على منهاج النبوة

ويح أمتنا لم تعتبر بما جرى للأمم السابقة من استئصال وإفناء ، ولم تقف عند هَدْيِ رسولِها صلى الله عليه وسلم وعند وعده ، بل نقضت عهدها مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك وعيد تراه اليوم وتعيش مآسيه ، وهاهي أقطارها الإسلامية هجرت الحكمَ بما أنزل الله ، فكان بأس الأمة بين أبنائها شديدا مؤلما ، ففي الحديث : ( ... ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) ابن ماجه .

إن الكفر والظلم والفساد والغلو والغرور والاستكبار والموبقات بشتى صورها وإلى آخر قائمة مسببات الغضب الإلهي من بطر وترف ... قد اقترفها أبناء الأمة ، إضافة إلى مانشهده اليوم من تطاول على ثوابت الإسلام من قِبل أعداء الله ، ومن دعوات باطلة للتزييف والتحريف يحملها الأفاكون الضَّالون أهل العمى الذين راغوا في غفلة من هذه الأمة ، ينسجون خيوط المكر والخداع والوقيعة بالأمة ، فاضطربت أحوال المجتمعات الإسلامية ، ظانين بأنهم في منجى من أقدار الله العلي القدير : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 188/آل عمران . وفي تفسير الإمام الطبري : فلا تظنهم بمنجاة من عذاب الله الذي أعده لأعدائه في الدنيا من الخسف والمسخ والرجف والقتل وما أشبه ذلك من عقاب الله ولا هم ببعيد منه )

وقال : المصائب والمهالك عقوبات تصيب الأمم بسبب ذنوبهم وآثامهم، فالله حكم عدل لا يظلم أحداً، يقول تعالى : ( وَمَا أَصابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ )30/الشورى ، وقال الطبري : يقول تعالى ذكره: وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم فبما كسبت أيديكم ، فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترحتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم، ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم فلا يعاقبكم بها. وصدق الله القائل جلَّ شأنُه : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) 44/ يونس. إننا نقرأ أخبار الأمم السابقة كلَّ يوم في كتاب الله ، ونعلم مصير المستكبرين ، وتلك سُنَّةُ الله في خلقه : ) اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ( 43/فاطر . ولعلها دعوة للاستبصار  وللنظر والاعتبار يقول الله تعالى : ( قل سيروا في الأرض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرِمِينَ ) 42/ الروم .  وإنه قدر الله النافذ في الطغاة والظالمين مهما خُيِّل للناس أنهم في قوة  : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُون  ) 34/ الأعراف . 

أكثر أبناء أمتنا اليوم يشكون أحوالهم ، ويبكون قتلاهم وجرحاهم في مشارق الأرض ومغاربها ، وتضيق صدورهم لِمــا الَــمَّ من النوازل والقوارع ، وقد أثقلت كواهلهم  الملمات الجِسام ، والدواهي العِظام ، ويأتي نداء الوحي على ألسنة الأوفياء الصالحين المخلصين لهذه الأمة : ( سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا ) ، ويُجدد السببُ المخرجَ من هذاالضيق : (ومن يتّقِ اللّهَ، يجعل له مخرجا ... ) ، ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) ، ( قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير ) ، فنحن من أمة لاتعرف اليأس لأن اليأس إذا استحكم فهو بوَّابة الكفر . فلن تستبعد الأمةُ ساعةَ الفرج ، ( قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ) ، ومهماا تنوعت الرزايا وتعددت القوارع فالأمة لن تخشى الفناء لأنها موعودة بالبقاء ، فالخوف من الله وحده ، والخوف من وعيده وحده ، ولا قيمة لوعيد الظالمين والكافرين : (  وقال الذين كفروا، لرسلهم، لنخرجنّكم من أرضنا، أو لتعودُنَّ في ملّتنا، فأوحى إليهم ربّهم لنهلكنّ الظالمين، ولنسكنّنَّكمُ الأرضَ من بعدهم، ذلك لمن خاف مقامي، وخاف وعيد ) ، فالعسر يُطوى بيد رحمة الله بعباده : ( ونريد أن نمنّ على الذين استُضْعِفُوا في الأرض، ونجعلهم أئمّة، ونجعلهم الوارثين، ونمكّن لهم في الأرض ) ، فدعوة المظلوم لاترد ، وكشف السوء عن الأمة آتٍ بمشيئة الله : (أَمَّنْ يجيبُ المضطَّر إذا دعاهُ ويكشف السوء، ويجعلكم خلفاء الأرض ... ) ، والمضطر لايلجأ إلا إلى الله : (  وإذا سألك عبَادي عنّي، فإنّي قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعاني ) وهنا العقدة التي قد يُكابد من أجلها : ( فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي، لعلّهم يرشدون ) ، ومن آمن بالله فلن يخشى أحدا على وجه الأرض ، فالجوع ونقص الأموال ، وهلاك بعض الناس ، ماهي إلا ابتلاء يحمله كفُّ الرجاء : (ولنبلَّونكم بشيءٍ من الخوف، والجوع، ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّر الصابرينَ الّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنَّا للّه وإنّا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون ) . هاهم أعداء الإسلام قد حشدوا قواهم لاستئصاله ، وإفناء أهله ، ولكن للأمة رصيد كبير وثيق من الإيمان والثقة بالله ، فالأمة لن تخشى : (الّذين قال لهم الناسُ، إنّ الناس قد جمعوا لكم، فاخشوهم، فزادهم إيماناً، وقالوا حسبنا اللّه ونعمَ الوكيل، فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ، لم يمسسهم سوء، واتّبعوا رضوان اللّه، واللّه ذو فضل عظيم  ) .  الأمة تشهر سلاحها الفتاك كل آنٍ في وجه المكاره والشدائد والمصائب وهو السيف المصلت المسمى إنا لله وإنا إليه راجعون  : (  ولنبلونَّكُم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا للّه وإنَّا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون ) ، لقد نجَّى الله أنبياءَه الكرام ، ونصر جنده الأخيار الأبرار ، وحادي الأمة على منابر عزِّها يردد قول الحق تبارك وتعالى : ( وكذلك ننجي المؤمنين ) .

