( أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ )

وجيز التفسير :

وبعد أن ذكر القرآن الكريم وجوه المؤمنين المسفرة ، الضاحكة المستبشرة ، بما نالت من الرضوان والنعيم ثنى بذكر أصحاب الوجوه المربدة فقال : (( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ )) ( عبس )

قالوا الغبرة والغبار ذرات التراب تصعد من أسفل إلى أعلى . والقترة تتلبسهم من أعلى إلى أسفل ، فتضيق عليهم وجودهم ، وترهق أنفاسهم .

ثم وصف الله سبحانه وتعالى هذا الصنف الذي يستحق هذا العذاب من الناس بقوله ((  أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ))

فهؤلاء هم الذين جمعوا إلى الكفر الفجور فكان من أمرهم ما قصه علينا الجبار ..

فقد يكون الإنسان كافرا في قلبه واعتقاده ، غير فاجر في فعله وسلوكه .

وقد يكون الإنسان فاجرا في فعله وسلوكه ، غير معتقد الكفر في قلبه ، فهو يعصي ضعفا ويأسا وغرورا ..

 الصنف الذي يذكره القرآن في هذه الآية هو الذي جمع السوءتين : الكفر والفجور معا . فهم قوم تنطوي قلوبهم على الكفر والجحود ، والعياذ بالله ، وسلكوا في أعمالهم مسلك الفجار في استباحة الدماء والأعراض والأموال . وفي إثارة الفتن ، وفي القذف والبغي والتحريض على الإسلام وأهله . قوم انعقدت قلوبهم على الكفر بالله ، وإنكار وجوده ، وجحود نعمه . وسلكوا في طرقهم مسلك الكبر والبطر والبغي والصد عن سبيل الله ، والتحريض على المسلمين . هؤلاء الكفرة الفجرة هم الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله. هؤلاء الكفرة الفجرة هم الذين يفرحون لتقتيل أطفال المسلمين ، ولانتهاك أعراضهم . هؤلاء الكفرة الفجرة الذين نبأنا الله من أخبارهم ، نراهم اليوم رأي العين ، في وديان الخيانة والعمالة والضلالة والذل والصغار يهيمون ..

ما أعظم هذا القرآن ، وما أدق تعبيره ، وكأننا لو حاولنا أن نتلمس الوجود الحقيقي لهؤلاء الكفرة الفجرة على مر التاريخ لكانت صورهم فيمن يحيط بنا منهم على مر العصور هي الأكثر قتامة وسوادا كفر وحقد ولؤم وكذب وافتراء وخيانة ونذالة وانحطاط . نراهم في صور كل المؤيدين للطغاة المدافعين عن كفرهم وبغيهم وفجورهم بكل ما يصدر عنهم من كفر من وبغي وفجو.

يقول ربنا سبحانه وتعالى في تحذيرنا من أمثالهم : (( وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ )) ويخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الدعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " إنهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا . ..."

عسى أن نكون قد عرفناهم ولو شئنا لسميناهم ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 866