التذكير بأيام الله بين أهل التذكر وبين أهل البدع الضالة

مما أمر به الله عز وجل رسوله الكريم في محكم التنزيل قوله عز من قائل : (( وذكرهم بأيام الله ))  أي بنعمه عليهم فيها . ففي هذه الآية الكريم ما يدل على أن الله تعالى خالق كل شيء له في دهره أيام رفع من قدرها مع أنه لكل يوم يمربالناس يكون  فيه للمولى جل جلاله شأن عظيم وتدبير حكيم .

 ومن أيام الله تعالى ذات الشأن العظيم التي  يجب على المؤمنين تذكرها لعظمة شأنها  عنده أيام الأشهر الحرم التي نهى سبحانه وتعالى فيها عن الظلم والتظالم ،وقد  تعبّد في بعض أيامها  عباده بعبادات منها عباد الحج التي تكون في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة ،والتي أقسم بها في فاتحة سورة الفجر. ومن غير أيام الأشهر الحرم أيام شهر رمضان التي تعبد فيه العباد بعبادة الصيام، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أجرا وثوابا .

ولله تعالى أيام أخر ورد ذكرها في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منها يوم عاشوراء ، وهو يوم كان أهل الكتاب من يهود ممن كانوا في المدينة المنورة يصومونه ، فسأل عليه السلام عن سر صيامه ، فأخبر بأنه اليوم الذي نجّى فيه الله تعالى رسوله موسى عليه السلام من فرعون ، فقال قولته المشهورة : " نحن أولى بموسى " أي نحن أولى بأن نتذكر هذا اليوم ، وأن نصومه شكرا لله تعالى على إحقاقه الحق وإبطال الباطل ثم وعد بصيام التاسع من شهر محرم الحرام  إن أحياه الله تعالى العام المقبل . وقوله عليه الصلاة والسلام : " نحن أولى بموسى " يرتكز على أمر عقدي هو كون الدين الذي جاء به موسى عليه السلام وكل الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنما هو دين الإسلام الذي  ليس مرده الانتماء إليه عرق أو جنس بل هو الدين عند الله عز وجل الذي لا يقبل غيره عنده من لدن آدم عليه السلام إلى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . ولهذا تعتبر نجاة نبي الله موسى عليه السلام من فرعون شأنا إسلاميا يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعني كل المسلمين الذين أمرهم عليه الصلاة والسلام بتذكره تذكر شكر لله تعالى على نصرة دينه على ملة  الكفر والشرك، وذلك بصيامه كما صامه موسى عليه السلام من قبل .

و معلوم أن المسلمين ليتذكرون كل الأيام التي نصر فيها الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم دون أن يؤمروا بصيامها بما في ذلك يوم هجرته ، وقد نجّاه الله تعالى من كفار قريش، وكلها أيام نصر فيها  سبحانه وتعالى دينه وأعزه  ، وهو انتصار للحق على الباطل . ولقد كان لكل رسول أو نبي يوم نصره فيه الله تعالى على أعدائه من كفار ومشركين وطغاة مجرمين ، ولو علم المسلمون على وجه اليقين تلك الأيام لشكروا الله تعالى عليها كشكرهم له على  يوم نجّى فيه  موسى عليه السلام من عدوه  فرعون ، وتبقى الدلالة الرمزية دائما لكل تلك الأيام هي انتصار الحق على الباطل ، وهو مما يوجب شكر الناصر سبحانه وتعالى .

ويوم عاشوراء وهو من أيام الله عز وجل التي أمر رسوله بالتذكير بها لما ترمز إليه من انتصار الحق على الباطل للمسلمين في تذكره مذاهب بعضها تحكم قناعات  منحرفة عن القصد وعن التذكر المطلوب منهم .

 ومن هؤلاء  بعض مسلمي السنة  الذين يبتدعون في الاحتفال بهذا اليوم العظيم بدعا ما أنزل الله بها من سلطان ، وأخطر تلك البدع تعاطي السحر فيه  ، وهو كبيرة من الكبائر، وباطل  أبطله الله تعالى وحرمه الله  ، وهم بذلك يفترون عليه  الكذب ، ويزعمون أن ما يأتونه فيه من سحر وشعوذة  يمكنه أن يحقق لهم من الخير  ما لا يملك أمره إلا هو سبحانه وتعالى بل  أكثر يجعلون شعوذتهم فيه من أجل إلحاق الأذى بغيرهم ، فضلا عما يكون لهم  فيه من عبث عابث لا طائل من وراء سرده هنا  وقد أمروا بالتذكر فيه ، واستحضار ما حدث فيه من انتصار الإسلام على الكفر والشكر ، ومن إحقاق الحق وإبطال الباطل . وهؤلاء بالطل ما يصنعون في يوم عاشوراء ،ودين الله عز وجل منه براء .

وأما الشيعة منهم فلبعضهم مع يوم عاشوراء شأن آخر حيث يتخذون منهم يوم مناحة وحزن على مقتل سبط  النبي صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي رضي الله  عنهما  ،وهو خروج منهم عن القصد من التذكر المطلوب منهم إذ  لا صلة ولا رابط بين نجاة نبي موسى عليه السلام من عدوه وبين استشهاد الحسين رضي الله عنه ، وشتان بين المناسبتين ،فهذه فيها ابتهاج وشكر لله تعالى على نعمة  ، وتلك فيها حزن ومناحة  على مصيبة .

ويجعل الشيعة من هذه المناسبة فرصة لتجديد الحقد  على أهل السنة وتأجيجه ، وذلك من خلال تعمد الانحراف بابتهاجهم بنجاة نبي الله موسى من فرعون ، زاعمين  أنهم يشمتون بذلك في استشهاد سبط النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو افتراء عليهم  وباطل متعمد لأنه لا أحد من أهل السنة يمكنه أن يبتهج بمقتل سبط النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من هو محبة في قلوبهم ، ولئن صح ـ وهو لا يصح أبدا ـ أن يوجد من يفعل ذلك ، ومن يفعل فهو إذن من المغضوب عليهم عند الله عز وجل . وهذا الأمر مما يعمق الخلاف العقدي بين الشيعة وأهل السنة ، ويزيد المسلمين فرقة وشتاتا ، ويعطي أعداء الإسلام فرصا سانحة لقدح شرارة الخلاف والنزاع بينهم  للنيل من هؤلاء وهؤلاء .

ومما يأتيه بعض الشيعة من البدع الضالة يوم عاشوراء أفعالا في مناحتهم لا يقرها دين الله عز وجل من قبيل  رفع العقيرة بالنواح، وشق الجيوب  ، ولطم الخدود والصدور ، وجلد الأجساد بالسياط ، وإدمائها بالمدى  ، وهي أفعال تحاكي ما يفعله بعض سفهاء السنة  عندنا  في يوم   عاشوراء مما أشرنا إليه أعلاه ،وليست أفعال هؤلاء ولا أفعال أولئك من تذكر أيام الله عز وجل في شيء بل هي خروج وشرود عنه لا يقبله سبحانه وتعالى .

 وأخيرا نقول  إنه لمؤسف جدا أن يكون اليوم واحدا ، وتكون المناسبة واحدة بينما التذكر مختلف بين شكر البعض الله تعالى اقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم على نجاة نبيه موسى عليه السلام من فرعون ، وبين إتيان السحر والشعوذة فيه عند بعض أهل السنة من الجهال  ، والمناحة عند الشيعة  ، وكلهم سيلقون ربهم ، وينالون جزاءهم بما كسبت أيديهم ، وما الله بظلام للعبيد .

وسوم: العدد 992