إن ماتعاني منه الأمة اليوم لايلزمه الكثير من البحث عن أسباب نكباتها المريعة ، ولا المزيد من الاستقصاء عن كيفية الوصول إلى هذه النتيجة المؤلمة ، فإن لسان  هذه المعاناة أنبأَ بعد التمحيص أن الأمة وهي ترنو إلى أسباب النجاة لابد لها من عودة واعية كريمة إلى منهاج النبوة ، حيث سفينة النجاة التي ترفرف على جنباتها رايات تقوى الله ، التقوى التي توحد القلوب والمشاعر ، وتهذب النفوس وتسمو بها ، فقوة الأمة في وحدة أبنائها ، ونجاح مسيرة المجتمع الفاضل مرهون بصدق الإخاء  حيث التواد والتراحم ، وفي التقوى ــ والعاقبة لأهلها ــ ترجمة أثيرة لقيم الإسلام التي لاتقبل بهذا التناحر والتدابر ، ولا بهذه الاستكانة للعدو الغشوم الذي دخل من أبواب ضعف الأمة ، فالتقوى تدعو إلى طاعة الله سبحانه ، وإلى اتباع هَدْيِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، في وحدة للقلوب والمشاعر : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) 103/ آل عمران ، فالضعف يكون في البعد عن وحدة الصف ، وفي هذا البعد تتلاشى قوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ104 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) 105/ آل عمران . فلا احتكام لدى الطاغوت ، ولا انقياد النفوس للأهواء والموبقات ، فلدى أمتنا الحشد الكبير من العلماء المخلصين والحكماء من أهل العلم والخبرة ، وقد آن للأمة أن تُخرس الأصوات الشَّاذة وتواريها الأرماس المهجورة إلى الأبد  ، فكفى الأمة تشرذما وتسكعا على أبواب دول الكفر الصهيونية والصليبية ، وآن للأمة أن تقف بقوة وثبات في وجه الأفاكين والمنافقين الذين أوهنوا جموع الأمة بالخذلان ، فليس لأمثال هؤلاء من مكان في مواكب نهضة الأمة ، لأن العمل يجب أن يكون خالصا لله ، لا للجاه والمنصب والمال والفساد ، كان الأفاكون يتغنون بازدراء للرجعية ، ويقصدون بها الرجعية إلى عهد النبوة وإلى أيام الانتصارات الباهرات ، وإلى أيام التقدم العلمي في كل المجالات ذات البحث والتنقيب والاختراع ، ألا إن تلك الرجعية لهي الخير العميم ، وهل أسمى من أيام الخلفاء الراشدين ، أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كان يتعهد عجوزا عمياء فقيرة ، وكان يأتيها بالتمر بعد أن ينزع منه النواة ، ويخلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويتم الرعاية بتلك العجوز ، حيث جاءها بالتمر وأخذت تأكل منه ، وإذا بها تقول لعمر : أمات صاحبك ياعمر ؟ قال وما أدراك ؟ قالت : كان يأتيني بالتمر وقد نزع منه النواة ، تشير إلى أن التمر الذي جئت به ياعمر غير منزوع منه النواة ! هل يوجد في الدنيا أسمى وأنقى من تلك الرجعية ؟!

