كن فارس القرآن

محمّد بن محمّد حرّاث

محمّد بن محمّد حرّاث

نصّ الكلمة التي ألقاها الأستاذ محمد حراث، بمناسبة المسابقة الوطنية لفارس القرآن الجامعي في طبعتها الثالثة، بجامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف:

مارس 2014 .. مسابقة القرآن 2014

***

بسم اللّه الرحمن الرّحيم، الحمد لله وكفى، والصّلاة والسّلام على المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن آثارَهُ اقتفى، أمّا بعد: فالسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلامٌ على وجوه مضيئة، سلام على أنفس بريئة، سلامٌ يمتدّ إلى أكفٍّ متوضّئة، يلامس قلوبا بالقرآن متفيّئة، سلام عليكم جميعا، وجعل الله القرآن لقلوبكم ربيعا، إنّه كان مجيبَ الدّعاءَ سميعا.

ها نحن تارةً بعد تارة، يجمعنا القرآن مرة أخرى، مسابقة راقية، ومنافسة عالية، الكلّ فيها فائز، ولفضلِها حائز.

أيّها الحضور الكرام، إنّ تنظيم مثل هذه المسابقات وما فيها من إكرام، لهو باب عظيمٌ يحثّ على العودة إلى كتاب الله، وباب لتعهّد القرآن، لأمنِه من التّفلّت، وأمِّهِ بالتّثبّتْ.

إنّ التّنافس حول كلام الله، والتّسابق في ترتيله وتجويده، وقراءته وترديده، لمنقبةٌ عظمى، ومكرمةٌ أسمى، ومحمدةٌ مُثلى، ومرتبةٌ أعلى، لا ينالها إلا المخلصون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

اقرؤوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، واحفظوا منه فإنّ الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب، وكونوا به المهرة، فالماهر بالقرآن مع السّفرة، الكرام البررة، وقد أخبرنا سيّد ولد عدنان، أنّ من يقرأ القرآن متعتعا وهو عليه شاقٌّ فله أجران.

إنّ أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته، لا ينال شرف الانتساب إليه إلا الصّادقون، والأنقياء المتّقون، ولا يمسّه إلا المطهّرون. ففيه تنافسوا، وعليه تحارصوا، وبه تواصوا، وبترتيله تغنّوا، وبأحكامه تزيّنوا، وبالعمل به لا تَنوا، وبجماله ترنّموا، وبحدوده التزموا، كي تغنموا، ولا تندموا.

يا حفّاظَ القرآن وقرّاءه، ويا أحبابه وأولياءه، وخُدَّامه ورجاله، وحماته وأبطاله، أبشروا بعناية ربّكم، وشفاعة نبيّكم، ففي الجنّة مقعدكم، وإلى الفردوس مصعدكم، وبرؤية وجهه ربّي يسعدكم.

اهتدى من عرف قدر القرآن، وفاز من عمل بما في القرآن، ونجا من عمل لما في القرآن، ألا إنّه لا محالة حجّة، لك إن أنتَ أحسنتَ، وعليكَ إن أنتَ أسأتَ.

إنّ للقرآن يوم القيامةِ لمقالا، وإنَّ له لشهادةً وسؤالا، فاستشفعوه ولا تستدفعوه، فإنّه يرقى بقارئه المراقي، ويهوي بقاليه المهاوي.

إنّ للقرآن في قلوب الخاشعين فعلا عجبا، اللهُ نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها، مثاني تقشعرّ منه جلودُ الذين يخشون ربهم، ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد.

ولكن هيهات لمن ضاهت قلوبهم حجرا، أن يفهموا الذّكرا، وقال الرّسول يا ربِّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا، ما نزل القرآنُ لنغلّفه في الهدايا، وإنّما كتابٌ أنزلناه إليكَ ليدّبروا آياته، أفلا يتدبّرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

أنتَ يا حامل القرآن، ويا فارس الفرقان، يا من اتّخذتَ القرآن سبيلا، وجعلتَه لك في الطّريق دليلا، جوّد القرآن ورتّله ترتيلا. إنْ رآه غيركم سطورا، فاتّخذوه دستورا، وإنْ ظنُّوه كلاما، فاعتقدوه أحكاما.

لم ير منه غيركم إلا الحروف، فأسندوه إلى الرّفوف، فالعقول عنه قد صَبِئَتْ، والقلوب منه قد صَدَأتْ، ولو إليه لجأتْ، وفي حماه ولجتْ، ودلفَتْ، لنَجَتْ ومَنَعَتْ.

يا أمّةَ القرآن، إنّ في القرآن للعليل شفاء، وننزّل من القرآن ما هو شفاء، وفيه للهالك نجاة، وكذلك ننجي المؤمنين، وفيه للضائع هدى، فيه هدى للمتّقين.

يا أمّة القرآن، ما عزَّ الأوّلون، إلا بما ذُلَّ به الآخِرون، عزّوا حين اتّبعوه، وذُلّوا حين أتْبَعوه، ما رَعَوهُ، ما وَعَوْهُ، دعاهم فدَعُوهُ، فحال بهم إلى حال حائل، فمالوا به ميلةَ زائل، ومالهم عنه في النّجاة من طائل. أفي غيره نرجو النجاة؟ هيهات لعمري هيهاتْ:

"ترجو النّجاةَ ولم تسلك مسالكها * إنّ السّفينة لا تجري على اليَبَسِ"

يا أمّةَ القرآن، هاهي الأمم عليكِ تكالبَت، وبأنيابها كشّرتْ، وفيكِ أظفارَها نَشَبَتْ، فعمّت بجسمك النّدوب، وغَدَا خيرُكِ منهوبْ، وعزّكِ مسلوبْ، ومجدكِ معطوبْ، حينَ شَكَوتِ لغير طبيبِكْ، وأفضَيْتِ لغيرِ حبيبِكْ.

أمّةَ القرآن، إنّ من بنيكِ من يرى في دينه رجعيّة، وفي التزامه بدعيّة، كم من عالمٍ سُفِّه، وكم من ناصحٍ تُفِّه، سألتُ دموعي بكاءً، فسالت دموئي دماءً.

أمّتي، ألا تحنّين إلى الماضي؟ حينَ كنتِ زاخرَةَ الرّياضِ؟ ما لكِ عدتِ خاليةَ الوِفاضِ.

ألا بئستْ أمّةٌ حصلتْ على الخَيْرِيَّةِ، وحازت السَّبقيّة، ونالت الأفضليّة، تنكّرتْ لصانع مجدها ورافعِ قَدْرها، فلن تقوم لها قائمة، ولن تُرفَع لها راية، ولن يُقامَ لها لواء، ولن تُمنح لها شارة، إلا بالعَوْدِ إليه والأوْبِ، ولئن عادت أمّتنا إليه وآدتْ، ورجعت إليه وقفلتْ، وفي حِماه دَلَفَتْ وَوَلَجَتْ، فليعودنَّ مجدُها التّليدْ، وفخرها العتيدْ، ولتقودنَّ الأمَمَ من جديد.

فاحملوا أنتم مشعلها، وقودوا جحفلها، واحْدُوا ركبها، واحموا دربها، ويسّروا صعبها، من لها غيرُكم، ترجو خيرَكم، إنها فخرُكم، فقوموا لها قومة أسد، وافدوها فداء ولد. يا شباب القرآن: هكذا كونوا أو لا تكونوا.

ربّاه كما اجتمعنا بالقرآن، فاجمعنا غدا في الجِنانْ، وخير الختام، عليكم السلام.