. وكان قد حكمت عليه محكمة عسكرية فرنسية غيابياً بالموت، فهرب إلى الحجاز حيث عمل مستشاراً عسكرياً لابن سعود ما بين 1928-1932م ، ويعود إليه الفضل في بناء قوات المملكة العربية السعودية الحديثة. قدم بغداد سنة 1932 ليصبح معلماً للفروسية وأستاذاً لتدريس الطبوغرافيا في الكلية العسكرية في بغداد، وكان يحمل رتبة رئيس خيالة في الجيش العراقي، لكنه لم يقطع صلاته بالحركة القومية العربية، وبحسب مصادر بريطانية، عمل منذ سنة 1934 في وضع الخطط لتنظيم ثورة عسكرية في سورية أو فلسطين، وقابل لهذا الغرض زعماء عرب من كلا البلدين. وتعهد بتجنيد متطوعين وتهريب أسلحة في حال نشوب ثورة في إحداهما.

 كان موقف العراقيين من الثورة الفلسطينية موقفاً إيجابياً حيث تأسست في بغداد "عصبة الدفاع عن فلسطين". في عام 1936 وصل سليم عبد الرحمن من طولكرم الذي فر من المعتقل إلى العراق وانضم إلى العصبة المذكورة، كما أن نادي "المثنى بن حارثة" في بغداد عمل الكثير في الدعاية لصالح عرب فلسطين. في بداية شهر آب عام 1936 وصل المتطوعون العراقيون المئة الأوائل إلى فلسطين وقد قطعوا الطريق من العراق إلى شرق الأردن بالسيارات، وبصورة علنية تقريباً، ولجأوا إلى السر فقط عند عبورهم نهر الأردن، بمساعدة بدو بيسان. في 22 آب وصل فوزي القاوقجي إلى فلسطين وكان أساس نشاطه المتطوعين العراقيين الذين انضم إليهم 60 متطوعاً سورياً تقريباً بقيادة الشيخ محمد الأشمر، وهو من زعماء الثورة السورية، و30 متطوعاً درزياً بقيادة حمد صعب. وأرسلت "الكتلة الوطنية" في دمشق إليه كمية من السلاح، اشتملت على عدة مدافع مضادة للطائرات. في تقرير للوكالة اليهودية مؤرخ في 14/10/1936 ورد أنه وصل إلى فلسطين في الأيام الأخيرة 170 رجلاً من سورية وشرق الأردن بينهم 15 درزياً يقف على رأسهم بشير الزعيم ليسد محل محمود أبو يحيى الدرزي الذي استشهد. كان عدد المتطوعين يزداد باستمرار حتى بلغ مجموعهم 500 مقاتل.

في 28/8/1936 أصدر القاوقجي بلاغاً رسمياً دعا فيه شباب العرب في فلسطين وسورية وشرق الأردن إلى حمل السلاح والالتحاق بالثورة في سبيل إنقاذ فلسطين، وقد وقعه بما يلي: قائد الثورة العربية العام في سورية الجنوبية-فوز الدين القاوقجي. أي أنه اعتبر فلسطين جزءاً من سورية الكبرى وليس كياناً منفصلاً، وهذا بحد ذاته لم يرق للجنة العربية العليا التي رغم الخلافات بين أعضائها كانت تعبر عن طموحات الشعب الفلسطيني. كما أن البلاغ المذكور أعلاه لم يشر إلى اللجنة العربية العليا ولا إلى المفتي ولا إلى الزعامة الفلسطينية مما جعلهم يشعرون بالحرج وعدم الرضى. في 2 أيلول اجتمع القاوقجي إلى رؤساء الفصائل الفلسطينية، وهم: فخري عبد الهادي، عبد الرحيم الحاج محمد، عارف عبد الرازق، الشيخ فرحان السعدي، الشيخ عطية أحمد عوض ومحمد الصالح الذين سلموه إقراراً خطياً بأنه القائد الأعلى للثورة العربية في سورية الجنوبية أي في فلسطين. قام القاوقجي بتقسيم قواته إلى أربع سرايا وهي:

1) السرية السورية بقيادة الشيخ محمد الأشمر (سوري).

2) السرية العراقية بقياد جاسم علي (عراقي).

3) السرية الدرزية بقيادة حمد صعب (درزي سوري).

4) السرية الفلسطينية بقيادة فخري عبد الهادي (فلسطيني).