أم أن هؤلاء يريدون الرجعة إلى أبي جهل وعتبة وشيبة وابن خلف ، حيث الضلال والإفساد والضعف والترف والضياع ... ولايريدون الرجوع إلى ديوان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي حيث تلك الرجعية السامقة برؤاها ومعارفها ، وبقدسية سيرة أبنائها الأبرار  ، وغيرتها على مقدساتها وأخلاقها ، وعلى مكانة عزتها وعنفوانها في وجوه الطغاة والظالمين ، إنها الرجعية الجميلة المتفردة بالمودة والإيثار ، وبروح المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين ، الرجعية المتجددة بما وهبها الوحيُ من سمو في شباب أبنائها وشيوخهم ، وفي نسائهم الطاهرات الماجدات العفيفات ، إنه الإسلام الذي صنع هذه الأمة وأوجد لها أسباب العزة والرفعة ، فلن ترضى بالعمالة لعدو ، ولا تقبلَ الذلة في حال من الأحوال : ( كنتم خير أمة أُخرجت للناس ) . نالت أمتنا المجيدة هذه الخيرية يوم صحت من غفلتها أيام الجاهلية الفاسدة ، فتوضأت بأنوار الهداية ، وشمَّرت عن ساعد التغيير الجذري للأعمال والأقوال وللسلوك ، وملأت قلوب أبنائها بالإيمان واليقين بما وعد الله ، وما أرهبتها قوة الفرس ولا هيمنة الروم ، ولا أقعدتها عن ميادين الجهاد شهواتُ الدنيا ، ولذائذ الحياة ، أحبت الموت فوهب الله لها الحياة الكريمة ، فطوت ــ بإذن الله ــ صفحة كسرى إلى الأبد ، ومزقت ملك الروم الاستكباري ، واقتلعت جذور البغي والتسلط على خلق الله ، فأسلم أكثر أهل الأرض ، وسجدوا لله بعد أن كانوا يسجدون للطاغوت في أي صورة تراءى لهم . وبعد أن هانت الأمة وتفرقت كلمتها ، وضعف ساعدها ، وغلبتها أهواؤُها عادت قوى الشر والاستكبار العالمي إلى حصارها ، والاعتداء عليها ، فقتلت الناس ، وهدمت البيوت على رؤوس أهلها ، وشردت الملايين ، بل واستباحت العقول فأفسدت تطلعاتها ، وامتطت أفكارها بمسميات خبيثة مزيفة لاتسمن ولا تغي من جوع ، وما هذه الحشود العسكرية الجرارة ، ولا هذه المؤامرات الماكرة ، ولا هذه الضجة الإعلامية المزيفة  إلا  للقضاء على صحوة الأمة ومجابهة الغليان الذي يفور في الصدور  ، وهنا ينادي المنادي الصريخ الصادق هيا إلى آيات الله البينات : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (45) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحيط (47) الأنفال

إن أعداء الأمة يعلمون أن الإسلام سيعود ــ بل إن مفكريهم ــ يعلمون علم اليقين أن دين الله تبارك وتعالى سيعود يملأ الدنيا عدلا وإخاء ورخاء ، فالإسلام  حيٌّ في القلوب ، ووعد الله بالنصر والتمكين لهذه الأمة آتٍ لامحالة ، وسيعمر الأرض بربيع الشريعة الإسلامية ، فما تخلَّى الأبرار عن قرآنهم المجيد ، ولا نأى الصالحون عن سُنَّةِ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم ، ولن تقبل الأمة ــ وذاك حالُها على مرِّ القرون ــ بغير دينها القويم ، وبغير حبها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، والأمة تؤمن بأن العاقبة لها بمشيئة الله ، فقرآنها يحفظه الله : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ،  فلن يتلاشى نور الإسلام  رغم مايحيط به من ظلمات الجاهلية الحمقاء العمياء ، فقد خلط أعداء الإسلام  ضلالاتهم المخزية بسياساتهم الخرقاء المترهلة ، محاولين طمس الهُوية الإسلامية ، ولكن هيهات ... هيهات فقد انكشف عوارهم ، وبانت مخازيهم ، وردَّ الله مفاسدهم إلى مستنقعات أهوائهم الملوثة بالفجور والسفور والإباحية وبكل المفسدات . إننا مؤمنون بأن النصر والفتح لهذه الأمة مهما طال الطريق ، ومهما كانت النكبات ، فذاك وعد من الله ، وعلى الأمة تحقيق الشرط لتفوز بالنصر والتمكين :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾ 55/ النور . فعبادة الله وحده بشروطها هي مفتاح باب الاستخلاف ، فلن يبقى غير الإسلام ، وتلك مشيئة الله الذي خلق الخلق : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ 9/ الصف  ، وستزول هذه المسميات التي حكمت الناس فأوجعت قلوبهم ، وقادتهم إلى المهالك في الدنيا والآخرة ، وليس هذا من ضرب الخيال ــ كما يقولون ــ ولكنه وعد من الذي لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، إنها لبشارة  ميمونة من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ،ُثمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُون، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ  ) رواه الإمام أحمد.

 

وسوم: العدد 782