( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )

من المعلوم أن الله عز وجل يشترط في الذكر الحكيم شروطا بها يصح إيمان المؤمنين ، ومن تلك الشروط شرط طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها من طاعته سبحانه وتعالى مصداقا لقوله عز من قائل : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) . وأمره سبحانه وتعالى بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم قرره من قبل ، وجعله ساريا على كل المرسلين صلواته وسلامه عليهم أجمعين مصداقا لقوله عز من قائل : (( وما أرسنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )) .

ولقد جعل سبحانه وتعالى طاعة رسله الكرام عليهم  جميعا الصلاة والسلام محكا  به يميز أهل  الإيمان من أهل الكفر والنفاق ، وجعلها الفيصل بين الانتماء إلى دائرة الإيمان ، والخروج منها ، ذلك أن من هداه ، وما الهداية إلا من عنده عز وجل إلى طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم سلك الصراط المستقيم ، ومن لم يهد إليها نكب عنه ، وخسر الخسران المبين في العاجل والآجل .

ولقد جاء قول الله عز وجل : (( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )) في سياق الحديث عن المنافقين  الذي يبدأ بقوله تعالى :

 (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّابا رحيما )).

ففي هذه الآيات الكريم بيان من الله عز وجل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا ليطاع لأنه يبلغ عنه سبحانه وتعالى ، وهو أول العابدين وصاحب الخلق العظيم، لهذا جعله سبحانه وتعالى إسوة حسنة للمؤمنين ،الشيء الذي يلزمهم بطاعته ليتحقق إيمانهم . ومع أن مناسبة نزول هذه الآيات الكريمة حسب أهل التفسير هو خصام حصل بين يهودي وأحد المنافقين ،وقد احتكما في شأنه إلى اليهودي كعب بن الأشرف ، وكان يضمر عداوة شديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويؤلب عليه المشركين ، ويقع في أعراض المؤمنات بشعره ،فأمر عليه السلام بقتله لكف شره ، فإن حكمها يسري على كل مؤمن إلى قيام الساعة بحيث يطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به أو ينهى عنه  ، ولا يعدل عن الشرع الذي أوكل بتبليغه إلى غيره من الشرائع سواء السماوية التي جاء بها رسل سابقون وكانت خاصة بأقوامهم أو كانت وضعية من وضع البشر ،وهذه هي التي وصفها الله عز وجل بالطاغوت . والإعراض عن الشرع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن بالنفاق ودال عليه بدليل الصدود عنه الذي يؤكده قوله تعالى : (( رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا )) ، وحري بمن يحرص على صدق إيمانه ألا يسلك مسلك المنافقين بمثل صدهم عما جاء به الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام ، والاحتكام إلى غير الشرع الذي بلغه عن رب العزة جل جلاله وتقدس اسمه .

ومما يفهم  أيضا من أمر الله عز وجل بخصوص طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام هو الرفع من شأنه وقدره العظيم بحيث لا يتحقق إيمان المؤمن إلا بهذه الطاعة.

مناسبة حديث هذه الجمعة هو مواصلة  الحديث عن مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رب العزة جل جلاله بمناسبة حلول  مناسبة ذكرى مولده العطرة لتذكير أهل الإيمان بأن إيمانهم رهين بطاعته صلى الله عليه وسلم ، وفي نفس الوقت تحذيرهم من الصد عن شرعه ، والاحتكام إلى  غيره مما يشرعه الطواغيت من شرائع منحرفة عن شرع الله عز وجل  خصوصا  في هذه العصر الذي يأبى فيه بعض المحسوبين على  الإسلام  والمنتسبين إليه بألسنتهم وقلوبهم تأباه إلا الاحتكام إليها ، وهو حال أهل النفاق زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره الله عز وجل في قوله تعالى : (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به  )) .

والمؤمن الحق من إذا حصل  له أمر  في حياته عرضه على ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى عن ذلك بديلا مهما كان هذا البديل ، وهو بذلك ينأى بإيمانه عما يثلمه . ويتعين على كل مؤمن في هذا الظرف بالذات ، وقد شاع بين الناس تسويق نماذج  الشرائع الطاغوتية بشكل غير مسبوق أن يتحرى طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحصن إيمانه من الوقوع في الاحتكام إليها بحيث يرضاها  منشرح الصدر ، قرير العين بها  .

اللهم إنك أنت الهادي إلى طاعتك وطاعة رسولك عليه الصلاة والسلام ، فاهدنا إليها بإذنك سبحانك ، ونعوذ بك أن نحتكم إلى الطاغوت ، ونشهدك  سبحانك أننا به كافرون ، و أننا بشرعك متمسكون .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

وسوم: العدد 958