وقد تقرر أن تكون جميع هذه السرايا تحت قيادة القاوقجي التي أطلق عليها اسم "دار القيادة" وكان مقرها في ضهرة الجمعة بالقرب من بلعا، ولكن هذا المقر كان يتغير من مكان إلى آخر خوفاً من الوشاة. أما أماكن تجمع قوات القاوقجي فهي:

أ) ضهرة الجمعة وهي تلة عالية شمالي قرية بلعا المطلة على منطقة الساحل، وتحيط بها أودية عميقة. وكانت التلة مكسوة بأشجار الزيتون، التي شكلت ساتراً لرجاله من طائرات الاستطلاع البريطانية.

ب) جبل حريش وهو جبل عال في قضاء جنين محاط بقرى كثيرة. ج) قرى صيدا وكفر صور (في قضاء طولكرم) وياصيد الواقعة على قمم مرتفعات طبيعية تطلّ على ما جاورها.

 بحسب تقسيم القاوقجي لقواته تحول قادة الثورة الفلسطينيين إلى مجرد قادة فصائل لا غير الأمر الذي أدى إلى احتكاكات بينهم وبين المتطوعين، ففي تقرير للوكالة اليهودية مؤرخ في 14/10/1936 ورد أن العلاقة بين القاوقجي والشيخ فرحان السعدي وصلت في الفترة الأخيرة إلى حدّ الصدام على الكرامة، فلم يعد الشيخ فرحان نشيطاً في الثورة إذ أوقف عملياته وأخذ يهدد بأنه سيسلم نفسه إلى الحكومة، لكن بتأثير رجال من منطقة جنين عاد في الأيام الأخيرة للعمل في قضاء جنين منفرداً دون أن يكون له أي اتصال بالقاوقجي، ويحيط به حوالي 120 رجلاً من قرى اليامون وسيلة الحارثية ودير أبو ضعيف. وفي نفس التقرير ورد أن هناك احتكاكات بين الفلسطينيين من جهة والسوريين والعراقيين من جهة أخرى حول المؤن والأغذية التي يحصلون عليها، إذ يدعي الفلسطينيون أنهم يحصلون على أصناف رخيصة وغير جيدة بينما يحصل الآخرون على أصناف ذات جودة عالية.

 اعتمد القاوقجي في تموينه وتسليحه على القرى ما أدى إلى زيادة الاحتكاك بينه وبين الفلسطينيين، فقد ورد في التقرير المذكور أعلاه أن القاوقجي فرض على أهالي كفر صور 100 جنيه فلسطيني لشراء أسلحة. وفي تقرير للهاغاناه مؤرّخ في 22/9/1936 ورد أن القاوقجي اختلف مع أهالي قرية دير الغصون حول مبيت رجاله في قريتهم، إذ أصروا على أن يأخذ مؤناً وأغذية خارج القرية كي لا يصيبهم ما أصاب أهالي قرية بلعا الذين شردوا من قريتهم، وقد أحاط القاوقجي بالقرية وضرب ثلاثة من مشايخها ثم انصرف خوفاً من الوشايات، كما أنه طلب من أهالي عتيل تزويده بأغذية ومؤن بقيمة 150 جنيهاً فلسطينياً. لقد تكفلت القرى المجاورة بإعالة جنود القاوقجي، فكانت ترسل إليهم الأطعمة جاهزة مطبوخة، وتلقى من المدن حصصاً من الأرز والقهوة والتبغ، وهدايا من النقود والملابس والحلي. اضطر القاوقجي إلى تخزين كمية كبيرة من المؤن في الجبال خشية أن يمتنع الأهالي عن تقديمها له بسبب ضغط الجيش عليهم.

 بدأ القاوقجي تدريب رجاله وفقاً للأساليب العسكرية، وفرض الانضباط على قادة الفصائل المسلحة، وشكل محكمة عسكرية للثورة لمحاكمة الخونة والجواسيس والوشاة. ولم يكن راضياً عن القوات الموجودة تحت تصرفه، ولو كان الأمر في يده لتجنب الدخول في معركة مع الجيش البريطاني قبل أن يصبح رجاله جاهزين للعمل العسكري المنظم، غير أن الحركة الوطنية كانت بحاجة إلى أعمال ترفع المعنويات في أوساط العرب الذين أصابهم اليأس بعد أشهر الإضراب الطويلة التي بدت بلا نهاية.

 كان هناك في مقر قيادة القاوقجي صحافي سوري نشيط، يدعى منير الريس، كلف بصوغ المنشورات والبلاغات الرسمية التي وصفت فيها قوة القائد الأعلى ورجاله. البلاغات عن المعارك التي خاضها القاوقجي لا تخلو من المبالغة. يبدو أن القاوقجي هو الذي صاغ البلاغ المتعلق بمعركة جبع إذ وجدت نسخه منه بخط يده وتوقيعه بين مخلفاته.

