تأملات في القران الكريم ح418 سورة القلم الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ{34}

تقرر الآية الكريمة (  إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) , ان للمتقين بالطاعة واجتناب ما نهي عنه جنات نعيم خالص , لا زوال له ولا تنغيص معه .  

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{35}

تستمر الآية الكريمة (  أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ) , على حد سواء في العطاء , ونزلت الآية الكريمة ردا على قول كفار مكة "ان صح ما وعدنا به محمد اننا سوف نبعث , فسوف نكون افضل حالا من المسلمين كما نحن افضل حالا منهم في الدنيا " .   

مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{36}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) , كيف تحكمون هذا الحكم الفاسد , الذي يقضي بمساواة الكافرين والمسلمين في الثواب , وهو اشعارا بانه صادر من اختلال الفكر وسفاهة رأي , وايضا فيه تعجيب واستبعاد له .  

أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ{37}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ ) , سماوي , (  فِيهِ تَدْرُسُونَ ) , تقرؤون , فتجدون به ما تقولون .   

إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ{38}

تستمر الآية الكريمة (  إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ) , تقرر لكم في كتابكم ان لكم فيه ما تشتهون وما تختارون .  

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ{39}

تضيف الآية الكريمة (  أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا ) , ام لكم علينا عهودا موثقة بالأيمان , (  بَالِغَةٌ ) , متناهية التوكيد , (  إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) , ثابتة لكم علينا الى يوم القيامة , (  إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ) , تقرر لكم بموجبها ان لكم ما تحكمون به لأنفسكم , او لكم ما تشتهون .      

سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ{40}

تستمر الآية الكريمة مخاطبة النبي الكريم محمد "ص واله" (  سَلْهُم ) , أسأل الكافرين يا محمد "ص واله" , (  أَيُّهُم بِذَلِكَ ) , أيهم بذلك الحكم او زعمهم ان بعثوا سيكونون افضل حالا من المسلمين , (  زَعِيمٌ ) , كافلا وضامنا .    

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ{41}

تستمر الآية الكريمة (  أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء ) , ام ان عند المشركين شركاء يوافقونهم القول ويكفلونه لهم , ان يكون حالهم حال المؤمنين في الاخرة , (  فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ ) , فليأتوا بأولئك الشركاء , (  إِن كَانُوا صَادِقِينَ ) , دعواهم .   

يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ{42}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) , تعبير مجازي , عن حين اشتداد الهول والفزع يوم القيامة , يقال "كشفت الحرب عن ساقها" اي اشتد اوارها , وايضا هو تعبير لبيان الهرب , حيث تكشف المخدرات عن سوقهن هربا , (  وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) , فمن كان مؤمنا سجد , واما الكفار تكون اجسامهم قالبا واحدا , فلا يتمكنون من السجود . 

خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ{43}

تستمر الآية الكريمة (  خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ ) , منكسرة ذليلة ابصارهم , لا يرفعونها , (  تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) , تغشاهم ذلة شديدة , (  وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) , وقد كانوا في الدنيا يدعون الى السجود "الصلاة" وهم سالمون اصحاء يمكنهم ذلك , فيرفضون استكبارا واستعلاءً , تعظما وتجبرا .    

(  عن الباقر والصادق عليهما السلام إنهما قالا في هذه الاية افحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الابصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والذلة .

عن الرضا عليه السلام قال حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا ويدبح أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" . 

فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ{44}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  فَذَرْنِي ) , دعني ايها الرسول "ص واله" , (  وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ) , القرآن , فانا اكفيكهم , (  سَنَسْتَدْرِجُهُم ) , سندنيهم من العذاب قليلا قليلا , بالإمهال وديمومة الصحة , وتكاثر الاموال والاولاد ... الخ , (  مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) , انه استدراج .   

وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ{45}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَأُمْلِي لَهُمْ ) , امهلهم , (  إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) , شديد , لا يدفع بشيء , وسمي كيدا لأنه بصورته .   

أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ{46}

تستمر الآية الكريمة مخاطبة النبي الكريم محمد "ص واله" (  أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً ) , ام تطلب منهم دفع الاجر اداءً وتبليغاً للرسالة , (  فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ) , فهم من دفع هذه الغرامة يكلفون حملا ثقيلا , فيعرضون عنك ولا يؤمنون .   

أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ{47}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ ) , ام عند هؤلاء الكفار اللوح المحفوظ الذي فيه الغيب , (  فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) , ما يحكمون , فيستغنون به عما لديك من العلم .

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ{48}

تستمر الآية الكريمة (  فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) , ايها الرسول "ص واله" وهو امهالهم وتأخير النصرة عليهم , (  وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) , يونس "ع" , حيث ضجر من قومه , وتعجل نزول العذاب عليهم , (  إِذْ نَادَى ) , ربه وهو في بطن الحوت , (  وَهُوَ مَكْظُومٌ ) , مغموم .    

لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ{49}

تضيف الآية الكريمة (  لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) , لولا ان ادركته رحمة من الله تعالى , او التوفيق للتوبة , (  لَنُبِذَ بِالْعَرَاء ) , لرمي من بطن الحوت الى الارض الخالية من الاشجار , او المكان الذي لا سقف له , (  وَهُوَ مَذْمُومٌ ) , وهو ملام .  

فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ{50}

تستمر الآية الكريمة (  فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ ) , اصطفاه بالنبوة , او برد الوحي اليه "ع" , (  فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) , من الكاملين في الصلاح .   

وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ{51}

تضيف الآية الكريمة مخاطبة النبي الكريم محمد "ص واله" (  وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) , ينظرون اليك نظرا شديدا , قارب ان يصيبوك بالنظرة "العين" , (  لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) , القرآن , او ما ذكرتهم به , او ما ذكرته لهم , (  وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) , ويقولون عنك حسدا "او حسب اهوائهم" انك مجنون .     

( يعني إنهم لشدة عداوتهم وانبعاث بغضهم وعهدهم عند سماع القرآن والدعاء إلى الخير ينظرون إليك شزرا بحيث يكادون يزلون قدمك فيصرعونك من قولهم نظر إلي نظرا يكاد يصرعني أي لو أمكنه بنظره الصرع لفعله ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .    

وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{52}

تختتم الآية الكريمة (  وَمَا هُوَ ) , القرآن , او ما ذكرتهم به , او ما ذكرته لهم , (  إِلَّا ذِكْرٌ ) , موعظة , (  لِّلْعَالَمِينَ ) , أغلب الآراء إن العلمين هما الانس والجن . 

( جاء في الخبر أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين فأسترقي لهم قال نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقه العين .

عن الصادق عليه السلام إنه مر بمسجد الغدير فنظر إلى ميسرة المسجد فقال ذاك موضع قدم رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه ثم نظر إلى الجانب الاخر فقال ذاك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح فلما أن رأوه رافعا يده قال بعضهم لبعض انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون فنزل جبرئيل بهذه الآية ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .    

( لما سمعوا الذكر قال لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بفضل أمير المؤمنين عليه السلام قال وما هو يعني أمير المؤمنين عليه السلام إلا ذكر للعالمين قيل المعنى إنهم يكادون يصيبونك بالعين إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد بعضهم على ان يعينه فنزلت وفي الحديث إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ) . "تفسير القمي" .   

وسوم: العدد 813