زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوالعاص بن ربيع رضي الله عنه

في القصص فوائد وعبر يستشفها القارئون وهم يعيشون أحداث القصة من بدايتها إلى خاتمتها . والقصص الاجتماعية قريبة من واقع الناس ربما أكثر من غيرها . لأنها تحاكي الواقع بتفاصيل حوادثها ونتائجها . وتبعث في النفس المتعة أحيانا والشفقة والألم في أحيان أخرى ، فنرى القارئ يتفاعل مع أحداث القصة ، وربما غيَّرت شيئا من عاداته ومجرى حياته . والقصص الجادة تمنح القارئ مساحة واسعة للاطلاع على ماتملكه الشعوب من ثقافة إضافة إلى الخبرة والمعرفة بشؤون الحياة . وتؤثر في طريقة المعاملات اليومية ، إضافة إلى أثرها في عقائد الناس وأفكارهم بل وفي آدابهم وتوسيع مداركهم . ولا تخفى بقية فوائد القصص على رواد الأدب والثقافات فهم أساتذتها وأهل مداراتها . ولقد قرأت قصة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لها الأثر البالغ ولا عجب ، فهى إحدى صفحات السيرة المباركة .

وتبدأ القصة من بداية زواج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن خالتها أبو العاص بن ربيع رضي الله عنه حافلة بالكثير من المواقف المؤثرة ، وجاء طلب زواجها من العاص ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا أفعل حتى أستأذنها ، ودخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب رضي الله عنها وقال لها : ابن خالتك أبوالعاص بن ربيع وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجا لـك ؟ فاحمر وجهها وابتسمت ، ولم تنبس بكلمة . وكانت الموافقة في زواجها من ابن خالتها ، وحيث بدأت حياتهما الزوجية على المودة الصادقة ، والسعادة المنزلية التي تتمناها كل امرأة وكل زوج . وأنجبت منه ( عليًّا وأُمامة ) . ويذهب الزوج للتجارة ، وفي فترة غيابه بعث الله أباها نبيا ورسةلا إلى الناس كافة ، وأسلمت ابنته زينب مع مَن أسلم في بداية الدعوة ، ولم يعلم العاص حتى الآن ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بإسلام زوجته .وحين عاد وجد زوجته أسلمت. فدخل عليها من سفره، فقالت له: عندي لك خبرعظيم . فقام وتركها. فاندهشت زينب وتبعته وهي تقول: لقد بعث الله أبي نبياً وأنا أسلمت. فقال: هلا أخبرتني أولاً ؟ وتطل في الأفق مشكلة خطيرة بينهما. مشكلة عقيدة.. قالت له: ما كنت لأُكذِّب أبي. وما كان أبي كذاباً. إنّه الصادق الأمين. ولست وحدي. لقد أسلمت أمي وأسلم إخوتي، وأسلم ابن عمي (علي بن أبي طالب)، وأسلم ابن عمتك (عثمان بن عفان). وأسلم صديقك (أبو بكر الصديق). فقال: أما أنا لا أحب الناس أن يقولوا خذّل قومه. وكفر بآبائه إرضاءً لزوجته. وما أباك بمتهم .ثم قال لها: فهلا عذرت وقدّرت؟ فقالت: ومن يعذر إنْ لم أعذر أنا؟ ولكن أنا زوجتك أعينك على الحق حتى تقدر عليه. وكان الفراق بينهم لأن المسلمة لاتحل لكافر ، ومع ذلك فقد وفَّت زينبُ رضي الله عنها بكلمتها، وبقيت ولم تتزوج رغم كثرة من طلبوا من نبيِّهم الزواج منها رضي الله عنها .