 في 25/10/1936 اضطر القاوقجي تحت ضغط الجيش البريطاني إلى مغادرة فلسطين، أما أسباب فشله فتعزى إلى :

1) اعتماده الكلي، تقريباً، على عناصر غير فلسطينية في إدارة الأمور التنظيمية والتكتيكية، إذ من بين قادة السرايا الأربع التي نظمها كان هناك فلسطيني واحد، فخري عبد الهادي، وهو شخصية غير مرغوبة على الصعيد الشعبي وبين قادة الفصائل المسلحة.

2) ميله إلى المعارضة النشاشيبة، حيث كانت علاقته جيدة مع عائلة إرشيد (صير)، وعائلة عبد الهادي (عرابة) وتجاهله للحسينيين وخاصة المفتي الذي وقف على رأس اللجنة العربية العليا.

3) اعتماده على القرى التي حل بها بما يتعلق بالتموين.

منذ أن استلم القاوقجي القيادة العامة للثورة اتخذت المعارك بين الثوار والجيش البريطاني شكلاً حربياً منظماً، فصارت هناك خطط للهجوم والاستدراج والانسحاب، كما أصبح لدى الثوار مدافع رشاشة وبنادق من قاذفات القنابل وغيرها لإسقاط الطائرات التي كانت تدب الرعب في القلوب26. من أهم المعارك التي خاضها القاوقجي في فلسطين: معركة بلعا الثانية(المنطار) في 3/9/1936، معركة جبع في 24/9/1936، معركة بيت امرين في 29/9/1936، ومعركة كفر صور في 8/10/1936. وعن المعركة الأخيرة يقول القاوقجي: "كنا مرة في قرية الطيبة نلبي دعوة العشاء عند عارف عبد الرازق ليلة 7-8/10/1936، تركنا القرية قبل طلوع الفجر متجهين إلى كفر لاها، وكان المعسكر في كفر صور. تسرب الخبر، مع الأسف، إلى المراكز الإنكليزية، وفي الساعة العاشرة من نهار 8/10 كان رتلان من الدبابات يتقدمان نحو كفر صور، كل رتل مؤلف من خمس دبابات. وكانت سرايانا تحرس وادي الطيبة الذي تتقدم فيه الدبابات، ووادي البراق الذي يقع في نهاية الطريق العام بين قلقيلية وطولكرم. أنذر خفراء السرايا المراكز الخلفية، فأخبرتنا هذه بأمر الدبابات، فأرسلنا حالاً تقوية للسرايا. أطلقت الدبابات، بعد أن أحست بوجود رجالنا طلقات الرشاشات، وفوجئت عندما لم يتحرك أحد من مكانه أو ينسحب، بل أخذ الثوار يطلقون النيران عليها. وكانت السرايا في الحقيقة منظمة على شكل يحيط بالواديين. أعجبني الموقف، لصرفنا العتاد بدون ثمرة، من جهة، ولخوفي من ظهور قوات إنكليزية من أحد أطراف المعسكر تفاجئنا ونحن مشغولون بالدبابات، من جهة أخرى. فأمرت المفارز بالدفاع وانتظار التعليمات، واتجهت بما لديّ من قوة لرصد وسد الوديان، والطرق المؤدية إلى معسكرنا من الغرب، فلم نتبين أحداً. فعمدت إلى تجربة خطيرة، أختبر فيها صمود رجالنا وقدرتهم على قتال الدبابات، فأرسلت مفارز مختلطة من الفلسطينيين والعراقيين والدروز والشاميين يقدر عددهم بستين، إلى القمم المشرفة على الوادي، وانحدرت هذه المفارز من جهات مختلفة صوب الدبابات التي بهت رجالها، فأخذوا يطلقون النار بدون وعي، بينما ينقض الثوار على الدبابات كالنسور، فتعطل بعضها وقتل من فيها، وظل بعضها الآخر قابعاً في مكانه. ووصلت الطائرات لنجدة الدبابات فرمتها مفارزنا. ثم عادت المفارز إلى مراكزنا في التاسعة ليلاً، بعد أن خاضت معركة من أعظم المعارك ونالت أعظم نصر. ارتفعت بعده معنويات الثوار حتى أصبحوا يسخرون من الدبابة بعد أن كانت البعبع الذي يبعث الموت. وهذا ما أيده مخبر جريدة الديلي تلغراف في وصفه للمعركة كما أخذه من أفواه ضباط الدبابات أنفسهم".

وسوم: العدد 752