تأملات في القران الكريم ح371، سورة الاحقاف الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{19}

تبين الآية الكريمة (  وَلِكُلٍّ ) , من الفريقين , المؤمنين والكفار , (  دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ) , للمؤمن في الجنة درجات تصاعدية , وللكافر في النار درجات تسافلية , (  وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ) , لكل منهما ما كسب , فيجازى به , (  وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) , لا يظلم منهم احد , كأن ينقص في ثواب المؤمن ويزاد في عذاب الكافر .   

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ{20}

تسلط الآية الكريمة الضوء على الكفار في ذلك الموقف (  وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) , تعرض لهم فيعاينونها ويعرضون عليها , وذلك قبل الدخول , فيقال لهم (  أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ) , قد استوفيتم لذائذكم في الحياة الدنيا , (  وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ) , وتمتعتم بها , فلم يبق لكم منها شيء هنا , (  فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) , الذل والهوان , وقيل هو العطش الشديد , (بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ ) , تكبرتم عن الايمان واستعليتم على الناس او على المؤمنين , (  بِغَيْرِ الْحَقِّ ) , على باطل من امركم , (  وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ) , تخرجون عن طاعة الله تعالى .  

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{21}

تنعطف الآية الكريمة لتذكر (  وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ ) , هود "ع" , (  إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ ) , الاحقاف جمع حقف وهو نوعا من انواع الاراضي الرملية , هو ايضا واد في اليمن سكنه قوم عاد , يمتد من الشقوق الى الاجفر وهي اربعة منازل كما يرى القمي في تفسيره , (  وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ) , قبل هود "ع" وبعده , (  أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ) , كل نذير منهم دعا الى التوحيد , (  إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) , ثم حذرهم وانذرهم وخوفهم من عذاب هائل يوم القيامة او هلاكا في الدنيا بسبب شركهم .   

قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{22}

تروي الآية الكريمة رد قومه عليه "ع" (  قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا ) , لتصرفنا عن عبادتها , (  فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) , من العذاب "عذاب الاستئصال في الدنيا او عذاب الاخرة" , (  إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) , في وعدك .    

قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ{23}

تروي الآية الكريمة رده "ع" (  قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ ) , لا علم لي بحين نزوله , ولا قدرة لي على الاستعجال به , انما علمه وامره الى الله جل جلاله , (  وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ ) , لكني ابلغ ما ارسلت به اداءا لوظيفتي المكلف بها , (  وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) , كون الرسل ارسلوا مبلغين منذرين , ولا قدرة او امكانية لهم على انزال العذاب  فيقدمونه او يأخرونه .    

فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ{24}

تستمر الآية الكريمة (  فَلَمَّا رَأَوْهُ ) , العذاب , (  عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ) , سحابا مقبلا على اوديتهم , (  قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ) , هذه سحابة تأتينا بالمطر , فيرد عليهم الباري عز وجل او هو من كلام هود "ع" (  بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ) , من العذاب , (  رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) , ريح حملت بين جنباتها عذاب شديد الايلام .   

تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ{25}

تستمر الآية الكريمة (  تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ) , تهلك كل شيء تمر عليه من انفس واموال  بإرادته جل وعلا , (  فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ) , هلك السكان "الكفار" ولم يبق الا مساكنهم لا زالت قائمة , (  كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) , بمثل هذا الجزاء "العذاب" نجزي المجرمين غيرهم .   

