إشراقات من سورة الأنعام : ثورة إجتماعية

إشراقات من سورة الأنعام :

ثورة إجتماعية

د. فوّاز القاسم / سوريا

وبعث رسول الله [ ص ] بهذا الدين , والمجتمع العربي كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعا للثروة والعدالة . . قلة قليلة تملك المال والتجارة ; وتتعامل بالربا فتضاعف تجارتها ومالها . وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع . . والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة ; وجماهير كثيفة ضائعة من المال والمجد جميعا !

وكان في استطاعة محمد [ ص ] أن يرفعها راية اجتماعية ; وأن يثيرها حربا على طبقة الأشراف ; وأن يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع ورد أموال الأغنياء على الفقراء !

ولو دعا يومها رسول الله [ ص ] هذه الدعوة , لانقسم المجتمع العربي صفين:الكثرة الغالبة فيه مع الدعوة الجديدة , في وجه طغيان المال والشرف . بدلا من أن يقف المجتمع كله صفا في وجه:"لا إله إلا الله" التي لم يرتفع إلى أفقها في ذلك الحين إلا الأفذاذ من الناس .

وربما قيل:إن محمدا [ ص ] كان خليقا بعد أن تستجيب له الكثرة ; وتوليه قيادها ; فيغلب بها القلة ويسلس له مقادها . . أن يستخدم مكانه يومئذ وسلطانه في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه , وفي تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبدهم لسلطانه !

ولكن الله - سبحانه - وهو العليم الحكيم , لم يوجهه هذا التوجيه . .

لقد كان الله - سبحانه - يعلم أن هذا ليس هو الطريق . . كان يعلم أن العدالة الاجتماعية لا بد أن تنبثق في المجتمع من تصور اعتقادي شامل ; يرد الأمر كله لله ; ويقبل عن رضى وعن طواعية ما يقضي به الله من عدالة في التوزيع , ومن تكافل بين الجميع ; ويستقر معه في قلب الآخذ والمأخوذ منه أنه ينفذ نظاما يرضاه الله ;ويرجو على الطاعة فيه الخير والحسنى في الدنيا والآخرة سواء . فلا تمتلى ء قلوب بالطمع , ولا تمتلىء قلوب بالحقد ; ولا تسير الأمور كلها بالسيف والعصا ; وبالتخويف والإرهاب ! ولا تفسد القلوب كلها وتختنق الأرواح ; كما يقع في الأوضاع التي نراها قد قامت على غير:"لا إله إلا الله"..