ثم جاءت الهجرة، فذهبت زينب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله..أتأذن لي أنْ أبقى مع زوجي .فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ابق مع زوجك وأولادك.وظلت بمكة إلى أنْ حدثت غزوة بدر، وقرّر أبو العاص أن يخرج للحرب في صفوف جيش قريش. زوجها يحارب أباها. وكانت زينب تخاف هذه اللحظة. فتبكي وتقول: اللهم إنّي أخشى من يوم تشرق شمسه فييتم ولدي أو أفقد أبي ، ويخرج أبو العاص بن الربيع ويشارك في غزوة بدر، وتنتهي المعركة فيُؤْسَر زوجها ابن الربيع، وتذهب أخباره لمكة، فتسأل زينب: وماذا فعل أبي؟ فقيل لها: انتصر المسلمون. فتسجد شكراً لله. ثم سألت: وماذا فعل زوجي؟ فقالوا: أسره حموه. فقالت: أرسل في فداء زوجي. ولم يكن لديها شيئاً ثميناً تفتدي به زوجها، فخلعت عقد أمها خديجة رضي الله عنها الذي كانت تُزيِّن به صدرها، وأرسلت العقد مع شقيق أبي العاص بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان النبي جالساً يتلقى الفدية من الأسرى، وحين رأى عقد السيدة خديجة سأل: هذا فداء مَن؟ قالوا: هذا فداء أبو العاص بن الربيع. فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا عقد خديجة. ثم نهض وقال : أيها الناس إنَّ هذا الرجل ما ذممناه صهراً فهلا فككت أسره؟ وهلا قبلتم أنْ تردوا إليها عقدها؟ فقالوا: نعم يا رسول الله.فأعطاه النبي العقد، ثم قال له: قل لزينب لا تفرطي في عقد خديجة.ثم قال له: يا أبا العاص هل لك أن أساررك؟ ثم تنحى به جانباً وقال له: يا أبا العاص إنّ الله أمرني أنْ أُفرِّقَ بين مسلمة وكافر، فهلا رددت إلى ابنتي؟ فقال: نعم. وخرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة ، فقال لها حين رآها: إنّي راحل. فقالت: إلى أين؟ قال: لست أنا الذي سيرتحل، ولكن أنت سترحلين إلى أبيك. فقال: لم؟ قال: للتفريق بيني وبينك. فارجعي إلى أبيك.فقالت: فهل لك أن ترافقني وتُسْلِم؟ فقال: لا.فأخذت ولدها وابنتها وذهبت إلى المدينة. وبدأ الخطاب يتقدمون لخطبتها على مدى 6 سنوات، وكانت ترفض على أمل أنْ يعود إليها زوجها. وبعد 6 سنوات كان أبو العاص قد خرج بقافلة من مكة إلى الشام، وأثناء سيره يلتقي مجموعة من الصحابة. فسأل على بيت زينب وطرق بابها قبيل آذان الفجر، فسألته حين رأته: أجئت مسلماً؟ قال: بل جئت هارباً. فقالت: فهل لك إلى أنْ تُسلم؟ فقال: لا. قالت: فلا تخف. مرحباً بابن الخالة. مرحباً بأبي علي وأمامة. وبعد أن أمّ النبي المسلمين في صلاة الفجر، إذا بصوت يأتي من آخر المسجد: قد أجرتُ أباالعاص بن الربيع. فقال النبي: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم يا رسول الله قالت زينب: يا رسول الله إنّ أبا العاص إن بعُد فابن الخالة وإنْ قرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله. وقف النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: يا أيها الناس إنّ هذا الرجل ما ذممته صهراً... وإنّ هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفّى لي. فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله وأن تتركوه يعود إلى بلده، فهذا أحب إلي. وإنُ أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه.فقال الناس: بل نرد إليه ماله يا رسول الله.فقال النبي:صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا زينب. ثم ذهب إليها عند بيتها وقال لها: يا زينب أكرمي مثواه فإنّه ابن خالتك وإنّه أبو العيال، ولكن لا يقربنك، فإنّه لا يحل لك. فقالت : نعم يا رسول الله. فدخلت وقالت لأبي العاص بن الربيع: يا أبا العاص أهان عليك فراقنا. هل لك إلى أنْ تُسْلم وتبقى معنا. قال: لا. وأخذ ماله وعاد إلى مكة. وعند وصوله إلى مكة وقف وقال: أيها الناس هذه أموالكم هل بقى لكم شيء؟ فقالوا: لا وفيت أحسن الوفاء. قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم دخل المدينة فجراً وتوجه إلى النبي وقال: يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وقال أبو العاص بن الربيع: يا رسول الله هل تأذن لي أنْ أراجع زينب؟ فأخذه النبي وقال: تعال معي.ووقف على بيت زينب وطرق الباب وقال: يا زينب إنّ ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أنْ يراجعك فهل تقبلين؟ فأحمرّ وجهها وابتسمت. والغريب أنّه بعد سنه من هذه الواقعة ماتت زينب فبكاها بكاء شديداً حتى رأى الناس رسول الله يمسح عليه ويهون عليه، فيقول له : والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب. ومات بعد سنه من موت زينب..رضي الله عنهما .

وسوم: العدد 1041