يقول القمي في تفسيره بهذا الخصوص ( كان نبيهم هود وكانت بلادهم كثيرة الخير خصبة فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى أجدبوا وذهب خيرهم من بلادهم وكان هود يقول لهم ما حكى الله في سورة هود استغفروا ربكم ثم توبوا إليه إلى قوله ولا تتولوا مجرمين فلم يؤمنوا وعتوا فأوحى الله إلى هود أنه يأتيهم العذاب في وقت كذا وكذا بريح فيها عذاب أليم فلما كان ذلك الوقت نظروا إلى سحابة قد أقبلت ففرحوا فقالوا هذا عارض ممطرنا الساعة نمطر فقال لهم هود بل هو ما استعجلتم به إلى قوله بأمر ربها قال فلفظه عام ومعناه خاص لانها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها وإنما دمرت ما لهم كله قال وكل هذه الاخبار من هلاك الامم تخويف وتحذير لامة محمد صلى الله عليه وآله وروي أن هود لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الاحقاف على الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ثم كشفت عنهم واحتملتهم وقذفتهم في البحر ) . 

وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون{26}

تستمر الآية الكريمة محققة (  وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ ) , من القوة والمال يا اهل مكة , (  وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً ) , ليستدلوا بها على وحدة الخالق بسماع الحق وتدبره , والنظر في دلائله , ثم الاستدلال بالفطرة , (  فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ ) , لم ينفعهم كل ذلك , لامتناعهم عن سماع التدبر , وحجبهم البصر عن النظر الى الحقيقة  , فلم تعمل قلوبهم بسبب كثرة اغلفتها , (  إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ) , يكذبون بها , (  وَحَاقَ بِهِم ) , نزل بهم , (  مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ) , من العذاب .  

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{27}

تستمر الآية الكريمة محققة مؤكدة (  وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى ) , ولقد اهلكنا القرى من حولكم يا اهل مكة كقرى قوم لوط وثمود , (  وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ ) , كررناها مرارا , (  لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) , عن كفرهم فيؤمنوا .  

فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ{28}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  فَلَوْلَا ) , هلا , (  نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً ) , نصرهم ومنع عنهم العذاب ما اتخذوا من الهة من دونه جل وعلا يتقربون بهم اليه على حد زعمهم , (  بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ) , بل غابوا عنهم حين نزول العذاب , (  وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ  وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) , كذبهم في اتخاذ الاصنام الهة , صرفهم وابعدهم عن الحق .   

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ{29}

تنعطف الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" مذكرة (  وَإِذْ ) , حين , (  صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ ) , أملناهم اليك , وكانوا من جن نصيبين او جن نينوى على اختلاف الآراء , عددهم يتراوح بين السبعة الى التسعة , (  يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) , مالوا كي يسمعوا القرآن , (  فَلَمَّا حَضَرُوهُ ) , المكان , (  قَالُوا أَنصِتُوا ) , قال بعضهم لبعض اسكتوا لنسمع , (  فَلَمَّا قُضِيَ ) , فرغ من قراءته , (  وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ) , رجعوا  الى قومهم منذرين اياهم بما سمعوا , وكانوا يدينون بدين اليهود .  

قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ{30}

تروي الآية الكريمة على لسان ذينك النفر من الجن مخاطبين قومهم (  قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى ) , قرآن , من بعد كتاب موسى "ع" التوراة , (  مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) , مصادقا مطابقا لما سبقه من الكتب ومنها التوراة  التي يتعبدون بها , (  يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ) , هاديا الى مسار الدين الصحيح , (  وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ) , مرشدا الى طريق لا اعوجاج فيه . 

يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{31}

يستمر خطابهم لقومهم في الآية الكريمة داعين (  يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ) , رسول الله محمد "ص واله" , (  وَآمِنُوا بِهِ ) , صدقوه , يترتب على الايمان به : 

1-    (  يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ ) : بعض ذنوبكم , وهو ما بينكم وبين الله تعالى , اما المظالم فلا تغفر الا بالتراضي مع اصحابها .

2-    (  وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) : ويمنع عنكم عذابا مؤلما معد للكفار . 

وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{32}

يستمر خطابهم لقومهم في الآية الكريمة مضيفين (  وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ ) , ومن يعرض عن اجابته "ص واله" , (  فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ ) , لا يعجز الله تعالى هربا , لا منجى له ولا مهرب من العذاب , (  وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء ) , وليس لمن يعرض عن الداعي من مدافعين وانصار يدفعون عنه العذاب , (  أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) , أولئك الذين لم يستجيبوا في تيه او باطل واضح .

