دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة

د. فوّاز القاسم / سوريا

مشروعيّة وضرورة الجهاد في سبيل الله (1)

لقد جاء الإسلام العظيم لتحرير البشرية من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد  ولقد كانت رسالته الخالدة بمثابة إعلان عام لتحرير الإنسان من تسلّط الطغاة ، وكان العرب هم رأس الحربة في هذه الثورة الكونية الهائلة ، ولقد فهم العرب دورهم القيادي في هذه الرسالة منذ اللحظة الأولى ، وأدركوا أهمية الدور المنوط بهم فيها ، ولذلك فقد منحوها ومنحوا رسولها كل ما يملكون من وقت وجهد ، واسترخصوا دونها الأنفس والأموال والأولاد والأوطان ، كما فهموا أيضاً من الصفة العالمية لهذه الرسالة الخالدة ، أن من حق البشرية أن تصلها هذه الدعوة الكريمة ، ومن حق الإنسانية أن تسعد بالعيش تحت ظلالها الوارفة ، وأن لا تقف عقبة أو سلطة أو طاغوت في وجه هذه الدعوة الشاملة ، ومن حقها كذلك أن تترك حرّة لتختار هذه العقيدة دون أي عائق ، فإذا أبى فريق من الناس أن يعتنق رسالة الإسلام بعد التوضيح والبيان فهذا شأنه ، ولكن لا يجوز له أن يصد الدعوة عن طريقها ، وعليه أن يعطي من العهود والمواثيق ما يكفل لها الحريّة والاطمئنان ، ويضمن لها المضي في طريقها بلا عدوان .

في حدود هذه المعاني والمباديء السامية كان الجهاد في سبيل الله ، لا لإكراه الآخرين على الدخول في الدين ، فلقد حسم القرآن هذه المسألة منذ البداية فقال : بسم الله الرحمن الرحيم (( لا إكراه في الدين ، قد تبيّن الرشد من الغيّ )) البقرة (256). ولكن للتخلية بينهم وبين هذه العقيدة الخالدة ، بعد تحطيم كل الحواجز ، وإزالة كل العقبات ، وتذليل كل الصعوبات التي تحول بينهم وبينها ، ثم ترك الحريّة لهم بعد ذلك (( فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر )) الكهف (29 ).

وسوف نرى في هذه الدراسة إن شاء الله ، كيف أدار الرسول القائد صلى الله عليه وسلم عملية الجهاد المباركة بأعلى درجات الكفاية والدراية والعبقرية ، فحطّم الطواغيت واقتلع الشرك من جزيرة العرب ، ثم أرسى دعائم أعظم دولة وأرقى نظام في تاريخ البشرية ، ولقد صنع في ربع قرن ، ما يعجز عنه غيره في دهور وقرون. فلما أدّى الأمانة ، وبلّغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وانتقل إلى جوار ربّه في الرفيق الأعلى ، حمل الراية خلفاؤه من بعده ، فكانوا نعم الخلف لنعم السلف ، فما أن نفضوا أيديهم من تراب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى حزبوا أمرهم ، ولملموا شعثهم ، ورصّوا صفوفهم ، وفي مثل لمح البصر سحقوا الرّدة في جزيرة العرب ، وطاردوا فلول المرتدين ، وأعادوا توحيد جزيرتهم العربية على قاعدة الإيمان الراسخة ، ثم خرجت جحافلهم المظفّرة فانساحت شرقاً حتى وطئت بحوافر خيلها تربة الصين ، وغرباً حتى خاضت في مياه الأطلسي .!!! 

وإني والله ، لأرى بأن إرث النبوّة الخالد في الجهاد والاستشهاد ونصرة الحق ودحر الباطل ، قد وصل إليكم يا أسود التوحيد والجهاد في سورية ، ويا أبطال الجيش السوري الحرّ النشامى ...

وأيم الله ، إنه لشرف العمر ، ومفخرة الدهر ، أن تفوزوا أنتم بشرف تحرير أهلكم في شام العروبة والإسلام من العصابة الأسدية المجرمة التي اختطفتهم منذ أكثر من نصف قرن ، وسامتهم جميع أنواع القتل والتهجير والاعتقال والعبودية والإذلال ...

فنظّموا كتائبكم أيها الرجال الأبطال  ، ورصّوا صفوفكم ، واستعينوا بعد الله بشعبكم

وازحفوا إليهم باسم الله ، وعلى بركة الله ... وإنكم لمنتصرون بإذن الله ...

وأتشرّف وأنا أحد المحاربين السوريين القدماء أن أضع خبرتي بين أيديكم ، وأن أضيف تجربتي إلى شجاعتكم ، عسى الله أن يكتب لنا شرف المشاركة في هذه الثورة المباركة ، وشرف صناعة نصرها الأكيد بإذن الله ...

بسم الله الرحمن الرحيم :

((أُذِنَ للذين يُقَاتَلون بأنّهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير )) الحج 39

((وكان حقّاً علينا نصرُ المؤمنين )) صدق الله العظيم .