القول في وصف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهيد

وما زال السؤال يتردد على بريدي وأتجاهله، وأزعم أن الظرف ليس ظرف هذا..

وآخرما وصلني من أخ وصديق وزميل عمر هذه الرسالة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخي الكريم أبا الطيب .

سالت إحداهن السؤال التالي :

( لفت انتباه وتساؤل

في كل كلمة لابي عبيدة عندما يصلي على النبي صلوات الله عليه يقول..نبينا الشهيد .من هو نبيه الشهيد فالرسول محمد لم يستشهد. )

واعتبرتْ أن وصف الرسول بالشهيد من أقول ومنهج الشيعة .؟؟

ووجدت أن لا بد من جواب فالشبهة إذا شاعت استوجبت!!

فأجبت:

حياكم الله وبارك فيكم وفي الأخت السائلة التي لاحظت هذه الملاحظة الدقيقة.. وقد كنت لاحظتها منذ سمعتها أول مرة، وسبق إلى عقلي وقلبي ما سبق إلى عقلها وقلبها.. ولكنني آثرت أن أسبق إلى البحث والتدقيق.. فلا يعجل الإنسان إلى الانكار في أمر قد يكون للمتلبس به بعض تأويل.

وفي القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)

فوصفه بأنه شاهد، ولم يصفه بأنه شهيد، بالمعنى الاصطلاحي للشهادة بأنها القتل في سبيل الله، أو بأحد ملحقات المصطلح.

فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الشهيد فيكم؟ فقالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله، فهو شهيد، فقال: إن شهداء أمتي إذا لقليل، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، قال ابن مقسم: أشهد على أبيك أنه قال: والغريق شهيد.

ابن مقسم هو أحد رواة: الحديث.

وهذا الحديث، يفتح باب الوصف بالشهادة لتعم أصنافا من الخلق، هم من ذكر.

ولعل أكثر العنوان قبولا للسعة قوله: ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ويدخل فيه من مات دون نفس أو عرض أو مال أو حق من الحقوق.

وكان عمر رضي الله عنه يكثر من الدعاء "اللهم شهادةً في سبيلك وفي مدينة رسولك"

ومن الشهداء شهيد الكلمة الذين جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف الأول من الشهداء.

غير أن جمهرة من علماء الإسلام وجدوا أن وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإحدى الصور التي ألحق الوصف به الملحقون، يتناقض مع قول الله تعالى (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فدلالة الآية أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل لرسوله العصمة من أن تناله أيدي الناس - كل الناس- بالقتل..

ومن هنا أنجاه الله من محاولات الاغتيال في مواطن عديدة.. منها وأذكرها بتفصيل ودون حصر..

منها يوم مكرت به قريش لتقتله قبيل الهجرة (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)

ومنها ما حصل في إحدى الغزوات، يوم قالَ الرسول صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة، - قال: بمعنى نام القيلولة- واستقيظ وأحد المشركين يقعد على صدره الشريف، ويسل سيفه، ويسأله: من يعصمك مني؟؟ ويجيب الرسول الكريم واثقا: الله. ويعصمه الله منه، ويخرج من هذه المحاولة سالما..

ومن محاولات الاغتيال التي تعرض لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ما حدث يوم خرج إلى يهود بني النضير في حُمالة، ووعدوه خيرا، فجلس في ظل جدار ينتظرهم، فتآمروا أن يخرج أحدهم بصخرة عظيمة إلى السطح، فيليقها فوق رأسه، وجاءه جبريل وأخبره بالمؤامرة، فقام الرسول الكريم من فوره، وغادر .. وعصمه الله من الناس..

ومن تلك المحاولات التي يذكرها أهل العلم : الأكلة التي أكلها الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة امرأة يهودية يوم خيبر!! فقد سممت المرأة اليهودية الشاة وقدمتها للرسول الكريم وبعض صحبه. وقد أكثرت من السم في ذراع الشاة، بعد أن علمت أن رسول الله يفضل من الشاة ذراعَها..

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة. وأمسك عن الطعام. وعصمه الله تعالى من الناس، حسب الوعد الرباني.

ومن كل هذا ينفي الأكثرون من علماء المسلمين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا. أو يوصف بأنه شهيد..

وتعلق آحاد منهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث "ما زالت بي أكلة خيبر حتى قطعت أبهري"

كانت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أكلة خيبر بثلاث سنوات..

والحديث في كتب السيرة، وفي معلقات البخاري، وقد صحح بعض المصححين روايته. وقد رووا عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:

وروى ابن سعد بسند صحيح ، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : "لأن أحلف تسعا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة ، وذلك أن الله اتخذه نبيا ، وجعله شهيدا"

وهذا القول إن صحت نسبته إلى سيدنا ابن مسعود، فهو دليل على الخُلف بين الجيل الأول حول هذه الدعوى. والقضية مثارة في مظانها في كتب السيرة والفقه والتفسير ..

غير أن…

وافتح قلبك لما سأذكره بعد غير أن…

غير أن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون، والذين حشوا كتب التراث الاسلامي التاريخ والسير والتراجم والأخبار بالكذب والإفك والزور… زعموا في بعض ما افتروه، وهو أكثر من أن يحاط به:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات شهيدا مسموما، وأن اللتين سممتاه هما زوجتاه من أمهات المؤمنين: عائشة وحفصة، بالتآمر مع أبويهما أبي بكر وعمر. رضي الله عن أبي بكر وعمر وابنتيهما أمهات المؤمنين.

ويضيف الرافضة إلى ذلك من الأكاذيب ما يضيفون. وهم أي الرافضة قاتلهم الله يزعمون لكل أئمتهم الذين لم يقتلوا في حرب أنهم ماتوا مسمومين. وكأن الموت لم يكتب عليهم!!

إن التعلق بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهيد، في هذا الظرف المختلط الحرج تفوته الحكمة، وتفوح منه روائح ذكية غير محببة.

وإن أهل غزة جميع أهل غزة هم أهلنا…

وستبقى فلسطين وغزة والقدس والأقصى مسلمة سنية عمرية بإذن الله..

وأقول لكل الإخوة والأخوات الذين رابهم الوصف، إن في الأمر سعة، وفي الإعراض عن الجاهلين خير كبير إن شاء الله

اشتغلوا على الأهم والأكبر اللهم انصر أهلنا المستضعفين في غزة وفي فلسطين وفي الشام وفوق كل أرض وتحت كل سماء.

ما ذا أوان تفلية القمل أيها الناس.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1058