( وكان سبب نزول هذه الاية أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من مكة إلى سوق عكاظ ومعه زيد بن حارثة يدعوا الناس إلى الاسلام فلم يجبه أحد ولم يجد أحدا يقبله ثم رجع إلى مكة فلما بلغ موضعا يقال له وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف الليل فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض أنصتوا يعني اسكتوا فلما قضى أي فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من القراءة ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إلى قوله في ضلال مبين فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله شرائع الاسلام فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن السورة كلها فحكى الله عز وجل قولهم وولى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله منهم وكانوا يعودون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في كل وقت فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام أن يعلمهم ويفقههم فمنهم مؤمنون وكافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس وهم ولد الجان وسئل العالم عليه السلام عن مؤمني الجن أيدخلون الجنة فقال لا ولكن لله خطائر بين الجنة والنار يكون فيها مؤمن الجن وفساق الشيعة ) . "تفسير القمي" .  

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{33}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  أَوَلَمْ يَرَوْا ) , أولم يعلموا منكرو البعث , (  أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) , تقرير , (  وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ ) , ولم يعجزه خلقهن , (  بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) , من خلق السموات والارض من اصغر نقطها فيهما الى اكبر نقطها فيهما على سعتهما دون سابق مثال , أيعجز ان يحيي الموتى ؟ , (  بَلَى ) , انه جل جلاله قادر على ان يحيي الموتى , (  إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) , يقرر النص المبارك انه جل وعلا قادر مقتدر على كل شيء .    

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ{34}

تضيف الآية الكريمة (  وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) , العرض المعاينة وهو قبل الدخول على بعض الآراء , فتقول لهم ملائكة العذاب تقريعا (  أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ ) , أليس هذا العذاب بالحق وقد كذبتم واستهزأتم به في الدنيا , (  قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا ) , أجابوا بالإيجاب واضافوا قسما , (  قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) , فجاءهم الرد ان ذوقوا العذاب بسبب كفركم وتكذيبكم به في الدنيا , هنا هي لحظة الدخول في النار بعد العرض عليها .    

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ{35}

الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" موصية (  فَاصْبِرْ ) , على أذى قومك , (  كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) , أولوا الثبات والجد والعزيمة والصبر على الشدائد من الرسل الذين سبقوك , وهم اصحاب الشرائع وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام اجمعين , (  وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ) , بالعذاب لكفار قريش , (  كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ ) , من العذاب في الاخرة , (  لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ) , لم يلبثوا في الدنيا لظنهم الا ساعة من نهار , وذلك لطوله وشدة الهلع والفزع , (  بَلَاغٌ ) , تبليغ من الله تعالى لكم , (  فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ) , لا يهلك الا القوم الخارجون عن الطاعة .     

( عن الصادق عليه السلام في هذه الاية قال هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليه وآله وعليهم السلام قيل كيف صاروا اولي العزم قال لان نوحا بعث بكتاب وشريعة وكل من جاء بعد نوح عليه السلام وشريعته ومنهاجه حتى جاء إبراهيم عليه السلام بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرابه فكل نبي جاء بعد إبراهيم عليه السلام أخذ بشريعة إبراهيم عليه السلام ومنهاجه وبالصحف حتى جاء موسى بالتوراة وبشريعته ومنهاجه وبعزيمة ترك الصحف فكل نبي جاء بعد موسى عليه السلام أخذ بالتوراة وبشريعته ومنهاجه حتى جاء المسيح عليه السلام بالانجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى عليه السلام ومنهاجه فكل نبي جاء بعد المسيح عليه السلام أخذ بشريعته ومنهاجه حتى جاء محمد صلى الله عليه وآله فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فهؤلاء اولوا العزم من الرسل ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" . 

وسوم: العدد 760