(لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ)

قال أهل التفسير: وقت يتحقق فيه وعده ووعيده.

وقالوا: تتكشف فيه حقيقته وتعرف أبعاده. وعلى القول الثاني أبني:

هلموا لا نروج نبأ لا نعرف أفي ميزان الخير يقع أو في ميزان الشر. أمن أمر الأمن هو أو من أمر الخوف...

السموم الضارة تحدث أثرها ولو لم نعِ تركيبها أو ألية أذاها..وسمت العرب المتحدث بكل ما سمع "حاطب ليل" وقالوا ربما زم الأفعى على ظهره في حزمة الحطب، أو ضمة العشب..

العامة تقول: الجاهل يفرح بعزاء أهله. وتراه يروج خبرا يفرح أعداء غايته وأمته بترويجه، ثم يزعم أنه..

الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ماسمع..

والعرب قالت: زعموا مطية الكذب.

تنبيه مهم: ما أشير إليه هنا ليس مصداقية الخبر فقط، بل دلالته، أعني فإن الخبر قد يكون حقيقة وصادقا ولكن مؤداه أنه يفت في عضد الأمة، أو يفرق جمعها، أو يشيع الفساد بين ظهرانيها..

حين نتحدث عن مظاهر الخلل ونشيعها عند الذين لا يقدرون على لجمها، ووضع حد لها، فلعلنا ندخل تحت عنوان (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) يقول المتردد في معصيته، إذا كان فلان وفلان وفلان يرتكبون .. فمن أنا؟؟ وأمري أقل، فيتجرأ على ما هو متردد فيه.

واعتبر علماؤنا: نشر المعروف من المعروف. نشر المعروف يجمل وحه الأمة الجميل المعروف..

وأعود إلى عالم السياسة: لعلنا لا ننشر خبرا لا نعرف مستقره. أهو في خيرنا أو في شرنا. وإن يكن من الثانية فنحن قد اخترنا أن نكون سعاة عند عدونا.

وإذا جاءني الخبر لا أعرف مستقره، وأردت أن أتحقق فأستشير فيه من أظن فيه الخير من أهل الخير، أو أنقله إليه على وجه الإعلام، ولا أعمم نشره وأزعم أنني إنما نشرته تحذيرا!! ذلك تفسير (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أولو الأمر منا أولو العلم المبصرون الذين تمتلئ قلوبهم بالشفقة على أحوال المسلمين...

لا تنقل كل ما تسمع. واحذر مقولة "انشر تؤجر" فكثيرا من السموم قد غلفت بطبقة رقيقة من السكر.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1063