الإعراض والنأي بالجانب عند النعم والدعاء العريض عند النقم سوء أدب مع الخالق

الإعراض والنأي بالجانب عند النعم والدعاء العريض عند النقم سوء أدب مع الخالق سبحانه وتعالى  ( حديث  جمعة يسد مسد الخطبة الممنوعة )

مع توالي الأخبار عن اتساع رقعة انتشار وباء " كورونا "  يزداد خوف الناس منه ، ولا يجدون مندوحة عن التوجه بالدعاء العريض إلى الخالق سبحانه وتعالى ليصرفه عنهم . وهذه الحال التي صار الناس عليها قد جاء ذكرها  في محكم التنزيل حيث قال جل شأنه  وهو أصدق القائلين :

(( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض )) .

قال المفسرون لقد نسب الله تعالى الإنعام على الإنسان لذاته المقدسة، لأن الأصل أن النعم مسخرة للإنسان تكريما له ، ولم ينسب جل جلاله الشر لذاته المقدسة ،لأن الشر إنما يلحق الإنسان من سوء تصرفه ، ومن مخالفته لسنن الكون التي وضعها الخالق سبحانه وتعالى لصالحه  . وقيل إنه من التأدب مع رب العزة جل جلاله ألا ينسب له الشر كما جاء في قوله سبحانه وتعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام حيث قال : ((  وإذا مرضت فهو يشفين)) ولم يقل إذا أمرضني  ، أي لم ينسب المرض  لربه سبحانه  وتعالى بينما نسب له الشفاء . وقول الله تعالى : (( وإذا مسه الشر )) يؤكد هذا الذي جاء على لسان خليل الله عليه السلام ، وهو تنزيه  وتقديس له جل شأنه .

وهذه الآية الكريمة تكشف عن طبيعة النفس البشرية التي تتعمد إغفال شكر نعم الله عز وجل و هي التي  تستوجب أن يكون شكرها دائما مستمرا  لكثرتها  ولدوام الإنعام  مصداقا لقول الله تعالى : (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) وما كان لا يحصى فلا حد له ، ولا شكر لما لا حد له .

وكل إنسان في هذه الدنيا مهما يكن  حاله فيها فهو في نعم لا حصر لها ، ومع ذلك يقل منه الشكر بل يغيب تماما  فيعرض بجانبه أي لا يلتفت إلى الشكر تجاهلا  أو تنكرا منه لنعم خالقه . ومعلوم أن شكر النعم لا يقتصر على شكر اللسان كما يظن كثير من الناس بل يكون باستعمال نعم الله عز وجل في طاعته ، لأن أعظم ذنب يرتكبه الإنسان هو نكران نعمه سبحانه وتعالى  من خلال الاستعانة بها على معصيته ، وقد أنعم بها عليها أصلا ليستعين بها على طاعته . ولقد وصف الله تعالى تنكر الإنسان لنعمه سبحانه وهو يستعين بها على المعصبة كأنما هي  تناديه عن يمينه وعن شماله لتذكره بها  وهو يعرض عنها وينأى  بجانبه عن شكرها وذلك باستعمالها في المعصية عوض الطاعة  .

وإذا ما مس الإنسان الشر ، ولا يمسه إلا بسوء تصرف منه، يكثر تضرعه لخالقه ليكشفه عنه . وقد وصف الله تعالى تضرعه بالدعاء العريض ، ووصف الشيء بالعريض دليل على اتساعه ، والاتساع دليل على الكثرة، وكثرة الدعاء  يكون بالإلحاح .

ولقد كان من المفروض أن يكون شكر الإنسان لنعم الله عز وجل  هو العريض  أكثر من دعائه إذا مسه الشر، لأن الشر الذي يمسه لا يبلغ كثرة النعم المنعم بها عليه .

ويجدر بالإنسان المؤمن وقناعته راسخة بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله عز وجل له ، وأنه ما كان  ليغادر هذه الحياة الدنيا إلا بإذن من وهبه الحياة ، و أنه تتساوى جميع الأسباب المؤدية إلى رحيله عنها  إذا حان أجله، وهو الذي لا يؤخر إذا جاء ألا  يخشى إلا خالقه .

ولو أن خوف الناس اليوم  من الله عز وجل  بلغ  ما بلغه خوفهم من هذا الوباء ل لكفاهم شره وهو سبحناه كاشف السوء كما قال جل في علاه : (( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله  قليلا ما تذّكرون ))

وإذا ما استيقن الناس أنه لا إله مع الله عز وجل اطمأنت قلوبهم وزال منها الخوف من كل شيء إلا منه سبحانه وتعالى ، ومن خشيه آمنه من كل خوف مهما كان .

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك ، واصرف عنا كل بلاء لا طاقة لنا به ، وألطف بنا فيما جرت به المقادير . والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وسوم: العدد 866